جادير ( مستوحاة من احداث حقيقية )
– التشخيص المبدئي …….
نظرت له اميرة بإرتباك غير مستوعبة لما قاله
– مش فاهمة يادكتور .. يعني إيه؟
– يعني بنقول عليه صرع نفسي.
شعرت اميرة بالرعب والخوف على صديقتها
– صرع؟ .. دي حاجة خطيرة جدًا .. صح
أبتسم يوسف إبتسامة الأطباء المعتادة لطمئنة اميرة
– ماتخافيش ده تشخيص مبدئي ولكن الصرع النفسي نقدر نعالجه بسهولة لو إلتزمت مريم بنصايحي والعلاج المكتوب هنا.
قالها وقد إنتهى من وصفة طبيه لبعض العقاقير المهدئة والمضادة للأكتئاب وشرع في شرحها لاميرة عن كيفية إستخدامها .. وهنا وقد بدأت مريم في الإستيقاظ من ثوباتها فتحدث إليها الطبيب عن حالتها و وصفة الدواء المناسب وكتب لها عن موعد زيارة قدام بعد ثلاثة أيام ولكن شدد عليها أن لا تظل في غرفتها بل منزلها .. يجب أن تبتعد مكان ذعرها المعتاد ومايطلق عليه ( تغير جو ) .. وكان كل همها بعد إن غادرا عيادة الطبيب عن كيفية الإبتعاد عن منزلها تنفيذا لأوامر الطبيب وكان إقتراح اميرة أن يجب إخبار الوالدة بما حدث الأمر الذي جعل مريم تعارض هذه الفكرة ولكن بعد إقناع الأولى لها في إن الأمر أصبح أكبر من أن يتعاملا معه وحدهم .. وعند إخبار والدة مريم بكل ماحدث من أول ظهور هذا المخلوق الغريب إلى زيارتهما للطبيب إنهارت من البكاء قلقًا على إبنتها ونظرت مريم لاميرة نظرة توحي بأن هذا ماكانت تحسب عقباه .. فالأم ليس لديها سوى إبنتها التي علقت عليها أمالها وأمنياتها في تعويضها عن ماعجزت هي في تحقيقه حتى إنها أهدت لها كل ماتكلمه من ميراث ورثته عن أبيها في تركه يتقاسمها شرعًا معها شقيقها الوحيد ذو الثلاثة أولاد .. وعندما حاول خالها أن يطلبها
– لا يا ماما انا مبحبش أكون في البلد .. خالي ومراته بيحسسوني إني لاجئة عندهم.
قالتها مريم معترضة على إقتراح والدتها
– يابنتي إنتي رايحه في ملكك .. تبقي لاجئة دي لما تكوني رايحة تشحتي منهم وتقعدي في بيتهم .. لكن ده بيتك وأرضك قطع لسان أي حد يقولك كلمة وانتي في بيتك.
أومأت اميرة بالموافقة على ما قالته والدة صديقتها
– أيوه .. صح يامريم .. دي هتكون فرصة حلوة تريحي أعصابك في جو الريف .. بس ياطنط هو لازم موضوع المعالج الروحاني ده؟.
– يااميرة الجن مذكور في القرأن لازم نعرف إيه الموضوع .. وهنمشي مع الدكتور برضو .. بس أنا مش هسيب باب إلا لما هفتحه علشان خاطر أطمن على مريم.
نظرت اميرة إلى مريم التي ظهر على وجهها الإستسلام لوجهة نظر امها وصديقتها
– خلاص يامريم هتروحي مع طنط وأنا معاكي بالتليفون نطمن دايمًا على بعض.
اعترضت مريم على اميرة فيما قالته
– لا تليفون إيه .. انتي هتيجي معانا .. قوليلها يا ماما أنا عايزاكي معايا يا اميرة
– إزاي بس .. بابا مش هيوافق .. وكمان مش عايزة أسيبه لوحده وقت طويل.
ردت والدة مريم لطمئنتها
– متخافيش يا اميرة مش هنغيب كتير ده يادوب يومين .. وحتى لو حسيتي أن باباكي محتاجك ساعتين زمن وهتكوني عنده .. وحكاية إنه مش هيوافق دي سيبيها عليا .. أنا هكلمه في التيلفون.
فنظرت لها اميرة مستسلمة
– إللي تشوفيه ياطنط.
– خلاص عقبال ما اكلم باباكي أدخلي مع مريم حضروا إحتياجتكم وشنط السفر .. وماتخدوش حاجات كتيره معاكم
وبعد أن تحدثت والدة مريم إلى والد اميرة وأقتنصت منه الموافقة .. كان الثلاث في القطار المتجه إلى المنوفية حيث مسقط رأس الأم وأملاك الأبنة .. والمعالج القاطن هذه القرية .. وكان الوقت قرابة الثالثة صباحًا وسرحت مريم وهي جالسة بجوار شباك القطار.. تسمع صوته المدوي في أذنها كأبواق إنذار لما سيحدث لها .. جعلها تظن أنها طبول الحرب والمعركة قادمة لامحالة .. ورأت السماء تتبلد بالغيوم الكثيقة ذات اللون الرمادي الداكن يتخلل السحب خطوط متشعبه باللون الأحمر الدامي .. وأستدارت لتشير لوالدتها وصديقتها على مايحدث أمامها ولكنها لم تجد أحدًا بجوارها بل لم تجد أحدًا في عربة القطار سوى مقاعد خالية .. فوقفت مذعوره تنادي على اميرة وأمها فوجدت على أول عربة القطار ظل أسود ضخم متجه نحوها فتجمدت الدماء في عروقها إلى أن بدء يقترب أكثر وأتضحت لها معالمه .. رجل ضخم البنية وسيم الشكل لكن بشرته الصفراء وعينيه المتحجرة كتمثال مخيف جعلها ترتعد خوفًا فقد عرفته من عيناه .. نعم إنه هو .. مطاردها اللدود .. وفي حين قد أوشك محاصرتها .. هربت مبتعدة عنه تتخبط في مقاعد القطار الذي أزدادت سرعته كأنه يهرب بها .. إلى أن وجدت نفسها على حافة بابه تنظر خلفها فتجد مطاردها وقد أقترب منها تنظر إلى قضبان القطار وتشعر أن سرعته في إزدياد .. وترى الأحجار السوداء الصغيرة على الأرض وتشعر أن نهايتها ستكون عليها فهي ترى مسبقًا دمائها تلونها بالأحمر .. وفجأة وجدت يدان قويتان تمسك بها من كتفيها وتسحبها للخلف .. فصرخت صرخة مدوية جعلت كل من بالقطار ينظرون بأتجاهها ورأت أمها وصديقتها يمسكان بكتفيها محاولتان إيقاظها من نومها وكانت لازالت تصرخ فهدأتها والدتها وأحتضنتها
– ماتخافيش يامريم .. انتي بتحلمي.
– ده كابوس مخيف ياماما..انا عايزه انزل من القطر حالا
فأعطتها اميرة زجاجة مياه لتشرب وتسترد أنفاسها
– إهدي يامريم .. طنط بتقول إن أحنا قربنا نوصل.
وكان الوقت قد إقترب من الخامسة صباحًا .. وبعد وصول القطار للمحطة القريبة من مكان إقامتهم شرعوا بالخروج من القطار إلى داخل القرية وكانت قد أعلنت الشمس شروقها تلقي بضوئها الهادئ على الأشجار المملؤة بالعصافير.. وصوتها يشدو ويغني ليعلن عن بدء نهار جديد.. والأرض ذات البساط الأخضر على مرمى البصر تراها لتشعر انها بدون نهاية .. وقطرات الندى تغطي كل نبته وورقة خضراء لتصنع عطر الإنتعاش الذي ما أن تستنشقه تشعر بالحياة تدب داخلك كأنك لم تحيا من قبل .. ومنظر المياه المتلألأة تلمع جارية على ضفاف النهر تزيد اللوحة جمالًا وإبداعًا .. هكذا وجدت مريم صديقتها اميرة تستمتع بأجمل منظر رأته عيناها .. وفي لحظة من لحظات الزمن حاولت مريم أن تنظر بعين صديقتها للمنظر التي تعودت عليه في صغرها وأطلقت العنان للنسمات العليلة أن تلامس شعرها وتداعب وجهها الذي أشرقت عليه ضياء الشمس فزادته وسامة وحياة .. وفي هذه الأثناء كانت والدة مريم قد إنتهت من فتح باب المضيفة .. الشقة الصغيرة بجوار دار خالها التي تمكن من إمتلاكها مع عدة أرضي مقسمة من تركة أبيها .. وكان مدفن جد مريم ليس ببعيد عن بيتها في القرية فأستأذنت والدتها أن تذهب إلى قبر ججدها للترحم عليه مع صديقتها وبينما كانا في طريقهما كان الفلاحون يبدأون يومهم بالعمل في الحقول وبعد وفاة والدها حتى إنه كان لايفارقها أبدًا .. فإذا ذهبا إلى القاهرة ترك حقوله وعمله وأقام معهما وعند إنتهاء مشاغل دراستها جائوا معًا إلى القرية وهي تذكر عندما كانت تمطتي الحمار الصغير ويسير جدها معها عبر الحقول وركوب المعدية عندما كان يريد شراء هدايا وحلوى لها من البر الثاني .. وكيف إنها بعد وفاته أحست إنها حقًا يتيمة وأن القريبة من بعد جدها صارت في نظرها كئيبة .. ولا تريد أن تتواجد بها إلا كل عام في ذكرى وفاة جدها الذي قارب على الأربع سنوات وما إن وصلا إلى مدفن الجد عبر عدة أزقة مليئة بالمدافن تتوسط أرض زراعية كبيرة يعمل بها فلاحون كثر .. لكن وسط المدافن خالي من البشر تاركين هذه البقعة لأصحابها الذين أقاموا فيها إلى يوم الدين .. وبعد أن قرأتا الفاتحة ظلت مريم صامته وهي تنظر عبر باب المدفن الحديدي الذي يوجد بها فتحات كالأسوار ذات الأعمدة الحديدية الرفيعة كاشفة ماورأه من طرقة صغيرة تفصل بين بابين مغلقان على من سكنوا المكان من قبل .. وأحترمت اميرة صمت صديقتها لأانها أحست أن مريم تتحدث بقلبها مع جدها كالمتصوف على باب صاحب المقام .. ومن على مقربة منهما ظهرت فتاة ريفيه صغيرة ضعيفة البنية تثتغيث باميرة بصوت هزيل تحمل في يديها قدر كبير
– ممكن يا خالة تدوريلي الترمبة أصلها تقيله عليا ومش عارفة أكب منها في الطشطيه.
أبتسمت لها اميرة في ود وأبدت موافقتها غير أن مريم أستأنثت بوقفتها أمام جدها
– روحي يا اميرة ساعديها وأرجعيلي تاني بسرعة
رافقت اميرة الصغيرة .. ووقفت مريم تشكو لجدها
– أنا تعبانة أوي ياجدو مش عارفة إيه اللي بيحصلي بعدما سبتني بقيت حاسة إني ضعيفة أوي محتجالك دلوقتي أكتر من أي وقت فات.
قالتها وقد سالت دموعها حسرة وألم لم تكن تريد أن يراها أحد هكذا .. وبينما كانت تغطي وجهها بيديها التي تمسح دموعها .. فجاءة سمعت صوت بوابة المدفن فنظرت أمامها وجدت الباب قد فتح لفتت حولها فلم تجد أحد في الجوار قد فتحه ونظرت إلى الداخل فظهر لها في زاوية المدفن على الأرض ضوء ناري ينبعث من تحت التراب كان يبدو لها كجمرة من نار تحت الرماد وبدون إرادة منها وجدت نفسها داخل المدفن فأخذت تمسك بعصا من الخوص ملقاة تحت قدميها وحاولت نبش الرقعة المضيئة من الأرض .. ولكن فجأة أغلق باب المدفن وهي بالداخل .. تحاول الصراخ لكي يسمعها أحد ولكن هي نفسها لا تسمع صوتها .. لا تعرف هل أصبحت بكماء لا يخرج صوتها .. أم أصبحت صماء لا تسمعه .. ولكن في الحالتين هي تريد الخروج وشعرت بأنهيار جسدها وارتطامه بالأرض .. ولم تعرف ماحدث بعدها سوى مشاهدتها اميرة وهي تحاول إفاقتها من الإغماءة التي أغشت عقلها نظرت حولها ووجدت أن باب المدفن مغلق وهي بالخارج فحاولت الأستفسار من اميرة
– إنتي عرفتي ازاي تخرجيني؟ .. ده الباب كان مقفول وأنا معرفتش أخرج أو أفتحه.
إندهشت اميرة مما تقوله صديقتها
– باب إيه؟ .. أنا بعد ما ساعدت البنت سيبتها وجيتلك .. لقيتك على الأرض مغمى عليك .. أنا أسفة يامريم المفروض ماكنتش أسيبك لوحدك في مكان زي ده.
وروت مريم لاميرة ماحدث معها داخل المدفن وعندما علمت والدتها ماحدث معها أصرت على الذهاب للمعالج اليوم وليس غدًا .. وعندما دقت الساعة الرابعة عصرًا كانا يجلسن مع المعالج الذي أن تراه تتغير وجهة نظرك عن هذه الفئة من الناس .. فهو حليق يرتدي قميص وبنطال والنظارة على أرنبة أنفه تجعله أشبه بالأطباء وليس الشيخ الدرويش ذو اللحية الغير منسقة والجلباب الذي تعودناه في هذه المواقف ولكن ماقيل عن قدراته هو ما جعل والدة مريم تثق به .. وبعد أن أستمع لكل ما روته مريم وما حدث معها لقرابة شهرين إلى أخر حدث في المدفن .. صمت الأستاذ المعالج قليلًا وهو يفكر ويبدو على وجهه الحيرة فما روته له من إزعاج ورعب من قبل الجن الذي رأته لا ينطبق على جن عاشق لأنه عندما يعشق لا يريد لعشيقه أن يخاف منه بل يحاول أن يظهر له على أكمل وجه وأبهى صورة ووجه كلامه لأم مريم لعلها تفهم مايريد إضاحه
– عارفه ياحجة لما بني أدم تكون عجباه واحدة وبيحبها بيبقى عايزها تشوفه أجمل واحد في الدنيا .. الجن بقى كده بالظبط لما تعجبه واحدة ما بيخوفهاش ويرعبها زي ما حصل مع بنتك كده
رد والدة مريم وقد إنتقل لها حيرة المعالج
– طب إيه العمل دلوقت .. إيه تفسير اللي بيحصل لبنتي ده يا أستاذ مجدي
– هشوف دلوقتي ياحجة .. لما أكشف عليها هعرف فين المشكلة.
وطلب من مريم أن تجلس جواره ووضع يده على رأسها وهو يتمتم بصوت منخفض بكلمات غير مفهومة مما جعل وجه مريم وملامحها الأنثوية الرقيقة تتغير وتتبدل بملامح أشبه برجل غاضب عبوس وصوتها الرقيق أصبع أجش وصرخت في الأستاذ مجدي مما جعله يقف متحفذًا محاولًا السيطرة على الوضع بأوامر يلقيها إلى مريم او بالأصح إلى من يحدثه عبرها
– أهدأ! .. عرفني بنفسك .. انت مين؟ .. وعايز ايه من مريم؟.
ولكن الغضب الواضح على وجه مريم كان يدل على عناد المستحوذ عليها وكان يصرخ بكلمات غير مفهومة .. وقتها كانت اميرة قد قفزت جوار والدة مريم من هول ما رأت صديقتها عليه وكان تتمسك بيد الأم تحاول طمئنتها برغم خوفها المتملك منها وأجواء الرعب المسيطرة على المكان خاصة بعد أن دخلت مريم في حالة هستيرية تريد فيها ضرب المعالج الذي بدا مسيطر حتى أن أم مريم كادت أن تحاول الإمساك بها فأشار لها بالرجوع إلى مقعدها وطلب منها الصمت وعدم التدخل وكلما تمتم المعالج بلكماته الغير واضحة كلما إزدادت مريم في الغضب والصراخ وبعد تكرار سؤاله لها ( من انت؟. ) جاوب الغاضب وهو يصرخ
– جادير! .. انا جادير.
وعندها صمت المعالج للحظة كان الإندهاش واضح عليه كأنه يعرف هذا الأسم مسبقًا ولكنه لازال مسيطر وعندها سأل المعالج بصوت قوي للتمكن
– انت موكل بإيه؟ .. ايه اللي انت عايزه منها؟
– أنا بحبها.
رد المعالج هاتفًا به بقوة
– مش عايز كدب! .. هسألك تاني .. عايز منها ايه؟
– بحبها.
فظل المعالج يتمتم بالكلمات والأخر يصرخ كأنه يجلده بالسوط أو يعذبه بالكهرباء الساعقة .. وأعاد عليه أسألته إلى أن تكلم جادير وروى له كيف إنه توكل بعهد السحر من إمرأة على صلة بمريم لكي يسيطر على عقلها ليجعلها مجنونة وغير عاقلة وكانت هذه مهمته في البداية ولكن بعد ان رأها وهي تحاول وضع مساحيق التجميل وترقص أمام المرأة وهي مرتديه ثياب تجعلها فاتنه ومرات أيضًا كانت تظل تبكي وحدها كل هذا جعله يعجب بها ويشفق عليها ويتمنى أن يتزوجها لانه أحبها .. فسأله المعالج بصوت قوي
– مين إللي أخدت عليك العهد؟!
راوغ الجن وحاول أن يتجنب الإجابة في البداية ولكن مع قوة المعالج بالضغط عليه وصف صاحبة السحر وصفًا دقيقًا .. وهنا رأه المعالج وعلم أنه متواجد في منطقة الرأس فضغط عليه بقوة ولكن كان يعرف أن جادير يحاول الإفلات من قبضته ويحاول خداعه بعد كل مرة يطلب منه الرحيل يتظاهر بأنه غير موجود .. وكان الأمر عبارة عن معركة يحاول الجن فيها كسب الوقت لعلمه أن المعالج يجب أن يتوقف بعد مدة وهذا ماحدث بالفعل بعد إنهيار مريم وفقدانها الوعي كان لا يمكن المخاطرة بالاستمرار لخوف المعالج من أثر الضغط على وظائفها الحيوية وقلبها .. وبعد رجوع مريم إلى طبيعتها بدء المعالج بشرح الأمر لهن .. ولكن المحير في الأمر أن جادير هذا جن مرتزق كيف له ان يعشق .. إن عالم الجن مثل عالم الأنس .. المرتزقف فيه ليس لديه قلب فهو يقتل بدون مشاعر .. فكيف لجن موكل بعهد السحر أن يتحول إلى عاشق؟! .. ولكن المشكلة الحقيقية الأن عن معرفة صاحبة السحر؟ هكذا سأل المعالج والدة مريم التي أخبرته إنها علمت من هي هذه السيدة الحقودة .. فمن وصف الجن لها عرفت إنها زوجة أخيها .. وعلمت أيضًا دوافعها وقالت لهم في أسى ويأس
– مرات أخويا معجبها إني كتبت كل أملاكي لمريم .. كانت غايزاني لما اموت جوزها يورثني .. بس إللي مش قادرة أستوعبه ليه تبقى عايزة بنتي تتجنن؟!.
فأجابها المعالج
– لو زي ماقلتِ ياحجة إن مريم ملهاش حد لا أب ولا أعمام ولا جد .. يبقى هي عارفة إن لو بنتك حصل لعقلها حاجة خالها إللي هيبقى وصي على أملاكها بعد وفاتك لا قدر الله.
احست والدة مريم أن الحياة مظلمة أمام عينيها .. لأنها غير قادرة على إستيعاب كل هذا الشر في العالم .. فسألت المعالج وهي تكاد تبكي
– ايه العمل يا أستاذ مجدي؟..
رد عليها المعالج بصوت حزين
– لازم تتكلمي مع الست دي .. لو عرفنا مكان العمل هتتحل المشكلة وهعرف أبطله .. مع إني أشك إنها ممكن تقولك على حاجة بس حاولي.
سألت اميرة بصوت غاضب
– وهي واحدة زي دي هتنطق بكلمة برضو؟ .. ايه العمل لو معرفناش مكان السحر فين؟
أجابها المعالج
– مفيش حل غير إقناع الجن بالخروج .. أو حرقه .. بس مشكلة الإقناع أو الحرق هتاخد وقت طويل شوية.
وبعد مغادرة اميرة ومريم ووالدتها بيت المعالج ظلوا يتاشورون طيلة الطريق عن كيفية اقناع زوجة الخال بأن ترشدهم على مكان السحر .. وعندما قاموا بالدخول إلى منزل خال مريم إستقبلتهم بالترحاب وكانت ودودة في سؤالهم عن أحوالهم .. كادت والدة مريم أن تتردد في إخبار زوجة أخيها عن ماحدث لمريم بسبب المودة ألتي تظهرها لهم .. فقد خافت من أن تكون إستنتجت الشخص الخطأ في وصف الجن لمن قامت بالسحر .. وعندما قدمت زوجة الخال مشروب الضيافة إليهم لاحظت الأم أن السيدة تضع أمام مريم كأس مختلف في شكله عن باقي الكؤوس المقدمة لهم بالرغم من أن لون العصير واحد أمامهم .. فتذوقت الأم من العصير المقدم لمريم وتذوقت من المقدم لها لكي تقارن الطعم وإختلافه .. فوجدت أن طعم المقدم لأبنتها به مرارة غير ملحوظة الا مع المقارنة مقلما فعلت .. فأستشاطت غضبًا .. ونادت على زوجة أخيها تسألها أن تتذوق عصير كأس مريم وأعطته لها في يدها فتحفذت الزوجة بشكل واضح على حاجبها المرفوع
– أدوقف إيه؟ .. مالك يعني؟.
وفي ذلك الحين قد دخل خال مريم عليهم في غرفة الضيوف .. في البداية ألقى عليهم التحية ولكنه وقف متحيرًا من ردة فعل الجميع وخاصة زوجته وأخته .. فتسأل في حيرة
– في إيه مالكم؟.
ردت أخته في غضب
– مراتك بتعمل لبنتي أعمال .. بتسقيها الأعمال في العصير.
ردت زوجته بسرعة وهي تصرخ
– انتي ايه اللي بتقوليه عليا ده؟!! .. انتي شكلك إتجننتِ
فا رد خال مريم وهو حانق على أخته
– هو ده كلام تقوليه برضو على مرات أخوكي؟ .. عيب كدة
ردت أم مريم بغضب
– إشرب كده العصير ده.
وهمت أن تأخذ الكأس من يد زوجة أخيها الا أن الأخيرة ألقت به على الأرض مدعيه إنه أنزلق من يدها .. وبعد مجادلة وتوعد من الطرفين إلى بعضهما أقسمت أم مريم على إنها ستنتقم من الجميع إن حدث لإبنتها مكروه وإنها ستبيع كل ماتملك في هذه القرية لكي تقطع أي صلة بينها وبين الحاقدين من أمثالهم .. كانت الساعة تشير الي الحادية عشر عندما شرعت بأخذ الفتاتان وحقائبهم وقررت الذهاب إلى القاهرة وأخبرت مريم أن المعالج يمكنه أن يأتي إلى القهارة ليعالجها وفي حين كن يعبرن الطريق السريع لركوب وسيلة مواصلات تأخذهم إلى محطة القطار .. شاهدت سيارة مسرعة تتجه إليهن .. وإذا به تصدم بهن مكملة طريقها تاركة ورائها السيدة والفتاتان على الأرض دمائهم تملأ المكان .. وبعد مدة إنقضت كانت مريم تفتح عينيها وترى أمامها أطباء وهي نائمة على سرير المستشفى التي نقلت إليها بعد الحادث .. وقامت تسأل على والدتها وصديقتها فأخبرها الطبيب أن والدتها توفت في الحادث وأن صديقتها يجرى الأن لها عملية لمنع نزيف داخلي فأنهارت مريم ودخلت في غيبوبة كلما أفاقت منها أصتدمت بالواقع رجعت تفقد وعيها مرات عديدة على هذا الحال وكانت كلما فقدت وعيها كان تترى نفسها في حجرة مغلقة لا ترى سوى الظلمة حالكة السواد .. وعلى ركن بعيد كان جادير يقف مقيد بالأغلال يريد أن يمد يده لها فتسرع هي بالهروب منه وتستفيق .. إلى إنها أستفاقت ذات مرة ووجدت نفسها تمشي وتدخل غرفة ذات ضوء ساطع مبهر .. وكانت الغرفة خالية من كل شيء إلا جادير الذي كان يقف في ركن من أركانها الأربع .. فحاولت الخروج عندما راته إلا أنه وقف أمامها يمنعها من العبور .. فصاحت به
– انت عايز مني ايه تاني؟!
وكان جادير يقف أمامها متحجر الملامح ينظر في عينيها نظرة مواجهة مرعبة
– بحبك
– وأنا بكرهك
– مبقالكيش حد غيري .. أنا هحميكي
– إذا كنت أنا عايزه أحمي نفسي منك
فصاح بها في غضب
– مش هسيبك!
– أعمل اللي انت عايزه .. خلاص مبقتش فارقة معايا .. جنني .. اقتلني .. حتى أنا عايزه أموت.
وظلت تصرخ حتى سقطت على الأرض .. كالمستسلم يرجو غريهه أن يقتله ليستريح من الألام
– أنا عايزه أموت .. موتني أنا عايزه أموت .. أقتلني زي ما قتلت أمي
رد عليها جادير مدافعًا عن نفسه
– أنا ماقتلتش أمك .. جادير مبيقتلش.
ردت مريم بقوة
– انت هتعمل فيها دلوقت ملاك؟! .. أنا بكرهك .. انت اكتر مخلوق بكرهه!
رد جدير
– حاولت أعرفك العمل مدفون فين لما فتحتلك بوابة المدفن بس العهد مكتف جادير .. وعلشان تعرفِ إن عشق جادير وحبه مش هلاقيه في حد أبدًا .. أنا هعرفك إزاي تتخلصي مني وتحرقيني.
وبرغم إنهيار مريم على الأرض وبكائها .. إلا إنها إندهشت لما سمعته
– انت بتقول أحرقك؟ .. طب ماتسيبني وتبعد عني من نفسك.
قال لها وهو ينظر لعينيها نظرة العاشق الولهان
– مقدرش أسيبك بنفسي .. مربوط بالعهد .. وحتى لو العهد باطل .. أحب أموت وأنا شايف عنيكي .. علشان جادير ميقدرش يبعد عنك.
وفجأة وقف كالمارد الضخم يحاول إخافتها لتفعل مايمليه عليها من أوامر
– اخرجي دوري على نار وظل يرميها بصوت ترتعد من شدته الأبدان ويدور حولها ‘لى أن هربت من الغرفة فلم تجد أحدًا في طرقات المستشفى التي ترقد بها .. وكل مرة تشعر إنها اختبأت منه في ركن أو زاوية يفاجأها بخروجه من الحائط مرة ومن الأرض مرة بأبشع الصور المرعبة إلى أن نجحت بالخروج من مبنى المستشفى إلى بهوها .. وفجأة لمحت نار على الأرض كأن أحدًا قد أشعلها للتدفئة وتركها .. ولكن عندما أقتربت منها ألقى لها جادير حجرًا أسود في يدها وأمرها بالقائه في النيران المشتعلة وهو يصرخ فيها أن تفعل ما يقوله .. وعندما ألقته ظهر لها جادير بأبهى صورة .. وسيم .. يبتسم لها وعينيه تشعان حنان وحب ورضا برغم النيران المحيطة به من كل جانب كأنها وحش يلتهمه وفجأة لم تجد مريم شيء حولها فظلت تبكي وتصرخ إلى أن فتحت عينيها على والد اميرة يطمئن عليها وعلى إبنته ويعزيها في والدتها وعند خروجهم من المستشفى أصرت اميرة على بفاء مريم معها فهي تعتبرها أختها .. فوافقت مريم وأخبرت اميرة أنها تريد الذهاب إلى بيتها لتحضر أشيائها .. وعندما دخلت بيتها أحست بفقدان والدتها .. ودخلت فرقتها في حذر خائفة لجلب ملابسها منها ولكن كان المنزل في صمت وسكون لم تشعر بوجود الجن الذي يطاردها من قبل وكانت قبل ذلك تتذكر ما حدث في المستشفى على إنه حلم وكابوس مثل مرات عديدة ولكن عدم شعورها بوجوده أكد لها إن جادير إنتهى إلى الأبد.
________________
النهاية
– التشخيص المبدئي ……. نظرت له اميرة بإرتباك غير مستوعبة لما قاله – مش فاهمة يادكتور .. يعني إيه؟ – يعني بنقول عليه صرع نفسي. شعرت اميرة بالرعب والخوف على صديقتها – صرع؟ .. دي حاجة خطيرة جدًا .. صح أبتسم يوسف إبتسامة الأطباء المعتادة لطمئنة اميرة – ماتخافيش ده تشخيص مبدئي ولكن الصرع النفسي نقدر نعالجه بسهولة لو إلتزمت مريم بنصايحي والعلاج المكتوب هنا. قالها وقد إنتهى من وصفة طبيه لبعض العقاقير المهدئة والمضادة للأكتئاب وشرع في شرحها لاميرة عن كيفية إستخدامها .. وهنا وقد بدأت مريم في الإستيقاظ من ثوباتها فتحدث إليها الطبيب عن حالتها و وصفة الدواء المناسب وكتب لها عن موعد زيارة قدام بعد ثلاثة أيام ولكن شدد عليها أن لا تظل في غرفتها بل منزلها .. يجب أن تبتعد مكان ذعرها المعتاد ومايطلق عليه ( تغير جو ) .. وكان كل همها بعد إن غادرا عيادة الطبيب عن كيفية الإبتعاد عن منزلها تنفيذا لأوامر الطبيب وكان إقتراح اميرة أن يجب إخبار الوالدة بما حدث الأمر الذي جعل مريم تعارض هذه الفكرة ولكن بعد إقناع الأولى لها في إن الأمر أصبح أكبر من أن يتعاملا معه وحدهم .. وعند إخبار والدة مريم بكل ماحدث من أول ظهور هذا المخلوق الغريب إلى زيارتهما للطبيب إنهارت من البكاء قلقًا على إبنتها ونظرت مريم لاميرة نظرة توحي بأن هذا ماكانت تحسب عقباه .. فالأم ليس لديها سوى إبنتها التي علقت عليها أمالها وأمنياتها في تعويضها عن ماعجزت هي في تحقيقه حتى إنها أهدت لها كل ماتكلمه من ميراث ورثته عن أبيها في تركه يتقاسمها شرعًا معها شقيقها الوحيد ذو الثلاثة أولاد .. وعندما حاول خالها أن يطلبها