عكس الإتجاه

عكس الإتجاه
عكس الإتجاه
كانت اضواء مول تجارى تظهر من بعيد ولكنها كانت مشوشة وغير واضحة .. انفاسه متقطعة وهو يجرى محاولا النجاة بحياته .. كان يونس رجل اربعيني يجرى فى مكان شبه مظلم كان لا يرى أمامه بشكل جيد وهو يهرب من شيء يسعى خلفه وهو يمسك هاتفه مفتوح على مكالمة فيديو .. كانت تلك المكالمة هى أمله الوحيد فى النجاة من الخطر الذى يهدد حياته .. قبل تلك الليلة بفترة تقارب الشهر  …. كان يونس العسال والذى خرج حديثاً من السجن يجلس فى انتظار صاحب العمل الذى ارسله عمه ليقابله .. كان يونس قد تم سجنه فى قضية مالية بعد ان قام بضمانة لأحد اصدقائه الذى تهرب من الدفع .. كلفته تلك الوقعة الكثير فى حياته .. فزوجته وابنه الصغير ابتعدا عنه .. وتم سجنه لمدة سنتين وفقد عمله وأصبح رغما عنه يحمل لقب سجين سابق وبقى لزاما عليه ان يستعيد حياته مرة أخرى  ويثبت للجميع انه شخص جيد وليس المجرم الذى كان سجينا لفترة  .. بعد أن خرج يونس من السجن أقام فى غرفة فى منزل عمه عرفة  الرجل العجوز الذى تجاوز عمره السبعين وكان يعيش هو وزوجته فقط بعد ان سافر ابناءهم للعمل خارج مصر .. وافق عرفة ان يعيش معه يونس بعد أن رفضت زوجة يونس ان يعود الى المنزل مرة أخرى .. انتظر يونس حتى فرغ عبيد  صاحب العمل الجديد من مقابلاته ودعته سكرتيرة عبيد لدخول مكتبه لمقابلته .. دخل يونس الى مكتب عبيد الضيق الملئ بالاوراق والمستندات فى كل مكان .. كان عبيد صاحب العمل والذى كان يجلس خلف مكتبه الصغير رجل طويل قوى البنية له شارب قوى مثل صاحبه
وملامح قاسية .. كان يجلس واضعا قدما فوق اخرى ويميل بكرسيه الى الوراء وهو ينظر متفحصا يونس الذى وقف صامتا امامه .. كان يونس رغم انه تخطى الثالثة والأربعين من عمره الا انه كان يبدو أصغر من عمره الحقيقى بعدة سنوات .. ملامحه الوسيمة وملابسه الجيدة جعلته يبدو كأنه موظف مرموق فى شركة كبيرة .. جعل هذا عبيد يزيد من نظراته المتفحصة له قبل ان يعتدل وهو ينظر له بجدية _ خلى بالك انا وافقت على شغلك معايا بس عشان عمك .. لكن انا مبشغلش معايا ناس خريجين سجون كانت الجملة قاسية .. سمعها لمرات يونس منذ خروجه من السجن ولكنه تحامل على نفسه كما نصحه عمه وابتسم _ متشكر _ انت هتستلم شغلك فى عمارة جديدة بتتبنى .. عينى هتبقى عليك على طول .. مش عايز أى غلطة _ حاضر _ وابقى البس لبس يليق بالشغلانه .. انت مش رايح تتجوز ابتسم له يونس وهو يهز رأسه موافقا ثم خرج من مكتبه .. كان يونس الذى عمل فى السابق قبل دخوله السجن محاسب فى أحد الشركات قد قبل بوظيفة حارس أمن فى شركة عبيد الزيني الذى أرسله عمه للعمل بها .. رغم انها كانت وظيفة أقل كثيراً من تعليمه وقيمته الا انها كانت ستؤمن له احتياجاته المادية وستكون فرصة له لكى يصبح انسان جديد على الأقل امام ابنه الوحيد .. فى اليوم التالي ذهب يونس لاستلام عمله فى المبنى الجديد قيد الانشاء الذى اعطاه عبيد عنوانه  .. كانت مهمته فقط حراسة المبنى ليلا وانتظار العمال الذين يأتون فى الصباح الباكر لإستكمال العمل فى المبنى .. كان المبنى قد اقترب من انتهاء العمل فيه .. شهر واحد فقط
 ويتم استلام المبنى بعد أن يتم تجهيزه تماماً  واذا اثبت يونس جدارته فى العمل سينتقل لمكان أخر براتب أكبر هذا  .. طوال الليل كان يونس يتخذ مكانا فى الطابق الثانى فى المبنى ويجلس خلف زجاجه ينظر امامه متابعا الشارع الخالى .. كانت المنطقة التى يتم بناء المبنى الجديد فيها منطقة بها الكثير من الفيلات ولكن كانت الفيلا الوحيدة التى يستطيع يونس رؤيتها بوضوح هى الفيلا المقابلة للمبنى الذى يعمل به .. كانت بها الكثير من النوافذ الزجاجية التى تتيح له رؤية الكثير من تفاصيل ما يحدث بالداخل .. كان بالفيلا امرأة فى نهاية العشرينات من عمرها جميلة وانيقة للغاية .. بشرتها البيضاء وشعرها الأصفر الناعم كان يجعلها تبدو كفاتنات السينما الأمريكية التى كان يونس مولع بمشاهدتها .. كان زوجها ايضا له جسد رياضى متناسق وملامح وسيمة وشعر اسود ناعم جعله كنجوم هوليود القدامى .. كانت تلك الزوجة وزوجها هما من يؤنسا وحدة يونس فى جزء كبير من ليلته وهو يتابع حركتهما داخل المنزل ويتوقع حوارهما ويستمتع بضحكاتهما سويا .. لم يكن يعرف اسمهما لذا اطلق عليهما يونس اسمين افتراضيان .. الزوجة هيام والزوج طارق .. وظل لعدة ليال يستمتع برؤيتهما ويتخيل نفسه يعيش فى تلك الفيلا بدلا من طارق وهيام مع زوجته وابنه الوحيد .. انتظر يونس خروج ابنه من المدرسة ليقابله فهو لم يراه من فترة طويلة .. كان يشعر بأن زوجته اساءت له كثيرا لدى ابنه ولكنه لا يفعل مثلها بل حاول ان يحث ابنه على تعويضها وذكر له كثيرا انها كانت مسانده له فى حياته وانه هو من أخطأ فى حقها وليس العكس .. لم يكن يريد ابدا ان ينقم ابنه على أمه او يعتبرها قد حرمته من الاب وهو على قيد الحياة .. قبل ان يتركه نظر اليه عمرو الذى لم يكن قد أكمل عامه العاشر بعد وهو يبتسم _ هو أنا هأشوفك تانى يا بابا ؟ _ ايوه .. وهاديك رقمي كمان عشان نبقى نكلم بعض على طول طبع ابنه قبله على خده .. كانت تلك اللحظة الوحيدة منذ ان تم الزج به فى السجن التى يحنو عليه احد .. اثناء عمله فى الليل لاحظ يونس ان ( طارق )  الزوج فى المنزل المقابل غير موجود وأن ( هيام ) الزوجة تبدو على وجهها اثار الاضطراب والقلق .. تابعها وهى تتحرك داخل المنزل بتوتر .. كان يريد ان يرى أى شيء يفسر له حالة القلق المفاجئ التى انتابتها تلك ولكنه ظل ليلته كلها يتابعها دون أن يفهم ما حدث حتى اطفأت اضواء منزلها كله واتجهت للنوم .. جلس يطرح بعض الاستنتاجات لما حدث لها .. كان متأثرا بشدة من اجلها .. هل يكون طارق قد قام بخيانتها وعرفت هى بذلك ؟.. ولكن طارق لا يبدو كهذا النوع من الرجال .. طارق يبدو كرجل اعمال من اللذين يعطون وقتهم كله للعمل .. هل يكون قد أفلس ؟.. او لعله وثق فى شخص خانه وعرضه هو ايضا للسجن مثلما حدث معه .. فى تلك اللحظة شعر بالأسى على زوجته أمل التى عانت بسبب خطأ ارتكبه عندما وثق فى صديقه وعرض حياة أسرته كلها للخطر .. كان يفكر انها قد عانت كل هذا القلق وحدها مثل تلك الزوجة فى المنزل المقابل .. عاد الى منزل عمه فى الصباح .. كانت زوجة عمه قد أعدت طعام الافطار .. تناول افطاره على عجل مع عمه وزوجة عمه لينام بضع ساعات .. وعندما استيقظ كان لايزال مشغولا بساكني المنزل المقابل لعمله وكان يعد الساعات والدقائق حتى يأتى موعده ليذهب ويعرف ما هو الجديد لديهم .. فى المساء عاد الى مكان عمله مرة أخرى وجلس قبالة النافذة الزجاجية .. لم يرى طارق فى تلك الليلة ولكنه رأى رجل أخر كان رجلا فى نفس عمر الزوج تقريباً .. حدث نفسه انه قد يكون شقيق الزوجة او شقيق الزوج رغم انه كان بشعره المجعد وبشرته المائلة للسمرة لا يشبه أياً منهما .. كان لا يزال يعانى من اثار الصداع الذى تلازمه منذ دخوله السجن .. شعر بحركة فى الاسفل فأنطلق ليعرف من هو الموجود فى تلك الساعة .. رأى شبح رجل طويل يتحرك داخل المبنى فركض وهو يهتف فيه بقوة _ مين ؟ التفت الرجل الطويل ليظهر الضوء الذى يأتى من الخارج ملامحه ليجده عبيد صاحب العمل الذى ابتسم بهدوء
تم نسخ الرابط