طموح رجل تزوج

طموح رجل تزوج
طموح رجل تزوج
– على مهلك على الصالون يا ريِّس الله يبارك لك. كان يقف بجوار سيارة نقل الأثاث يُشرف على العمال وهم يحملون قطع أثاث منزله إلى شقته التي استأجرها بشارع التهامي، أطفال الشارع كانوا يحاولون الصعود لصندوق السيارة والاختباء بداخله، بينما أهل الشارع يشاهدون ما يحدث من شرفاتهم، فأثاث كهذا يشبه أثاث القصور الذي يشاهدونه بالمسلسلات التركية. وقفت زوجته بجواره تحمل طفلهم الصغير، تنقل بصرها بين بنايات الشارع بتأفف، وترمق زوجها بنظرات الغضب التي كان يحاول أن يتلاشاها، حتى اقتربت منه وجذبته من ذراعه: – هو ده المكان اللي أنا هاسكن فيه 3 سنين يا حسن؟ روح يا شيخ منك لله على البهدلة اللي أنا فيها من يوم ما عرفتك. تلفت حوله ليتأكد أن لا أحد يستمع لحديثهم: – والله العظيم الشقة جميلة وواسعة وطراوة وسعرها أقل بكتير من اللي مفروض ندفعه لصاحبها، وقريبة من شغلنا، دلوقتي تطلعي وتعجبك. ضحكت بسخرية وهي تنظر حولها: – آه ما الجواب باين من عنوانه وواضح من العشوائيات اللي هاسكن فيها، ولا الفيو… تحفة يا حبيبتي الفيو… وطلع في الآخر الفيو هو بلكونة الجيران. – كان لازم أعمل كده علشان كل مرة أختار شقة متعجبكيش وكان لازم أسلم شقتنا للمستأجر الجديد ما أنتِ عارفة يا ناريمان. – آه عارفة خيبتك، بِعت الشقة وبِعت العربية وبكرة تبيع كليتك كمان… راجل معندكش غالي. وقف أمامها يستمع لها في صمت مُطبق، فهو يعرف تمامًا أنها محقة في كل ما تقوله، وأنها دائمًا ما تتورط معه في تبعات قراراته المفاجئة، وشطحاته التي لا تثمر سوى عن خسارة أو غرق في محيط من الديون. حَسَن رجل عادي، كان يعمل موظفًا بإحدى المصالح الحكومية بعد تخرجه من كلية التجارة، وكأي شاب طموح في
مثل سنه كانت لديه بعض الأحلام المشروعة التي تجعلها الظروف المادية أحلام مُحَرَّمَة، ففي النهاية هو مجرد موظف، راتبه يكفيه بالكاد، لكنه لم يكف عن أحلامه ولم يتملك اليأس من طموحه وشغفه، فقرر أن يترك الوظيفة ويبحث عن عملًا حرًا أو مشروعًا بالشراكة مع بعض الأصدقاء، لكن كانت هناك عقبة أخرى أكبر من عقبة البحث عن شريك أو ممول لمشروعه، فلم تقبل “سعاد” والدته أبدًا أن يترك الوظيفة المضمونة ذات الراتب الثابت ويذهب لعالم المغامرات والأحلام التي ربما تصبح كابوسًا، ورغم محاولاته لإقناعها إلا أنها أقتنعت بفكرة أخرى تمامًا.. فكرة تجعله يتحمل المسؤولية جديًا ويفكر بشكل واقعي، ويدرك قيمة الراتب والأمان المادي، وبدأت في البحث عن فتاة ليتزوجها، وبدلًا من محاولاته لإقناعها أصبحت هي من تبذل جهدًا لإقناعه: – يا حبيبي انت كبير دلوقتي، سيبك من لعب العيال بتاع المشاريع ده واتجوز وافتح بيت أشوف ولادك ويكبروا قدام عيني قبل ما أموت. – يا أمي الله يبارك لك أنا مش حِمل الكلام ده دلوقتي، أنا هاعمل مشروعي وأشتغل فيه وبعدين أتجوز، وبعدين ما عندك ولاد إخواتي أهه عيالهم ما شاء الله مفيش أرذل من كده، انتِ غاوية تكدير؟ فشلت كل محاولات إقناعه، جعلت الأهل يتدخلون لإرجاعه عن فكرة ترك وظيفته، كانت تبكي وتتوسل ولم تجد سوى الحل الأخير الذي تلجأ له الأمهات في هذه الأمور مع أبناءهن: – طيب ورحمة أبوك في تربته يا حسن وغلاوته عندي، لو ما جيتش معايا تخطب ناريمان وصرفت نظر عن أفكارك اللي هتموتني دي لا أكون غضبانة عليك ليوم الدين، ولا انت ابني ولا أعرفك بقى. الأمهات يعرفن هذا السلاح منذ بداية الكون “سلاح الغضب” نوع من الابتزاز العاطفي
يستعملنه مع أطفالهن منذ الصغر، ويعرفن متى يستخدمنه ومتى سيأتي بنتائج إيجابية لهن، بغض النظر عن الضرر النفسي الذي يمكنه أن يجعل الأبناء تحت وطأة المرض النفسي، أو الخسائر المادية التي يمكن أن يتسببن فيها في حال رضوخ الأبناء واختيار إرضاء أمهاتهم، ولم يختلف حسن كثيرًا عن باقي الأبناء فقد رضخ بسهولة أمام تهديد والدته وذهب معها لخطبة فتاة لم يراها من قبل، لا يعرفها، ولا يحبها أيضًا. في منزل “مصطفى” والد ناريمان العروس كان يجلس حسن بجوار والدته، يتأمل في أحد اللوحات المعلقة على الحائط بضجر، حتى دخلت ناريمان خلف والدتها “هدى” تحمل صينية عليها بعض المشروبات والحلوى، وضعتها أمامهما بخجل ثم جلست بجوار والدتها مرة أخرى تنظر خلسة لهذا الغريب الذي أتى فجأةً طلبًأ لزواجها في صمت، ليقطع الصمت صوت والدة حسن وهي تسأل ناريمان بعض الأسئلة التي صاحبها الكثير من المجاملات والكلام المعسول المبالغ فيه عن جمالها وعن تربيتها وأخلاقها، بمبالغة واضحة لامرأة لم تدخل هذا المنزل سوى اليوم فقط. أما حسن فلم يستطع إنكاره بجمال وشخصية ناريمان، فبعد حديث صغير بينهما أخبر حسن والدته بارتياحه وموافقته على الزواج، وكذلك فعلت ناريمان، وتمت الزيجة بعد فترة خطوبة صغيرة، بالكاد تعرف فيها كل منهما على الآخر، وتم تجهيز مستلزمات الزيجة من شقة وأثاث وخلافه تحت إشراف والدة حسن، فاشترت له أثاث المنزل الذي اختارته ناريمان من أرقى المعارض، وقام والد ناريمان أيضًا بتجهيز ابنته الوحيدة بأبهظ المستلزمات ثمنًا حتى ترقى لمستوى حماتها المادي ولا يُعايرها أحدهم في يومِ ما، خصوصًا وأن شقة الزوجية تقع في حي راقي قام والد حسن بشراءها قبل سنوات من وفاته كما فعل مع إخوة حسن، وفي يوم الزفاف كانت والدة ناريمان تذرف دموع الفرح بينما ابتسمت والدة حسن التي شعرت بالانتصار وهي ترى ابنها ينفذ أوامرها خشية غضبها وأنه سيستمر في وظيفته ويتحمل مسؤولياته من أجل متطلبات الحياة. في الليلة الأولى من الزواج جلس حسن بجوار ناريمان قبل البدء في أي شيء من طقوس تلك اللية المتعارف عليها وأخبرها أنه لديه طموح كبير يرغب في مشاركتها به، كان يتحدث لها بحماس بالغ انتقل إليها من مجرد الاستماع فقط عن أحلامه ومشاريعه وكيف يمكن لوظيفته الحكومية أن تعطل تقدمه، جلست بجواره تنصت له وهي تتخيل حياة وردية بفيلا كبيرة ذات طابقين، ولديها خادمة وربما أكثر، سيارة فارهة بسائق، ومدارس دولية لأبناءها المنتظرين، شعرت وكأنها وجدت رجل أحلامها بحق، ما الذي تريده المرأة أكثر من رجل طموح، وصريح يشاركها أحلامه ويطلب منها العون، تذكرت تلك الرواية الرومانسية التي صعد فيها البطل من الصفر وكانت بجواره حبيبته، حققا أحلامهما حتى تمكن منهما الشيب والوهن، بعد أن عاشا في سعادة ورفاهية، تلك فرصة عظيمة للغاية لتعيش أحداث روايتها المفضلة، بشكل واقعي فأمسكت بيد زوجها برفق وهي تبتسم: – أنا باوعدك إني هافضل معاك في كل خطوة، ننجح سوا ونكمل حياتنا زي ما إحنا عاوزين يا حسن. – يعني موافقة أستقيل وأعمل مشروع وأحقق أحلامي؟ ردت بتلقائية وهي تحتضنه:
تم نسخ الرابط