محاكمة عَمَتِي

محاكمة عَمَتِي
محاكمة عَمَتِي

وربما تمتد فترة تصليح العطل لساعات، طلبت ناهد من أحمد عدم تركها وحيدة في هذا اليوم لأنها تخشى أن يستمر انقطاع الكهرباء حتى المساء، لم يقبل في البداية لكنها ظلت تلح عليه كثيرًا حتى قبل الجلوس معها في المنزل، وأخبرها أنه لن يبرح غرفته حتى عودة التيار الكهربائي، وافقت على مضض، كان الوقت يمر على ناهد ببطء، لم تكن ناهد تخشى الظلام قبل أن تعرف بحالتها المرضية، وفي الحقيقة هي لم تكن تخشى الظلام نفسه، لكنها كانت تخشى الموت، لشعورها المؤكد أنها ستموت وحيدة في الليل لذلك كانت تترك دائمًا مصابيح غرفتها مضاءة أثناء نومها، وكذلك مصابيح باقي الشقة في حال لو مكثت وحيدة في الليل بالمنزل، لم يكن أحمد يلاحظ هذا الخوف المرضي لدى عمته، كان فقط يشاهدها نهارًا وهي تمارس نشاطاتها بقوة، أو عندما يعود ليلًا ويراها تجلس بجانب النافذة وتنفث في دخان نارجيلتها ببطء مستمتعة بالرسومات التي تشكلها خطوط دخانها، قضى يومه داخل غرفته ما بين نوم مضطرب أو متابعة الإصلاحات من النافذة مع حارس العقار لإنهاء هذا الوضع المستفز، تاركًا ناهد وحيدة يمر عليها الوقت ببطء شديد، تترك ضوء “كشاف” هاتفها مضاءً وتحاول أن ترى أي بصيص ضوء من النافذة، لكن الشارع كله كان في حالة ظلام بسبب التباطىء في الإصلاحات، انطفأ فجأة “كشاف” هاتفها لنفاذ بطاريته وبدأت في مناداة أحمد ليكون ونيسًا لها، كان الظلام حالكًا، وبدأت تسمع نبضات قلبها بوضوح، وتشعر أن الموت يدنو منها ببطء، تتلفت حولها وهي ترتعش، وتحاول أن يخرج صوتها من حنجرتها لكنه كان يخرج ضعيفًا:

– أحمد انت هنا؟ رد عليَّ بسرعة.

سمع صوتها قادمًا من خارج الغرفة، فنهض من مكانه

متوجهًا لها، لكنه توقف فجأة، خطرت له فكرة محاولة التخلص من ناهد بشكل نظيف جدًا، خالٍ من الدماء، لن يتهمه أحد ولن يفكر أحد أن ابن الأخ البار بعمته فعل ذلك لأجل التخلص منها، إنها تشعر بالرعب الآن، وربما يقتلها هذا الرعب دون أن يتدخل، هو فقط سيصمت تمامًا لتتوهم أنها وحيدة في المنزل، وإن لم ينجح الأمر، وعاد التيار سيتظاهر بالنوم، لكن لما لا ينهي الأمر وينتهز الفرصة!

جرعة إضافية من الرعب ستزيد دقات قلبها بشدة وتدفعه للتوقف، التزم الصمت بينما كانت ناهد لا تزال تنادي اسمه، خرج من الغرفة متسللًا وهو متبع صوتها حتى اقترب منها ومد يديه على جسدها واصطدم بها، فصرخت:

– مين… أحمد؟

انت فين يا ابني!

ظل يصطدم بها ويجذبها ويدفعها دون أن ينطق، وهو يراها تزداد هلعًا وتصرخ باسمه، لم يخطر على بالها أبدًا أن من تطلب منه الاستغاثة هو سبب هذا الرعب الذي تعيشه، اعتقدت أنه الموت؛ صور لها خيالها أن الموت يحاول اللحاق بها، حاولت الهرب منه والاستعانة بأحمد الذي تجسد الموت في شخصه، وقرر قتلها، شهقت برعب لمرة أخيرة، ووقعت على الأرض، سمع صوت ارتطامها بأذنه، ثم… ساد الصمت.

همس لها:

– عمتي.

لم ترد؛ ارتجف جسده فجأة، هل نجحت محاولته؟

كان يشعر بالتوتر الشديد، خائفًا مما سيحدث فيما بعد؛ هل سيتم اتهامه بقتلها أم سيمر الأمر ويعيش كما أراد، لحظات وعاد التيار الكهربائي، ليجدها راقدة أسفل قدميه، ماتت ناهد… انقطع التيار مرة أخرى فعاد يرتجف من جديد، شعر بأن جسده يتجمد، أغمض عينيه بخوف، محاولًا التماسك، وإلا سيسقط ميتًا بجوار عمته، تحسس خطواته حتى وصل من جديد لغرفته وأغلق بابها، جلس على فراشه في الظلام، لأول مرة يخشى الظلام، يخشى أن يصطدم به أحدهم أو يدفعه، يخشى أن… يعود التيار وتعود معه ناهد من الموت، عاد التيار مرة أخرى، توجه بسرعة ناحية الباب عابرًا من غرفته لمكان جثة ناهد، وجدها كما هي بلا حراك، هنا أدرك ما فعله، وبدأ يبكي بهيستريا، ليس حزنًا عليها، بل خوفًا مما هو آت، انطلقت صرخاته أمام باب الشقة:

– عمتي ماتت، خلاص ماتت.

التف حوله الجيران، غير مصدقين أن ناهد غادرت الحياة في لحظة، ممدة على الأرض، ماتت في الظلام كما كانت تتنبأ، التفوا حول أحمد لتهدئته، كان جسده يرتعش، وبكاؤه المرير يجعل كل من يراه يظن أنه ربما يتوقف قلبه حزنًأ، جاء الطبيب وقام بالكشف على الجثة وأكد وفاتها بسكتة قلبية، وأخبرهم أن الوفاة لم يمر عليها ساعة، سألوا أحمد:

– كنت فين ساعة بحالها مش واخد بالك من عمتك؟

زاد ارتجاف جسده وبدأ في محاولة ترتيب كلماته حتى يمر الأمر:

– كـ.. كنت نايم، طلعت من الشباك ندهت على حسين أشوف النور هيرجع امتى وبعدين نمت، نور كشاف تليفونها اتقفل افتكرتها نامت، نمت أنا كمان ولما النور رجع لقيتها واقعة على الأرض ميتة.

ثم نظر حوله ليرى ما إن كانت كلماته محل تصديق أم أنهم كشفوا أمره، فوجد في عيونهم نظرات تعاطف، فقرر اضفاء بعض الدراما على مشهده التمثيلي وبدأ في الصراخ ولطم خديه:

– أنا السبب، أنا لو فضلت صاحي كانت عاشت، أنا السبب.

ازداد تعاطف الجيران معه، وبدأوا في مواساته، وساعده بعضهم في استخراج تصريح الدفن وإنهاء الإجراءات، بل وبدأ بعضهم في الاتفاق على تجميع مبلغ والتبرع به كصدقة جارية، وجلس آخرون في الزواية يقرؤون لها ما تيسر من القرآن الكريم، جلس أحمد بأحد زوايا المنزل، صامتًا تمامًا يراقب كل ما يحدث أمامه دون أي فعل يجعل أحد يرتاب منه.

انتهى كل شيء لصالحه الآن، تم دفن ناهد، لم ينكشف سره، وبعد أيام سيتسلم ميراثه من والده ومن ناهد ليبدأ حياة جديدة، يعيش كما أراد، سينفق المال بلا رقيب، يشتري كل شيء وأي شيء حرمته عليه ناهد، سيذهب لزيارتها يوميًا ويقف أمام قبرها ليخبرها بقائمة مشترياته، سيفعل ذلك يوميًا ولن ينقطع أبدًا، سيذهب أيضًا لزيارة قبر والدته ليخبرها بهذا الإنجاز الكبير.

أفاق من شروده وأدرك أنه لن يستطيع أن يحظى بغفوة الآن، فيجب أن يستعد بعد قليل للذهاب إلى دار المناسبات واستقبال المعزين، نهض من فراشه وقرر الذهاب لإطفاء نيران تفكيره بحمام بارد، لكنه للمرة الثانية سمع صوت السعال قادمًا من غرفة الاستقبال، خرج متجهًا للغرفة بحذر وأضاء مصباحها، وكالمرة السابقة، كانت فارغة، توجه لغرفته من جديد وفتح خزانة ملابسه، وقف أمامها مشتت الذهن، هل هي هلاوس؟ عاد صوت السعال أشد هذه المرة، هو الآن واثقًا أن هناك أحد بالخارج، ربما لص سمع من أحد من أتوا لحضور الجنازة بأن هذا المنزل يستحق السرقة، هل يقتل اللص أيضًا؟

عاد مسرعًا لغرفة الاستقبال فوجد الغرفة مظلمة، لقد أضاء مصباحها منذ قليل فمن الذي أظلم تلك الغرفة اللعينة، تأكد الآن أنه لص مراوغ يحاول الاختباء لكن بشكل ساذج، ربما يقتل لصًا الآن وتصبح قضية دفاع عن النفس ويصير بطلًا.

أضاء مفتاح الغرفة مرة أخرى لكن هذه المرة لم تكن الغرفة فارغة فقد وجدها أمامه، إنها هي عمته ناهد، تجلس في مكانها كما كانت مرتدية جلبابها الفضفاض وتقبض بيدها اليمنى على

وربما تمتد فترة تصليح العطل لساعات، طلبت ناهد من أحمد عدم تركها وحيدة في هذا اليوم لأنها تخشى أن يستمر انقطاع الكهرباء حتى المساء، لم يقبل في البداية لكنها ظلت تلح عليه كثيرًا حتى قبل الجلوس معها في المنزل، وأخبرها أنه لن يبرح غرفته حتى عودة التيار الكهربائي، وافقت على مضض، كان الوقت يمر على ناهد ببطء، لم تكن ناهد تخشى الظلام قبل أن تعرف بحالتها المرضية، وفي الحقيقة هي لم تكن تخشى الظلام نفسه، لكنها كانت تخشى الموت، لشعورها المؤكد أنها ستموت وحيدة في الليل لذلك كانت تترك دائمًا مصابيح غرفتها مضاءة أثناء نومها، وكذلك مصابيح باقي الشقة في حال لو مكثت وحيدة في الليل بالمنزل، لم يكن أحمد يلاحظ هذا الخوف المرضي لدى عمته، كان فقط يشاهدها نهارًا وهي تمارس نشاطاتها بقوة، أو عندما يعود ليلًا ويراها تجلس بجانب النافذة وتنفث في دخان نارجيلتها ببطء مستمتعة بالرسومات التي تشكلها خطوط دخانها، قضى يومه داخل غرفته ما بين نوم مضطرب أو متابعة الإصلاحات من النافذة مع حارس العقار لإنهاء هذا الوضع المستفز، تاركًا ناهد وحيدة يمر عليها الوقت ببطء شديد، تترك ضوء “كشاف” هاتفها مضاءً وتحاول أن ترى أي بصيص ضوء من النافذة، لكن الشارع كله كان في حالة ظلام بسبب التباطىء في الإصلاحات، انطفأ فجأة “كشاف” هاتفها لنفاذ بطاريته وبدأت في مناداة أحمد ليكون ونيسًا لها، كان الظلام حالكًا، وبدأت تسمع نبضات قلبها بوضوح، وتشعر أن الموت يدنو منها ببطء، تتلفت حولها وهي ترتعش، وتحاول أن يخرج صوتها من حنجرتها لكنه كان يخرج ضعيفًا: – أحمد انت هنا؟ رد عليَّ بسرعة. سمع صوتها قادمًا من خارج الغرفة، فنهض من مكانه
متوجهًا لها، لكنه توقف فجأة، خطرت له فكرة محاولة التخلص من ناهد بشكل نظيف جدًا، خالٍ من الدماء، لن يتهمه أحد ولن يفكر أحد أن ابن الأخ البار بعمته فعل ذلك لأجل التخلص منها، إنها تشعر بالرعب الآن، وربما يقتلها هذا الرعب دون أن يتدخل، هو فقط سيصمت تمامًا لتتوهم أنها وحيدة في المنزل، وإن لم ينجح الأمر، وعاد التيار سيتظاهر بالنوم، لكن لما لا ينهي الأمر وينتهز الفرصة! جرعة إضافية من الرعب ستزيد دقات قلبها بشدة وتدفعه للتوقف، التزم الصمت بينما كانت ناهد لا تزال تنادي اسمه، خرج من الغرفة متسللًا وهو متبع صوتها حتى اقترب منها ومد يديه على جسدها واصطدم بها، فصرخت: – مين… أحمد؟ انت فين يا ابني! ظل يصطدم بها ويجذبها ويدفعها دون أن ينطق، وهو يراها تزداد هلعًا وتصرخ باسمه، لم يخطر على بالها أبدًا أن من تطلب منه الاستغاثة هو سبب هذا الرعب الذي تعيشه، اعتقدت أنه الموت؛ صور لها خيالها أن الموت يحاول اللحاق بها، حاولت الهرب منه والاستعانة بأحمد الذي تجسد الموت في شخصه، وقرر قتلها، شهقت برعب لمرة أخيرة، ووقعت على الأرض، سمع صوت ارتطامها بأذنه، ثم… ساد الصمت. همس لها: – عمتي. لم ترد؛ ارتجف جسده فجأة، هل نجحت محاولته؟ كان يشعر بالتوتر الشديد، خائفًا مما سيحدث فيما بعد؛ هل سيتم اتهامه بقتلها أم سيمر الأمر ويعيش كما أراد، لحظات وعاد التيار الكهربائي، ليجدها راقدة أسفل قدميه، ماتت ناهد… انقطع التيار مرة أخرى فعاد يرتجف من جديد، شعر بأن جسده يتجمد، أغمض عينيه بخوف، محاولًا التماسك، وإلا سيسقط ميتًا بجوار عمته، تحسس خطواته حتى وصل من جديد لغرفته وأغلق بابها، جلس على فراشه في الظلام، لأول مرة
يخشى الظلام، يخشى أن يصطدم به أحدهم أو يدفعه، يخشى أن… يعود التيار وتعود معه ناهد من الموت، عاد التيار مرة أخرى، توجه بسرعة ناحية الباب عابرًا من غرفته لمكان جثة ناهد، وجدها كما هي بلا حراك، هنا أدرك ما فعله، وبدأ يبكي بهيستريا، ليس حزنًا عليها، بل خوفًا مما هو آت، انطلقت صرخاته أمام باب الشقة: – عمتي ماتت، خلاص ماتت. التف حوله الجيران، غير مصدقين أن ناهد غادرت الحياة في لحظة، ممدة على الأرض، ماتت في الظلام كما كانت تتنبأ، التفوا حول أحمد لتهدئته، كان جسده يرتعش، وبكاؤه المرير يجعل كل من يراه يظن أنه ربما يتوقف قلبه حزنًأ، جاء الطبيب وقام بالكشف على الجثة وأكد وفاتها بسكتة قلبية، وأخبرهم أن الوفاة لم يمر عليها ساعة، سألوا أحمد: – كنت فين ساعة بحالها مش واخد بالك من عمتك؟ زاد ارتجاف جسده وبدأ في محاولة ترتيب كلماته حتى يمر الأمر: – كـ.. كنت نايم، طلعت من الشباك ندهت على حسين أشوف النور هيرجع امتى وبعدين نمت، نور كشاف تليفونها اتقفل افتكرتها نامت، نمت أنا كمان ولما النور رجع لقيتها واقعة على الأرض ميتة. ثم نظر حوله ليرى ما إن كانت كلماته محل تصديق أم أنهم كشفوا أمره، فوجد في عيونهم نظرات تعاطف، فقرر اضفاء بعض الدراما على مشهده التمثيلي وبدأ في الصراخ ولطم خديه: – أنا السبب، أنا لو فضلت صاحي كانت عاشت، أنا السبب. ازداد تعاطف الجيران معه، وبدأوا في مواساته، وساعده بعضهم في استخراج تصريح الدفن وإنهاء الإجراءات، بل وبدأ بعضهم في الاتفاق على تجميع مبلغ والتبرع به كصدقة جارية، وجلس آخرون في الزواية يقرؤون لها ما تيسر من القرآن الكريم، جلس أحمد بأحد زوايا المنزل، صامتًا تمامًا يراقب كل ما يحدث أمامه دون أي فعل يجعل أحد يرتاب منه. انتهى كل شيء لصالحه الآن، تم دفن ناهد، لم ينكشف سره، وبعد أيام سيتسلم ميراثه من والده ومن ناهد ليبدأ حياة جديدة، يعيش كما أراد، سينفق المال بلا رقيب، يشتري كل شيء وأي شيء حرمته عليه ناهد، سيذهب لزيارتها يوميًا ويقف أمام قبرها ليخبرها بقائمة مشترياته، سيفعل ذلك يوميًا ولن ينقطع أبدًا، سيذهب أيضًا لزيارة قبر والدته ليخبرها بهذا الإنجاز الكبير. أفاق من شروده وأدرك أنه لن يستطيع أن يحظى بغفوة الآن، فيجب أن يستعد بعد قليل للذهاب إلى دار المناسبات واستقبال المعزين، نهض من فراشه وقرر الذهاب لإطفاء نيران تفكيره بحمام بارد، لكنه للمرة الثانية سمع صوت السعال قادمًا من غرفة الاستقبال، خرج متجهًا للغرفة بحذر وأضاء مصباحها، وكالمرة السابقة، كانت فارغة، توجه لغرفته من جديد وفتح خزانة ملابسه، وقف أمامها مشتت الذهن، هل هي هلاوس؟ عاد صوت السعال أشد هذه المرة، هو الآن واثقًا أن هناك أحد بالخارج، ربما لص سمع من أحد من أتوا لحضور الجنازة بأن هذا المنزل يستحق السرقة، هل يقتل اللص أيضًا؟ عاد مسرعًا لغرفة الاستقبال فوجد الغرفة مظلمة، لقد أضاء مصباحها منذ قليل فمن الذي أظلم تلك الغرفة اللعينة، تأكد الآن أنه لص مراوغ يحاول الاختباء لكن بشكل ساذج، ربما يقتل لصًا الآن وتصبح قضية دفاع عن النفس ويصير بطلًا. أضاء مفتاح الغرفة مرة أخرى لكن هذه المرة لم تكن الغرفة فارغة فقد وجدها أمامه، إنها هي عمته ناهد، تجلس في مكانها كما كانت مرتدية جلبابها الفضفاض وتقبض بيدها اليمنى على
تم نسخ الرابط