الهروب من الموت

المحتويات
كانت الغيوم تملئ السماء فى تلك الليلة وكان القمر يظهر خلف تلك الغيوم القاتمة كوميض ضعيف تحجبه كتل من الظلام عن عمد ان يلقى بضوئه على السماء حالكة السواد ..جلس حاتم فى غرفته امام الكمبيوتر الخاص به وهو يعمل بتركيز شديد .. كانت الساعة قد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل وقد ظل حاتم لفترة طويلة يعمل دون توقف .. كان عليه أن ينهى كل العمل قبل الصباح لذلك لم يكن لديه رفاهية التوقف لست ساعات كاملة .. نهض حاتم وهو يفرد جسده بإرهاق وتحرك لينظر من نافذة غرفته الى السماء .. ظلت عينيه لفترة متعلقة بالسماء المليئة بالغيوم ثم تحرك مبتعدا عن النافذة وخرج من غرفته الى صالة الشقة التى كانت مظلمة تماماً .. كان جميع من البيت نائمين .. إقترب من المطبخ وأخرج من ثلاجته زجاجه مياه شرب منها ثم وضعها مكانها مرة اخرى واتجه ليدخل لغرفته ولكنه توقف فجأة وبدا عليه انه شعر بشئ غريب .. لم يكن يرى شيئاً فى تلك الصالة الخالية المظلمة لا يبدو فيها شئ مختلف ولكن رغماً عنه كان يشعر ببعض الرهبة بداخله .. دقق النظر يبدو فى احد اركان الصالة كان يشعر وكأن شيئاً فى هذا الظلام يتحرك .. تحرك الى الركن المظلم وهو يدقق النظر وكلما اقترب كان يرى شيئا يتحرك داخل الظلام .. اقترب كثيرا وهو يلتقط انفاسه بصعوبة من الخوف ثم ضغط بيده على زر الاضاءة لتظهر انها ستارة فى احد الجوانب كانت تتحرك بفعل الهواء ليس أكثر .. زفر انفاسه التى كانت محتجزه فى رئتيه من الخوف ثم أغلق اضاءة الصالة مرة اخرى والتفت ليعود الى غرفته ولكنه
فجأة .. وجد فى مواجهته رجل فى الاربعينات من عمره يرتدى بدلة وقميص ورباط عنق كلهم باللون الاسود القاتم وهو ينظر اليه مبتسما بهدوء .. إنتفض رعبا وهو ينظر الى الرجل الغريب الذى يقف امامه مباشرة .. حاول ان يتكلم أو يصرخ ولكنه شعر أن صوته محتجز فى حلقه لا يستطيع تجاوزه .. ظل للحظات هكذا واقفاً امام الرجل الذى ينظر له بهدوء وهو لا يستطيع ان يفعل اى شئ وكأن كل حواسه تعطلت دفعة واحدة .. ابتسم الرجل ذو الملابس السوداء بهدوء
_اهدا .. متقلقش .. انا مش هاذيك
وكأن كلماته كانت ايذاناً بقدرة حاتم على الرد
_انت مين ؟
إقترب الرجل من حاتم وهمس فى اذنه بصوت مخيف
_ المووووووووووووت
انتفض حاتم فزعاً وبدت له صورة الرجل الغريب مشوشه قليلا وكأنه سيفقد وعيه وظل الرجل الغريب ينظر له بهدوء دون ان يفقد ابتسامته
_متخافش لسه ميعادك مجاش
_ ميعادى ؟
_ انت اخر واحد ف القايمه
ازداد الارتباك والخوف على وجه حاتم وشعر بالاختناق وانه لا يستطيع التنفس ارتمى يستند الى منضدة السفرة محاولا التقاط انفاسه .. على المائدة وجد صورته مع اصدقائه ( بسمه وتامر وجميلة وامنية وابراهيم ) .. انها صورتهم التى التقطوها منذ سنة تقريبا .. لم تكن معه نسخة من تلك الصورة .. لماذا هى الان على المنضدة فى منزله .. استولى الرعب على كل مشاعره التفت بما تبقى له من قوه وهتف ببقايا انفاسه المتقطعة فى وجه الرجل ذو الملابس السوداء
_ قصدك ايه بأخر واحد فى القايمه ؟
نظر الرجل الى حاتم دون ان يرد ولكنه اكتفى بابتسامة مقيتة هادئة .. بدأ صوت طفيف اخذ فى الارتفاع يملئ جنبات المكان وكأنه صوت ضوضاء غير مفهومه اصوات بشر مختلطه بصورة جنائزية ولكنها اشبه بالطنين .. .. كان الصوت مزعج لدرجه كبيرة جعلت حاتم يتألم ويستند على المنضدة مرة اخرى وقد خارت قواه .. تقع عينيه مرة أخرى على الصورة الملقاة على المنضدة .. صورته هو وأصدقائه .. تظهر الوجوه وهى تطمس باللون الاسود الواحدة تلو الاخرى بسمة ثم تامر ثم جميلة ثم امنية ثم ابراهيم ثم حاتم .. نظر الى الصورة المحترقة برعب ثم التفت ليرى ان الرجل الغريب قد اختفى .. دار حول نفسه وهو يضع يده على عنقه وقد شعر بالاختناق الشديد وهو يحاول ان يلتقط انفاسه حتى يسقط على الارض مغشيا عليه ..
استيقظ حاتم من نومه وهو يلهث من الخوف .. نظر الى الغرفة والرعب على وجهه وهو يحاول ان يتأكد انه مازال حي ومازال موجوداً فى غرفته وان كل ما مر به ليس أكثر من كابوس مزعج ليس أكثر
وقفت والدة حاتم تعد مائدة الافطار .. كانت والدة حاتم سيدة قد تخطت الخمسين من عمرها بعدة سنوات قامت بتربية ابنها وبنتها بعد وفاة زوجها حتى ساعدتهما على انهاء دراستهما الجامعية رغم انها لم تكن تعمل ولم تنل حظاً وافراً من التعليم .. اقتربت جيهان شقيقة حاتم الكبرى من والدتها وهى تمسك فى يديها بعض الاطباق ووضعتها على المائدة .. ابتسمت لها والدتها بود
_ كملى انتى تحضير الفطار وانا هأصحى اخوكى
_ حاضر يا ماما
اتجهت جيهان الى المطبخ واتجهت والدة حاتم الى غرفته وقبل ان تطرق باب غرفته توقفت وهى تنظر باستغراب لحاتم الذى تكوم نائماً على الاريكة .. اقتربت منه بهدوء وهى تهزه برفق
_ حاتم .. اصحى يا حبيبى .. انت ايه اللى منيمك كده منمتش فى اوضتك ليه ؟
استيقظ حاتم واعتدل بهدوء وقد بدا عليه انه لم ينم طويلا
_ حلمت حلم مش حلو
_ تف على شمالك 3 مرات .. وقول بسم الله عشان ميجيش شر
إبتسم باستهتار وهو ينهض
_ انتوا بتحاربوا الشر بإنكوا تتفوا عليه ؟
_ طب خلاص متحكيهوش لحد .. بدل ما يتفسر
_ انا اصلا مش عايز احكيه لحد
إتجه ليجلس الى مائدة السفرة وانضمت له والدته وجيهان شقيقته .. وقبل ان يبدأ فى تناول افطاره شعر بشئ تحت قدمه .. مال بيده الى اسفل ليمسك بشئ كان بالفعل اسفل قدمه .. كانت مفاجأة له عندما وجد انها صورته مع اصدقائه الذى رأها فى حلمه
استيقظت أمنية على صوت جرس هاتفها .. كانت أمنية التى وصلت الى الخامسة والعشرين من عمرها تخرجت من كلية الطب منذ عدة أشهر .. كانت هى الوحيدة من اصدقاءها الذى اتجهت لدراسة الطب.. فحاتم الذى كانت ترتبط معه بعلاقة عاطفية اتجه لدراسة الكمبيوتر وأصبح مهندس كمبيوتر فى شركة من الشركات الكبيرة .. وبسمة اصبحت مهندسة ديكور وجميلة التى تخرجت من كلية التجارة ولكنها لم تعمل فى انتظار زواجها من ابراهيم الذى تخرج من كلية الحقوق اما تامر الذى كان يرتبط بعلاقة عاطفية ببسمة فقد تخرج من معهد الموسيقى .. كانوا جميعاً اصدقاء منذ المرحلة الابتدائية حتى انهوا دراستهم الثانوية معاً .. التقطت امنية هاتفها الذى استمر فى الرنين لفترة طويلة .. كانت تسمعه ولكنها لم تكن تستطيع الاستيقاظ بعد ليلة مرهقة قضتها فى العمل فى المستشفى فى الليلة الماضية .. قرأت اسم حاتم على شاشة هاتفها ثم ردت وهى تغالب نومها
_ الو .. ايوه يا حاتم ..انا كويسه الحمد لله … كنت نايمه … مالك يا حاتم ؟…. متاكد ان مفيش حاجه ؟….لا انا خلاص قمت مش هانام تانى …. طيب هابقى اكلمك
تانى اتطمن عليك …..باى
انهت مكالمتها مع حاتم وقد بدا عليها بعض الدهشة من نبرة صوته .. كان يبدو عليه القلق .. بدأ عقلها المرهق يحاول تجميع سبب لقلق حاتم الذى يظهر جليا على صوته ولكنها لم تكن تستطيع التفكير فى سبب فهو فى الغالب لا يبدى قلقه للأخرين حتى هى مهما كان ما يواجهه .. قاطعها دخول والدتها الى غرفتها .. كانت والدة أمنية دكتورة سهير السمان طبيبة نفسية شهيرة .. اقتربت سهير من أمنية مبتسمة
_ صباح الخير
_ صباح الخير يا ماما .. ايه اللى مصحيكى بدرى كده ؟.. مش عوايدك يعنى _بتسألينى انا .. اسألى حاتم اللى بقاله ساعه بحالها بيتصل مخلانيش انام
_ هو كان بيتصل على تليفون البيت كمان ؟
_ تليفون البيت وتليفونك وتليفونى .. ده انتشر فى البيت كله .. واضح ان حاتم ده مريض نفسيا .. وبما انك ناويه على انكم ترتبطوا رسمى يبقى لازم يتعالج من اللى هو فيه ده الاول
قد يعجبك ايضا
متابعة القراءة