أوهام نسائية
القرار، لتقطع على نفسها وعدًأ بأن رامي سيعود نادمًا وسيصبح رجلًا مخلصًا كزوج منيرة.
كانت تحادثه يوميًا، أحبها بشدة، فتح لها قلبه في العالم الافتراضي، وأصبح يحكي لها كم زوجته مثيرة للشفقة، كم هي مهملة ولا تهتم به، كم هو تعيس مع امرأة لا يحمل لها في قلبه ذرة حب، كان يرسل هذه الاعترافات في الوقت الذي تحولت فيه ضحى لامرأة أخرى، قوية ظاهريًا، لكن بداخلها قهر يعتصرها، لم يستمر الحال هكذا كثيرًا، فقد أصبحت هذه المحادثات كالسُم الذي كاد أن يقتل روحها ببطء، حتى حانت لحظة المواجهة، كانت تجلس بجواره يشاهدان فيلمًا، لكنه فجأة أمسك هاتفه وبدأ في الكتابة، تسللت للغرفة وأغلقت الباب بينما هو منشغل بالكتابة، وكان حدسها صحيحًا، يراسل تلك المرأة وهي جالسة بجواره، أصبح عقلها الآن يتعامل مع الأمر كخيانة حقيقية، كم مرة فعلها من قبل مع نساء أخريات؟!
لم تستطع مقاومة الشعور بالحاجة لمواجهته والانفجار في وجهه بعد قراءة الرسالة:
– محتاج أتكلم معاكٍ، خلينا نتقابل يمكن لما نعرف بعض نلاقي حاجات مشتركة بيننا ونتجوز.
خرجت من غرفتها متجهة نحوه مرة أخرى، ووقفت أمامه باكية:
– طلقني.
نظر لها للحظة ثم بدأ ينظر لها بنظرة تعرفها جيدًا، نظرة الاستخفاف:
– مفيش فايدة، اسطوانة كل ساعتين… اللي بقت ماسخة وعاملة زي الفيلم اللي بنتفرج عليه ده.
أمسكت بجهاز التحكم لتُخرس الصوت الصادر من التلفاز وأردفت:
– لأ المرة دي فيلم جديد، انت هتطلقني، بصراحة انت ملكش أهمية عندي يارامي، كل مرة كنت باقول علشان ولادي، لكن خلاص مش هينفع العيال تعيش في بيت فيه أم قرفانة من أبوهم.
– اتجننتي يا ضحى، هاطلقك وتعملي أيه؟ هتروحي فين بمنظرك ده، ما تشوفي الستات..
قاطعته بحدة:
– لأ… لأ، مش
ثم نهضت متجهة لغرفتها ووجهت له آخر جٌملة قبل أن تغلق باب غرفتها في وجهه:
– هتمشي من البيت، وإلا، هاروح المحكمة أخلعك وأفضحك، هتدفع لي المؤخر ونفقة ولادك، وهتطلقني.
خرج رامي من المنزل واثقًا بأن ما حدث ما هو إلا أحد نوبات جنون ضحى المعتادة، بسبب تقلب الهرمونات أو بسبب مشاكلها مع الأولاد، لم يفكر ولو للحظة أن المرأة الدخيلة على حياته هي ضحى ذاتها، ولا خطر بباله أنها على أي صلة بها حتى قرر أن يرسل لحبيبته الجديدة رسالة أخرى:
– محتاج لِك بجد، المجنونة مراتي طالبة الطلاق وأنا حقيقي مخنوق ومحتاج أتكلم معاكٍ.
رأت زوجته تلك الرسالة فاستشاطت غضبًا، وتوعدت أن تكون نهاية هذا الوغد مأساوية، فأمسكت هاتفها وبدأت تعزف على لوحة المفاتيح:
– انت راجل غبي، إوعى تفتكر إني ممكن أبص لواحد زيك، أنا اللي بعت رسايلك للمغفلة اللي متجوزها علشان أربيك.
قطب رامي حاجبيه غير مصدقًا بأنه وقع في فخ كهذا:
– انتٍ مين؟ وهتستفيدي إيه من اللي عملتيه ده؟
-انت مش أول واحد ولا آخر واحد، وكمان لسه لما نفضحك على جروب شركتك، راجل خاين زيك لازم يتربى وإحنا هنربيك.
لم تمهله فرصة للرد وقامت بحظره، ثم بدأت بنشر صور المحادثات وإرسالها لكل معارف رامي، وما هي إلا لحظات حتى بدأ هاتفه في الرنين المتواصل، أحدهم يستنكر، وأحدهم يستفسر، وانهالت التعليقات الساخرة على ما تم نشره، وأصبحت ضحى هي الزوجة المسكينة التي كان يتهمها زوجها دائمًا بالغيرة المفرطة، والإهمال، اتضح أنها ضحية رجل جعلها خادمة له، بلا تقدير.
وضع ضحى بعد انكشاف أمر زوجها جعل الكثير يتعاطفون معها، حتى مجتمع النميمة النسائي أدرك أن انسحاب ضحى كان بسبب تلك الكارثة التي حلَّت على منزلها، مما ساعدها ذلك وشجعها أن تظهر على وسائل التواصل وتحكي تجربتها للجميع، أصبحت “تريند” الأسبوع على مواقع التواصل، ثم امرأة مؤثرة تنقل خبرتها وتجربتها عن العلاقات، أما منيرة فكانت تشعر ببعض الحقد ناحية الاهتمام المفاجيء الموجه ناحية ضحى، لكنها كانت تخمد نيران الحقد بمبرر أنها مجرد زوبعة تافهة وستمر كهؤلاء الذين يسطع نجمهم ويخفت في أيام قليلة.
بعد ثلاثة أشهر استعاد رامي علاقته بضحى بعد توسط الأهل، من أجل نفسية الأولاد التي أصبحت شبه مُدَمَرَة، ووافقت ضحى على مضض، فقد انتهت من انتقامها وأصبحت في غاية القوة، أكسبها موضوع الخيانة مالم تكن تتوقعه، أصبحت تفكر بشكل براجماتي وتستفيد من كل الأمور، فلا داعي للتمادي، كان فقط هناك أمر واحد عليها تبريره وهو رجوعها لرامي بعد ما حدث، فظهرت في فيديو لتتحدث عن مكيدة مدبرة لتدمير علاقتها بزوجها وكادت أن تنجح، فعادت مرة أخرى ليظهر اسمها على محركات البحث، كامراة متسامحة تحافظ على زواجها، وبرأت زوجها من الخيانة من أجل نفسية أولادها، أما رامي فقد استسلم تمامًا وتبدلت الأدوار بعدما كاد أن يخسر الكثير، وحتى هذه اللحظة لا يعرف أنه كان فريسة مسكينة وقعت في فخ مجتمع النميمة، وانتهى بها الأمر بين براثن زوجته.
لم يكن هناك شيء يزعج ضحى ويجعلها تشعر بالكثير من النقص سوى منيرة، حتى شاهدت زوج منيرة يجلس بجوار فتاة أخرى داخل سيارته، كاد قلبها أن يرقص فرحًا ربما أكثر من ذاك اليوم الذي عرفت فيه طريق الشهرة، تعمدت أن تجعل زوج منيرة يشاهدها، لتبث في قلبه الرعب، بينما في قرارة نفسها قررت أن تترك جارتها تعيش في وهم الزوج المخلص والحياة المثالية، دون أن تعرف أن منيرة هي من اخترعت تزييف الحقائق.
لم تشعر بأي نوع من الشفقة على منيرة وهي تردد:
– طلعنا في الهوا سوا يا منيرة.
بل شعرت ببعض الرضا والراحة، واستعادت الكثير من ثقتها بنفسها، منيرة الجميلة، المرأة النموذجية يخونها زوجها، فأيقنت أنها لم تكن السبب كما أشارت لها منيرة بغرور، لم يكن لون شعرها، و عدم صفاء بشرتها هو سبب الخيانة، ظلت تردد في عقلها بأن منيرة كاذبة، ثم ابتسمت بخبث:
– منيرة مغفلة.
كانت الحياة تسير بكل الأطراف كما خطط كل منهم، منيرة تتردد على عيادة الطبيب، وتستغل أي فرصة للحديث عن جمالها الطبيعي، محمود يوهم منيرة بإخلاصه، فقد اطمئن أن ضحى لن تخبر زوجته بعد مرور كل هذا الوقت، لكن لا أحد يعرف حقًا فربما منيرة تعلم عن خياناته وتتغاضى، ولم لا وهي صانعة الوهم للجميع؟
رامي يقاوم الخيانة، ليس حبًا في زوجته لكن خوفًا من الوقوع في فخ جديد، ضحى ما زالت تؤثر في النساء بأرائها، وأصبحت تتقاضى مبالغ طائلة مقابل الإعلانات.
وفي أحد الأيام دخلت ضحى لإحدى عيادات التجميل الشهيرة، للاتفاق على تصوير إعلان، اتجهت ناحية موظفة الاستقبال لتبلغ الطبيب بحضورها في الموعد:
– دكتور جواد منتظرني علشان الإعلان… أنا ضحى.
انقلبت العيادة رأسًا على عقب، بعد أن اتجهت بعض السيدات لالتقاط الصور مع السيدة المشهورة، بينما كانت هناك سيدة تتخذ مقعدًا بجوار الشرفة المطلة على النيل تجلس مرتبكة، تحاول أن تخفي وجهها، نظرت لها ضحى من بعيد وابتسمت، تظاهرت بأنها لم تراها حتى تمنحها متعة الوهم التي تحب أن تعيشها
القرار، لتقطع على نفسها وعدًأ بأن رامي سيعود نادمًا وسيصبح رجلًا مخلصًا كزوج منيرة. كانت تحادثه يوميًا، أحبها بشدة، فتح لها قلبه في العالم الافتراضي، وأصبح يحكي لها كم زوجته مثيرة للشفقة، كم هي مهملة ولا تهتم به، كم هو تعيس مع امرأة لا يحمل لها في قلبه ذرة حب، كان يرسل هذه الاعترافات في الوقت الذي تحولت فيه ضحى لامرأة أخرى، قوية ظاهريًا، لكن بداخلها قهر يعتصرها، لم يستمر الحال هكذا كثيرًا، فقد أصبحت هذه المحادثات كالسُم الذي كاد أن يقتل روحها ببطء، حتى حانت لحظة المواجهة، كانت تجلس بجواره يشاهدان فيلمًا، لكنه فجأة أمسك هاتفه وبدأ في الكتابة، تسللت للغرفة وأغلقت الباب بينما هو منشغل بالكتابة، وكان حدسها صحيحًا، يراسل تلك المرأة وهي جالسة بجواره، أصبح عقلها الآن يتعامل مع الأمر كخيانة حقيقية، كم مرة فعلها من قبل مع نساء أخريات؟! لم تستطع مقاومة الشعور بالحاجة لمواجهته والانفجار في وجهه بعد قراءة الرسالة: – محتاج أتكلم معاكٍ، خلينا نتقابل يمكن لما نعرف بعض نلاقي حاجات مشتركة بيننا ونتجوز. خرجت من غرفتها متجهة نحوه مرة أخرى، ووقفت أمامه باكية: – طلقني. نظر لها للحظة ثم بدأ ينظر لها بنظرة تعرفها جيدًا، نظرة الاستخفاف: – مفيش فايدة، اسطوانة كل ساعتين… اللي بقت ماسخة وعاملة زي الفيلم اللي بنتفرج عليه ده. أمسكت بجهاز التحكم لتُخرس الصوت الصادر من التلفاز وأردفت: – لأ المرة دي فيلم جديد، انت هتطلقني، بصراحة انت ملكش أهمية عندي يارامي، كل مرة كنت باقول علشان ولادي، لكن خلاص مش هينفع العيال تعيش في بيت فيه أم قرفانة من أبوهم. – اتجننتي يا ضحى، هاطلقك وتعملي أيه؟ هتروحي فين بمنظرك ده، ما تشوفي الستات.. قاطعته بحدة: – لأ… لأ، مش
