طريقي

طريقي
طريقي
تشاجرت مع والدي بسبب رفضي العمل في إحدي القري التابعة لمحافظة الشرقية .  علمت ان الشركة قد اعتمدت قرار  نقلي الى موقعها الجديد بمدينة  فاقوس . يجب ان استلم العمل خلال يومين من استلام هذا القرار  . لأن والدي يخشى على مستقبلى من الضياع قرر أن يسلمني هذا القرار بنفسه . بعدها تأكدت أن النقل جاء بناء على رغبة والدي المهندس احمد سلامه . الذي  يعمل استشاري للشركة ذاتها  . لأنه قرر معاقبتى علي تربيته التي جعلتني  مدلل  . يرى أنى غير كفء للمكانة التي وضعني فيها داخل الشركة . كان دائما يسخر مني على طريقة اكلى والأصناف التي أتناولها . ورفضي التام  لبعض المأكولات التى يعتبرها من الاكلات التى لا يقوى على احد رفضها مثل ( المحاشي بأنواعها . كوارع . بصارة ) رغم أنى لا اعرف مكونات البصارة إلا أنه دائما ما يتغزل فيها … يخبرني انه كان مسؤول التموين في المنزل منذ الصغر .. احضار الفطار صباحآ طبق الفول بالزيت الحار وقرطاس الطعيه السخنة . يعاود نفس الكره مساءا . إذا كانت والدته  سعيدة  بتفوقه في الدراسة كافأته بطبق من البيض المقلى … كان  يقارن  شرائي المستمر للملابس والاحذيه .. و انه كان يمتلك قميصين فقط . جاكيت للشتاء يخرجه من الدولاب اذا اشتد البرد . يعود بذاكرته عندما كان يجتمع مع عائلته .  والدة يقرأ الجرائد  وهو جالس تحت أقدامه يقرأ مجلة ميكى أو يشاهد التلفاز . وأمه كانت تخيط أزرار قميص والدته التي قاربت على الوقوع كما تخيط شرباته ايضا ..  دائما  يتحدث عن التغيير  الذي قام به من اسرة بسيطة الي طبقه رجال الاعمال
والمال .  كل هذا حدث بأجتهاده وتفوقه  حتى  وصل إلى المكانة  المرموقة في المجتمع الذي يعاقبني على العيش فيه  .  دائما ما يغضب من اجهزتي الالكترونية . كل هذا يفسد ويشتت العقل رغم محاولاتي التي باءت بالفشل انه عصر التطور والتكنولوجيا ..  رغم اني قد قاربت من عقدي الثالث الا أنه مازال متأكد اني غير قادر على الاعتماد على نفسي  ولا أستطيع العيش بدونه  إذا حدث  له مكروه  . لذا قرر نقلى الى احدى الاماكن النائية  حتي اتعلم كيف اواجه الحياه نفسي … أو كما يقول ( عاوز عودك يشد وتقوي )    … حيث يرى المهندس الناجح  أن يتسم ببعض الصفات مثل . الحزم . البصيرة . بعد النظر . واخيرا حسب قوله (يكون مهندس صايع تعرف العامل اللي يشتغل من اللي بيقضيها يوميات  ) من وجهه نظرة ايضا  لا اصلح ان اكون مديرا لإحدى المشاريع الكبري  بالقاهرة الجديدة لانها تحتاج الي شخصية قيادية حازمة قادرة على قيادة فريق عمل به مئات الاشخاص وكل شخص له طريقة في التعامل حسب تربيته وثقافته والوسط الذي جاء منه . لذا لابد ان اتدرب بحيث يكون عندى بعض  الخبرات  قبل ان ارتقي في العمل ….  رغم انه دائما ما  يوبخني ويقول  ( عيل بايظ مورهاش  غير الصرمحة وقعدت الكافيهات والسفر )   لذا قرر أن يعاقبني على طريقته الخاصة  لنقلي الى احدى القرى  .كما يقول دائما   ( الناس مش اللي احنا عايشين معاهم داخل كمبوند … الناس الحقيقة بره في الشارع في المحافظات والقرى دول اللى هيعلمك ازاي تتعامل وتعرف تحكم على الناس . دي المفرمة اللي هتطلع بني ادم صح . مش تعليم اجنبي .. وناس
دماغها كله لبس وفسح  ) لن  انكر ان حديث والدي قد اثر بداخلي لذا قررت خوض التجربة ….   جهزت اغراضي وانا في قرارة نفسي اريد  ان اخوض التجربة كما هى  … وجدت والدي جالس ينتظرني جلست بجوارة   قال: بص يا اسر ياابني . انا عملت كده علشان تعتمد على نفسك وتعرف تتعامل مع الناس . الناس برة عايشين في غابه .. ولو مش هتبقى اسد . هتبقي حته لحمه طريه . اي كلب ينهش فيك _ بس يابابا مش توديني الارياف . كنت انقلني أي مشروع داخل القاهرة . ارجع انام في بيتي بابا :  يبقى انا معملتش حاجه .. لازم تعيش التجربة كلها من الاول للاخر . وتحس بالناس  . وتأكل اكلهم . وتنام وتتبهدل زي أقل عامل في الموقع _ انا .. اكل اكلهم كمان . ربنا يسترها . بابا:  يا ابني انت محسسني انهم بياكلو كلاب ويعملوها شاورما وكبدة _ طيب كلمتلى حد يجي يأخذني لمكان الشغل بابا( ساخرا ) _ لا ياحبيبي  . اركب مواصلات . احنا اتفقنا ايه _ اخد التجربه .. هاخدها حاضر بابا: بالظبط كده . يلا بقي قوم اتحرك .. لما توصل هكلملك حد يقابلك اول متوصل فاقوس ياخدك للسكن _ بأذن الله .. هقوم انا بقي علشان الحق وقتي بابا:   (احتضنني و الدموع تأبي النزول من عينيه .) لأننا لم نفترق منذ وفاة والدتي _ متقلقش عليا يابابا انت مخلف راجل .. وعد هشرفك بابا: انا متاكد علشان كده عايزك ارجل من الرجل نفسه .  في رعاية الله   تحركت إلى موقف الزقازيق بعبود  ومنها الى  فاقوس كانت بداية حياتي الجديدة مع أول شهور العام حيث كانت  إحدي ليالي فبراير الباردة . كانت الغيوم تملأ السماء . حيث  عمل جديد وطريق غير معلوم . وقلبي ينبض بخوف وتوتر من هجوم الأسود على النور يختفي شيئا فشئ . حتى ينغمس النور داخل  الظلام ، وجدت نفسي وسط عدد لا باس به من الاشخاص  يستقلون معي نفس الحافلة التي تشاءمت فور رؤيتي إليها ،  السياره  قديمه تكاد تتمنى أن تطلب العفو والسماح من سائقها حتى تستريح ، فقد أكلها الصدأ وعفي عليها الزمن ، وقد تتحجج بعذر مرضها حتى تستريح لبعض الوقت ، لكن السائق  لن يعطيها هذه الفرصة فهو يقتنصها لنفسه حتى يحافظ على قوت يومه ، ولن أخبركم عن الرائحة التي تملأ السيارة ربما احد اكل بيض وسمك في نفس الوقت وترك القشور تحت إحدي الكراسي  . التي جعلتني أخرج إحدى زجاجات العطور ورشها بالسيارة حتى يتغير رائحتها عما قبل ….  نظر لي السائق مبتسم .. قال ( مش اوي كده … مفيش ريحه في العربيه اصلا . شكلك توتو خالص ) سمعت كلماته التي جعلتني غاضب ولكن ملامحه جعلت الخوف يتملكني … وجدته لا يبتسم ،  فمه دائما مفتوح واسنانه تكاد تخرج من فمه ، ولونها  مائل إلى السواد من كثرة التدخين ، عيونه صفراء واسعه تكاد تخرج من مكانها ، وجهه شاحب اللون ، ملابس مهترئه . جسم ضعيف للغايه تكاد ان تكسرة مثل اصابع بقسماط ، منذ أن بدأ في السير  وهو يتحدث بصوت عالى في هاتفه .كان يتحدث مع زوجته بلهجه غير التي تعودت اذناي عليها  قائلا : ( اني بقيت عامل زي الحمار مربوط في ساقية من اكل وشرب ولبس . ارحموني مبقتش عارف اجيب الدواء . وربنا انزل في الترعة وارتاح ) جاء صوت من الخلف أحد الركاب  ( واحنا مالنا يااسطي عاوز تموت موت لوحدك ) يرد عليه السائق ( مش هموت لوحدي علولة ) بعدها انفجرت أصوات الركاب بين ضحكات صاخبة وبين معارض على حديثه . صرخ فيهم ( اسكتوا مش عارف اكلم الولية. هتبقو انتو وهي عليا … واللي مش عاجبه كلامي ينزل) ينصت الجميع كأنه أحد المسؤولين يتحدث عن أمر هام بخصوص التموين … حيث اكمل حديثه ( اصبري بس ياام تغريد .والله ربنا هيفرجها وهيجيب لكم كل اللي عاوزينه ). تتتغير نبرة صوته كلها حب .  مما جعل فضولى يتحرك لمعرفة ماذا قالت له أم تغريد حتي تهدي من روعه . نسيت ان اخبركم أن مكان جلوسي في السياره كانت خلفه مباشرة لكني لم اسمع ماذا قالت له ام تغريد بعد ان سالتني احدى السيدات التي تجلس بجانبي  ( هي قالته ايه يااسمك ايه علشان يضحك) ترد التي بصحبتها ( انتي عارفه حركات الستات لما بتعوز طلب بتعمل ايه وتقول ايه . ولا انتي كبرتي وعجزتي)  تشب خناقة بينهم .ليثبت من منهم اكبر سنا . ثم تنتفض إحداهنا  ( لا بقي شوفي أصغر ولادك مين .لان انا ابنى الصغير عنده ٢٧ سنه . تتحدث بكل ثقة وكأنها مازالت فتاة في العشرين . ) عرفت  بعد ذلك ان لديها ٧ أولاد من الذكور والإناث .. بعد الانتهاء من حل الأزمة عرفت اسمائهم أم سعيد وأم نوال …. بعدها تأكدت  انهم نفس العمر تقريبا ولكن ام سعيد يبدو عليها السن أكبر لحمل الهم والمسؤولية  بعد وفاة زوجها أبو سعيد .. ……….   نظرت الى الامام وجدت شخص جالس بجوار السائق ( واخد الكرسين لوحده )  لا يتحدث كأنه في عالم آخر غير الذي نحن فيه .  شخص  مندمج يضع سماعات الأذن و يدندن معها لا يهتم بشيء حتى نظر إليه السائق ( هو انت بتسمع ايه ) يرد عليه بسمع (مفيش صاحب جدع . مفيش شقيق ياشقيق) ينظر إليه باندهاش ( ليه كده ياحبيبي . هي ناقصه هم .. اسمع ام كلثوم سيرة الحب . حليم وهو بيقول  بحبها . مش القرف ده دول هيعلموك الكرة متثقش في حد.. إنما سومه وحلوم يعلموك تحب زى كده  ) يأتي صوت من الخلف يبدو عليه اخر العقد الخمسين من صوته يقول( ياعم دول عيال ميعرفوش الحب . دول تربو على حمو بيكا وشاكوش ) غضب الشاب وقال ( ايه عيال دول ياعم انت) ترد ام سعيد ( وفيها ايه لما يقول عيال . ماانت قد ولادة .انتو جيل ما يعلم بيه غير ربنا)  اقترحت عليهم أن نسمع بعض اغاني الشباب في المقابل اغنيه من حليم أو فوزي… ياتي أحد الركاب يقول( عاوزين نسمع اليسا صوتها تحفه) يرد السائق  ( صوتها برضو ) يرد احدهم ( شغل الشيخ حسن صالح صوته تحفه ويبعد عننا الشيطان اللي ركب معانا من اول ماطلعنا ) ..   …….   هناك سيدة تحمل طفل رضيع يبدو أنه حفيدها  . كل ما تفعله هو  ان تقبل الطفل كأنها تأكله مما جعله ينفجر في البكاء حتى تفزع بنتها وتقول( ايه ياما قولتلك سبيه ينام . هو كل مينام تفضلى تبوسي فيه لما يصحي ) ترد الام ( بحبه يابت . اعز الولد ولد الولد ) هذه الكلمة دائما ماتقال امامي ..  تحركت ونظرت اليها ( يعني ايه ياست الكل اعز الولد ولد الولد ) تضحك ساخرة  وتقول( يعني ابن بنتي ) ارد عليها مرة اخره ( بس كده في ولد زيادة يبقى ابن مين ) تضحك مرة اخرى وتنظر الى ابنتها كأني بقول( فوازير )  تقول ( هاتصدق صح كده فيه ولد ناقص ) شعرت أني قد انتصرت عليها وافحمتها لاخبرها قائلا وعلامات النصر تعلو وجهى . (شوفتي بقي ابقي عدي صح يا حجه) ترد مبتسمه قائلة( هو انا فيا دماغ ياابني . اصل عقبال عندك عندي ١١ عيل والبت دي اخر العنقود) ينتفض السائق  من ثباته قائلا( قولى آخر القفص . حداشر عيل ليه ياحجه . وطبعا عندهم عيال . يعني انتي كده عندك قريه باسمك زي ساويرس) ضحك الجميع على حديثه
تم نسخ الرابط