خيانـة

المحتويات
خرجت من سيارتى بعد ان توقفت فى احد المناطق الصحراوية من منطقة الجيزة .. كان استدعاء قد جاء لى على هاتفى ان بعض العمال وهم يقومون بالحفر قد وجدوا هيكل عظمي وانتقلت قوات الشرطة لمحاصرة المكان .. طوال الطريق وانا افكر فى تلك القضية الجديدة .. الامور صعبة من بداية فقضايا القتل هى الاصعب فكيف هى والمتبقى من القتيل هو هيكله العظمى فقط .. تحركت فى تلك المنطقة التى تمتلئ بالقمامة وبقايا السيارات المتهالكة .. لقد اختار الجانى الذى لا اعرفه موقع اخفاء الجثة بعناية ..فهو يعرف ان فى منطقة كتلك لن يكشف احد جريمته الا بعد فترة طويلة .. كان باقى افراد القوة يلتفون كدائرة حول مكان ما .. هذا هو مكان الهيكل العظمى .. سمعت وانا اقترب احد افراد القوة وهو يهتف
_ حاتم بيه الديب وصل
كنت انا رئيس المباحث فى دائرة القسم ومن الظباط المتميزين والمشهود لهم بالكفاءة فى حل الكثير من القضايا والقبض على اشهر المجرمين .. لكن طوال فترة عملى فى المباحث حتى وصلت الى رتبة مقدم .. لم تقابلنى قضية عن هيكل عظمى .. تلك هى قضيتى الاولى اذا
وصلت الى رجالى وانا انظر اليهم والى الجثة المغطاة بملاءة بيضاء
_ ايه الاخبار يا رجاله ؟
رد اقربهم لى وهو النقيب حسام عرفات
_ شوية عمال كانوا بيحفروا تبع شغلهم فى المنطقة هنا .. وهما بيحفروا لقيوا الهيكل العظمى ده فبلغوا القسم ..واحنا جينا وطلعناه زى ما حضرتك شايف
كان النقيب حسام اقربهم لى فى وقفتنا بجوار الجثة وليس اقربهم الى قلبى .. فهو شحصية جادة فى عمله وخارج العمل .. كانت الكلمات تخرج منه وكأنه رئيس الشرطة المدرسية يقوم
بادارة طابور الصباح .. انحنيت على الجثة ورفعت الملاءة البيضاء عنها .. لم يكن هناك اكثر مما ابلغت به على هاتفى .. هيكل عظمى غطى التراب اجزاء كبيرة منه رغم خروجه من باطن الارض ..
اصابتنى رؤية الهيكل العظمى بالغثيان .. رغم ان طبيعة عملى تجعلنى ارى الكثير من الجثث والدماء والموتى عموما لكن الهيكل العظمى اشدهم بشاعة .. ففكرة اننا سنصبح يوما ما كتلة من العظام هكذا امر مخيف .. دققت النظر فى هذا الهيكل العظمى وانا اتكلم مع رجالى اللذين التفوا من حولى كأننى طبيب يشرح لطلبته احد الحالات المرضية
_واضح ان الجريمة بقالها فترة كبيرة جدا … لان حتى الهيكل العظمى فيه اجزاء منه لونها اتغير واللبس كمان اتحلل لدرجة انه مش باين هو لبس راجل ولا ست
نظرت حولى الى المنطقة المحيطة بنا والبعيدة تماما عن العمران وانا احدث نفسى بصوت عال
_ شكلها كده هتتقيد ضد مجهول من قبل ما نبتدى تحقيق فيها..
انا اعرف ان الجريمة اذا مر عليها شهر او اثنين يصعب فيها جمع الادلة ولكن تلك الجريمة يبدو انها مر عليها اكثر من سنة وربما سنتين .. قد يكون القاتل نفسه ليس فى عالمنا الان .. اقترب منى النقيب حسام باسلوبه الذى يشبه هتاف الطلاب
_ احنا لقينا حاجة تانية غريبة يا حاتم بيه
مد يده لى بسلسلة فضية بها قطعة من حجر كريم ازرق اللون
_ السلسلة دى لقيناها مع الهيكل العظمى
نظرت الى السلسلة متفحصا .. كان الامر يبدو غريبا فالسلسلة تبدو جديدة ولا تتناسب مع قدم هذا الهيكل العظمى .. كان شيئا غريبا لا نملك اجابة عنه فى الوقت الحالى .. الوحيد الذى يعرف الاجابة هو القتيل .. والقاتل ايضا
فى اليوم التالى كنت اجلس داخل مكتبى اهاتف زوجتى التى تركتها فى منزل حماتى عدة ايام .. كانت تعاتبنى كعادتها .. وكنت ارد عليها ردودى السابقة التجهيز كعادتى .. فالزوجات متماثلات فى طباعهن .. مهما كانت طبيعة عملك ومهما كان ما تتعرض له من مخاطر فهى تراك مقصر ولن تقتنع ابدا بغير ذلك .. انتهيت من روتينى الزوجى اليومى .. بعدها دخل الى مكتبى النقيب حسام وهو يمسك ملف فى يده وضعه على مكتبى وهو يهتف
_ تقرير المعمل الجنائى فى قضية الهيكل العظمى وصل
فتحت الملف كان به بعض الصور للهيكل العظمى وتقرير عن حالته .. تأملت الصور التى من جوانب مختلفة له .. مازال يصيبنى بالغثيان .. كان هناك تقرير مع الصور يؤكد ان الجريمة تمت منذ ثلاث سنوات اما السلسلة فقد تم وضعها مع الهيكل العظمى منذ 6 شهور فقط .. كان هناك معلومة مهمة فى التقرير ان السلسلة مصنوعة فى المغرب .. كان التقرير ايضا يؤكد ان الهيكل العظمى يخص امرأة عمرها حوالى 24 سنة وقت قتلها .. بدأت بعض الخيوط تتضح وترسم معلومات للضحية .. فتاة فى عمر الرابعة والعشرين قد تكون مغربية .. القاتل قام بقتلها منذ ثلاث سنوات ثم فتح مرة اخرى قبرها الذى اختاره لها ووضع سلسلة تخصها منذ 6 شهور .. تجويف الصدر يوضح ان القتل تم بطعنة واحدة نافذة الى القلب وان القاتل ترك السكين فى جسد الضحية لفترة قبل ان ينزعه .. يبدو ان الجريمة سببت له صدمة مؤقتة .. اذا فهو ليس معتاد على القتل .. منظر الدماء جعله يتوقف عن فعل اى شئ حتى يتأكد من موت الضحية .. لعله لم يرد قتلها من الاساس او كان القتل نتيجة شجار .. ولكن بما ان الطعنة موجهة الى القلب فهى جريمة عاطفية .. استهدف رجلا قلب امرأة احبها لذلك لم يكرر طعناته لها .. الحب يتواجد ايضا فى اوقات الجريمة .. عدت مرة اخرى لأنظر الى صور الهيكل العظمى .. كان لإمرأة فى يوما ما .. هل كانت جميلة ؟.. لا يهم فهى الان هيكل عظمى لا حياة به ..
بدأ رجالى فى جمع التحريات عن الواقعة .. فى تلك الحالة نبدأ بإجراء روتينى لكتابة تقرير مبدئى لعرضه على النيابة .. محضر نصف فيه الجريمة ونلحقه بتحريات وبعض اقوال العمال اللذين وجدوا الهيكل العظمى اثناء عملهم .. كل هذا فى الغالب لا يصل بنا الى شئ ولكن لابد من ان نقوم به ..
جلست امام وكيل النيابة الذى تم تحويل القضية له .. كان يقرأ الملف بتمعن ثم رفع وجهه ونظر الى بإحباط
_القضية صعبة جدا يا حاتم بيه .. وصعب ان المباحث تعرف توصل للقاتل اللى ارتكب الجريمة بعد الفترة الكبيرة دى .. لان مش المشكلة بس فى ان ملامح الجثة اختفت .. لكن كمان ملامح الجريمة وظروفها وملابساتها كمان اتمحت مع الفترة الكبيرة اللى مرت دى وهيبقى صعب جدا انكم توصلوا لاى خيط يوصلكم لحل القضية
نظرت له بجدية وانا اتكلم
_ انا معاك .. بس احنا ادامنا خيط لازم نمشى وراه .. وده ممكن يوصلنا لحاجات
كتير تفسرلنا اللى احنا مش فاهمينه فى القضية دى
_قصدك السلسلة اللى لقيتوها على الهيكل العظمى ؟
_ اكيد .. لان موضوع السلسلة ده اللى حول مسار القضية بالنسبالى .. لان السلسلة اتحطت بعد الجريمة بفترة كبيرة وده اكيد ليه معنى .. مش معقولة واحد يقتل فى ظروف عادية وبعدين يرجع بعد فترة من جريمته عشان يدفن سلسلة مع الجثة .. الا اذا كانت السلسلة والجثة كمان ليهم ارتباط كبير بيه ..قصة حب مثلا
جلس يفكر للحظات فى كلامى ثم نظر الي متسائلا بإهتمام
_طب مش يمكن اللى دفن السلسلة مش هو اللى قتل ؟ يعنى جايز اللى دفن السلسلة مكانش يعرف ان فى جثة مدفونة فى المكان اللى دفن فيه السلسلة ؟
_لا مينفعش … لان السلسلة محطوطة على الجثة بالظبط .. يعنى اللى حفر ودفن السلسلة ..لازم يكون شاف الهيكل العظمى وهو بيدفن السلسلة
أومئ برأسه بإقتناع بوجهة نظرى
_ طب وانتوا ايه الخطوات اللى انتوا خدتوها فى القضية لغاية دلوقت عشان توصلوا لحل اللغز ده ؟
_ احنا عملنا خبر عن الجريمة فى الجورنان .. وركزنا فى الخبر على المعلومات اللى وصلنا ليها لغاية دلوقت .. زى حكاية السلسلة .. وان المجنى عليها ممكن تكون مغربية وسنها .. جايز حد يلفت نظره الخبر .. ويكون عنده اى معلومة تفيدنا فى القضية
مر ثلاثة ايام لما نصل فيها لأى معلومة تفيدنا فى التحقيق ولم يلفت خبر الجريمة نظر اى أحد للادلاء بأى معلومات تفيدنا فى التعرف على ماهية الجثة .. حولنا رصد كل بلاغات الاختفاء لفتاة مغربية فى نفس العمر ثم وسعنا نطاق بحثنا لبلاغات الاختفاء لأى فتاة فى نفس العمر ولكن لم نصل لشئ .. كنت اشعر ان السلسلة التى وجدناها مع الهيكل العظمى ستكون هى مفتاح السر .. فالقاتل خاطر بكشف جريمته وذهب الى موقع دفن فيه جثة ضحيته منذ اكثر من سنتين ونصف ليضع تلك السلسلة معها .. لابد ان تلك السلسلة لها اهمية خاصة لديه ولدى الضحية ايضا ..
كانت زوجتى مهتمة جدا بمتابعة اخبار القضية .. لقد عادت اخيرا الى المنزل .. كانت فترة غيابها مؤثرة جدا بالنسبة لى .. لم اكن اجد طعام مناسب ولا ملابس مناسبة ولا زوجة تتكلم وقت تناولى للطعام فى كل الاشياء وتطلب منى الاجابة لتضمن انى لا اتجاهلها .. اخبرت زوجتى جميع صديقاتها انى من اقوم بالتحقيق فى قضية الهيكل العظمى .. لا اعرف هل هذا نوع من التباهى بي ام بنفسها .. لكن المهم فى الامر انها اصبحت اكثر شغفا بمعرفة معلومات عن القضية فى كل وقت حتى تنقل تلك الاخبار لصديقاتها واقاربها وكأنها مراسل حصرى من موقع الحادث ..
نظرت لى ونحن على مائدة الافطار انا وهى وطارق ابنى الذى لم يتجاوز العاشرة من عمره وهى تفكر بإمعان
_ لو حطينا نفسنا مكان القاتل .. ايه اللى يخليك تروح مكان جريمة انت عملتها واتدفنت من فترة كبيرة .. عشان تحط سلسلة مع جثة القتيلة اللى انت قتلتها .. بالرغم من ان ده ممكن يكون فى خطر عليك .. مفيش الا انه يكون بيحبها جدا وموتها اثر فيه
نظرت لها مازحاً
_هو اكيد لما قتلها كان بيحبها فعلا .. مش معقولة يكون حبها بعد ماقتلها
لم تهتم لمزحتى واكملت بجدية
_يبقى اكيد فى حاجة اتغيرت خلته حس بالذنب ناحيتها لدرجة انه يفكر التفكير ده
_ بس قعد كل الفترة دى عشان يحس بالذنب على جريمة قتل واحدة كان بيحبها
نظرت لى بحيرة وكأنها هى المسؤلة عن القضية ولست انا
_ هى دى بقى اكتر حاجة محيرانى فى الموضوع ده
كنت اود فى تلك المرحلة الهامة من الحديث ان اقاطعها واخبرها ان الجبنة القريش ليست جيدة ولكنى شعرت ان تعليقى لن يكون مناسباً .. فانا اعرف زوجتى جيدا عندما تتلبسها روح الراحلة اجاثا كريستى فهى لن ترضى ان يخرجها احد من تلك الحالة ويعيدها مرة اخرى الى المطبخ
وصلت الى مكتبى .. كان لدى عدد من القضايا لأحقق بها .. ولكن مازال عقلي مشغول بقضية الهيكل العظمي .. دخل امين الشرطة ليخبرنى ان هناك من يريد مقابلتي .. دخل رجل خمسيني يرتدى بدلة انيقة .. عرفني بنفسه انه ناصر العمري سيناريست وان لديه ما يريد قوله في قضية الهيكل العظمي .. اخيرا هناك من التفت لتلك القضية ويريد ان يدلي فيها بمعلومة .. لاحظت منذ دخوله انه يمسك في يده رواية ويشدد قبضته عليها جيدا .. بعد ان عرفنى بنفسه ودعوته للجلوس بدأ يتكلم بحماس
_ انا عندي معلومات مهمة جدا في قضية الهيكل العظمي اللى لقيتوه من كام يوم ده .. بس ياريت حضرتك تقدر تستوعبنى فيها ومتستهترش بيها .. لانها يمكن تكون
حاجة غريبة شوية .. ومتتصدقش
ابتسمت له لاجعله يطمئن ويخرج كل ما فى جعبته
_ لا متقلقش حضرتك .. احنا فى شغلتنا بنتعامل مع حاجات كتير غريبة واتعودنا
نصدق كل الحاجات اللى متتصدقش
ابتسم بارتباك
_ انا اسمى ناصر العمرى سينارست .. كان اخر فيلم عملته فيلم روح لو حضرتك سمعت عنه
_ اه طبعا .. ده انا اتفرجت عليه وعجبنى جدا .. اصل انا بحب الافلام اللى فيها
ساسبينس .. حضرتك عارف بقى بحكم المهنة
ابتسم مجاملا لمداعبتي ثم اكمل بحماس
_ وانا كمان زى حضرتك ..النوعية دى من الافلام بتستهوينى جدا وبحب اشتغلها
رغم انها صعبة اوى فى كتابتها بس باستمتع جدا وانا بكتبها
نظرت له بجديه وقد شعرت اننا ابتعدنا عن القضية الذى اخبرنى انه سوف يتكلم بشأنها
_هو كل ده كلام جميل يا استاذ ناصر .. بس اعتقد كده اننا لسه مدخلناش فى الموضوع اللى حضرتك جاى تحكهولى ولا ايه ؟
_ من حوالى 6شهور مراتى كانت فى المكتبة ..وشافت الرواية دى هناك واشترتها وجبتهالى لانها عجبتها اوى اول ما قرتها
مد يده لى بالرواية التى كان يمسكها فى يده .. اخذتها منه وانا اقرأ عنوانها بصوت عال
_ خيانة…بقلم محمود العوضى .. وبعدين يا استاذ ناصر
اكمل ناصر كلامه
_الرواية اول ما قريتها عجبتنى جدا لان فيها علاقة عاطفية وجريمة قتل واحداثها كتيرة ومتشعبة .. وقررت انى اعملها فيلم ..وقعدت كتير احاول اوصل لمؤلف الرواية عشان اشترى منه القصة ..لكن للاسف معرفتش اوصله خالص ..وعشان كده حطيت الرواية عندى فى المكتبة وابتديت اعمل شغل تانى غيرها ونسيتها تماما من وقتها
_وايه اللى فكر حضرتك بيها دلوقت يا استاذ ناصر ؟
تكلم بارتباك
_خبر الجريمة بتاعة الهيكل العظمى اللى انتوا لقيتوه
_ وايه علاقة الجريمة بالرواية اللى انت قريتها ؟
_ الرواية بتحكى تفاصيل الجريمة اللى حصلت بالظبط .. وكمان فى صورة للسلسلة اللى انتوا كنتوا ناشرين صورتها فى الجورنان موجودة فى الرواية
بدأ الامر يستثير فضولي ففتحت الرواية وقلبت صفحاتها حتى وصلت الى صورة بالأبيض والأسود للسلسلة التى وجدناها مع الهيكل العظمي .. كانت نفس السلسلة بالفعل بنفس النقوش ونفس الحجر الكريم المتدلي منها .. يبدو ان تلك القضية اغرب مما اتخيل ..
اطلعت وكيل النيابة على التطورات اللى حدثت فى القضية وضممت نسخة الرواية التى اعطاها لى ناصر العمرى لملف القضية .. جلس وكيل النيابة يتصفح الرواية امامي والدهشة على وجهه ثم نظر لى بإهتمام
_ بجد دى اغرب حاجة سمعتها فى حياتى .. ازاى المؤلف اللى اسمو محمود العوضى ده قدر يكتب كل التفاصيل اللى موجودة فى الرواية دى
_ده برضو اللى لفت نظرى فى الرواية .. بطل الرواية كان متجوز وكان بيحب واحدة مغربية اصغر منه فى السن ولما اكتشف انها بتحب واحد تانى فى سنها قتلها ودفنها ودفن معاها السلسلة .. والأغرب من كده ان المؤلف فى روايته حدد مكان دفن الجثة بالظبط.. ونفس المواعيد اللى تمت فيها الجريمة ذكرها فى روايته.. الاختلاف الوحيد بين الواقع والرواية انه خلا دفن السلسلة فى نفس وقت القتل
_ اكيد ده اللى هو كان بيتمنى يعمله
_ انا برضو فكرت فى كده
_ يبقى محمود العوضى هو هدفكم دلوقت
_اكيد .. لان لو مش هو اللى قتل .. يبقى على الاقل يعرف مين هو القاتل
كلفت رجالى بالفعل بالبحث عن الكاتب محمود العوضى .. ولكن وكـنه تبخر فلم يكن له اى معلومات مسجلة فى اتحاد الكتاب او جمعية المؤلفين او حتى فى دار النشر
التى نشرت الرواية بناء على عقد به رقم بطاقة ليس له وجود .. كان وكأنه شبح اتى من الجانب الاخر ليكتب لنا عن جريمة ويختفى مرة اخرى .. عدنا مرة اخرى لنقطة الصفر .. جلست اقرأ الرواية مرة اخرى لعلنى اجد فيها اى خيط يقودنى لحل لغز تلك الجريمة .. لفت نظرى ان القتيلة كانت تعمل فى بار فى شارع الهرم وكان لها صديقة مقربة كانت تدعى مايسة .. ذكر الكاتب مواصفاتها الشكلية وكتب انها لم تكن تحب البطل ولا علاقته بلبني القتيلة .. لبنى كان اسم مستعار لبطلة القصة ورغم اشارة الكاتب لذلك الا انه لم يذكر لنا اسمها الحقيقي واحتفظ به لنفسه لسبب لا نعرفه .. كنت اصدقه فى تلك النقطة لان السلسلة التى وجدناها مع هيكل لبنى العظمي كان يحمل حرف A وهو ليس بداية لأسم لبني .. لابد ان للقتيلة اسم اخر حقيقى يبدأ بهذا الحرف .. كان اكتر ما يبث الضيق فى نفسي من هذا الكاتب انه اختار ان يكون القاتل ظابط شرطة .. لا اعرف لماذا كان هذا الاختيار ولكنه اثار ضغينة بداخلى تجاهه .. سوف اتناسى تلك النقطة حتى أصل اليه اولا .. فحتى الان الكاتب هو دليلى الوحيد للوصول الى القاتل ..
عندما عدت الى المنزل وجدت زوجتى تتحدث فى الهاتف مع احدى صديقاتها .. كانت تناقش امر الجريمة من وجهة نظرها لكنها لم تنسى لتضفى المزيد من الاثارة والاهمية على ما تقوله ان تذكر بعض كلمات مثل ( حاتم قاللى .. معلومة سرية .. قالى متقوليش لحد ) .. لم اكن اخبر زوجتى بأى معلومات تخص عملى وكانت تعرف ذلك جيدا لكن هذا لم يمنعها ان تستغل انها زوجتى لتخبر الصديقات اننى لا اخفى عنها شئ .. النساء لا يتغيرن كثيرا ولا يتعظن رغم ان الهيكل العظمي هذه المرة يخص امرأة ..
خرجت فى اليوم التالى قبل موعد العمل لابحث بنفسى عن محمود العوضى كاتب رواية خيانة .. لم اكن سأبحث عنه بالمعنى الحرفي للكلمة ولكنى كنت ساستغل دعوة غداء من صديق لى يعمل كاتب سيناريو وروائي ايضا فى احد مطاعم وسط البلد التى تعج بالمثقفين .. كان الامر بالنسبة لى وكأنه غداء عمل من اجل محاولة الوصول لأى معلومة تفيدنى عن كاتب تلك الرواية المجهول ..
وصلت الى المطعم الذى دعانى اليه صديقى .. كانت الموسيقى الكلاسيكية تنبعث هادئة فى ارجاء المكان وهناك صفوة من المثقفين والكتاب ورواد المكان يجلسون حول مناضدهم يتناقشون وهم يتناولون طعامهم .. كانت اجواء جديدة علي ولم اتعود عليها من قبل .. قررت اننى بعد ان انتهى من تلك القضية سأدعو زوجتى الى العشاء فى هذا المطعم .. وجدت صديقى لؤى حسين يشير لى وهو يجلس الى احد المناضد فى مؤخرة المطعم .. كان لؤى رجل اربعينى مرح ومبتسم دائما .. كان جسده الممتلئ متناسق مع ابتسامته البريئة التى تملئ وجهه على الدوام .. اقتربت من لؤى وصافحته وجلست .. بعد ان اخترت من قائمة الطعام ما سأتناوله على هذا الغداء قررت ان استمع لما يعرفه لؤى عن تلك الرواية .. جلس لؤى يتكلم معى باهتمام وكأنه سيذكر لى حل تلك القضية فى ثوان
_ انا كمان قريت الرواية بتاعة خيانة دى وبصراحة عجبتنى اوى .. وكنت ناوى ان انا اعملها فيلم لكن انشغلت بافلام تانية ونسيتها .. بس هى بصراحة قصة جامدة جدا
_ طب قوللى .. محمود العوضى مؤلف الرواية دى ايه اللى خلاه مش معروف فى اى مجتمع ثقافى مع ان زى ما انت قولت روايته عملت صدى كويس .. ايه اللى يخلى واحد وصلت روايته للمكانة دى انه يفضل فى الضل الفترة دى كلها وميحاولش يعلن عن نفسه مع ان ده هيعملو شهرة كويسة ويفتحلو مجالات كتيرة تانية
مط شفتيه وهو لا يجد مبرر مقنع لذلك
_ انا عن نفسى مش لاقى تفسير مقنع للحالة دى بصراحة انا فى الوسط بقالى اكتر من 12 سنة ..ورغم كده عمرى ماسمعت عن كاتب اسمو محمود العوضى .. بس
فى ناس بتلجأ للاسماء المستعارة دى كنوع من انواع لفت النظر .. انا فاكر زمان وانا صغير ان كان فى حد بيكتب فى الصحافة تحت اسم انور وجدى وكان الناس متأثرة بيه جدا
ابتسمت وقد تذكرت تلك الواقعة بالفعل
_ ايوه انا فاكر فعلا ان ده كان موجود وفى ناس فضلت تستنتج شخصية الكاتب لدرجة ان فى ناس قالت انه وزير مشهور وبيحب الكتابة وعايز يختفى ورا اسم مستعار .. بس ده ممكن يبقى موجود لو الاسم ملفت .. لكن اسم محمود العوضى مش ملفت ومش اسم فنان مثلا
_ ما هو احنا منعرفش هو اختار الاسم ده ليه او بيمثل ليه ايه فى حياته .. هو ممكن ميبقاش ملفت ليا وليك .. لكن ملفت ومهم بالنسباله هو
كان كلام لؤى منطقى جدا .. واعادنى مرة اخرى لنقطة البحث عن محمود العوضى حتى ولو كان اسم مستعار فهو من المؤكد يعنى شئ بالنسبة للكاتب ولذلك قام باختياره كإسم مستعار له .. فى نفس الوقت وانا افكر فى كلام لؤى فوجئت بناصر العمرى يدخل الى المطعم ومعه امرأة اربعينية يبدو انها زوجته .. تابعته بنظرى حتى جلس هو وزوجته حول احد المناضد .. كان لؤى قد لاحظ نظراتى لناصر فنظر لى متسائلا باهتمام
_ ايه انت تعرف ناصر العمرى ولا ايه ؟
_ طبعا .. ماهو اللى جابلنا القصة لما لاحظ الشبه اللى ما بينها وبين الجريمة .. انت تعرفه ؟
القى عليه نظرة توضح عدم ارتياحه له
_ اعرفو طبعا .. بس انا وهو مش اصحاب .. لكن بما اننا فى وسط واحد فطبيعى نكون عارفين بعض .. بس كويس انه اهتم بموضوع القضية دى .. انا اللى اعرفه عنه انه ملوش فى انه يخدم حد او يتدخل فى موضوع مش بتاعه .. وبعدين ملوش اى علاقات مع اى حد منكم .. لانه مبيحبش بتوع الشرطة ولا القضاء
نظرت الى لؤى متسائلا
_ هو بيجى كتير هنا ؟
_ تقريبا زبون مستديم هنا .. على طول هو ومراته بيجوا يتغدوا ويقعدوا شويه .. بس علاقاته هنا مش كتير خالص .. يعنى يدوب شوية سلامات مع الناس القدام هنا .. لكن هو دايما بيحب يقعد هو ومراته لوحدهم
وكأن ناضر العمرى قد شعر بحديثنا عنه ..فبنهاية كلام لؤى عنه نظر تجاهنا ونهض واتجه الينا وقام بمصافحتى انا ولؤى بود شديد .. اقتصر الحوار بيننا على بعض عبارات المجاملة والترحيب بى وبلؤى وبعدها السؤال عن ما تم فى القضية ووعد منى ان اطلعه على اخر المستجدات اذا جد جديد فى القضية ثم صافحنا مرة اخرى واتجه الى منضدته ليجلس مع زوجته وعرفت من نظرات زوجته المترقبة نحوى انه يحكى لها من انا وما دار بيننا .. شغلت نفسى بالنظر الى لؤى وانا اداعبه
_ما الراجل لطيف معاك اهو ياراجل ..ولا هو عدوك ابن كارك
_ وحياتك ماهو لطيف ولا حاجة .. ده اول مرة يسلم عليا .. طب ايه رأيك بقى انا مكنتش عايز اقولك .. انت تعرف ان مدام امانى مراته كانت كاتبه كويسه جدا .. وخلاها هو تبطل تأليف وتقعد فى البيت مع ان انا شايف انها كانت كاتبه احسن منه 100 مرة
جلست انظر واتابع ناصر وامانى زوجته بنظرات مختلسة .. كنت اشعر ان جلستى مع لؤى مفيدة وانها ستكون سبباً فى وصولى الى الجانى رغم اننى لم احصل على معلومات كافية ولكن كان مجرد احساس يراودني ..
فى المساء تحركت مع بعض رجالى الى احد البارات المعروفة فى شارع الهرم .. كنت قد كلفت بعض رجالى بالبحث عن فتاة اسمها مايسة تعمل فى احد البارات وبالفعل وجدوا فتاتين .. ذهبت وقابلت الاولى ولم تكن هى المقصودة فتحركت الى البار الاخر لاقابل مايسة التى تبقت فى دائرة بحثنا عن صديقة القتيلة المقربة .. دخلت الى البار بهدوء وسط نظرات الترقب من الموجودين وترحاب المدير الذى اعتقد اننا من شرطة السياحة او الاداب ولكنى طمأنته اننى لست موجودا من اجل مراجعة موقفه ولكنى اتيت من اجل جريمة قتل .. يبدو ان كلامى لم يكن مطمئنا بدرجة كافية له فعاجلته بالسؤال عن مايسة فهى ما اريد من هذا المكان فقط .. اشار لى على فتاة جميلة تقف على البار وترتدى اليونيفورم الخاص بالبار .. تحركت حتى وقفت امام مايسة التى نظرت لى بمزيد من الارتباك والتوتر فنظرت لها بهدوء
_ عايز اتكلم معاكى شوية
قد يعجبك ايضا
متابعة القراءة