مارلين مونرو

مارلين مونرو
مارلين مونرو
“أنا مارلين مونرو ، الإخلاص على أبوه” تلك الأغنية الوقحة تصدح في رأسي كل ثانية، ورغمًا عني، أجدني أتمايل على نغماتها الشعبية الصاخبة، أؤمن بشدة أنني أشبه مارلين مونرو، لكن اسمي الحقيقي نور السيد مصطفى… نعم، أعلم أنكم تضحكون عليّ الآن، ولكن شهرتي مارلين، وذلك بسبب حبي العميق لها وإيماني الفائق بجمالها الفاتن، أنا فخورة بأنني أحمل نفس فتنتها في ملامحي، بدءًا من اكتناز خدي وعيوني الواسعة ذات اللون الأزرق الخلاب، وصولًا إلى شفتيَ، اللتين لا مثيل لهما في جمالهما، وكأنهما كرزتان مرسومتان بدقة! سأخبركم بقصة اسمي... كان والدي يعشق الفنانة الأمريكية مارلين مونرو، وعندما وُلِدتُ فائقة الجمال، استبشر خيرًا وقرر أن يسميني “مارلين”، لكن والدتي صاحت بغضب قائلة بصوتها الحاد: -“يمين الله ما هسميها مارلين مرررور دي! أنا هسميها كريمة  وهدلعها كوكي!” ابتسم والدي ساخرًا من تعثرها في نطق اسم مارلين مونرو، وبعد شد وجذب، توسط خالي العزيز لحل وسط، فاستقر الأمر على تسميتي نور، ومع ذلك أطلق والدي عليّ اسم مارلين، فتعلقت به بشدة. استطعت من خلال هذا الاسم أن أجذب الشباب ليقعوا في حبي، لكنني لم أقع حتى الآن في حب أحدهم، رغم معرفتي بما يزيد عن عشرة شبان حتى الآن… ربما أكثر، لكن بالتأكيد ليس أقل! أما الجزء الباقي من الأغنية، وهو الإخلاص، فأنا في الحقيقة لم أعرف عنه شيئًا إطلاقًا! فقارورة إخلاصي تنفد باستمرار، خاصة عندما أكتشف في فتى أحلامي شيئًا لا يعجبني، فأتركه فورًا، وألقي بوعودي له في طي النسيان، بل إنني أتعمد نسيان اسمه وشكله، فلا وقت لدي لإضاعة مشاعري هباءً! أنا أبحث عن فتى ليس له مثيل، شخص يستحق أن يمتلك جوهرة مثلي، فمن سعيد الحظ الذي سيفوز بـ”صاروخ أرض-جو”؟! كما
يلقبونني دائمًا كلما مررت في منطقتنا! أما ما تبقى من صفاتي، فسأترككم تكتشفونه بأنفسكم من خلال قصتي البائسة، التي بدأت يوم الأحد… استيقظتُ باكرًا وارتديتُ أحد ملابسي المفضلة، سروالًا أسود اللون وقميصًا أزرق، فأنا أعمل بائعة في محل عطور داخل أحد المولات الشهيرة، وأعيش بمفردي في شقة والداي بعد وفاتهما، أما خالي الوحيد، فيعيش في محافظة أخرى بعيدة عني! خرجتُ من شقتي وأغلقتها بإحكام عدة مرات، لأتأكد من أنني لن أتعرض للسرقة، فأنا مطمع لجميع اللصوص كوني أعيش وحدي، ثم هبطتُ الدرج بتؤدة، وأنا أتفقد وجهي، الذي كان خاليًا تمامًا من مساحيق التجميل، باستثناء كحلٍ أسود يبرز لون عينيَ ويمنحهما اتساعًا، ولون وردي يضفي إشراقة على وجنتيَ الفاتنتين، وهو نفس اللون الذي استخدمته لتحديد شفتيَ المكتنزتين. ألم أقل لكم إنني لم أضع شيئًا؟! خرجتُ من بنايتي شبه المتهالكة، ومررتُ أولاً بائعة الخضار “أم فتحي” الثرثارة التي قالت بعبوس وسخرية: -ارمي السلام يا ست مارلين، وحطي واطي شوية!! وقفتُ وأنا أنظر إليها بتعالٍ متعمد، فأنا أبغضها لأنها تدخل في شؤوني كثيرًا: -هاي إزيك يا أنطي؟ تعمدتُ استفزازها لأرى استشاطتها، فراقني منظرها وهي تنظر إليّ باشمئزاز: -أنطي لما ياخدك ياختي ربنا يهديكي، وتعقلي وتشوفيلك عريس يلمك. حسنًا إنها تزيد من استفزازي لتدفعني إلى العراك معها، لكنني لن أحقق لها مرادها، فقلتُ بغنج مقصود: -يا أنطي، أنا لو شاورت كده كلهم هيترموا تحت رجلي، بس أنا اللي مش عايزة. رأيتها تنظر إلى صديقتها التي تجلس بجانبها، قائلة بغضب مكتوم: -دي بتقولي أنطي تاني، ولما أقوم أضربها بقى في وسط الشارع مش هتزعل. -ماتزعليش نفسك يا أم فتحي، جيل الأيام دي صعب شوية، مابيحترموش حد خالص! اكتفيتُ بإلقاء نظراتي الحانقة نحوها، ثم أسرعتُ في خطواتي لأصل إلى موعدي المحدد لمقابلة
رامز، صديقي الوفي وجاري أيضًا، لكنه يسكن في آخر بنايات المنطقة، لم أنظر إليه يومًا كفتى أحلامي، فهو مطيع ولطيف، وشخصيته تناسب دور الصديق أكثر من أي شيء آخر، ورغم محاولاته المستمرة لتحويل علاقتنا إلى علاقة تتسم بالإعجاب والحب، فقد رفضتُ ذلك، وشرحتُ له وجهة نظري، فتفهم الأمر على الفور. خرجتُ أخيرًا من منطقتنا الكئيبة، ووقفتُ أستقبل نسمات الهواء العليل بصدر رحب، بينما كنتُ على بعد خطوات قليلة من شراء أحد المحال الصغيرة في منطقة وسط البلد، لافتتاح مشروعي الخاص ببيع العطور النسائية والرجالية، وقد ساعدني رامز كثيرًا في العثور على محل متوسط المساحة وفي موقع حيوي، بحكم عمله سمسارًا للعقارات.   *** -اتأخرت عليك يا رامز. قلتُها وأنا أقف أمامه بنشاطٍ وحيويةٍ كبيرة، ثم انتقلتُ بنظراتي إلى المحل وبدأتُ أتخيل نفسي وسط تصاميمه التي نسجتها في وحي خيالي. -لا يا قمر جاية في معادك، وبعدين أنتي بالذلا اقف استناكي سنة بحالها، معنديش أي مشكلة. معلومةٌ أخرى عن رامز، يمتلك لسانًا لبقًا يجعلكَ دومًا تبتسم كالأبله، على عكس ذلك المتشائم هشام، جاري الذي يسكن فوقي، هو ووالدته السيدة صفصف. -ربنا يخليك يا رامز، يلا نمضي العقود. أشار إليَّ لأدخل، ثم وضع طاولةً بلاستيكية صغيرة وحولها مقعدان، وفوق الطاولة ورقتان، يبدو أنهما العقود، ابتسمتُ بحماسٍ وأنا أرفع رأسي، أسأله بشغف: -رامز دي كل العقود، ومظبوطة ولا لأ؟ جلس أمامي ونظر إليّ بنفس حماسي: -طبعًا يا مارلين، أنا عاملك شغل عالي. أمسكتُ القلم ووقعتُ العقود دون أن أنظر إلى بنودها، ثم وضعتُها أمامه، وفوقها حقيبة بلاستيكية سوداء بها سبعون ألف جنيه، ادخرتُها طوال سنوات عملي، فأنا أعمل منذ وفاة والدايَ، ودخلتُ في جمعياتٍ عديدة مع نساء منطقتي، اللواتي أبغضهن كثيرًا، حتى حصلتُ على هذا المبلغ الكبير. -التلاتين الباقيين اتفقت معاه لما ربنا يكرمني هسددهم عشرة كل شهر. أومأ برأسه لي وهو يضع العقود في جيب قميصه الأمامي، والمال في حقيبته الجلدية البنية: -اه طبعًا، بس استلام المحل بعد أسبوع، زي ما اتفقنا.
تم نسخ الرابط