حبيبة

المحتويات
وقفت داخل حمام منزلها تتأمل وجهها الذى كان تتساقط عنه حبات الماء الذي القت به علي وجهها لتستفيق .. كانت قد استيقظت لتوها لتستعد للذهاب الي عملها .. تأملت ملامحها التي رغم ان الفقر والعمل المتواصل قد انهكها الا انها مازالت تمتلك ملامح جميلة تميزها عن باقي الفتيات في تلك المنطقة الشعبية الفقيرة التي تعيش بها .. كانت اكثرهم جمالا ولكن اقلهم حظاً .. والدها هجر منزلهم فجأة وسافر الي ليبيا واستقر هناك وهي في عمر الثانية عشر .. لم يتواصل معهما لسنتين متواصلتين وكان اول ما وصل لهما منه هو ورقة طلاق والدتها بعد ان استقر في عمله الجديد وقرر عدم العودة الي مصر مرة أخري .. سمعت صوت امها تنادي عليها من خارج الحمام
_ يلا حبيبة خلصى الحمام عشان تفطرى معانا .. انا خلاص حضرت الفطار اهو
كانت حبيبة تعيش مع والدتها خيرية وزوج والدتها ضياء الذي تزوجته منذ سنتين والذي يعيش معهما منذ زواجه بخيرية .. ردت حبيبة هاتفة بصوت عال
_افطرى انتى وجوزك انا هابقى افطر فى الشغل
ثم عقبت بصوت منخفض
_الاهى تقف اللقمة فى زوره وهو بيفطر ونستريح منه
لم تكن حبيبة يوما تحب زوج والدتها .. تزوج ضياء من خيرية بدعوي انه سيقوم بالانفاق عليها وعلي ابنتها .. ولكن لم تمر شهور قليلة حتي اكتشفا انه عاطل عن العمل .. باعت خيرية ما تبقي من ذهبها لتعطيه له ليفتح محل ( بلاي ستيشن ) واضطرت حبيبة للخروج وهي في سن صغيرة من اجل العمل والمساهمة في نفقات المنزل .. كانت حبيبة تكره ضياء وتكره ضعف والدتها امامه .. وكأنها اعتبرته ما تبقي من حظها من الرجال في
العالم فأصبحت تطيعه في كل شيء بلا تردد .. حتي انها اصبحت تدخن معه الحشيش وتحتسي في جلساتها معه البيرة فقط من اجل ان يرضي عنها ..انهت حبيبة ما تفعله ثم تسللت الي غرفتها وارتدت ملابسها سريعا ثم خرجت لتتجه الي عملها .. كانت حبيبة تعمل عاملة تعبئة في احد المصانع .. تخرج الي عملها في الصباح وتعود في المساء .. كانت تعمل لبعض الساعات الاضافية هربا من رؤيتها لزوج امها لوقت اطول مما تستطيع تحمله ..
انهت حبيبة عملها في المصنع في هذا اليوم ولم تستمر لساعات اضافية كما تفعل في كل يوم فقد اتفقت مع فارس ان تقابله في هذا اليوم .. كان فارس هو فارس احلامها الذي القي به القدر في طريقها صدفة ليعطي بعضا من الامل لحياتها الكئيبة .. رغم انه لم يكمل الخامسة والعشرين من عمره الا انه كان رجلا يعتمد عليه .. عمل منذ ان كان طفلا في جميع المهن لكي ينفق علي امه وشقيقتيه بعد وفاة والده .. تقابلت مع فارس في المكان الذي تعودا ان يتقابلا فيه علي النيل بالقرب من منطقة الكيت كات .. كانت تلك النقطة التي حدداها سويا لانها قريبة من عملها في منطقة امبابة ومن عمله كفرد امن في منطقة العجوزة .. جلست معه علي سور الكورنيش واخرجت من حقيبتها كيس به بعض الساندوتشات ووضعتها بينهما وهي تبتسم
_ بأقولك ايه انا مفطرتش م الصبح وميته م الجوع .. وقولت استني لما ناكل سوا .. اوعي تقوللي مليش نفس
ابتسم وهو يلتقط ساندوتش الطعمية من يدها
_ مليش نفس ايه ؟.. دي ريحة الطعمية مجنناني من اول ما قابلتك
ضحكت
_ ما شاء الله ع الكلام الحلو .. ده بدل ما تقوللي وحشتيني تقول الطعمية ريحتها مجنناني
_ انتي عارفة انك بتوحشيني قد ايه
ابتسمت وهي تتناول ساندوتش لها .. كان انشغال فارس واستمتاعه بساندوتش الطعمية فرصة لها ان تتأمله دون ان يلحظ ذلك .. كانت تعشق ان تسترق بعض النظرات له دون ان يري انها تتأمله .. بشرته المائلة للسمرة وشعره الكثيف الخشن وجسده القوي وياقة قميصه الازرق التي تطل من اسفل سترته كانوا مزيجا يعطوا له سحرا خاص .. كانت تشعر في الساعات القليلة التي تتقابل معه فيها بأمان لم تشعر به منذ ان تركها والدها منذ سنوات ..
انهي فارس ما بيده سريعا والتقط اخر وهو ينظر لها متسائلا
_ عاملة ايه مع جوز امك ؟
_ هاعمل ايه ؟ .. اديني بافضل بره البيت علي قد ما اقدر لحد ما ربنا يسهل وابعد عنه نهائي
_ انتى عارفة انى مش مقصر .. باشتغل واحوش عشان اتجوزك واخلصك من اللى انتى فيه ده
_ عارفة
ابتسم فارس وهو يربت على يدها مطمئنا .. كانت تلك اللمسة الحانية من يده هي كل ما تحتاجه لتكمل حياتها بشيء من الامل في غدها ..
جلس ضياء امام محل البلاي ستيشن وهو يضع الشيشة امامه يدخن منها .. كان ضياء فى اوائل الخمسينات من عمره .. قضي سنواته الخمسين تلك ما بين مهن فشل في اتقان اي منها وبين زيجات انتهت كلها بالطلاق ايضا .. كانت خيرية هي الوحيدة التي تحملته وقررت مساعدته ليفتخ محله هذا .. خرج من المحل الذي تجاور فيه الاطفال امام شاشات البلاي ستيشن ليمارسوا العابهم المفضلة مساعد ضياء الذي يعاونه في عمله وهو يهتف
_عم ضياء
_فى ايه ياله
_ولاد الامين سعيد لعبوا ساعه ومش عايزين يدفعوا الا 10 جنيه بس
_ زى ابوهم بالظبط نفس القطعية
_ امشيهم ؟
_ لا تمشيهم ايه .. ابوهم ليه حبايبه كتير فى المصنفات واحنا مش عايزين قلق .. انت لعبهم شوية ولو لقيتهم هيطولوا ابقى افصل الجهاز وقولهم عطلان
نهض ضياء وهو يكمل كلامه مع مساعده
_ابقى بعد ما تخلص قفل المحل وطلعلى الايراد فوق
_ حاضر
اتجه ضياء ليدخل المنزل المجاور للمحل .. كان قد اختار ان يفتح محله بالقرب من شقة زوجته التي يعيش فيها معها ومع حبيبة ابنتها حتي لا يرهقه الوصول اليه .. فاغلب المهن التي عمل بها كان يتركها بسبب استغراقه في النوم او بسبب تأخره علي مواعيد العمل التي يقررها اصحاب العمل .. لذلك كانت خطته ان يكون هو صاحب العمل ويكون عمله في اقرب مكان للمنزل حتي يستطيع الاستمرار فيه .. دخل الي شقة زوجته ليجدها تجلس تشاهد التلفزيون كعادتها .. ابتسمت بحماس عندما شاهدته يفتح الباب ويدخل فنهضت مسرعة واقتربت منه وهي تبتسم بود
_ انت جيت يا ضياء ؟
رد عليها بضيق
_ لا مجتش .. خيالى هو اللى جه
_ يا اخويا انت عمرك ما ترد عليا مرة حلو
_و أرد عليكى حلو ازاى .. والساعة بقت 11 وبنتك لحد دلوقت مرجعتش
_ ما انت عارف يا اخويا انها بتتأخر فى الشغل
_ الناس كده تجيب فى سيرتها
_ قطع لسان اللى يجيب سيرة بنتى .. حبيبة بنتى اشرف من الشرف
اتجه ليجلس وهو يهتف فيها بصوت عال
_ خلاص يا اختى امسكى مقص وروحى قصى لسان كل اللى هيتكلموا عليها .. انتى قاعده هنا وقافله عليكى بابك ومش عارفه الناس بتقول عليها ايه فى الشارع
وقفت خيرية مكانها لا تستطيع الرد .. فقد كانت تعرف زوجها جيدا .. عندما يرتفع صوته لن يتوقف عن الكلام الذي يتطور احيانا الي كلام بذيء لا تستطيع مجاراته فيه .. لم تكن تريد ان تجعله يغضب فقد جربت ذلك من قبل عندما تشاجرت مع والد حبيبة وهي تطلب منه ان يصطحب ابنتهما للطبيب بعد ان تجاوزت حرارتها ال 40 .. خرج بعدها غاضبا ولم يعد بعدها مرة اخري للمنزل .. اصبحت زوجة مع ايقاف التنفيذ لسنوات لانها تهورت وطالبته بعلاج ابنتهما .. ثم عاشت لسنوات اخري كامرأة مطلقة لذلك لم تكن علي استعداد لتكرار هذا الخطأ مرة اخري ..
فتحت حبيبة الباب ودخلت مقتربة منهم وهي تنظر الي ضياء الذي امسك لسانه عندما رأها تدخل .. وقفت حبيبة وهي تنظر له بحدة
_ مالك يا جوز امى سامعاك من تحت وانت بتتكلم وصوتك قد كده .. مش هتبطل بقى تجيب فى سيرتى كل ساعة والتانية
حاولت خيرية تهدئتها
_ الراجل مقصدوش حاجة وحشه ياحبيبة ده خايف على سمعتك
_ والله ما فى حاجة هتبوظ سمعتى الا الرط اللى بيقعد يرطه ليل ونهار ده
نظر ضياء الى خيرية ثائرا ومستنكرا
_ شفتى بنتك .. وانا اللى باعتبر نفسى زى ابوها وخايف عليها وعلى سمعتها
_سوا انت ولا ابويا زى بعض .. هو سابنى وانا صغيرة وهج وانت نطيت مكانه .. وخدت دهب امي وعملت نفسك معلم وصاحب بيت وعايز تحكم وتتحكم
انتفضت خيرية محاولة الدفاع عن زوجها
_ ما تلمى نفسك يا حبيبة وبلاش تهبى فى الراجل كل شويه كده .. الراجل قاصد خير
هتف ضياء وهو ينظر لحبيبة بغضب
_ قوليلها
قد يعجبك ايضا
متابعة القراءة