منتهى العشق

منتهى العشق
منتهى العشق
في أحد أحياء حى شبرا خرجت منة الى شرفة منزلها وهى ترتدى ملابس المدرسة .. كانت منة التي لم تتجاوز السادسة عشر في المرحلة الثانوية  .. نظرت منة الى السماء لترى طائرتين ورقيتين يطيران فى السماء فى حالة تناغم جميلة وهما يطيران بجانب بعضهما البعض وكأنهما يرقصان رقصة رومانسية سويا .. تعلقت عينى منة للحظات بهذا المشهد المبهج ثم تذكرت وقت المدرسة فاقتربت من الحبال والتقطت قميص شقيقها الأكبر خالد وانطلقت مرة أخرى الى الداخل .. اقتربت منة من والدتها التي كانت تقوم بكى بعض القمصان .. اعطتها منة القميص الذى اخذته من البلكونة واعطتها أمها القميص الذى انتهت منه للتو وطلبت منها ان تعطيه لشقيقها .. اخذت منها منة القميص وانطلقت الى غرفة شقيقها خالد .. كان خالد والذى اقترب سنه من السادسة  والعشرين مازال نائما .. دخلت منة الى الغرفة والقت بنفسها عليه كعادتها لتجعله يستيقظ .. كانت تلك هى طريقتها التي توقظه بها دائماً .. فهى الشقيقة الصغرى له ورغم ان فارق العمر بينهما يصل الى 10 سنوات كاملة الا ان خالد كان يتحمل مداعبات شقيقته منة له .. بل ويستمتع بها رغم ما يبديه لها من ضيق احيانا وهو يبتسم رغما عنه .. استيقظ من نومه وسألها عن رانيا شقيقتهما والتى تدرس في السنة النهائية في كلية الحقوق فأجابته بسعادة انها ليس لديها محاضرات اليوم وبناء عليه سيقوم بتوصيلها هى فقط الى المدرسة .. بعد ان تناول خالد افطاره مع شقيقاته رانيا ومنة ووالده ووالدته خرج من المنزل مع منة ليقوم بتوصيلها الى مدرستها بسيارته .. كانت منة تستمتع بالايام التي يقوم خالد بتوصيلها وحدها الى المدرسة
وهى تقوم بتعطيله لبعض الوقت حتى يراه بعضا من زميلاتها فقد كانت تحب تعليقاتهن على وسامته واناقته واحلامهن ان يرتبطا بشاب يمتلك شارب وذقن مثله ويتغزلا في عيونه الواسعة ذات اللون البنى وشعره الاسود القصير .. كان خالد شقيقها فتى احلام كل صديقاتها وكانت هى تستمتع بشدة بمحاولاتهن للتقرب منها من اجل شقيقها .. توقف خالد بسيارته امام المدرسة وهو ينظر لمنة التي انشغلت في البحث عن بعض الاشياء في حقيبتها لتبقيه اطول وقت ممكن .. كان خالد يعرف ما ترمى اليه منة فنظر لها مبتسما _ يلا عشان هتتأخرى على المدرسة القت منة نظرة على صديقاتها اللائى تجمعن امام باب المدرسة وهى تبتسم بخبث _ لا متقلقش _ طب أنا هتأخر ع الشغل تعود خالد كل يوم من منة على ذلك وكان دائما يمشى من امام مدرستها بعد معاناة كبيرة معها مع بعض الاشارات والابتسامات من زميلاتها امام المدرسة .. وصل خالد اخيرا الى مقر الجريدة التي يعمل بها .. كان خالد صحفى تحقيقات في احد الجرائد المشهورة .. جلس خالد على مكتبه في غرفة التحرير وهو يكتب احد الموضوعات الصحفية .. قاطعه حسام زميلة الذى اخبره ان رئيس التحرير يريده .. كان خالد من الصحفيين المتميزين ليس فقط بسبب موضوعاته الجيدة ولكن بسبب خلافاته الكثيرة مع رؤسائه في العمل .. اتجه خالد الى مكتب رئيس التحرير وهو يعرف بنسبة كبيرة ان خلافاً سيثور بينهما بسبب التحقيق الصحفى الاخير له .. كان زميله قد اخبره عرضا ان التحقيق الصحفى الذى اعده قد تم رفضه .. وقف خالد في مكتب رئيس التحرير الرجل الخمسينى الذى بمجرد دخول خالد حاول ان يبدو هادئا .. ففى كل مرة يدخل
فيها خالد الى مكتبه ينتهى الامر بشجار كبير بينهما .. حرك رئيس التحرير نظارته الى الاسفل لتطل عينيه بشكل درامى معتاد وهو يتكلم مع خالد بهدوء _ انا قريت موضوعك .. اسلوبك حلو فى الكتابه وليك الفاظ قوية وتشد وتعلق مع الناس .. بس للاسف لسه معندكش خبرة .. مش بتعرف تختار المواضيع اللى تكتب عنها _وهو موضوع عن فساد عضو مجلس شعب واستغلاله  لمركزه مش موضوع يستاهل اننا نتكلم عنه ؟ _فى الصحافة مش اهم حاجه انت بتكتب ايه وبس .. مهم كمان انت بتكتب امتى وليه وازاى .. كل جريدة وبيبقى ليها سياسة بيمشى عليها كل اللى شغالين في الجريدة .. لازم تعرف الاول سياسة الجريدة مع مين وضد مين _ الصحفى بيبقى مع الحق وضد الفساد .. هو ده اللى انا اعرفه واتعلمته _ التعليم حاجة والخبرة حاجة تانيه .. وانت رغم انك صحفى كويس .. بس ناقصك كتير في الجزئية دى نظر خالد الى رئيس التحرير دون ان يعلق .. كان يعرف ان حديثه معه سينتهى الى لا شئ ككل مرة .. فالرؤى بينهما مختلفة .. فهناك فارق كبير بين ان يكون ما يحركك الواجب كما يرى هو ان تحركك المصلحة وسياسة الجريدة كما يرى رئيس التحرير .. لم تكن رؤاه مختلفة مع رئيسه في العمل فقط .. ولكن ايضا مع خطيبته مروة التي كانت تتصل به وهو في مكتب رئيس التحرير وجعلته يكتفى بهذا القدر من الحديث معه ويستأذن ليخرج ليرد على مكالمتها له .. كانت مروة والتى قام بخطبتها منذ عدة أشهر مختلفة عنه كلياً .. كان كثيراً ما يختلف معها وينتهى أى لقاء بينهما لخصام يدوم لعدة أيام حتى تعود وتهاتفه مرة أخرى .. تعود خالد على ذلك كما تعود على خلافاته في العمل .. كانت مروة فتاة جميلة وكانت تلك هى ميزتها الوحيدة .. فهى رغم انها تجاوزت الرابعة والعشرين من عمرها الا ان مستوى تفكيرها لم يتخطى حدود فترة مراهقتها .. كل حديثها معه عن الموضه والاغانى والفنانين .. واكبر مشاكلها انها لم تجد لون طلاء الاظافر بالدرجة التي تفضلها واضطرت ان تشترى درجة اخرى منه .. كانت مروة تتصل به لتدعوه الى عيد ميلاد احدى صديقاتها كالعادة ورفض هو دعوتها كالعادة ايضاً فهو يتحمل عقلية مروة بشق الانفس ولن يستطيع ان يتحمل عقلية صديقاتها اللائى يشبهن مروة في الكثير من الاشياء .. انهى خالد عمله واتجه ليتقابل مع صديق عمره كريم .. كان كريم رضوان ظابط شرطة وفى نفس الوقت كان خطيب رانيا شقيقة خالد وجاراً لهم في حى شبرا .. جلس خالد مع كريم يلقى عليه جزء من قصيدة كتبها منذ ايام _ إليكى عنى فحبك قاتلى .. فدعى قلبى يسترد سمائه .. خذى نجومك والكواكب وارحلى ..وخذى القمر فقد سئمت ضيائه .. فأنا بكون قد غزلت حروفه ..من نور قلبى استمد هوائه به حبيبة نورها ملئ الدنا …هى لقلبى دائه ودوائه صفق له كريم وهو يضحك _ جامدة كالعادة .. بس واضح انك مش طايق مروة خطيبتك خالص _ مش عارف والله يا كريم .. انا خطبت مروة بمنطق الاجابة النموذجية .. مامتها صاحبة ماما وباباها راجل محترم وهى بنت جميلة ومتعلمة .. بس مفيش أى حاجة مشتركة بينا .. كل الحاجات اللى بأحبها بتكرهها وكل الحاجات اللى بأكرهها هى بتحبها ابتسم كريم بخبث _ اومال مين حبيبتك اللى ملئ الدنا دى بقى ؟ انت بتحب من ورايا ولا ايه ؟ _ اللى بحبها لسه لغاية دوقت ماقابلتهاش .. بس حاسس بيها أوى .. حاسس انها موجودة .. بس فين معرفش قالها واتجه نظره للقمر في السماء وكأنه حبيبته التي لم يجدها حتى الان .. في نفس الوقت كانت خلود تجلس في شرفة الفيلا التي تسكن فيها امام لوحة تقوم برسمها للقمر والغيوم في السماء .. كانت خلود بفستانها الابيض وعيونها الواسعة الصافية وشعرها الاسود المنسدل على كتفيها بدت كأحدى حوريات القصص الخيالية .. جلست خلود التي لم تتجاوز السادسة والعشرين من عمرها تغمس فرشاتها في لوحة الالوان بجانبها وتخط بها على لوحتها ليكتمل شكل القمر .. ولكنه كان على عكس طبيعتها الملائكية النقية كان قمر كئيب ومظلم ومحاط بالغيوم السوداء من كل جانب .. دق جرس هاتفها فامسكته ونظرت الى شاشته بلامبالاة وبعض الضيق ثم ردت على عادل زوجها .. كان يخبرها انه سيتأخر في سفره خارج مصر لعدة أيام أخرى .. كان ردها عليه روتينياً فمنذ ان تزوجته منذ ما يزيد على الاربع سنوات وهى تعودت على غيابه وسفره في الخارج لأسابيع من اجل العمل ولم تكن تهتم لذلك فزواجها منه جاء لصالح اطراف عديدة لم تكن هى من بينهم .. فوالدها الذى كان على وشك الافلاس استفاد شريكاً يغطى ديون شركته ووالدتها من بعد وفاة والدها استفادت زوج ابنة يتكفل بمصاريفها ومصاريف علاجها وشقيقها الاصغر رامى استفاد من يتكفل مصاريف دراسته في الاكاديمية البحرية التي كان يريد الانضمام اليها .. اما هى فالاستفادة الوحيدة التي تمسكت بها وأصرت عليها هى ان تظل تعمل رغم الزواج ووافق عادل زوجها على ذلك على مضض بسبب كثرة انشغاله وبسبب ان هذا كان شرطها الوحيد الذى لم تطلب سواه .. كان فقط عادل يعترض على مهنتها التي يرى انها اقل كثيرا من مستواهما .. فخلود كانت أمينة مكتبة في احد المدارس الثانوية للبنات ولكنه امام اصرار خلود وافق في النهاية على ان تبقى في عملها .. بعد مكالمة عادل لها تلقت خلود مكالمة أخرى من والدتها التي مازالت تعيش في منزلهم في الاسكندرية .. طمأنتها فيها على نفسها وعلى شقيقها رامى ووعدتها خلود بزيارة قريبة .. وبعد انتهاء سجل مكالماتها اليومية جلست وحيدة ككل ليلة تنظر الى القمر .. +++++ جلس خالد داخل سيارته ومعه منة شقيقته بعد ان وصلا الى المدرسة وبعد ان انتهت من التلويح لصديقاتها وتلويح صديقاتها اليه سراً وقبل ان تخرج منة من السيارة اخرج خالد ورقة من جيبه واعطاها لمنة وهو يبتسم لها راجياً _منة . ابقى هاتيلى الكتاب ده من المكتبة بتاعة المدرسة أمسكت منة الورقة منه وهى تتنهد بضيق شديد جعله ينظر لها متسائلاً _ ايه اتضايقتى كده ليه ؟ هو انا باقولك اشتريه .. ده انتى هتستعيريه بس ..وبعدين المدرسة بتاعتك فيها مكتبة هايلة _ أه بس أبلة مديحة أمينة المكتبة مش هايلة خالص دى بتطلع عينى عبال ما تدينى كتاب .. وكمان بأشبع تريقة من البنات .. فاكرين إن أنا اللى بقرأ الكتب دى .. إنت كده هتبوظ سمعتى دول بيقولوا عليا مثقفة _ خلصتى ؟ _  اه _ عايزه ايه السنة دى عشان تستعيريلى الكتب اللى انا عاوزها ؟
تم نسخ الرابط