وجهان للحب!

-اتفقنا.. بس لو عجبتك، هنكرر القعدة دي كتير.
ضحكت بتمنع ثم رفعت كتفيها بلا مبالاة:
-اما نشوف بقى، وريني عبقريتك في الطلبات.
ابتسم يزن بثقة وهو يهمس للنادل بطلبه، بينما تنظر روز إليه بتسلية، متسائلة عن المشروب الذي اختاره، دقائق معدودة مرت قبل أن يضع النادل أمامها كوبًا من الكاكاو الساخن، مرسوم على سطحه قلب صغير من الرغوة.
فرفعت حاجبها وهي تنظر إلى المشروب ثم إليه بمكر:
-في الاخر جايب كاكاو؟
رد بنبرة صبيانية غامزًا اياها بطرف عينيه بينما يحرك ملعقته في قهوته:
-اه.. بس فيه قلب.
ضحكت رغمًا عنها، ثم هزت رأسها في استسلام، بينما ينظر إليها يزن بابتسامة راضية.. لقد كسب الجولة الأولى.
*****
بعد بضع أيام، كان “يزن” يباشر عمله في القناة كالعادة، ولكنه كان شارد الذهن، فـ فيروز أصبحت تتحاشاه تمامًا منذ الصدام الذي حدث بينهما حتى أصبح لا يراها تقريبًا رغم أنهما يعملان في نفس القناة!
تنهد وهو ينظر للوشاح الموضوع امامه على المكتب والذي اشتراه بالأمس لها، قبل أن يحسم حيرته وينهض مقررًا التوجه نحو فيروز، وفي ذلك الوقت كانت فيروز جالسة بجوار النافذة، شاردة تحدق في اللاشيء بينما عقلها يسبح بعيدًا..
قطع شرودها دوى صوت طرق خفيف على باب مكتبها، انتفضت قليلًا، ثم أغمضت عينيها وهي تسأل بصوت منخفض متحفظ:
-مين؟
-أنا.
فتحت عينيها ببطء، وشعرت بذبذبات من التوتر تعيث بقلبها فسادًا حين سمعت صوته، ابتلعت ريقها وبثت الشجاعة والثبات في نفسها وهي تقول:
-ادخل.
انفتح الباب ببطء، وظهر يزن في الإطار، يحمل كيسًا صغيرًا، ووجهه لا يحمل الجدية المعتادة، بدا كأنه يحاول أن يبدو هادئًا، لكنه لم ينجح تمامًا، دخل بخطوات بطيئة، ثم وقف أمامها مباشرةً، ينظر إليها كأنه ينتظر منها أن تبادر بالكلام ولكنها قابلته بالصمت، فتنهد، ثم
-انا جبتلك حاجة.
نظرت إليه بتوجس، ثم نظرت إلى الكيس، ثم إليه مرة أخرى وسألته:
-حاجة إيه؟
-افتحي وشوفي.
لم تأخذ الكيس منه فورًا، بل تأملته لحظة، قبل أن تمد يدها بتردد وتتناوله منه، فتحته بحذر، وعندما سحبت محتواه، شعرت بملمس ناعم يتخلل أصابعها، كان وشاحًا حريريًا بلون الشفق، لامعًا بنعومة مدهشة، بلون بين الأحمر والبرتقالي، كأنه غروب هادئ.
تأملته بصمت للحظات، قبل أن ترفع عينيها إليه مترددة تسأله برقة تليق بها:
-دا ليا؟
-لأ، دا ليا أنا بس قولت اشوف هتبقي كريمة وتديهوني تاني لو عجبك ولا لا.
قالها بابتسامة جانبية مشاكسة.
فحاولت أن تبقى متماسكة، لكنها لم تستطع منع نفسها من الابتسام، رغم أنها أخفت ابتسامتها سريعًا وهي تعيد النظر للوشاح، ثم خرج صوتها خافتًا وهي تعيد سؤاله:
-طب ليه اللون دا بالذات؟
قال ببساطة عاكست نظراته التي كانت عميقة تسبر اغوارها:
-عجبني وحسيته هيكون لايق عليكي.
رفعت حاجبها:
-لايق عليا؟!
تشدق بنبرة رجولية هادئة متخضبة بمشاعره الجارفة نحوها:
-ايوه هو لونه هادي ودافي كدا، زيك.
شعرت بحرارة ترتفع إلى وجنتيها، فخفضت رأسها مجددًا بخجل تتظاهر بأنها منشغلة بتمرير أصابعها فوق القماش الناعم.
راقبها للحظات، قبل أن يتنحنح متسائلًا:
-انتي لسه زعلانة؟
رفعت كتفيها بخفة، لا تعرف بماذا تجيبه..
فأضاف بصوتٍ رزين:
-انا اسف، انا ساعتها كنت متلخبط ومصدوم ماكنتش متوقع إنك تعملي كدا، بس بعدين استوعبت اني غلطان وانه مجرد تشابه في الشكل بس، لكن الشخصية مختلفة تمامًا.
رفعت عينيها إليه بطرفها، ثم قالت بصوت هادئ:
-هو دا كان اعتذار؟
-دا اخري في الاعتذار.
زمت شفتيها، كأنها تحاول أن تبدو جادة، ثم تحدثت مصطنعة الغرور:
-طيب، مقبولة منك.
ابتسم، كأنه ارتاح أخيرًا، ثم ضرب كفيه ببعض بحماس مصطنع:
-طب حيث كدا بقى نفتح صفحة جديدة مع بعض ولا إيه؟
استفسرت:
-صفحة جديدة ازاي يعني؟
-يعني نبقى صحاب يا فيروز.
ارتبكت قليلًا، تنقلت عيناها بينه وبين الوشاح في يدها وهي تردد بشيء من الاستنكار:
-صحاب!
عمل على اقناعها بكلماته التي حملت قدرًا كبيرًا من المنطق:
-اصل احنا شغالين في مكان واحد وانا كدا كدا في وشك كل يوم فمينفعش نعمل كأننا مش عارفين بعض.
رمقته بنظرة جانبية، قبل أن تقول بخفوت:
-تمام.
مد يده إليها فجأة، وكأنه يريد تأكيد الصفقة، متسائلًا بلهجة شقية:
-صافي يا لبن؟
نظرت إلى يده للحظة، قبل أن تمد يدها بتردد وتصافحه وهي تضحك، فحثها بنفس الشقاوة:
-لا ردي عليا.
غمغمت بخجل:
-حليب يا قشطه.
ظل ممسكًا بيدها للحظة أطول من المعتاد، قبل أن تلاحظ ذلك بسرعة وتسحب يدها في ارتباك، تعيدها إلى حجرها وهي تبلع ريقها بتوتر.
راقبها وهو يبتسم، ثم أشار برأسه نحو الوشاح:
-طب مش هتجربيه؟
نظرت إليه، ثم إلى الوشاح في يدها، ثم عضت شفتها بتردد، أخذت نفسًا عميقًا، ثم رفعته ببطء ولفته حول عنقها.
فراقبها بتمعن، قبل أن يقول ببحة خافتة دافئة إثر ذوبان العاطفة التي انصهرت بين ضلوعه:
-بصراحة تحفة، لوحة فنية.
ضحكت بخجل، ثم قالت بتوتر وهي تلمس طرف الوشاح:
-شكرًا على المجاملة اللطيفة دي.
-لا دي مش مجاملة دي حقيقة، دا انا حتى كنت لسه هقولك إن ناقص بس موسيقى تصوبرية وتبقي خارجة من مشهد سينمائي.
-بس بقى هشيله على فكرة.
قالتها وهي تهم بخلعه.
فسارع بالتحدث بلهفة ممازحة:
-لا خلاص خلاص سيبيه، مينفعش تبوظي المشهد في الاخر.
هزت رأسها وهي تضحك، قبل أن تقول وهي تخفض صوتها قليلًا:
-اتفقنا.. بس لو عجبتك، هنكرر القعدة دي كتير. ضحكت بتمنع ثم رفعت كتفيها بلا مبالاة: -اما نشوف بقى، وريني عبقريتك في الطلبات. ابتسم يزن بثقة وهو يهمس للنادل بطلبه، بينما تنظر روز إليه بتسلية، متسائلة عن المشروب الذي اختاره، دقائق معدودة مرت قبل أن يضع النادل أمامها كوبًا من الكاكاو الساخن، مرسوم على سطحه قلب صغير من الرغوة. فرفعت حاجبها وهي تنظر إلى المشروب ثم إليه بمكر: -في الاخر جايب كاكاو؟ رد بنبرة صبيانية غامزًا اياها بطرف عينيه بينما يحرك ملعقته في قهوته: -اه.. بس فيه قلب. ضحكت رغمًا عنها، ثم هزت رأسها في استسلام، بينما ينظر إليها يزن بابتسامة راضية.. لقد كسب الجولة الأولى. ***** بعد بضع أيام، كان “يزن” يباشر عمله في القناة كالعادة، ولكنه كان شارد الذهن، فـ فيروز أصبحت تتحاشاه تمامًا منذ الصدام الذي حدث بينهما حتى أصبح لا يراها تقريبًا رغم أنهما يعملان في نفس القناة! تنهد وهو ينظر للوشاح الموضوع امامه على المكتب والذي اشتراه بالأمس لها، قبل أن يحسم حيرته وينهض مقررًا التوجه نحو فيروز، وفي ذلك الوقت كانت فيروز جالسة بجوار النافذة، شاردة تحدق في اللاشيء بينما عقلها يسبح بعيدًا.. قطع شرودها دوى صوت طرق خفيف على باب مكتبها، انتفضت قليلًا، ثم أغمضت عينيها وهي تسأل بصوت منخفض متحفظ: -مين؟ -أنا. فتحت عينيها ببطء، وشعرت بذبذبات من التوتر تعيث بقلبها فسادًا حين سمعت صوته، ابتلعت ريقها وبثت الشجاعة والثبات في نفسها وهي تقول: -ادخل. انفتح الباب ببطء، وظهر يزن في الإطار، يحمل كيسًا صغيرًا، ووجهه لا يحمل الجدية المعتادة، بدا كأنه يحاول أن يبدو هادئًا، لكنه لم ينجح تمامًا، دخل بخطوات بطيئة، ثم وقف أمامها مباشرةً، ينظر إليها كأنه ينتظر منها أن تبادر بالكلام ولكنها قابلته بالصمت، فتنهد، ثم