سن رُفيّع  

سن رُفيّع   
سن رُفيّع  
وقفت إيمان في غرفة والدها امام دولاب الملابس وهي تبحث بين طيات الملابس ببعض العصبية عن شيء .. وعلي الفراش داخل الغرفة ذات الأثاث الفقير كانت تجلس سميرة والدتها التي تخطت الاربعين من عمرها والتي تغذي الفقر والمرض والعمر ايضا علي جسدها النحيل .. كانت ايمان التي تجاوزت العشرين بأيام قليلة هي الابنة الكبرى لسميرة وزوجها ابراهيم .. كان لها اربعة اشقاء بخلافها .. ولد واحد وثلاثة فتيات .. ظلت ايمان تقلب بين الملابس القليلة الموجودة داخل دولاب الملابس وقد بدا عليها اليأس وهي تمسك بيدها الاخرى زجاجة صغيرة من الدواء .. نظرت سميره الى ايمان بهدوء وتكلمت بلامبالاة معتادة منها _خلاص يا ايمان ادهانى بالسرنجه بتاعه امبارح .. انا شايلاها مرمتهاش قالت إيمان بحزم وهي تحاول كبح ضيقها _ مينفعش .. انا هانزل اجيبلك سرنجة لم تنتظر ايمان ردا من والدتها وانطلقت الي غرفتها ترتدي ملابسها وتأخذ بعض النقود التي تذخرها لنفسها ثم خرجت مسرعة لتشتري سرنجة جديدة .. كانت تعرف انها اذا انتظرت دقيقة واحدة في غرفة والديها ستحاول والدتها اجبارها بشتي الطرق ان تجعلها تعطيها الدواء بتلك الحقنة القديمة التي اهترئ سنها الرفيع حتي اصبح كأحد المسامير الصلبة .. فوالدتها ككثير من النساء يضعون نفسهم في ادني درجات سلم الاولويات .. ما هي الا دقائق وعادت ايمان وهي تحمل الحقنة الجديدة واتجهت سريعا الي غرفة والدتها .. قامت بتحضير الحقنة سريعا ثم مدت سنها الرفيع الي ذراع امها تخترقه ثم نزعتها وهي تنظر الي امها التي كانت تنظر الى الجهة الاخرى لتتفادى النظر الى الحقنة _ خلاص ياماما خلصت نظرت لها سميرة مبتسمة بحب _ ايدك خفيفة .. ربنا يخليكى ليا يا
دكتورة ابتسمت ايمان ساخرة بأسي _ دكتورة ايه دي اللى بالإعدادية  .. ده كان حلم وانا صغيره وراح .. صلى على النبى يا ماما _ عليه افضل الصلاة والسلام .. هنعمله ايه بقى ابوكى .. هو اللى قال البنت ملهاش غير بيت جوزها _ وهو فين بيت جوزها ده .. هو يعنى كان وافق على اى حد م اللى اتقدمولى سميرة تربت على كتف ايمان مواسية _ معلش يا حبيبتى بكره يجيلك عدلك لحد عندك ايمان تنهض وهى تبتسم محاوله ان تبدو غير مهتمة _ طيب .. عبال ما يجى العدل بقى اقوم اغسل الغسيل .. لحسن بناتك بيكوموا الحاجة ومبيمدوش ايدهم فيها لما قربت تتهري ايمان تتجه خارجة من غرفة النوم وسميرة  تتابعها بنظرها والحزن باديا على وجهها ثم تنظر الى السماء بعينيها داعية لها دون ان تصدر صوت مكتفية بتحريك شفتيها المرتعشتين فقط .. كانت تعرف ان ايمان تعرضت لظلم كبير من والدها .. اكتفي بدراستها حتي المرحلة الاعدادية ورفض الكثير ممن تقدموا للزواج منها لأسباب مختلفة .. ورغم ذلك لم تكن ايمان تتقاعس عن خدمة الجميع … خرجت ايمان من غرفة امها واتجهت لتقوم بجلب الملابس التي ستقوم بغسلها .. عبد الرحمن شقيقها الطالب بالسنة الاولي بكلية الحقوق كان لتوه يخرج من غرفته وقد ارتدي ملابس الخروج .. نظرت له ايمان متسائلة _ انت خارج يا عبد الرحمن ؟؟ رد عليها وهو يتجه الي باب الشقة باستعجال _  اه  .. ده انا متأخر كمان _ طب مش تستنى تفطر الاول قبل ما تنزل _ لا فطار ايه .. ده انا رايح اشوف النتيجة بتاعتى .. يلا سلام _ ربنا يوفقك يارب وتجيب اعلي الدرجات _ من
بقك لباب السما تركها عبد الرحمن وفتح باب الشقة وخرج مسرعا .. التفتت ايمان بعد ان اغلقت باب الشقة خلفه لتجد شقيقتها سهير التي لم تتجاوز السادسة عشر من عمرها تركض مسرعة بجانبها وتمر الي غرفتهن وتدخل اليها .. لم تستغرق ايمان لحظات لتعرف ان سبب ركض شقيقتها هو ان والدها خرج من الحمام ويتجه الي غرفته .. كان والدها الاستاذ ابراهيم الذي كان يعمل موظفا في وزارة الكهرباء وعندما وصل الي سن المعاش تحول اسمه تلقائيا الي الحاج ابراهيم رغم انه لم يتجاوز حدود مصر طوال عمره ولم يذهب الي الحج او العمرة .. لكنه كان عرف اجتماعي ان الرجل الذي يتجاوز عمره الستين عاما ينال هذا اللقب ليسبق اسمه .. كان والدها رجل جاف المشاعر يتعامل معهم دائما بهذا الجفاء بلا مبرر .. ولم تكن ايمان تستغرب هذا الجفاء او تحاول ان ترفضه فهي كانت مقتنعة ان عجاف القلوب لن يفلح معهم الود ولو زرعت لهم كل سنايل الحب في طريقهم .. لم تكن حتي تعرف ما هي سر تلك النظرة المخيفة التي تملئ عيني والدها وهو ينظر لهم وكأن علاقته بهم ان لم تبني علي الخوف فلن تصلح .. اقتربت بهدوء من والدها وهي تسأله بروتينية _ هتفطر يا بابا ؟ كان رده عليها روتينيا كسؤالها حتي دون ان يلتفت لها _لا مش هالحق .. الضهر قرب وانا هاقابل واحد صاحبي علي القهوة بعد الضهر .. حضرى الفطار ليكى ولاخواتك وانا هابقى اجى اتغدى تحرك بعدها الي غرفته ليرتدي ملابسه ويخرج .. وبدأت ايمان روتينها اليومي بتحضير الافطار لها هي وامها وشقيقاتها سهير وتقي ورضوي ثم استكمال باقي مهامها اليومية بمساعدة شقيقاتها .. كانت تستمتع بتلك اللحظات التي تعقب انتهاءها من اعمال المنزل لتجلس هي وشقيقاتها واللائي كن بعد الحاح من والدتهن يستكملن دراستهن علي عكسها .. كانت سهير في الصف الاول الثانوي في حين كانت تقي في الصف الاول الاعدادي اما اصغر شقيقاتها رضوي كانت في الصف الرابع .. جلست ايمان بينهن وسط غرفتهن يتكلمن وهي تدير الحوار بحكم انها شقيقتهن الكبري  .. نظرت سهير لهن _ كل واحدة فيكم تقول حلمها اللي بتتمناه ردت تقي وشفتيها ترتسم عليهما ابتسامة واسعة وهي تغلق عينيها بتمني _ انا نفسي اكبر واتجوز ويبقي عندي ولاد كتير ردت ايمان مستنكرة بسخرية _ ولاد كتير زينا كده ؟.. عايزه تجيبي ولاد يتعلموا بالعافية وياكلوا بالعافية ويلبسوا الهدوم القديمة بتاعة  ناس تانية ؟ ردت سهير بحماس متجاوزة تعليق ايمان علي شقيقتها _ انا بقي مش نفسي اتجوز .. انا عايزة ابقي دكتورة نظرت رضوي ببراءة الي ايمان _ وانتي يا ايمان نفسك في ايه ؟ لم تكن ايمان تملك اجابة لهذا السؤال فقد تضاءلت احلامها يوما بعد يوم .. كانت تحلم في البداية بكل ما يحلموا به الان ولكنها مع الوقت فقدت حتي الشغف لتلك الاحلام الملونة .. ابتسمت لهن مداعبة _ نفسي ابوكم يتأخر وميجيش ع الغدا زي ما قال لم تكن ايمان تكره والدها ولكنها كانت تشعر ان المنزل يصبح اقل توترا في وجوده .. احلامها صغرت مع الوقت حتي اصبحت تحلم فقط ان تعيش بهدوء .. عاد شقيقها عبد الرحمن ليزف لهم خبر نجاحه في سنته الاولي بالجامعة .. انطلقت زغاريد والدته بسعادة .. قامت سهير بتشغيل بعض الاغاني ووقفت هي وشقيقاتها يرقصن مع شقيقهم .. فجأة انطفأ صوت الاغنية .. نظروا جميعا ليجدوا والدهم يقف وهو ينظر لهم بغضب  والجميع ينظرون اليه مرتعبين بارتباك شديد وهم يتوارون خلف بعضهم البعض .. حاول عبد الرحمن ان يتكلم فخرج صوته مرتعبا _ احنا كنا بنهيص شويه عشان انا نجحت .. جبت جيد ابراهيم ينظر له بعينين تشتعل بهما نيران الغضب _ وانت عشان فرحان تخلى اخواتك البنات يرقصوا ويتمايعوا كده .. وانت واقف ترقص وسطهم كده زى الاهبل عبد الرحمن ينظر الى الارض خجلا وايمان تتقدم خطوة من ابيها وهى تتكلم بقوة وثبات _ الشباك كان مقفول ومحدش شايفنا .. يعنى مش بنعمل حاجه غلط ابراهيم يمد يده ليمسك بايمان التى تختبئ خلف امها _ هو انتى  دايما كده لسانك طويل وبتردى ايمان تطل من فوق كتف امها _لسانى طويل فى الحق ابراهيم يهم بالاقتراب من ايمان وسميرة تمسك به وهى تربت علي كتفه مهدئة له _ خلاص بقى يا حاج العيال كانوا فرحانيين وبيفكوا عن نفسهم شويه .. يلا بقى عشان تتغدى ابراهيم ينظر لها بضيق _ لا انا كلت بره .. انا هادخل اريح شوية  اشارت سميرة لايمان ان تقوم بتحضير الطعام لها ولاشقاءها وانطلقت خلف ابراهيم الذي دخل الي غرفتهما .. اتجهت ايمان وشقيقاتها الي مائدة طعامهم وبدئوا في رص الاطباق .. جلس عبد الرحمن وهو يشعر بالأسي لما تسبب فيه لشقيقاته .. اقتربت ايمان منه وهي تربت علي كتفه مبتسمة بود _ في حد يبقي لسه ناجح ويكشر كده ؟ _ زعلان علي اللي حصلكم بسببي ربتت علي كتفه مرة اخري بحب _ متزعلش .. اللي حصل ده بيحصل وهيحصل كل يوم .. بسببك او مش بسببك نظر لها بعينين يعتصرهما الأسي _ تفتكري بابا بيكرهنا ؟ ردت عليه بحسم _ لا طبعا نظر اليها بدهشة _ غريبة _ ايه اللي غريبة ؟ _ غريبة انك مخدتيش وقت عشان تردي _ عشان متأكدة انه مش بيكرهنا _ اومال ليه بيعمل معانا كده ؟ _ عشان مبيعرفش يحبنا حديثها جعل دهشته تزداد _ اول مرة اسمع التعبير ده .. يعني ايه مبيعرفش يحبنا ؟ _ مشكلة بابا معانا انه معتبر انه سبب في وجودنا وان ده سبب كافي اننا نحبه لكن مش مهم هو يعمل اي حاجة يعبر فيها عن حبه لينا .. بيحبنا .. لكن مش مهتم يعرفنا انه بيحبنا تأملها بعيني اخ محب وهو يهز رأسه بأسف _ خسارة يا ايمان انك مكملتيش تعليمك توقفت عند هذا الحد فلم تكن تريد لنفسها المقهورة ان تستعيد تلك الذكري السيئة .. فقد كانت مميزة في فصلها يشيد بها كل معلميها ويتوقعون لها مستقبلا علميا رائعا عاشت تفاصيله في خيالها مع كل كلمة ثناء من احدهم .. ولكن وبدون سابق انذار قرر والدها ان تكتفي بهذا القدر من التعليم .. امسك بكل احلامها وضغط عليها حتي فارقت الحياة .. وقف ابراهيم يرتدي ملابس النوم ويتجه ويجلس على الفراش والغضب باديا على وجهه وسميرة تقترب منه وتجلس الى جانبه وهو جالس وملامح الضيق على وجهه .. سميرة تنظر له مبتسمه بهدوء _ مالك يا ابراهيم .. شكلك متضايق من حاجة نظر لها عاقدا حاجبيه بغضب _ متضايق منك انتى _ ليه يا اخويا هو انا عملت حاجة زعلتك ؟ _ ماهو المشكلة انك مبتعمليش .. اخر بنت خلفناها كانت من 10سنين واديكى قاعدة اهو بتاكلى وتشربى وملكيش اى منفعه سميرة تنظر له بحزن وقد صدمها كلامه _ وهو انا منفعتى الخلفة وبس يا حاج ؟ _ الست اللى مبتخلفش تبقى زى قلتها .. النهاردة قابلنى الحاج حسان فى القهوة .. مراته ماشاء الله جابتله ولد .. مع انه اكبر منى فى السن كانت كلماته تطعنها ببطئ .. لكنها ابتلعتها كما تفعل دائمًا خوفًا من أن يشتعل الموقف أكثر _ بس انا مخلفة لغاية دلوقت خمسه نظر لها بحدة وكأنها ارتكبت جريمة نكراء _ لكن من 10 سنين وانتى مش عارفة تجيبيلى حته عيل صمتت سميرة .. لكن عينَيها فضحتا انكسارًا عميقًا .. وكأن الكلمات طعنتها في قلبها وأخذت معها ما تبقى من قوتها .. خارج الغرفة كانت ايمان تجلس حول مائدة الطعام  هى وشقيقاتها سهير وتقي ورضوي وشقيقها عبد الرحمن .. كان امامهم الطعام الذي توقفوا عن تناوله بعد ان وصل الي مسامعهم حديث والدهم مع والدتهم والهدوء خيم على المكان .. كل صوت خارج من غرفة والديهم كان كأنه يخترق الجدران ويستقر في قلوبهم كالسكاكين .. تبادلوا النظرات المرتبكة  ولم يجرؤ أحد على الكلام ..  تلك الشقة بالغة الضيق ليست مكانا جيدا لحفظ الأسرار فالجميع يستطيع سماع كل ما يحدث في اي جزء منها ايا كان موقعه .. جاءهم صوت سميرة _ العيال كبرت ومصاريفهم كترت وهمهم تقل هنزود على نفسنا الحمل ليه ؟ _ كل عيل بينزل للدنيا برزقه .. انتى بس اللى بتتحججى عشان خلاص مبقاش منك رجا نظرت ايمان داخل طبقها لا تستطيع ان تحيد عينيها عنه .. ما هو منطق والدها المقيت هذا هو نفسه ذلك الأب الذي يحرمهم من كل مقومات الحياة ويلقي علي مسامعهم ما يفوق السباب كلما طلب ايا منهم اي شيء من ملبس او طعام او اي شيء يري هو انه يفوق طاقته .. الأن هو من يرتمي في احضان عقله ليفرض علي والدتهم واهنة الجسد ان عليها ان تنجب مرة اخري حتي تثبت جدارتها كإمرأة .. وكأن حمسة اطفال لم يشفعوا لها لتثبت ذلك له .. كانت ايمان تشعر بكل هذا القهر الذي يملي نفوس اشقاءها اللذين تحولوا في النهاية الي ارقام فقط يتباهي بهم والدهم بين اصدقائه لإثبات خصوبته وقدرته علي ان يجعل زوجته تنجب في اي عمر وهي التي تجاوز سنها الاربعين وتجاوزت روحها المائة عام .. كانت تشعر بمرارة تعصف داخلها وكأن وزن الظلم الذي تتحمله والدتها ألقي على كتفيها هي أيضًا ويسحق روحها تدريجيًا .. في اليوم التالي بعد ان غادر ابراهيم المنزل كانت ايمان تجلس بجانب امها التى ترقد على الفراش  ومظاهر الارهاق والحمى باديين بشدة على وجهها .. وايمان تقوم بوضع كمادات على رأس سميرة وهى تربت على رأسها بحنان ..سميرة تنظر الى ايمان مبتسمه بود وهي تحاول ان تنهض _ الحمد لله الحرارة ابتدت تنزل اهو اقوم انا بقى امسكت بها ايمان لتعيدها للفراش مرة اخري وهي تستنكر ما تريد القيام به _ تقومى فين انتى تعبانه .. مش كفاية انك مرحتيش للدكتور عشان توفرى _ مش عايزه ابوكى يجى يلاقينى راقده _ هو انتى يعنى راقده بمزاجك ؟ .. انتي عيانه ابتسمت سميرة ابتسامة بائسة تحمل الكثير من الحزن الذي بداخلها _ بمزاجى ولا مش بمزاجى .. ابوكى كان لسه بيعايرنى انى مخلفتش تانى .. اومال بقى لو لقانى نايمه وتعبانه سألتها ايمان بتحفز _ وهو انتى ناوية تطاوعيه فى موضوع الخلفه ده ؟ ردت سميرة عليها بحزن مستسلمة _ وهو فى حد يقدر يعارض ابوكى ؟ لم يكن هذا الرد ليرضي نفس ايمان الثائرة بداخلها _ اه في .. ربنا ميرضاش بالظلم ده .. احنا اصلا عايشين بالعافية وانتي تعبانة مش قد حمل وولادة دلوقت امسكت سميرة بيدها راجية _ بأقولك ايه يا ايمان .. بلاش يا بنتي الكلام ده .. انتي دايما تعارضيه في اللي يخصك انتي واخواتك .. بس هو مش هيقبل تتدخلي في حاجة زي دي ردت ايمان بعناد _ علي فكرة الموضوع ده برضو يخصني انا واخواتي .. زي ربنا ما قال وان خفتم الا تعدلوا فواحدة في الجواز .. يبقي برضو لو مش قادر علي مصاريف خمس عيال متروحش تجيب عيال تاني _ خلاص بقي يا ايمان بلاش كلام في الموضوع ده _ ماشي بس علي الاقل تخفي .. مش هتعمليله ده وانتى تعبانه لم يكن لدي ايمان ما تضيفه في نقاشها مع والدتها التي وهبت روحها لارضاء نزوات زوجها .. صمتت ايمان ولم تتكلم .. نحن نصمت احيانا عندما نشعر ان كلامنا لن يغير في الأمر شيء ..عادت ايمان تضع الكمادات مره اخرى فى الماء البارد  ثم تضعها على رأس امها وهى غارقه فى التفكير .. لم تكن تريد ان تبقي مستكينة هكذا وهي تري امها تخوض مهمتها الانتحارية لانجاب طفل من اجل ارضاء زوج سيضعه فقط في خانة الارقام المميزة له ثم يبحث عن اخر عندما يفاجئه صديق له انه انجب مرة اخري .. تلك المسابقة الانجابية ليس لها خطا للنهاية .. كان عليها ان تفعل شيء لتوقف هذا السباق المحموم .. لكنها شعرت بتردد في قلبها .. كيف يمكنها الوقوف في وجه والدها الذي يفرض هيبته على الجميع ؟ وهل ستحمل والدتها عبء غضبه إذا فشلت ؟ خرجت ايمان من المنزل بعد ان اقنعت والدتها انها ستشتري لها دواء يخفض حرارتها المرتفعة .. كذبت علي والدتها واخبرتها انها تملك المال لشراء الدواء ولكنها لم تكن تملكه.. لم يكن امامها الا ان تلجأ الي غادة صديقة الدراسة والتي كانت تعمل في احد شركات التسويق العقاري .. جلست ايمان تلملم ملابسها التي لا تليق بالمكان الذي تعمل به صديقتها وهي تنتظرها حتي تأتي لمقابلتها .. كانت تتابع بنظرات مختلسة بعض الفتيات اللائي يعملن في الشركة وهن يتحركن بحيوية ووجوههن تحمل ابتسامة وروحهن تتقد بالنشاط .. لم تكن تري هذا النوع من البشر الا علي شاشات التلفزيون في المسلسلات والافلام فقط .. اتت غادة وهي تبتسم بسعادة لرؤية ايمان .. احتضنتها بشوق فهي لم تقابلها منذ مدة طويلة وتفاجأت في هذا اليوم عندما وجدتها تتصل بها وتطلب مقابلتها .. اخبرتها ايمان انها تريد ان تقترض منها بعض المال .. لم تتردد غادة واخرجت لها اكثر مما طلبت ولكن ايمان اكتفت بما تريده فقط من اجل سعر الدواء .. نظرت الي غادة وهي متحرجة منها _ انا مش هاعرف اوعدك اردهملك امتى ..انتى عارفه الظروف _ بلاش عبط .. ده احنا اخوات يا بنتى نظرت لها غادة ببعض القلق _ بس انتي متأكدة م اللي انتي هتعمليه ده ؟ كان سؤال غادة لها هو نفس السؤال الذي كانت تسأله لنفسها منذ خروجها من المنزل _ ما انا مش هافضل واقفه ساكته كده واتفرج عليها من غير ما اعمل حاجة _ بس باباكي ممكن يعرف _ حتي لو عرف انا مش خايفه كانت تقولها بقوة لتمنح لنفسها بعض الثقة اكثر من انها مجرد رد علي غادة .. كانت تعرف ان والدها لو اكتشف بالفعل ما تفعله سوف تكون العواقب سيئة للغاية .. لكنها كانت تريد ان تحمي والدتها واشقاءها الصغار من طموحات والدها الغير محسوبة تلك .. خرجت من الشركة التي تعمل بها غادة واتجهت الي احدي الصيدليات وطلبت من الصيدلي الدواء ثم عادت الي المنزل وحقنت امها بالدواء وهي تشعر بارتياح شديد .. ابتسمت لها والدتها بوهن _ هو ايه كل الادوية دي يا ايمان ؟.. انا افتكرتك هتجيبي شريط دوا وخلاص _ ده فيتامين ودوا خافض للحرارة نظرت سميرة للحقنة التي كانت لا تزال في يد ايمان _ طيب والحقنة الاخيرة دي بتاعت ايه ؟ ردت وهي تحاول ان تخفي ارتباكها _ دوا برضو عشان التعب اللي عندك _ يعني الدكتور قالك ان الدوا ده هيجيب نتيجة ؟ _ متقلقيش هيجيب نتيجة ان شاء الله كانت قد اتخذت قرار وقامت بتنفيذه وعليها الأن ان تستعد لتحمل العواقب لو تم كشف خطتها .. في المساء جلس ابراهيم ومعه ابنائه وزوجته امام التلفزيون الذى يعرض مباراة لمنتخب مصر لكرة القدم  مع احد المنتخبات.. كان ابراهيم يجلس يشاهد المباراة باهتمام ويديه تتحرك بالتسبيح وفمه بالدعاء  ..يأتي هدف لمنتخب مصر والجميع يصفق بفرحة وابراهيم يبدو عليه السعادة وهو يتابع المباراة واللاعبين تسجد بعد الهدف .. يجعله ذلك يلتفت الي ابنائه _ شفتوا .. المنتخب ربنا كارمه عشان مهتمين بالدين .. ادعوا بقى ربنا  ينصرنا سهير تميل على تقى  وتهمس لها فى اذنها وتقى  تدفعها بمرفقها وهى تبتسم .. ابراهيم ينظر اليهما بغضب _ فى ايه يا تقى ؟.. كانت بتقولك ايه ؟؟ تقى يبدو على وجهها الارتباك وسهير يبدو عليها الخوف الشديد وابراهيم يهتف فى تقى بقوة _ ما تردى يا بت تقى  تنظر الى الارض بخجل وهى تتكلم _ كانت بتقوللى ان محمد صلاح شكله حلو ابراهيم ينظر الى سهير بغضب ويهم بالنهوض لها ليعاقبها وسهير تنكمش فى مكانها بخوف شديد .. يمنعه صياح المعلق وهو يعلن عن تسجيل هدف في شباك المنتخب المصري .. ابراهيم يبدو على وجهه الغضب الشديد وينظر الى سهير بغيظ _ شايفه .. عشان قله الادب اللى كنتى بتقوليها سهير تزداد انكماشا فى مكانها والجميع ينظرون الى بعضهم البعض صامتين ولا يجدون ما يقولونه  وايمان تنظر الى ابيها ساخرة _ مصر كلها كانت بتتفرج على الماتش .. مش عشان كلام سهير احنا هنخسر .. وبعدين لو بالدعا كنا زمنا خدنا كاس العالم ابراهيم يحول نظراته الغاضبه تجاه ايمان ويهتف فيها بغيظ _ رجعتى تانى تقوللى الكلمتين الخايبين بتوعك سميرة تشير الى ايمان بعينيها ان تصمت وتتقى شر والدها وايمان تحول نظرها عن امها وهى تنظر الى ابراهيم بقوة _ لو حضرتك فاهم ان ربنا بيحدد فى كل ماتش مين يفوز ومين يخسر .. يبقى انت فاهم ربنا غلط .. ربنا بيدينا علي قد اجتهادنا .. الدعا مهم لانه اقرار بقدرة ربنا انه يتمم عملنا ويوفقه .. لكن دعا من غير عمل واجتهاد وتفكير وتعب ملوش لازمه ابراهيم ينظر الى ايمان بغضب ويخلع نعله ويلقى به عليها بكل ما أوتي من قوة  .. ايمان تتفادى نعل والدها قبل ان يصل الى وجهها وتنظر اليه بغضب ثم تنهض من مكانها وتلتقط نعله الذي قذفها به وتتجه الى والدها بخطوات ثابتة جعلته ينظر لها بتعجب وتضع نعله تحت قدمه وهي تنظر له بوجه جامد .. ابراهيم ينظر لها بغضب وهي تعتدل وتتجه الي غرفتها .. في نهار اليوم التالي كانت ايمان تجلس على الاريكة اسفل نافذة غرفتها وهى تنظر الى العمارة المقابلة من فتحة الشيش .. كانت ترى امامها فى المنزل المقابل طارق يقف مع زوجته ومعهما ابنهما الذي لم يتجاوز عمره بضع شهور .. كانت ايمان تنظر عليهما والحسرة بادية على وجهها .. كان طارق قد تقدم لخطبتها ورفضه والدها بدون ابداء اسباب وعندما حاولت هي ان تفهم سبب الرفض قابل تساؤلها هذا بثورة عارمة .. كيف لفتاة مهذبة ان تسأل والدها عن سبب رفضه لمن تقدم لخطبتها ..هذا يعني انها كانت تريد هذا الرجل وبما ان طارق كان يسكن في المنزل المقابل فهذا يقوي مبررات الاتهام لديه ويزيد من جرائمها عدة جرائم ..دخلت والدتها الي الغرفة لتجدها علي وضعها هذا فاقتربت منها وجلست الى جانبها ونظرت الي ما تنظر اليه ايمان وجعل الدموع تتحرك في عينيها ثم ربتت علي كتفها مواسية _ محدش بياخد غير نصيبه يا حبيبتي  وابوكى كان عايز يجوزك لحد يحافظ عليكى
تم نسخ الرابط