أوهام نسائية

أوهام نسائية
أوهام نسائية

ابتسم الطبيب عند رؤية الرسالة وكأنه يتوقعها، وضع الهاتف جانبًا ثم اتجه ناحية سيدة ثلاثينية شابة تجلس أمامه مستسلمة لاستكمال ما بدأه من عمل.

ظلَّت أمام المرآة تتأمل وجهها الجديد، كان الطبيب محقًا فيما نصحها به، قليل من الرتوش لن تضر، هي الآن بالفعل يبدو على وجهها النضارة، دون مبالغة تظهر جلية للآخرين.

عاد كل شيء لطبيعته، تأنقت في الصباح وذهبت لعملها، كان مُلاحظ للقاصي والداني أن هناك تغيرًا طرأ على وجهها، لكن لم يستطع أحد تحديده، بينما كانت هي مستمتعة بنظرات الإعجاب، وكانت تنظر لوجهها في مرآة صغيرة وضعتها بدرج مكتبها كلما سنحت لها الفرصة، ثم عادت لمنزلها مبتهجة ولديها طاقة كبيرة من الحب لذاتها، فكانت تدندن مع أغنيات “إليسا” في سيارتها، وأخبرت زوجها أنها أعطت إجازة للخادمة، وستعد له عشاءًا رومانسيًا، ثم ذهبت للتسوق، إن التسوق بالنسبة لمنيرة مغامرة مختلفة تفعلها للحصول على بعض الدوبامين، كمعظم النساء!

عادت منيرة للمنزل وانتهى يومها بشكل أحبته، ربما تذهب لعيادة الطبيب مرة أخرى، لتصغير أنفها، أو نحت قوامها لتبدو أكثر نحافة، كانت تقف أمام المصعد شاردة، حتى فوجئت بجيرانها سكان الشقة المقابلة “رامي، وضحى” يقفان بجوارها في انتظاره مثلها تمامًا، اكتفت فقط بابتسامة خفيفة دون أن توجه لهما كلمة واحدة حتى توقف المصعد ثم اتجه كل منهم إلى شقته، لم تكن منيرة من محبي الاختلاط بالجيران إلا عند الضرورة لإضفاء هالة من الغموض حولها، فقط تحية الصباح مع إيماءة بالرأس وانتهى الأمر، لكن كان للجيران وجهة نظر أخرى، فقد لاحظت ضحى كيف أن رامي يتابع جسد جارتهم بنظره حتى اختفت خلف باب شقتها، لكنها لم تواجهه، فهي تعلم أن المواجهة قد اقتربت ويجب أن

تكون على شيء يستحق… شيء أكبر.

دخلت ضحى بصحبة زوجها لشقتها، وانتظرت حتى استطاعت أن تفتح هاتفه بكلمة السر الجديدة التي دائمًا ما يغيرها، وتكتشفها بعدها بقليل، لترى المرأة التي يخونها زوجها معها، عشيقته الجديدة، في كل مرة تكتشف الأمر ثم تتشاجر معه، وبعدها تسامحه، وفي كل مرة تنتوي الطلاق لكنها تتراجع لمصلحة الأولاد، فمن سينفق عليهم، وكيف ستواجه المجتمع كامرأة مطلقة؟

في كل مرة تعطي بعضًا من المسكنات على هيئة مبررات لكرامتها المسحولة بين يدي رامي، لذلك لم يكن مفاجئًا لرامي تلك الثورة التي أحدثتها زوجته وهي تلقي بهاتفه أرضًا وهي تصرخ:

– أنا خلاص قرفت منك ومن عمايلك، ومن خيانتك… ممكن أفهم إيه القرف ده؟

التفت رامي نحوها وهو يضع ملابسه بالخزانة ويلتقط هاتفه من الأرض:

– هو أنا ألف مرة هاقول لك تبطلي شغل اللصوص ده وتبطلي تفتيش في تليفوني؟

– يلااا بقى اقلب الترابيزة على دماغي زي كل مرة… مش ناوي تعقل يا رامي؟ أومال لو كنت حلو وصغير شوية كنت عملت إيه؟!

-فيه ست محترمة تقول كده لجوزها؟ طيب اتكسفي على دمك، ده إحنا لسه شايفين جارتنا قدام عينك زي القمر، أكبر منك في البطاقة صحيح لكن تبان أصغر منك بكتير.

نظرت له ضحى بصدمة، ربما لم يكن يجب أن تنجذب لفخ هذا الحوار من بدايته، أهانها زوجها بأسوأ ما يمكن أن تهان به المرأة، مقارنتها بإحداهن، مهما كانت الأخرى جميلة، فكل أنثى تحب أن تكون الأجمل في عين زوجها، وحتى إن كانت تعرف أنه يعقد في عقله مقارنة داخليلة، فهناك أشياء يجوز الكذب فيها وإلا انتهت العلاقة وقطعت أوصالها حتى لو بدون طلاق، لذلك فقد قررت ضحى أن تنجرف معه في سخافته:

– عاجباك؟ حلوة هي مش كده؟ ست زي القمر وأحسن مني؟

بتبص لها وشايفها إزاي يا رامي؟ بتبص على جارتنا؟

طيب مشوفتش جوزها بيعاملها إزاي وبيشتري لها إيه؟ شوفت لبسها؟ شوفت حياتها ولا اتعميت عن ده؟

أقول لك كمان يمكن تحس باللي قُلته  قدامي دلوقتي… شوفت جوزها عامل إزاي؟ شوفت جسمه وش…

لم يمهلها أن تكمل جملتها حتى انهال عليها ضربَا وركلًا دون توقف وهو يصرخ بها:

– اخرسي… اخررررسي، انتِ سِت سافلة والله لأطلقك وأرميكِ في الشارع.

كان صوته مع صراخها مدويًا، جعل منيرة وزوجها ينتفضان من مكانهما تاركين طعامهما على السُفرة، مهرولين نحو مصدر الصوت، بينما صوت طَرقاتهم على الباب جعل رامي ينتبه للفضيحة المنتظرة وهو يفتح باب شقته ويجد جيرانه سبب المشكلة وأصلها أمام عينيه، يدخلان منزله دون استئذان:

– يا جماعة ميصحش كده، صوتكم سمَّع العمارة كلها والناس هتتلم.

قالتها منيرة وهي تتوجه نحو ضحى الملقاة أرضًا وتساعدها على النهوض، بينما سحب محمود جاره في هدوء وتوجها لشقته تاركًا المرأتان بمفردهما.

جلست ضحى تبكي بجوار منيرة تندب حظها في زيجتها، تذكر لمنيرة كم مرة ضبطته يخونها بمحادثات كتلك التي يتبادلها المراهقين، وفي كل مرة تكون حُجته انها امرأة مهملة، تركت نفسها للبيت والأولاد حتى تحولت لشبح امرأة، وظلت تقص على منيرة كم المسؤوليات التي تتحملها من خدمة زوجها وأولادها، وضيق ذات يد زوجها التي تمنعها من طلب الكثير من الأشياء التي تحتاجها كامرأة ورغم كل ذلك، لا تجد منه أي تقدير ولا حتى كلمة شكر واحدة، تخبرها أنها على أعتاب الثلاثين من العمر وتبدو كامرأة في نهاية الأربعين، كانت منيرة تتخيل أنها تشاهد نفسها في امرأة أخرى أجبرتها الظروف على حياة بغيضة، حُرمت فيها من السعادة، فالحياة مع رجل بغيض كزوج ضحى تحتاج لامرأة تعرف كيف تتحمل القهر وتعتاد عليه، نفضت عن رأسها فكرة أن تكون مكان ضحى، وكانت تلك فرصة منيرة لتتأمل حياتها، إنها حقًا جميلة، يحسدها الناس، لم تنتبه أبدًا أن لديها

ابتسم الطبيب عند رؤية الرسالة وكأنه يتوقعها، وضع الهاتف جانبًا ثم اتجه ناحية سيدة ثلاثينية شابة تجلس أمامه مستسلمة لاستكمال ما بدأه من عمل. ظلَّت أمام المرآة تتأمل وجهها الجديد، كان الطبيب محقًا فيما نصحها به، قليل من الرتوش لن تضر، هي الآن بالفعل يبدو على وجهها النضارة، دون مبالغة تظهر جلية للآخرين. عاد كل شيء لطبيعته، تأنقت في الصباح وذهبت لعملها، كان مُلاحظ للقاصي والداني أن هناك تغيرًا طرأ على وجهها، لكن لم يستطع أحد تحديده، بينما كانت هي مستمتعة بنظرات الإعجاب، وكانت تنظر لوجهها في مرآة صغيرة وضعتها بدرج مكتبها كلما سنحت لها الفرصة، ثم عادت لمنزلها مبتهجة ولديها طاقة كبيرة من الحب لذاتها، فكانت تدندن مع أغنيات “إليسا” في سيارتها، وأخبرت زوجها أنها أعطت إجازة للخادمة، وستعد له عشاءًا رومانسيًا، ثم ذهبت للتسوق، إن التسوق بالنسبة لمنيرة مغامرة مختلفة تفعلها للحصول على بعض الدوبامين، كمعظم النساء! عادت منيرة للمنزل وانتهى يومها بشكل أحبته، ربما تذهب لعيادة الطبيب مرة أخرى، لتصغير أنفها، أو نحت قوامها لتبدو أكثر نحافة، كانت تقف أمام المصعد شاردة، حتى فوجئت بجيرانها سكان الشقة المقابلة “رامي، وضحى” يقفان بجوارها في انتظاره مثلها تمامًا، اكتفت فقط بابتسامة خفيفة دون أن توجه لهما كلمة واحدة حتى توقف المصعد ثم اتجه كل منهم إلى شقته، لم تكن منيرة من محبي الاختلاط بالجيران إلا عند الضرورة لإضفاء هالة من الغموض حولها، فقط تحية الصباح مع إيماءة بالرأس وانتهى الأمر، لكن كان للجيران وجهة نظر أخرى، فقد لاحظت ضحى كيف أن رامي يتابع جسد جارتهم بنظره حتى اختفت خلف باب شقتها، لكنها لم تواجهه، فهي تعلم أن المواجهة قد اقتربت ويجب أن
تكون على شيء يستحق… شيء أكبر. دخلت ضحى بصحبة زوجها لشقتها، وانتظرت حتى استطاعت أن تفتح هاتفه بكلمة السر الجديدة التي دائمًا ما يغيرها، وتكتشفها بعدها بقليل، لترى المرأة التي يخونها زوجها معها، عشيقته الجديدة، في كل مرة تكتشف الأمر ثم تتشاجر معه، وبعدها تسامحه، وفي كل مرة تنتوي الطلاق لكنها تتراجع لمصلحة الأولاد، فمن سينفق عليهم، وكيف ستواجه المجتمع كامرأة مطلقة؟ في كل مرة تعطي بعضًا من المسكنات على هيئة مبررات لكرامتها المسحولة بين يدي رامي، لذلك لم يكن مفاجئًا لرامي تلك الثورة التي أحدثتها زوجته وهي تلقي بهاتفه أرضًا وهي تصرخ: – أنا خلاص قرفت منك ومن عمايلك، ومن خيانتك… ممكن أفهم إيه القرف ده؟ التفت رامي نحوها وهو يضع ملابسه بالخزانة ويلتقط هاتفه من الأرض: – هو أنا ألف مرة هاقول لك تبطلي شغل اللصوص ده وتبطلي تفتيش في تليفوني؟ – يلااا بقى اقلب الترابيزة على دماغي زي كل مرة… مش ناوي تعقل يا رامي؟ أومال لو كنت حلو وصغير شوية كنت عملت إيه؟! -فيه ست محترمة تقول كده لجوزها؟ طيب اتكسفي على دمك، ده إحنا لسه شايفين جارتنا قدام عينك زي القمر، أكبر منك في البطاقة صحيح لكن تبان أصغر منك بكتير. نظرت له ضحى بصدمة، ربما لم يكن يجب أن تنجذب لفخ هذا الحوار من بدايته، أهانها زوجها بأسوأ ما يمكن أن تهان به المرأة، مقارنتها بإحداهن، مهما كانت الأخرى جميلة، فكل أنثى تحب أن تكون الأجمل في عين زوجها، وحتى إن كانت تعرف أنه يعقد في عقله مقارنة داخليلة، فهناك أشياء يجوز الكذب فيها وإلا انتهت العلاقة وقطعت أوصالها حتى لو بدون طلاق، لذلك فقد قررت ضحى أن تنجرف معه في سخافته: –
عاجباك؟ حلوة هي مش كده؟ ست زي القمر وأحسن مني؟ بتبص لها وشايفها إزاي يا رامي؟ بتبص على جارتنا؟ طيب مشوفتش جوزها بيعاملها إزاي وبيشتري لها إيه؟ شوفت لبسها؟ شوفت حياتها ولا اتعميت عن ده؟ أقول لك كمان يمكن تحس باللي قُلته  قدامي دلوقتي… شوفت جوزها عامل إزاي؟ شوفت جسمه وش… لم يمهلها أن تكمل جملتها حتى انهال عليها ضربَا وركلًا دون توقف وهو يصرخ بها: – اخرسي… اخررررسي، انتِ سِت سافلة والله لأطلقك وأرميكِ في الشارع. كان صوته مع صراخها مدويًا، جعل منيرة وزوجها ينتفضان من مكانهما تاركين طعامهما على السُفرة، مهرولين نحو مصدر الصوت، بينما صوت طَرقاتهم على الباب جعل رامي ينتبه للفضيحة المنتظرة وهو يفتح باب شقته ويجد جيرانه سبب المشكلة وأصلها أمام عينيه، يدخلان منزله دون استئذان: – يا جماعة ميصحش كده، صوتكم سمَّع العمارة كلها والناس هتتلم. قالتها منيرة وهي تتوجه نحو ضحى الملقاة أرضًا وتساعدها على النهوض، بينما سحب محمود جاره في هدوء وتوجها لشقته تاركًا المرأتان بمفردهما. جلست ضحى تبكي بجوار منيرة تندب حظها في زيجتها، تذكر لمنيرة كم مرة ضبطته يخونها بمحادثات كتلك التي يتبادلها المراهقين، وفي كل مرة تكون حُجته انها امرأة مهملة، تركت نفسها للبيت والأولاد حتى تحولت لشبح امرأة، وظلت تقص على منيرة كم المسؤوليات التي تتحملها من خدمة زوجها وأولادها، وضيق ذات يد زوجها التي تمنعها من طلب الكثير من الأشياء التي تحتاجها كامرأة ورغم كل ذلك، لا تجد منه أي تقدير ولا حتى كلمة شكر واحدة، تخبرها أنها على أعتاب الثلاثين من العمر وتبدو كامرأة في نهاية الأربعين، كانت منيرة تتخيل أنها تشاهد نفسها في امرأة أخرى أجبرتها الظروف على حياة بغيضة، حُرمت فيها من السعادة، فالحياة مع رجل بغيض كزوج ضحى تحتاج لامرأة تعرف كيف تتحمل القهر وتعتاد عليه، نفضت عن رأسها فكرة أن تكون مكان ضحى، وكانت تلك فرصة منيرة لتتأمل حياتها، إنها حقًا جميلة، يحسدها الناس، لم تنتبه أبدًا أن لديها
تم نسخ الرابط