رواية زنزانة 2

رواية زنزانة 2
رواية زنزانة 2
في إحدى ايام شهر يوليو الحارقة . كنت جالسا أمام التلفاز . أمامي طبق من المانجو .  جئت بها من الإسماعيلية بعد ان رأني البائع في حيره  من امري بين انواع المانجو المعروضة . ظل يخبرني على ميزة كل نوع على حده . ما بين عويسي وفص وتيمور واخيرآ أخبرته بكل هدوء ( انا عاوز مانجه اكلها وانا قاعد على الكنبه ) كنت جالس بكل اريحية . مرتديآ ببجامتي . وفي يدى حبه من المانجو  اكل فيها وهي تسيل بين اصابع يدي . انظر الي جدران بيتي الصغير التى تمنيت أن تتسع بعض الامتار  . والاثاث القديم الذي ورثته عن والدي الذي فكرت كثيرآ في تغييره لكن أبت نقودي ان تجتمع ببعضها البعض .  كم تمنيت ان تكون لدى بلكونة اهرب اليها في هذا الجو المحرق  . وان استبدل مروحتى الصاخبة التي تصرخ في وجهي كلما ادرتها   بتكييف يجعل يومى الطف مع هبات الهواء الباردة التي تداعب وجهي  .. سمعت ضربات سريعه على باب شقتى ظننت لأول وهلة أنهم الاطفال . ربما يلعبون كما هم معتادين على سلم العمارة . لكن ظل الطرق طويلا والباب بدأ يشكو من شدة الطرق عليه . نهضت مسرعا حتى امسك بأحد الاطفال الذين جعلونى اترك الحبه التي في يدي واخرج اليهم بأصابعي تسيل منها مياه المانجو ..  تحركت حتي اخبرهم بأن اللعب في الشارع وليس على باب بيتى .. نهضت بحرص شديد أسير على أصابع قدمى  حتى افاجئهم مرة واحدة .  فتحت الباب حتى أمسك بهم  ..  بمجرد فتح الباب وجدت شخصان لا ارى سوى ركبتيهما لانى كنت أنظر لأسفل حسب قصر قامة  الأطفال ..  رفعت عيني
بعد ان تأكدت ان هذه الركب ليست لاطفال انما رجال اقوياء اشداء .. وجدت أحدهم واضع يديه في جيبه وممسك بسيجارته . ووجهه لا يظهر منه سوى شنب غليظ رافع حاجبيه . والآخر جالس على درجات السلم يستريح كانه كان يركض  خلف سارق او قاتل .. اخذت نفسا عميقا  أبى أن يخرج في وجههم الجميل فيؤذي مشاعرهم الرقيقة . مصمصت اصابع يدي من المانجو في دهشه  . فخرجت منى بعض الكلمات تمنيت ان تكون بردآ وسلاما على اذانهم  ( نعم .حضرتك عايز مين ) صدمت بعد أن علمت أنهم جاؤ من قسم الشرطة بناء على طلب ظابط المباحث شخصيا  . وقفت لحظات ربما يريدون احد اخر  . أو خطأ في عنوان او اسم . لأني ليس لي صلة بهم نهائي سوى انى تعاملت معاهم مرتين فقط في حياتى   .. الأولى استخراج بطاقتى الشخصيه بعد أن صرت رجلا وصوتى تغير  وملئ وجهى حبوب الشباب  . و بدأ صوتي يرتفع  لكن في منزلى فقط  .. المرة الثانية كنت استخرج جواز سفر ظنآ أني ساغادر بلا رجعه الى عالم المال والأعمال الى إحدى دول الخليج .  لكنه ملقى في إحدى الأدراج لا اعلم عنه شى . لكنى استخرجته حتى اتفاخر بين اصدقائي بأن لدى باسبور حتى تكتمل الوجاهة الاجتماعية . فهذا عيب كبير أن يسالنى أحد  ( عندك باسبور ) واجيبه لأ  .. علمت بأنهم جاءوا لي وليس خطا في اسم او عنوان . طلبت منهم الدخول وتقديم إليهم مشروب ويستريحوا من صعود السلم .  لكنهم رفضوا بأبتسامه عريضة كأنهم يقولون ( تعالى انت واحنا اللى هنعزمك )  . بكل احترام طلبت منهم ان اغير هذه الملابس الغير لائقه بمقابلتهم
. ثم سحبت هاتفي خلسه كي اتحدث الى صديقي المحامي( عبدالفتاح  )  فهو أحق بأن الجأ اليه في هذه المناسبة التعيسة   .. أخبرنى بأن اذهب معهم ربما يكون خطآ ما و سوف يلحق بي قبل أن أصل الي قسم الشرطة   … شعرت ان عقلى توقف عن التفكير ونسيت كل من اعرفهم وتربطني به صلة صداقة او قرابه حتى استغل علاقاتهم  التي كانوا يتفاخرون بها دائما امامى ( انا اعرف فلان وعلان ) حانت اللحظه ان ياتي فيها فلان لاخراجى  أو علان لمعرفه ماذا يحدث .  قلبي توقف أكثر من مرة محاولآ انعاشه بشهيق وزفير سريع حتى لا افقد الوعى من شدة  الخوف والتوتر  .. مجرد دخولي الى مركز الشرطة  وجدت صديقا لي وهو يعمل  أمين شرطة في نفس القسم (أحمد منصور )  ذهبت  مسرعا اليه كي أخبره بما حدث ربما يعرف السر الذي جاء بي الى هنا .. طلب  بطاقتى حتى يستعلم عن اسمى والسبب الذى جاء بي الى هنا  .  أنظر اليه بلهفه لمعرفه ماذا يحدث  . لم اسمع سوى دقات قلبي المرتعبه . وهو جالس خلف جهاز الكمبيوتر و عينيه المندهشه التي رفعها  لي ثم  غير مسارها بعيدآ عني الى ان وقف في حيره ثم  هتف قائلا _ المحضر ده انا اللي عامله بنفسي نظرت اليه بعيون واسعه . _ محضر ايه ؟ احمد:  انك تعديت على احد جيرانك  بالضرب   اخبرته ان هذه مشاجره منذ ايام ولم اكن طرف فيها . كل ماهنالك أني تدخلت لفض  المشاجره . يبدو ان هناك خطأ ما هتفت فيه بعد ان تملكت منى العصبيه _ وانت متعرفش اسمى يا احمد . كنت كلمنى قبل ما تعمل المحضر يا اخى احمد :  انا مخدتش بالى انك انت _ ماهو الاسم قدامك ياجدع انت .. ثم دي خناقه عاديه خالص بين اطفال والعيلتين نزلو ضرب في بعض وانا اتدخلت احلها زي كتير من الموجودين   بس فيه عيل زقني وخبطني فضربته احمد : اهو العيل ده  هو اللي عمل المحضر _ طيب الحل ايه ؟ احمد : تتصالح معاه . او الناس اللي دافعت عنهم يقولو ان ملكش علاقه بالخناقه اصلا نظرت اليه في غضب ثم حركت راسي موافقآ على حديثه احمد : بس الكلام ده لازم يحصل في النيابه لان المحضر اتسجل خلاص وقبل ان انفجر غضبا فيه وجدت صديقي المحامى ( عبدالفتاح ) الذي يتلاعب بثغرات القانون بأصابعه مثل عازف الناى كما هو معتاد ان يخبرني دائما عن صولاته وجولاته في قاعات المحاكم   .. لن أخفي عنكم سرا انى شعرت براحه وسعادة غامرة   بعد ان رأيته متحدثا مع نفسي (جالكم اللى هيجيب حقي  ) تقدم الي احمد حتى يعرف محتوى المحضر .لكنه نظر وعلى وجهه ابتسامه غريبه لم اعرف فحواها .. نظرت اليه بتوتر  ايه ياعبود _ بتضحك ليه ؟ . هيحصل ايه فهمنى؟ عبدالفتاح  : اطمن بسيطه . هنروح  سوا متقلقش _ حلها ضرورى . شوف اللازم بعد أن ربت على كتفي حتى اطمئن . لكن زادت الشكوك بداخلى . وزاد معها ضربات قلبي . التي جعلتني لا استطيع التنفس . تركته واقفا يتحدث مع الامين ( احمد )  جلست بعد ان تملك مني التوتر  وقدمى لم تعد تحملنى  . عقلى توقف . اغرقنى العرق . بدا جسمي يرتعش . تحدثت الى نفسي ( ايه هتموت هنا ولا ايه .. اخرتك هتموت في القسم . اجمد كده اومال ) وقفت بجوارهم وظللت امشي  ذهابا وايابا حولهم كأنى منتظر زوجتي  تضع أول مولود لى  . ولكن هذه المرة منتظر الحل الذي ياتى به ( عبدالفتاح  ) ليخبرني بأنه انتهى من حل هذه الأزمة الغير متوقعة ونذهب سويا الى القهوة كما نحن معتادين كل ليلة .. عاد لى بوجه عابس _ مفيش نيابة ليلية . هتبات هنا نظرت اليه والدموع تأبى النزول . _ ابات . ابات فين . هنهزر . اتصرف يا بيه . تنهد وهو ينظر الي الارض _  بكره تتعرض على النيابة . بس اطمن هتخرج . انتفض الامين احمد ينظر لي بكل اسف متقلقش كله هيخلص بكره . اقعد جمبي هنا متقلقش ..   نظرت الي كل منهما الآخر في اندهاش . كأنه حلم سئيل .  تحركت الى الحمام وضعت رأسي تحت الماء دون حركة لعلى أصحو من غفوتي ربما هذا حلم سوف افيق منه بعد نزول الماء البارد على وجهى الذي تجمد من الخضه التى تعرضت اليها … لكني تاكدت ان كل ما يحدث حقيقه بعد أن طرق الباب (عبدالفتاح)  يخبرنى فيه انه سوف يذهب  وياتى في الصبح حتى يكون بجانبي في العرض على النيابة .. قمت بهز كتفي وراسي  في بؤس واستسلام  للأمر دون نقاش منى . جلست بجانب الامين احمد  . بكل اسى وحسرة عما انا فيه . وانا اري عبدالفتاح يذهب بعيدآ عنى خارجآ من باب القسم   ..   نظرت إلى الساعة وجدتها الثامنة مساءا . انها ليله تمنيت ان تمر في غمضة عين لكن ابت الساعة ان تتحرك  معلنة الحرب النفسية التى وضعتنى فيها الشهامة دفاعا عن الحق . ربما تكون نهايتى هذه الليلة في مكان لم يأت على خاطرى ان اجلس فيه ساعة واحدة بل سأقضي ليلة كاملة فيه . لا اعرف ماذا ينتظرني في الغد . استسلمت الى الامر الواقع سأظل هنا مهما حدث ومهما قلت ( فقد سبق السيف العذل ) . يجب ان احكم زناد غضبي واحافظ على ثباتى الانفعالى . وافكر ماذا يحدث في الساعات القادمة  .. بعد مرور فترة لاباس بها شعرت من خلالها بتأنيب نفسي عما فعلته لفض المشاجرة ظن مني اني اقدم خيرآ لكلاهما . وجدت عدم اهتمام كل من تحدثت معهم أثناء الساعات الماضية ولم يتحرك اى منهما . وجدت نفسي وحيدا ..  متسائلا ما يحدث بعد ذلك ؟ وهل سيطول وجودى هنا ؟ وهل سياتى صديقي غداء فى موعده؟ اسئلة كثيرة لم أجد لها إجابة . إلى أن انتفض الامين احمد يخبرنى ان دوامه قد انتهى وعليه الذهاب للمنزل . نظرت اليه بعيون متوسلة ( لاتتركونى هنا وحدى ربما تعود غدا قد تجدني جثه مغطاة بالجرائد . بسبب توقف قلبي من الخوف و الحزن والخزي الذي شعرت به ) . لكنه حاول أن  يطمئنني بأنه سيخبر صديقه الذي يأتي من بعده أن يهتم بي . لكنه قال كلمة جعلت عقلى يتوقف ولسانى انعقد وقدمى رفضت الحركة بعدما سمعته يقول . ( هنضطر ننزلك الزنزانة مينفعش تفضل هنا . هيبقى فيه مشكله لينا ) نظرت اليه بعيون دامعه _ يعنى ايه انزل الزنزانة . اتصرف مينفعش انزل _ غلط جدا علينا . وانت مش هترضي نتأذي . ادخل مع العسكري . اطمن والله نظرت الى الارض بكل حسرة . تقدمت مع العسكري دون كلمة واحدة . فتح الباب الاول . مشت بعض الخطوات . وانا انظر للخلف ربما يأتي احد اصدقائي أو من دافعت عنهم ليخرجني  … هتف احمد بصوت عالي  الي العسكري الواقف بجانبي احمد: دخله زنزانه٢ العسكري: بس دي مليانه احمد : انت عاوز  تدخله زنزانه ١ علشان ميطلعش عليه صباح العكسري : طيب  ندخله٣ احمد في دهشه انت مجنون يبقي مش عاوز حد يعرف عنه حاجه . اخلص ودخله٢ انصت لحديثهم واختلافهم دون اهتمام .فقد استسلمت لما يحدث . لا اعرف مايدور او سبب اختلافهم في اى رقم سادخل . اذا كانت نزنزانة ١ او٣ تقدمت  خطوة اخرى كانى اسير لنهايتى حان وقت  حسابي عما اقترفته من خطأ في حياتى . ربما هى ” الكارما ” التى تأتى على غفله لتطهيرك من ذنوب واخطاء وقعت فيها من قبل .. فتح الباب الثانى  وقفت على الباب بكل حسره عما رايته  وجدتها غرفة صغيرة بها من الاشخاص قد تصل إلى ثلاثين شخص او اكثر . الجو مغبر بدخان السجائر . لمبه مضيئه ضعيفة جدا . قدمى تتحرك بين الجالسين والنيام .  لم اجد خطوة اخرى للقدم الثانية . ظللت واقفا لدقائق حتى هتف احدهم _ تعالى هنا . ابتسامه عابثة على وجهي الحزين . _ شكرا جدا لا استطيع التنفس . شعرت انى سافقد الوعى . لكنى حاولت التمسك . حاولت أخذ شهيق وزفير بسرعه حتى انعش قلبي الذي يأبى المكوث في  المكان . وضعت رأسي بين قدمى بعد ان جلست . تائه . حزين . مندهش . متحدثآ مع نفسي انا هنا ازاى ؟. انا ادخل المكان ده ليه ؟ رفعت راسي في بؤس انظر حولى . وجدت اشخاص يتهامسون سويآ . مجموعة من الشباب لا يتعدى أعمارهم العشرون عامآ يتكلمون مع بعضهم البعض . رأيت رجالا ينامون على جانبيهم من ضيق المكان يتخذون أحذيتهم وسادة للنوم .. أشخاص يرمون السجائر إلى بعضهم من اول الغرفه لاخرها .. فتح باب الزنزانة شعرت بهواء الحرية أخذت شهيقآ  منه الذى عرفت قيمته بعد  . شعرت بالحرية التي افتقدتها في غمضه عين . عرفت قيمتها . فهى اغلى واثمن مما يمتلكه الانسان  . ” إذا كانت الصحه تاج فوق الرؤوس . فالحرية هى الحياة ” هتف الحارس قائلا .. (  محمد اسامه ) نظرت إليه بعيون متوسله حزينه . رفعت يدى ربما عرفوا الخطأ الذى اتى بي الى هنا . وسوف اخرج . لكنى ظننت وإن بعض الظن أثم . القي في وجهي كيسه سوداء . هتف بصوت عالى  ( أكل ليك من الامين احمد ) مسكتها بكل اسي . رفعت عيني وجدت نفسي محاط بعيون جائعة والفضول ياكل فيهم كما ياكل الجوع بطونهم . ماذا يوجد بداخل هذه الكيس البلاستيكي ؟ . قدمت اليهم الاكل وجدتهم جميعا يتهافتون جوعا . لم يبقى لى شئ .. هتف أحدهم _ انت ما كلتش ليه ؟ _ مليش نفس . بالف هنا عليكم اقترب مني احدهم _ فك كده الليله طويله لسه  .. تنهدت وانا انظر في حزن واهز رأسي  . هتف شخص آخر _ معك سجائر _ لا والله مبدخنش هتف بصوت عالى في الغرفه _ عاوز سيجارة يارجالة فجاة انهالت عليه السجائر من كل جانب في الغرفه وبكل انواعها . مد يديه لي بسيجارة _ قولتلك مبدخنش _ نفخ   نفخ . شكلك اول مرة  هنا _ اه اول مره . _ شكلك ابن ناس . جايه في ايه ؟ _ خناقه . _ بس شكلك مش بتاع خناقات _ كنت بحاول احجز في خناقه . وعملوا محضر فيا _ بسيطة .هتخرج بكره بدأ يتحدث بثقه كأنه يعلم القانون وثغراته . كأنه خبير قانونى .. التفت قليلآ وجدت شخص يبدو من هيئته إن أول مرة يدخل هذا المكان . نفس نظرة الحزن  . الحسرة .اللهفة . ينظر إلى الباب ربما يأتي أحد لإخراجه . يرتدي ملابس أنيقة . يخرج علبة سجائر حمراء . يمد لي بسيجارة  . _مبدخنش نظر لي ابتسامه خفيفه _ متقلقش مجرد سواد الليل يعدي وكل واحد هيروح على بيته تنهدت بابتسامه حزينه _ انت هنا ليه؟ _ كان فيه مشكله كهرباء . سددت كل الفلوس المطلوبة  . بس كانت لسه على الكمبيوتر . ونزلوني في كمين _ طيب مش معاك وصل السداد _ اخويا هيجيلى بكره وال ….   وقبل ان يكمل  حديثه قاطعه صوت فتح الباب . سكوت تام . نظرات ترقب . جميعنا متلهفين من يدخل علينا  .. دخل الحارس ورفع يديه الي  زميلى الجالس بجانبي صاحب قضية الكهرباء _ قوم تعالى هتروح اخوك جاب الاوراق انتفض في سعادة .  وقف يهندم ملابسه ومد يديه للسلام و تمني للجميع الخير وقبل أن يخرج من الباب رمى لي علبه سجائره _ خليها معاك . هتنفعك ابتسمت اليه اشكره بنظرة عين ثم القى لي مرة أخرى الولاعه ( هتحتاجها . بس خبيها علشان التفتيش) هتف فيه الحارس _ يالا ياخويا اخلص . ولا اقفل عليك تاني _ لا . لا . يانهار اسود . سلام ياصاحبي ثم اغلق الباب مرة أخرى ولكن على قلبي المتألم عما انا فيه  .. لن انكر حاولت البكاء ربما يخرج مع الدموع المشاعر الغاضبة التي تستنكر وجودي في هذا المكان . بعدها لاحظت قطعه قماش تتطاير تخفي شئ ما . تسالت من يجلس في بجوارى _ هو ده ايه _ ده الحمام . _ حماااام . الغرفه بها حمام لكن ليس له باب يغلق على من يدخل إنما قطعة من القماش المتهالك . المهترئ  . يختفي وراءه  كل من يدخل .. انا الذي اشتكى من دخان سيجارة صديقي وسط الطريق والمساحات الشاسعة . اجلس في غرفة ليس بها اكسجين انما دخان فقط .  غرفة لا تتعدى مساحتها ٣×٤ وبها من يجلس أوينام ويقضي حاجته ايضا . لك ان تتخيل ماتشعر به  وما تشمه انفك . و تسمعه أذنيك من حكايات كل منهما … عدت براسي الي الخلف اسندها على الحائط الوسخ الذي لاتستطيع تميز لونه . من مرور الأشخاص والزمن عليه . وكل من يجلس مكاني يترك بصمته عليه من حفر اسمه أو تاريخ دخوله كانه يترك ذكري له في المكان . او ربما  يعلمنا بانها ازمه وسوف تنقضي مهما طال الوقت . تذكرت كنبتي التي كنت اجلس عليها وانام كما يحلو لي . هاتفي في يدي اتحدث مع من اريد واغلقه كما يحلو لى . فى لحظة حرمت من حريتي وبيتي الصغير الذي لم يعجبني مساحته . ومروحتي المزعجه كم تمنيت وجودها ربما تاتي ببعض الهواء النقي حتي استنشقه . لم اشعر  بالوحده بعد وفاه والداي كل هذه السنوات سوى في هذه اللحظه . علمت معني الضهر والسند . اقترب شاب في عقده الثاني .لطيف . مؤدب . وجهه مبتسم  . طلب في أدب سيجارة  . اعطيته اياه بابتسامه عريضه ليس امامي سوى ان أتأقلم واندمج معهم حتي تمر هذه الليلة على خير … سألته _ انت هنا ليه ؟ هذا هو السؤال المعتاد هنا  قبل ان يعرف اسمك او عملك .. يعرف ماذا جاء بك في هذه الحفرة الفاقدة للزمن والادميه تأكدت لماذا يكتب الجملة المعروفة التى نسخر منها دائما ( السجن اصلاح وتهذيب وتأديب ) لانها تهذب النفس كيف تتحدث  . تصلح الغرور والتكبر الذي قد يصيبنا احيانآ . تؤدب الروح التى تستهزاء بكل ضعيف او محتاج رد بكل فخر _ جاري عمل فيا محضر . علشان كنت شغال في بيتي .كان بيتخانق مع أبويا . روحت مناولة في وشه . سوف تجد اشخاص ليس لهم علاقة بإدمان أو تجارة ممنوعة . هنا سوف تجد من أوقعته الشهامة والرجولة  . سوف تجد اشخاص نائمون بجانبك بسبب بلاغ كيدي من جار او ربما صديق حاقد  أو قضية نفقة رفعتها زوجته عليه . او دكتور أخطاء في عملية يجريها للمريض فتوفي  . أو أحد وقف  ضد رغبة أحد المسؤلين الكبار فا أنتقم منه وجاء به الى هنا  . كما يزعمون دائما ( لازم تتربى) اقترب شخص آخر في نفس عمره مبتسم جلس بجواره . قبل ان ينطق قدمت إليه سيجارة .. فأنا أعلم سبب قدومه مبتسما .. ثم هتف قائلا _ وانت هنا ليه ؟ خناقه بس هتخلص بكرة .المحامى بتاعى اكدلي _ شكلك ملكش في الخناقات والشقاوة _ اها . ما انا كنت بحجز واسمي جه في الموضوع . انتفض الآخر قائلا _ طيب فين الناس اللي كنت بتدافع عنهم . اول ما يعترفوا انك ملكش علاقة  هتخرج هزيت اليه براسي ثم هتفت فيهم . _ انتو قرايب .. اصل فيكم شبه من بعض _ اه ..  ابن عمي . ماهو مينفعش يشتم عمي واحنا واقفين ثم هتف الآخر _ ياعم متقلقش   كلنا هنخرج بكره كلماتهم جعلت عقلي يهدى قليلا . وتوتري بدأ يتلاشى شئ فشئ . كلما اندمجت مع الموجودين  . انتفض أحدهم قائلا _ هقوم استحمى وخلع ملابسه العلويه بكل اريحيه . كأنه في بيته يتحرك دون خجل . تحدثت اليه هتستحمي عادي كده _ اومال اعمل ايه . كده هنعفن . الجو حار خلعت حذائي وضعته تحت راسي ومددت قدمي محاولا النوم قليلا . اغمضت عيني ابحث عن النوم في ذاكرتي لم اجدة . فقررت ان اغمض عيني في كلتا الحالات اذا جاء اهلا به فقد خدمني ويمضي الوقت دون ان اشعر . واذا لم يأت فهذه ليلة ولا الف ليله وليله سوف تكون في ذاكرتي ما دمت حيآ .. كان بجانبي شخص نائم منذ دخولي مثل الميت . يغط في النوم بشكل مريح رغم الصوت العالي الذي يعلو أحيانا . إلا أنه لم يتحرك أو يرمش اليه جفن . من متعه نومه بدا في التقلب يمينآ ويسارآ كأنه في بيته وعلى سريرة المعتاد عليه . بعدها علمت أنه يأتي الي هنا كل خميس وجمعه . فهو يستأجر من قبل الاشخاص  الذين لديهم حقوق  ضائعة ولم يستطيعوا الحصول عليها مقابل جزء من المال . الي ان وقع بين ايدي من هم اقوي منه وجاءؤ به الي هنا مكبل .. سمعت صوت فتح الباب مرة اخرى  . رفع رأسه من كان نائما ومن كان يتسامر مع زميله . لحظه صمت من الجميع وعيونهم موجه الى الباب انه زائر جديد . طويل القامة . عريض . ثمين . مرتديآ تريننج غالي الثمن وحذاء رياضي قيم .  يبدو من مظهره من علية القوم . هتف الحارس ( اتفضل يابيه . هجبلك الطلبات اللي بره ) دخل يخطو بقدميه بين الجالسين والنيام . حتى جلس بجواري مبتسم ابتسامه خفيفه . بعدها تقدم شاب من اخر الغرفه إليه يبدو عليه الفقر . من ملابسه المهترئه ولحيته الطويلة الغير مرتبة . _ هات سيجارة نظر اليه رافع حاجبيه وبصوت جهوري غليظ _ ارجع مكانك . متجيش هنا تاني نظر إليه الشاب في اندهاش _ خلاص ياعم هو انا بشحت منك رد عليه _ امال بتعمل ايه يا حيلتها . ارجع يالا _ انت بتكلمني كدة ازاي ؟. انت ممكن متخرجش من هنا _ ومين ياحيلتها اللي هيعمل كده رد عليه في غضب _ انا اللي هعمل كده انتفض الجميع لتهدئة الأمر . ثم جلس كل منهما في مكانه . وانا جالس دون حراك . تركتهم لحالهم وانا لحالي فقد دخلت هذا المكان مجرد الدفاع عن أحد الضعفاء . فما بالك اذا تدخلت بينهم .. هتف في وجهي هذا الرجل _ وانت ليه متحركتش من مكانك تهدي الدنيا زي بقيت الرجاله ؟ _ وانا مالي ياعم . سبني في حالي مش ناقصه _ مالك في ايه . بدا الحوار بيننا  يتعمق إلى ان تحدثنا في أمور شخصية وعرف كل منا الاخر اين يسكن ومن أي عائلة ينتمي اليها وان اسمه ” هشام “. علمت انه دخل الى هنا في قضية أموال عامة . بعدها بلحظات فتح باب الزنزانة  . وقدم اليه الحارس شنطه به سجائر وطعام  . قدم لي علبة سجائر . اخبرته باني غير مدخن . رماها في وجهي ( لما اديك حاجه خدها ) وضعتها في جيبي . ووزع الطعام على كل الموجودين . ثم نظر إلي الشاب الذي افتعل معه المشكله اول دخوله .  رمى إليه علبة سجائر وهو مبتسم ( خد يالا ) تقدم اليه الشاب مبتسم _ حبيبي ياقائد . اومال قفشت عليا ليه ضربه على وجهه بيده وهو يضحك ساخرا _ كنت قرفان . متزعلش . خدونى من على السرير في عز النوم قدم اليه سندوتش _ خد كل . هتف في سعادة سجايرك في جيبك تدارى عيبك رد عليه هشام _ عيب مين يالا . اظبط كده لظبطك _ بهزر ياقائد ( ثم اتى اليه بفرش وغطاء من عنده ) اسند على دى يا قائد وابقي اتغطى بيها _ ماشي انت اسمك ايه يالا _ مكرونه . رد عليه هشام وضربه على وجهه ضاحكا _ مكرونه اقلام ولا اسباجتى نظر لى مكرونه مبتسم _ وانت هنا ليه يابرنس رد هشام _ وانت مال اهلك ..  اقعد وانت ساكت ياتغور من هنا مكرونة : انا بتحبس  من وانا عندي ١٢ سنه نظرت اليه بعيون واسعه _ نعم ١٢ سنة ابتسم هشام قائلا دول عالم اتعودو خلاص  . مش انت اللي هتموت من ليله ..
تم نسخ الرابط