ولاد زينب

المحتويات
كانت زينب تعد القهوة في المطبخ لجيرانها الذين حضورا إلى بيتها لتقديم واجب العزاء في زوجها خالد الذي توفى بسبب أزمة قلبية مفاجئة نقلوه على إثرها إلى المستشفى العامة القريبة من المدرسة التي لفظ بها أنفاسه الاخيرة هذا ما ابلغها به مدير المدرسة التي يعمل بها زوجها معلم لمادة الفلسفة ظلت زينب للحظات متجمدة في مكانها لا تستوعب ما سمعته اذنيها عن زوجها الذي غادر قبل عده ساعات ولن يعود إليها ولا إلى اولاده وبيته ثانياً ولعدة دقائق بعد ان وضعت هاتفها في ذهول على المنضدة بجوار الكرسي التي ألقت بجسدها عليه وهي تحدث نفسها
– يعني إيه خالد مات.. يعني إيه مش هشوفه تاني
ونظرت إلى بطنها التي تعلو عن محيط صدرها من الحمل
– طب ويونس
قالتها وهي تضع يدها على بطنها وفي هذه الأثناء كانت دعاء الصغيرة الرقيقة ذات العامين استيقظت من نومها وخرجت من غرفتها تتجه كعادتها نحو أمها لتلقي بنفسها الى حضنها وعندها بدأ سيل الدموع ينهار من عين زينب لقد استوعبت الأمر الأن
دعاء الصغيرة فقدت والدها وهي ايضاً فقدت زوجها وأخيها وأبيها وكل أهلها كان خالد كل ما لدى زينب من أهل فهي الفتاة اليتيمة التي كان يربيها عمها الذي لا ينجب الأطفال وأخد هو على عاتقه تربية بنت أخيه الذى توفى والديها وهي صغيرة وأحتسب رعايته لها عوضا عن عدم إنجابه فأحسن مراعاتها وتربيتها على قدر ما كان يستطيع وعندما تقدم خالد للزواج منها تكفل عمها بما يكن على الآباء من تحمل لمصاريف زواجها لكى يكمل رسالته كأب لها وبعد أن تزوجت خالد ببضعة اشهر توفى عمها ولم يبقى لها في الحياة غير زوجها الذي لم يكن
له غيرها فهو يتيم الأب أيضاً ولكن والدته تزوجت وهاجرت مع زوجها وهو لم يكن تعدى حينها عمر السادس عشر ولكنه كان يقدر على الاعتناء بنفسه فعمل وتعلم وتزوج لتصبح له اسرة وحياة ولكن ها هو الأن يترك كل هذا ويترك الحياة و يذهب إلى خالقه وحينها أدركت زينب أنها يجب أن تخرج من البيت لتودع زوجها الوداع الأخير وهي التي كانت تودعه كل صباح عند خروجه من البيت لتنتظر عودته إليها ولكن الأن يجب أن تذهب هي له واتشحت بملابس سوداء وأخذت أبنتها دعاء وطرقت باب جارتها الحاجه فوزيه ام هدى لتترك عندها ابنتها دعاء وعندما فتحت جارتها الباب وجدت زينب
تجهش بالبكاء ومحمرة العينين فقالت لها في فزع الأم على أبنتها
– خير يا زينب مالك يا بنتي كفا الله شر
– خالد مات يا خالتي
صدمت الحاجة فوزيه من خبر وفاة خالد فهي تعتبر نفسها الأم لكلا منهما منذ أن أشترى شقته بجوارها وكانت معهما دائماً الأم الناصحة لهما والجارة التي لديها خبرة سنين في التعامل مع امور الأطفال حديثي الولادة حتى أنها كانت مع زينب وخالد في المستشفى وقت ولادة زينب لدعاء.. وعندما سمعت هذا الخبر المشؤم صاحت بالولولة والصراخ تنوح وتضرب على صدرها بيدها
– مكنش يومك يا خالد ده لسه مصبح عليه وهو خارج الصبح مات امتى و إزاي
كان لصوت صيحات وولولة الحاجة أثر مفزع على دعاء التي بكت وصرخت ولم تكن الصغيرة تفهم شيء مما يحدث وتشبثت بأمها من الخوف ولكن زينب ابعدتها عنها لتعطيها للحاجة فوزية لتركها عندها في حين تذهب أمها إلى المستشفى التي نقلوا إليها خالد بعد ان لفظ انفاسه الاخيرة نزلت على سلم العمارة وهي تهرول في حين سمع الجيران وذاع خبر وفاة خالد في شارعهم فتلك المناطق والشوارع المكتظة بالسكان ذات الطابع الشعبي يتناقل بها الخبر مثل تناقل النيران بين الأشجار في يوم عاصف وعندما عادت زينب إلى بيتها بعد أن ودعت زوجها الوداع الأخير وقامت بدفنه في قبر عائلتها وترجلت من سيارة زميل زوجها الذي كان يوصلها ومعه اثنين من زميلات زوجها في العمل تلقفها جيرانها فمن النساء المتشحات بالسواد اللاتي يبدين الحزن لها ويربتن على ظهرها ومواساتهن لها بكلمات أعتدن على ترديدها في هذه الظروف مثل شدي حيلك والباقية في حياتك إلى الرجال الذين اجتمعوا على إنهم سيقيمون سرادق عزاء لخالد فهم يعرفون أن خالد وزينب مقطعون من شجرة وليس لخالد وزينب من يقوم بأخذ العزاء وهذا بطبيعة الحال من شيم سكان المناطق الشعبية فهم دائما ما يتواجدون في الشدائد والصعاب التي تظهر معدنهم الأصيل لا شك في هذا وان التداخل من شيمهم ايضا عندما يفتح لهم الابواب على مصرعيها.. وصعدت زينب الدرج إلى شقتها وهي محطمة تجر أقدمها جراً ودخلت في صمت الى شقة الحاجة فوزية وأكتفت بالنظر إلى أبنتها دعاء وهي نائمة على غطاء وضعته الحاجة على الأريكة فجلست بجوارها واضعة يدها على رأسها ولم تنطق زينب بكلمة واحدة وبعد عدة لحظات كانت قد وضعت الحاجة فوزية أمام زينب على المنضدة صينيه بها كوب من اللبن وبعض الشطائر والبيض المسلوق
– زينب كلي لقمة يا بنتي عشان تقدري تصلبي طولك شوية وتلاقي الناس جايه تعزيكي
نظرت زينب إلى الحاجة وعيناها المحمرتين يتحدثان عن ما بداخلها من ألم وحزن
– مش قادرة يا خالتي والله قدر خيرك
جلسة الحاجة بقرب زينب لتحسها على الاكل ووهي تربت لها على ظهرها بود
– لا مينفعش كده أجمدي وخليكي قوية عشان بنتك واللي في بطنك ده ذنبه ايه بس
ومدت يدها بكوب الحليب لزينب
– اشربي ده يا حبيبتي عشان اللي في بطنك
كانت دعاء حينما مات والدها قد بلغ عمرها عامين ولم يكن يونس قد ولد بعد وإنما كانت أمه قد بلغ حملها فيه الثمان أشهر ومنذ حملت زينب كان زوجها كمعظم الرجال يتمنى الولد فهو كان يتمناه في أول أطفاله وعندما رزقه الله بأبنته دعاء حمد الله على مشيئته وبرغم إنه يعمل بمهنة التدريس كمعلم في مدرسة ثانويه للبنات ويدرس لهن مادة الفلسفة لم يؤثر فيه علمه وثقافته لتقدير أن في هذا الزمان الفتيات مثل الأولاد وكانت بيئته الشعبية هي الأكثر تأثير به وعندما علم أن ما ينتظره منذ أول مرة حملت زوجته فيه قد أقترب نعم فهو الغلام ورجل المستقبل وعكاز الزمن الذي سيتكأ عليه عند الكبر كان الفرح والسرور قد سكنا بيته وكان الجيران عندما يرونه وهو يهتم بزوجته ويشتري هو من الأسواق ما يلزمها بدلاً عنها يتغامزون و يتلمذون من غيظهم وحسدهم على سعادة زوجته به التي لم تدوم غير بضعة أشهر فقد كان للقدر كلمته برحيل الزوج قبل مجيئ الولد للحياة فسكن الألم والحزن في بيتها بعد أن هرب الفرح والسرور منه.
وفي العزاء ليلاً وهي تصنع القهوة لجيرانها وتسمع مايتحاكون به عن زوجها وأدبه حتى أن أحد سيدات الحي سمعتها وهي تقول بحزن
– يا ريتنا ما شفناك ولا عرفناك يا خالد حزنتنا أوي وقطعت فينا
وسمعت الأخرى تقول
– و ياعيني عليه ملحقش يفرح بالواد اللي كان مسنتيه ده فرق على الشارع كله شربات بعد ما عرف إن مراته حملت في ولد
وبعد شهر تقريباً من رحيل خالد جاء يونس وكان عوضاً لزينب عن أبيه فهو يشبه خالد بشدة كانت زينب تنفق ما تركه لها خالد من مدخرات تركها بعد شراء الشقة التي يقطنون بها الأن وبعض المساعدة من زملاء خالد في العمل إلى أن حصلت على معاش خالد وبرغم أنه مبلغ بسيط لكنها قررت أن تترك باقي المدخرات في البنك ولا تقترب منهم حتى يكون لدعاء ويونس ما تؤمن به مصاريفهم في الدراسة حينما يكبرون وعاشت لرعايتهم في وسط جيرانها الذين راعوها هي وأولادها ولكن ذات يوم مرض يونس وارتفعت حرارته بشدة وكان الوقت متأخراً جداً كان قبل الفجر ولكنها بعد أن حاولت تجربة الكثير من الطرق الطبيعية لتخفض درجة حرارته ولم تنجح قررت ترك دعاء نائمة وخرجت بيونس إلى مستشفى الأطفال القريبة من منزلها وكان وقتها الشوارع خاليه والنهار لم يأتي بعد وتوجهت إلى المستشفى حاملة يونس على يدها محموم ومريض وبعد أن قابلت الطبيب الذي أجرى الكشف على يونس وأعطاه ما يلزم لتهدئة حرارة وكتب له على بعض الأدوية التي تلزم حالته خرجت من المستشفى وكان أول ضوء للنهار قد ظهر وفي حين عودتها إلى شارعها كانت الست أم منال جارتها تقوم بفتح دكانها وبجوارها أبنتها منال تساعدها وحينما وجدت زينب عائدة إلى بيتها دنت من ابنتها الشابة وهمست لها ظناً منها أن زينب التي تقترب منهم في الشارع لن تسمعها
-إيه دا هي كانت بايته فين ورجعة وش الصبح كده
وعندما سمعت زينب همساتهما توقفت للحظه وانعقد لسانها عن الكلام من هول الصدمة ما سمعته فأكملت طريقها وهي غاضبة لا تعلم ماذا تفعل لتدافع عن سمعتها وأدخلت يونس لينام في فراشه وأطمئنت أن دعاء لاتزل نائمة وخرجت تطرق باب شقة الحاجة فوزية وروت لها كل ما حدث وكانت نصيحه الحاجة لها أن تتجنب الشبهات وهي مخطئه في أن تخرج وحدها في هذا الوقت وأن كان الأمر محتم مثل حالتها كانت أيقظتها لتجعل هدى تذهب معها. فاستسلمت زينب لوجهة نظر الحاجة عن إنها هي المخطئة ودخلت شقتها لتستريح وتنام قليلاً بعد ليلتها المرهقة مع يونس وعندما سمعت صوت دعاء الباكي وهي تحاول إيقاظها وتقول لها انها جوعانة تذكرت زينب إنها انشغلت بمرض يونس ولم تشتري شيئاً للطعام وبشكل طبيعي أتصلت على رقم مطعم بجوار بيتها ليأتي لها بالطعام وبعد قليل دق جرس بابها ووصل الشاب عامل التوصيل التي تعرفه هي لأنه يسكن في نفس الشارع معها وفي كل مرة تطلب الطعام كان يوصل هو الطلب لها ولكن في هذه المرة كانت نظرته لها مختلفة فهو ينظر لها ويتكلم معها بطريقة غير مهذبة على عكس ما كان من قبل ونظرته لها وهو يفحصها لا تليق إلا بالعاهرات فارتبكت وأخدت منه الطعام وهي تعطيه المال واغلقت باب شقتها وهي مذهولة من ما حدث وفي اليوم التالي عندما خرجت من بيتها كانت من عادتها أنها تلقى السلام على سيدات الحي التي تصادفهم في طريقها وعندما مرت على أحد جارتها وألقت عليها السلام فلم ترد عليها واعتقدت زينب في البداية أن جارتها لم تسمعها فأكملت طريقها وشعرت بأن الناس ينظرون لها بنظرة غريبة وهمسات بينهم ولمزات غير طبيعية فرجعت بيتها تحكي للحاجة فوزية ما وجدته من طريقه تعامل بشكل لا يليق بها وكان رد الحاجة عليها صادم بأنها سمعت من الناس عن تحدثهم إنها كانت تسهر طوال الليل خارج منزلها وتأتي في وقت مبكر من النهار ولكنها ردت عليهم بما تعرفه في ليله مرض يونس وحذرتهم أن يخافوا من الله ولا يتحدثون عنها فهم لديهم ولايا على حد قولها
ولكنها أضافت محذرتاً لها
– خلي بالك يا زينب انتي شابه صغيرة وأرملة والطمع فيكي يا بنتي وانا أخاف عليكي من فكرة الناس عنك تبقى وحشه
ردت زينب وهي تبكي من ما سمعته
– كل ده عشان خرجت مرة باليل أكشف على ابني
– يا بنتي الناس ملهاش غير الظاهر وكمان الغلط في نظرهم حصل مرة قدام عينيهم فيظنوا إنه حاصل
قد يعجبك ايضا
متابعة القراءة