كان لك معايا – الجزء الثالث والأخير

المحتويات
لقراءة كان لك معايا – الجزء الأول
تصحيح مسار
يوسف يجلس على كرسيه الهزاز أمام شرفته، يبدو عليه الهدوء والسكينة، فرحًا بهذا اليوم. فقد شعر أن حياته تجددت بوجود مي. الغريب في الأمر أنه لم يشعر بذلك الذنب حينما يتذكر زوجته. مشاعره أصبحت موقدة، مقبلة على الحياة. في هدوء استعاد تلك اللحظات على طاولة الطعام، كلما اختلس إليها النظر، ووجد على وجنتيها ذلك الخجل. لكن لا يقطع صفو تلك اللحظة إلا أنه سمع صوت حركة مريبة. اعتدل في ارتياب باحثًا عن مصدر الصوت، وما هي إلا لحظات حتى وجد وحيد أمامه، ظهر شاحب الوجه. يعرف أن يوسف فزع منه، فيباغته يوسف بالسؤال:
يوسف: جاي تخلص عليا أنا كمان يا وحيد؟
وحيد (يجلس على الأرض ويضع يديه خلفه ليطمئن يوسف، ثم يرد بندم شديد): لا، أنا جاي أعتذر لك الأول، لأني قررت أسلم نفسي.
يوسف (باستغراب وترقب): تعتذر لي على إيه يا وحيد؟ انت عارف انت عملت إيه؟
وحيد (يبدأ ببكاء ضعيف): عارف، واستاهل كل اللي يجرالي، بس عزّ عليّا إني أسلم نفسي من غير ما آجي لك وأتكلم معاك. انت مش عارف انت كنت بالنسبالها إيه؟ أمي كانت بتحبك، يمكن أكتر مني كمان، كان نفسها أكون زيك، على الأقل كان نفسها أكون كويس.
يوسف (بدأ يشعر بالارتياح قليلًا): وبعدين؟
وحيد: أنا فوقت يا أستاذ يوسف، وكل اللي طالبه منك إنك تسامحني. يمكن لما انت تسامحني هي كمان تسامحني، يمكن ترتاح. مع إني والله والله ما كان قصدي أعمل كده، أنا بس كنت عايز آخد حتتين الصيغة وخلاص. أنا من بعدها حاسس إني ماليش لازمة، دعاها ليا بالستر خلاص خلص يا أستاذ يوسف. (ينهار بالبكاء) لو ليها عندك معزة،
سامحني بالله عليك.
يوسف (يتذكر سيدة، ويتذكر كيف كانت تحب وحيد، ورغم ذلك الألم الذي شعر به، يشعر بتعاطف تجاه وحيد. يتجه إليه ويربت على كتفه): قوم يا وحيد. انت عارف هي كانت بالنسبالي إيه، وكل اللي هقدر أعملهولك، إني هحاول أساعدك وأخلي المحامي بتاعي يترافع عنك. يمكن تسليمك لنفسك يخفف الحكم شوية، ويمكن لو أثبت إنك مكنتش في وعيك برضه. واللي بعمله ده مش علشان انت صعبان عليا، لا، علشان أحاول أخليك زي ما هي كانت عايزة.
وحيد (ينهض وهو يبكي بشدة): يعني سامحتني؟
يوسف (يتجه إلى منضدة بجانب كرسيه، ويمسك هاتفه، ويتصل بالشرطة، ثم يتحدث إلى وحيد): مش مهم أنا أسامحك، المهم انت تكون مسامح نفسك.
الحقيقة تقود إلى المعرفة
يجلس عاطف أمام مكتبه، وبجانبه تجلس مي، يشاهدان مقطع فيديو يظهر فيه شريفة داخل غرفة الكمبيوتر، وهي تقوم بسرقة الملفات من على الأجهزة. تنظر مي إلى عاطف بنظرة انتصار، ثم تتحدث بثقة:
مي (بابتسامة خفيفة): كنت متأكدة.
عاطف (بدهشة): يعني إنتي كنتي عارفة؟
مي: لا، كنت شاكّة، بس كان شك بيقين. أسلوبهم مع بعض كان بيأكد إن في حاجة بينهم.
عاطف (مستغربًا): بس الغريب… ليه تاخد الملفات من وراه؟ المفروض معاه “أكسس” لكل حاجة، يعني مش محتاج يسرقها.
ممكن يكون عايز يبعد الشبهة عنه؟
مي (بتردد): ممكن… بس مش مقتنع. في طرف ثالث في الموضوع. شريفة دي مش سهلة، وأكيد متفقة مع حد تاني… بس تفتكري مين؟
عاطف: علمي علمك. (بحماس) عموماً إحنا كده معانا دليل قوي وقاطع! دلوقتي مستر يوسف يقدر يتكلم وياخد حقه.
مي (بهدوء): تعرف… هو صعبان عليا جدًا. مش عارف يلاقيها منين ولا منين.
عاطف: المهم دلوقتي إننا نوصّله الفيديو، وهو يشوف هيتصرف إزاي.
مي: صح كلامك.
يخرج عاطف فلاشة من درج مكتبه، وينقل الفيديوهات عليها، ثم يعطيها لـ مي. تأخذها منه بحذر، تنهض من مقعدها، تلقي نظرة أخيرة على الشاشة، ثم تخرج في هدوء، وتغلق الباب خلفها بحركة حازمة.
سكتنا واحدة
يجلس محسن في لوبي أحد الفنادق الشهيرة، يحتسي كوبًا من الشاي. يلتفت حوله في توتر، لكنه يحاول أن يظل محافظًا على هدوئه. في الجانب الآخر، يقف صبري خلف بانوه يترقب محسن في صمت، وفي عينيه نظرات انتصار. ربما يدرك تمامًا أن محسن يحاول المحافظة على هدوء ملامحه، لكنه يعرف أن بداخله تساؤلات كثيرة. لقاء يحسم الكثير، يستعيد مباراة قديمة، كان بطلها يوسف، سانده محسن، وخسر هو فيها. الآن قد أتيحت له الفرصة ليستعيد مكسبه الضائع، فقد خسر يوسف زوجته، والآن سيخسر صديقه ونجاح عمله.
يحدث نفسه: يا له من انتصار محقق!
يسير في خطوات ثابتة نحو محسن وهو يشعل سيجاره، يقترب منه في هدوء ثم يجلس بدون أن يمد يده ليسلم عليه. ينظر إليه محسن وهو يتأمل ملامحه التي تغيرت قليلًا، ليبادره صبري بالسؤال:
صبري (ساخرًا): إيه؟ بان عليا العمر؟” يضحك ساخرا” ً صغرت أكتر، صح؟
محسن (بهدوء): عايز إيه يا صبري؟
صبري (يعتدل في جلسته، وكأنه كان متوقع السؤال): مصلحتك.
محسن: وانت مالك ومال مصلحتي؟ ومن إمتى بتخاف عليها؟
صبري: لا، مش مسألة خوف عليها، تقدر تقول مصالح مشتركة. بص من الآخر كده، أنا ما عنديش عداء شخصي معاك، وما يرضنيش إنك تقع وترجع تبدأ من الصفر. فقلت أعرض عليك عرض، وأنا عارف وواثق إنك هتوافق، لأنك بصراحة ما تقدرش ترفض.
محسن (ساخرًا): مش عارف أنت جايب الثقة دي منين… طيب قول الكلام ده لحد تاني ميكونش عارفك كويس، ولا إيه؟
صبري (بثقة): لا، هتوافق. بص من الآخر كده، أنا قادر أخلي الشركة تفلس من بكرة الصبح، وكل مناقصات الشركة أنا فعلاً جهزت عروض أقل منها، وأقدر أقدمها، ولسه قدامي وقت، بس قلت أخليك في الأصول الأول.
محسن (بهدوء وثقة): شريفة، مش كده؟ على فكرة أنا كنت عارف، وكنت مستنيك تكلمني. وعايز أقولك إني أنا كمان عملت عروض جديدة، شريفة متعرفش عنها حاجة. ينظر إليه بمكر بس لسه مقدمتهاش.
صبري (يضحك بخبث): خلبوص كبير انت… لاعيب قديم” ! ثم ينظر إليه بحدة ” بس تقدر تقولي مقدمتهاش ليه؟ ما تتعبش نفسك، هقولك أنا، علشان انت عارف إنك معايا هتكسب أكتر، صح؟
محسن (بجفاف): هات من الآخر، قول اللي عندك.
صبري: أنا هقدم العروض بتاعتي، وانت ليك نص المكسب. الشركة عند يوسف هتقع، هنغير اسمها، وانت اللي هتمسكها. وكده تبقى انت مبسوط، وأنا مبسوط، وكل اللي جاي، هرميه عليك. وأظن كده يبقى عداني العيب.
محسن (يعتدل في جلسته، بنبرة متوجسة): ممكن أسألك سؤال؟
صبري (بثقة): عايز تعرف أنا بعمل كل ده ليه؟ صدقني… مش من مصلحتك تعرف. عايز تلعب معايا؟ العب من غير سؤال.
ينهض، يعدل سترته، ثم ينظر إلى محسن نظرة نهائية قبل أن يقول:
صبري: أنا مش هسيبك تفكر… هستناك بكرة في مكتبي نخلص الاتفاق. سلام.
يسير باتجاه باب الخروج، بينما يتابعه محسن بنظرة طويلة حتى يخرج. يخرج نفسًا من سيجارته في هدوء، ثم يتلفت حوله، وينهض، ويسير هو الآخر باتجاه باب الخروج.
خيوط تتواصل من جديد
تقف إسراء أمام باب منزل يوسف، تتردد في طرق الباب. تخاف من ردة فعله، لكن ليس لديها أي خيار آخر. قامت برن الجرس، ولكن بدون أي استجابة من الداخل. ضغطت على الزر مرة أخرى، وانتظرت قليلاً، حتى سمعت صوت خطوات قادمة باتجاه الباب. يفتح يوسف الباب ليفاجأ بإسراء تقف أمامه. نظر إليها في صمت، وهي الأخرى كانت تنظر إليه في صمت، ولكن صمتًا يختلط به اللهفة. لقاء انتظرته لمدة طويلة، بداخلها تتمنى أن ترتمي في أحضانه وتبكي، لكنها تمالكت نفسها وتحدثت إليه في هدوء:
“مش هتقولي أدخل؟ الموضوع مهم، هقوله لك وأمشي على طول.”
يوسف:
في قلق وتوتر،:”اتفضلي.”
سار بخطوات سريعة إلى الداخل، كأنه يرفض النظر إليها، ويخاف أن يكون أحد أعيب صبري. لكن كان عليه الاستماع إليها. اتجه نحو الأريكة.
دخلت إسراء وتركت باب المنزل مفتوحًا، ثم اتجهت نحو الأريكة وجلست. نظرت إليه
يوسف:
نظر إليها على مضض: “خير.”
إسراء:
“لا، مش خير. أنا عايزة أقولك إن صبري بيخطط لشيء كبير ضدك. أنا مش عارفة كل التفاصيل، لكن اللي متأكدة منه إنه مش خير خالص. عمري ما شوفته عنده الثقة دي إنه هيأذيك، ولا شوفته بالفرحة دي قبل كده.”
يوسف:
قام بالرد عليها بغضب:
“وأنتي بقى المفروض جاية تحذريني؟ والمفروض إني أسمع كلامك، وأبقى طاير من الفرحة إنك جاية تنقذيني؟”
إسراء:
نهضت غاضبة:
“إنت بتعاملني كده ليه؟ أيوة، جاية أنقذك. أقولك على حاجة كمان: عارفة إنى غلطت، بس ده كان زمان. كنا صغيرين، مكناش بنعرف نقدر المواقف. عايز تسمع إيه تاني؟ إن حياتي اتدمرت؟ إنى محققتش ولا حاجة؟ عايز تسمع إنى بقيت زي اللعبة في إيد صبري؟ إيه تاني عايز تسمعه يا يوسف؟ ندمانة يا أخي، ندمانة!”
يوسف:
نظر إليها في عطف، لكنه حاول أن يظل متماسكًا:
“طيب، اعقدي.”
إسراء:
ظلت واقفة وهي تبكي:
“بص يا يوسف، أنا كنت عارفة من الأول إنك هترفض تسمعني، لكن مقدرتش أبيعك مرة كمان. مقدرتش أشوف إنك هتضيع تاني وأفضل واقفة بتفرج.”
قد يعجبك ايضا
متابعة القراءة