كسر مضاعف

المحتويات
جلس على النويري الرجل الذى تجاوز السبعين من عمره يتأمل متألماً قدمه التى احاطتها جبيرة ضخمة تمتد من أسفل قدمه الى منتصفها تقريباً .. كانت قدمه قد كُسرت وهو يمشى فى صالة منزله .. طرف سجادته قرر فجأة معاقبته بلا سبب وتسبب فى وقوعه على الأرض بقوة وكسر قدمه التى أضعفتها سنوات عمره السبعين .. كان يقف بجانب فراشه الطبيب الذى قام بتجبير قدمه وبجانبه تقف ابنة على أسماء التى أتت سريعاً بعد أن قام الجيران بالاتصال بها .. وقفت أسماء تنصت باهتمام للطبيب الذى كان يلقى عليها تعليماته بجدية
_ محتاج راحه تامة فى السرير .. اى حركه او تحميل على رجله المكسورة ممكن تأذيه اكتر
_ حاضر يا دكتور .. اتفضل
اصطحبت أسماء الطبيب معها الى خارج الغرفة وتركت علي وحده .. لم تكن أسماء ابنته الوحيدة فعلى لديه اربعة ابناء اخرين .. أحمد ابنه الأكبر وهو طبيب امراض باطنية وأكرم الاصغر منه والذى يعمل مهندس بترول وأمجد الذى كان محاسب فى أحد البنوك وأدم اصغرهم والذى كان يمتلك مشروع خاص به .. كان على حزين لأنه سيسبب لهم جميعا قلقا بالغا .. أسماء أخبرته انها ابلغتهم جميعا ان يأتوا وذكرت لهم تفاصيل ما حدث معه .. لم يكن على يفضل ان تفعل ابنته أسماء ذلك فهو يعرف ان ابنائه لن يتركوه ابدا وهو لم يكن يريد أن يكون عبء عليهم فى سنه المتقدمة تلك .
كان أحمد اكبر ابناء على والذى يعمل طبيبا فى احد المستشفيات الخاصة صباحا ويمتلك عيادته الخاصة فى وسط البلد ايضا قد خرج من المستشفى لتوه عندما اتاه اتصال من أسماء شقيقته .. لم تتصل به أسماء منذ فترة طويلة فهى وزوجته ليسا على وفاق .. رد على الهاتف وهو يقود سيارته فى أحد الشوارع .. كان يتوقع ان تطلب منه أسماء ترشيح طبيب جيد لأحد أطفالها او وصف دواء جيد لقولون زوجها المتعب دائماً ولكنها فاجأته عندما أخبرته بما حدث لوالده .. رد عليها بضيق
_ ده حصل امتى الكلام ده ؟ …. كلمتى اخواتك ؟ …. طيب انا جاى على طول … مع السلامة
أغلق الهاتف وقد ازداد ضيقه .. فهو حتى الان لا يعرف ماذا سيطلب منه اخوته فى المقابل ليفعله .. فهو كان يقسم وقته بين عمله فى المستشفى فى الصباح وعمله فى العيادة فى المساء ويعطى بعض الوقت لزوجته واولاده اللذين يشتكون دائما من غيابه لفترات طويلة خارج المنزل .. لم يكن يستطيع ان يضع وهو فى ظروفه تلك اى عبء اضافى على عاتقه .. توقف بسيارته على جانب الطريق بعد ان تذكر انه وعد شقيقته ان يذهب الى المنزل ولكنه بطريقة أليه كان يتجه الى منزله .. لابد ان يفعل ذلك اولا ولينتظر ما سيسفر عنه لقائه مع اشقائه فى منزل والده .. ولكن كان عليه ان ينفذ اصعب جزء اولا .. امسك هاتفه واجرى اتصالا مع زوجته
_ الو … ايوه يا سماح …..
امام منزل على النويرى توقف أدم اصغر ابنائه بسيارته .. كان أدم منذ صغره ينوى ان يصبح رجل اعمال .. ولذلك انهى دراسته فى كلية الفنون الجميلة واقترض من ابيه بعض المال لينشئ مشروعه الخاص .. استطاع ان يستورد بعض القمصان من الخارج وأستغل مهاراته فى التصميم لتصميم بعض الشعارات والتصميمات المناسبة لها ليبيع بعدها تلك القمصان بسعر أعلى .. مما جعله ينجح فى تجارته ويفتح محلين لبيع الملابس الجاهزة .. كان عقله يسبق عمره الحقيقى بسنوات خصوصا انه اقل ابناء على اللذين استمتعوا بالعيش فى وجود والدته فقد ماتت فهو فى السادسة من عمره قبل ان يلتحق بالمدرسة بأيام قليلة .. افتقاده لأمه فى تلك السن الصغيرة جعله لا يفضل الاختلاط بنفس اقرانه من سنه من ابناء الجيران اللذين لهم أمهات على قيد الحياة فكان دائما يسعى للعزلة والوجود وحده أغلب الوقت ..
جلس أدم للحظات داخل السيارة قبل ان يغادرها ويتجه الى المنزل .. قابلته على باب المنزل فايزة جارتهم التى تجاوزت الستين من عمرها .. استوقفته فايزة وهى تبتسم له مرحبة
_ازيك يا أدم عامل ايه ؟
_ ازيك انتى يا طنط عاملة ايه ؟.. وازاى علاء ابن حضرتك ؟
ابتسمت فايزة نصف ابتسامة وهى تنظر لأدم الذى يقف امامها متململاً
_ علاء يبقى ابن طنطك بهية اللى فى الدور الرابع .. انا طنط فايزة اللى فى السادس .. انت نستنى ولا ايه ؟
ابتسم لها بلامبالاة
_ معلش مشاغل الدينا بقى يا طنط
_ طب طمنى بابا عامل ايه دلوقت ؟
كان يرد عليها بملل متمنيا ان تقطع حديثها هذا وتتركه يكمل طريقه
_ مش عارف والله .. انا لسه جاى وهأطلع أشوفه
هتفت مستنكرة
_ لسه جاى ؟.. ده وقع م الصبح .. وفضل ينادى ويخبط عشان حد يلحقه .. بس بسم الله ماشاء الله على الشباب اللى فى العمارة نزلوا جرى وكسروا الباب وطلبوله الدكتور .. وهما اللى كلموا اسماء اختك
كان ادم يقف متململاً وهو يستمع لكلام جارته وهى تحكى كيف قام جيرانه بمساعدة والده .. انتظر أول فرصة تتوقف فيها فايزة عن سردها المتلاحق لكل ما حدث وكأنها تحكى حلقة من مسلسل درامي لإحدى صديقاتها وقاطعها مبتسما وهو يتحرك
_ طب يا طنط هأطلع انا بقى عشان اشوفه
قال أدم ذلك وانطلق الى داخل المنزل .. لم تتوقف فايزة عن الحديث وهى توصيه ان يتابع الحالة الصحية لوالده جيدا كما يفعل ابنها عبد المنعم معها .. وصل أدم الى الاسانسير وتوقفت فايزة عن الكلام .. يبدو انها رحلت .. استقل الاسانسير ليصعد الى الاعلى ..
دخل أدم الى شقة والده بعد ان فتحت له اسماء الباب .. كان اشقائه جميعا مجتمعين .. رأى أحمد يجلس صامتا وهو يفكر وبجانبه يجلس أمجد شقيقة الاكبر منه والاصغر من أسماء والذى جلس مشغولا بهاتفه يتابعه باهتمام وأكرم الوحيد الذى كان واقفا والضيق جليا على وجهه .. نظر أدم الى وجوه اشقائه كان يبدو ان نقاشا حادا كان يقوده أكرم مع الجميع ظهرت اثاره على وجوهم .. لم يدهشه ذلك فأكرم دائما ما يلقى اللوم على الجميع ويضعهم فى ركن الاتهام منذ ان كانوا صغارا .. ابتسم أدم وهو يتجه ليجلس دون أن يصافح أحد وهو يهتف مداعبا
_ ايه انتوا كنتوا بتتخانقوا ولا ايه ؟
رد عليه امجد بهدوء
_ كنا بنتناقش
ابتسم ادم
_يعنى كنتوا بتتخانقوا
ثم اتسعت ابتسامته وهو ينظر الى اكرم الذى كان يتابعه بغيظ
_طب ايه فاتنى كتير ؟؟
جعلت جملته الاخيرة اكرم يستشيط غضبا وهو يهتف فيه
_انت داخل تهزر ؟ انتوا مش حاسين بالمصيبه اللى احنا فيها ولا ايه ؟
متابعة القراءة