وجهان للحب!

المحتويات
حين حل المساء باسطًا سلطته على السماء فأظلمها، أنهى أعماله أخيرًا وقرر أن يقتطع وقتًا للمتعة، توجه “يزن” نحو احد الكافيهات التي يجلس بها دومًا ليقضي سهرته به، وحين جلس على احد المقاعد اقترب منه احد اصدقائه مرددًا بود:
-ايه يا معلم فينك محدش شايفك ليه بقالك كام يوم؟
هز كتفاه العريضان معًا وهو يخبره بصدق:
-كان عندي ضغط شغل رهيب في القناة يا حازم.
اومأ حازم برأسه وراح يمازحه:
-اه قولتلي، ماشي يا عم، مُعد برامج مشهور قد الدنيا ومحدش هيقدر يكلمك.
فيما ابتسم يزن وقبل أن يقول شيء تفتت الابتسامة عن شفتيه وبدأت عيناه تتسع تدريجيًا وهي تحملق في المشهد القابع امامه.. حيث كانت زميلته في العمل ومَن أرقت قلبه الذي هام بها “فيروز” ولم يجرؤ يومًا على الاعتراف لها بمشاعره..
كانت ترتدي ملابس ضيقة كثيرًا ولا ترتدي حجابها بل تركت شعرها مفرودًا على ظهرها، على عكس هيئتها في العمل والتي حفظها عن ظهر قلب؛ فقد كانت ترتدي دومًا الحجاب وملابس محتشمة واخلاقها لا تشوبها شائبة..
الان هي تتراقص على الالحان الغنائية وسط الحشد الموجود بجرأة صنمته مكانه!
لم يستطع احكام قبضته على مقاليد روحه المهتاجة بالصدمة والغضب وتوجه نحوها على الفور حتى وقف امامها مباشرةً وقد كانت لا زالت تتراقص وهي تضحك، فأمسكها من ذراعها بقوة ليجعلها تقف باستقامة، فهتفت فيه بدهشة امتزجت بالضيق:
-أنت بتعمل إيه!
بادلها السؤال بلهجة اشد شراسة:
-أنتي اللي بتعملي إيه؟!!
ردت ببساطة قاتلة:
-أنا برقص.
قال بعدم تصديق:
-بترقصي! عادي كدا؟ امال فين الانسة المحترمة اللي…..
قاطعته بحزم حاد:
-إياك، ماسمحلكش إنك تغلط فيا.
إلتوت شفتاه بابتسامة ساخرة وغمغم:
-ماتسمحيليش اغلط فيكي بس تسمحي لنفسك إنك تغلطي وتدمري صورتك قدام الناس وتهيني نفسك بالطريقة دي!
رفعت كلا حاجبيها قائلة باستنكار جم:
-ادمر صورتي!
انت بتتكلم كدا ليه هو انت مين اصلًا؟!
ظنها تقصد أنه ليس له سلطة ليتدخل في شؤونها الخاصة فاستطرد:
-انا واحد كان مفكرك….
صمت وقد استعصاه لسانه رافضًا امتهانها اكثر، فأضافت هي بعنفوان ثائر:
-انت واحد ماتعرفنيش اصلًا وماعرفش جايب الثقة دي منين عشان تيجي تتفلسف عليا بالطريقة دي.
تردد صدى الصدمة المتتابعة في صوته الذي خرج اجش ملفح بالعتاب:
-ماعرفكيش!؟ عندك حق، انا كنت مفكر إني اعرفك كويس بس طلعت ماعرفكيش للأسف.
هزت رأسها نافية قبل أن تسترسل بقوة قاسية بعض الشيء:
-لا أنت فعلًا ماتعرفنيش، ومش من حقك توجهلي اي كلمة اصلًا طالما انا ماسمحتلكش بكدا.
حينها اقترب منهم شاب في مثل عمرها تقريبًا، وضع يده على كتفها وسأل بتأهب وهو يرمق يزن بنظرات متفحصة:
-في حاجة ولا إيه؟ مين الاستاذ دا؟
هزت كتفاها معًا وهي تجيبه بقلة حيلة وتعجب:
-ماعرفش جه فجأة وانا برقص وكان بيتخانق معايا ومتضايق إني برقص.
ضحك الشاب متهكمًا وأردف:
-إيه يا برنس هو انت اخوها ولا ابوها وهي ماتعرفش ولا إيه؟
شملهما يزن بنظرات محتقرة تخفي خلفها بركان ثائر من الغيرة الحارقة، ثم تابع بصوت تشبع نفورًا:
-فعلًا لايقين على بعض.
ثم خصها هي بجملته التالية القاسية:
-خسارة فيكي الكلام والجدال اصلًا.
ثم غادر دون أن ينتظر رد ايًا منهما، شاعرًا أن المكان قد ضاق به كثيرًا حتى لم يعد يستطع التنفس.
****
وفي اليوم التالي توجه “يزن” لعمله في القناة كالعادة، ولكنه كان في حالة من الغضب والضيق منذ الامس، ولا زال لا يصدق ما حدث؛ وكأن كل ثوابته المبنية عنها قد انهارت بلحظات..
وفي منتصف اليوم حين حان موعد الاستراحة ذهب لركن المشروبات فوجدها امامه تُعد لنفسها قهوة، وما أثار دهشته أنها كانت ترتدي حجابها وملابس محتشمة كالعادة، على عكس امس!
لم يمنع نفسه من أن يهتف بكلمات انبلجت بها السخرية بوضوح:
-إيه دا بقى، انتي طالعة بدورين ولا إيه؟!
استدارت نحوه وسألت بعدم فهم:
-دورين إيه مش فاهمة؟
فأوضح منتهجًا نفس السخرية:
-الصبح دور وبليل دور.
بدا عليها أنها لم تصل لمقصده، فقررت تغيير دفة الحديث الغريب ذاك، بقولها:
-بعملي قهوة عشان افوق، تحب اعملك معايا؟
اومأ برأسه وهو يواصل بينما عيناه السوداوتان العميقتان مُسلطتان بإصرار على عينيها البُنيتين المهتزين بشيء من الارتباك:
-اه طبعًا لازم قهوة عشان تفوقي بعد سهرة امبارح اللطيفة.
ضيقت عيناها لترسم صورة واضحة من الحيرة:
-سهرة امبارح!! انا مش فاهمة انت بتتكلم عن إيه يا يزن.
ردد باستهجان مدققًا النظر في ملامحها البيضاء الناعمة التي أبت أن تبوح بما يجول بخلد صاحبتها:
-مش فاهمة! بجد مش فاهمة ولا عاملة نفسك مش فاهمة؟
حينها أخبرته مشددة على حروفها:
-يزن ياريت تتكلم بوضوح او سيبني اروح اشوف شغلي افضل عشان مانضايقش بعض.
-ليه هو احنا لسه ماضايقناش بعض؟!
تحركت تنوي المغادرة دون أن ترد، ولكنه وقف امامها مانعًا اياها، ثم اضاف بجمود ونظرة ذات مغزى:
-بتكلم على سهرتك امبارح في الكافيه اللي في المهندسين ورقصك وسط الكل وكنتي مش لابسة الحجاب كمان وسبحان الله دلوقتي لابسة الحجاب ولبس واسع، انتي مين فيهم؟
تنهدت بصوتٍ مسموع قبل أن يصدح صوتها هادئًا مغمورًا بالثقة:
-انا مين! انا فيروز يا يزن، فيروز اللي انت عارفها من سنين.
تهادت نبرته الى اذنيها مثخنة بعاطفة دافئة تفاجأت أنه يكنها لها:
-انتي فيروز البنت الجميلة المحترمة اللي خطفتني من اول لحظة وقعت عيني عليها فيها.
فـ ومضت عيناها تأثرًا باعترافه الغير مباشر تزامنًا مع نبضة قوية بمشاعر غريبة عليها تطرق صدرها لأول مرة.
قد يعجبك ايضا
متابعة القراءة