أوهام نسائية
زوج مثالي، هل هو حقًا كذلك أم أنها فقط لم تعطه الفرصة لخيانتها، لاهتمامها الدائم والمفرط بجمالها؟
ظَلَّت تنظرإليها وتستمع لها حتى استردت ضحى بعض وعيها وتذكرت أن هذه المشادة حدثت بسبب جارتها، فصمتت فجأة، بينما اتخذت منيرة دور المرأة الحكيمة:
– طيب ما تِبطلي له حجته دي!
كفكفت ضحى دموعها وكأنها وجدت الحل السحري لمشكلتها، فأمامها الآن فينوس الحي التي ينظر لها الجميع كأحد آلهة الجمال، فلما لا تنحي أحقادها جانبًا وتستفيد من الفرصة:
– يعني أعمل إيه… قصدي يعني معلش في السؤال بتعملي إيه علشان تبقي حلوة كده؟
ثم ترددت قليلًا قبل أن تباغت منيرة:
– أنا معرفش سنك كام بس يعني ممكن تكوني كبيرة شويتين، فبتعملي إيه علشان تبقي حلوة كده؟
سؤالها جعل منيرة تستشيط غضبًا، فكرت في أن ضحى تقصد إهانتها أو تتهمها بأنها أجرت عملية تجميل بتبدو أصغر، مما جعلها تفكر في إنكار التهمة وإخفاء الحقيقة،
اعتدلت قليلًا في جلستها ثم اغمضت عينيها لحظة وكأنها تتذكر:
– يعني هو حسب ما افتكر، الموضوع ده وراثي في العيلة، لكن للاحتياط يعني ملتزمة بنظام أكل صعب أوي أكتر مما تتصوري، وباشرب مياه كتير جدًا، وعلشان مبقاش كذابة هو بس مرطب للبشرة لكن غالي شويتين، ولازم الرياضة مرتين في الأسبوع… ده على الأقل.
قصدت منيرة إحباط ضحى التي أصابها اليأس بالفعل كنوع من الانتقام لسؤالها بغض النظرعن نيتها عند سؤاله، هذا هو العقاب المناسب لامرأة يجب عليها تجميل كلماتها قبل تجميل وجهها، لكنها لم تلحظ نظرات الحنق والحقد التي كانت تصدرها لها ضحى، فاستطردت بكلمات مكررة سمعتها دومًا من الأفلام:
– حاولي تعرفي مشكلة جوزك إيه، انتِ أكيد مقصرة معاه، يعني اصبغي شعرك، أو البسي حاجة أحلى من كده،
هو بصراحة معاه حق يبص برة.ألقت هذه الكلمات على مسامع ضحى التي شعرت بأن كرامتها تلاشت كأنوثتها تمامًا أمام منيرة، استأذنت منيرة في الانصراف، واتجهت لشقتها، التي كان يجلس فيها محمود بصحبة رامي محاولًا تهدئته، كان محمود منهمكًا في الحديث معه يحاول أن يفهم منه سبب المشاجرة، بينما كان بصر رامي متجهًا لمنيرة التي رمقته بنظرة احتقار واضحة، قبل أن تدخل غرفتها جعلته يحول نظره لمحمود مرة أخرى:
– يا أستاذ محمود دي حاجة عادية متشتغلش بالك، أنا باعتذر عن الإزعاج اللي سببناه، ومضطر أستأذن علشان عندي مشوار مهم.
بعد عدة وعود أخذها محمود على جاره بضرورة التعقل في حل الأمور، والتروي في مواجهة المشاكل العائلية خرج رامي من شقة جاره وهو يشعر بإهانة رجولته، بالطبع لا يصح أن يخبر جاره بأنه اعتدى على زوجته بالضرب بسببه، ولا يجوز أن يصرح له بإعجابه بزوجته، ليس إعجابًا بالمعنى الحرفي، لكنه في قرارة نفسه يتمنى أن تصبح ضحى جميلة كزوجته، لم يكن من المعقول أن يسأله كيف له أن يحصل على كل هذه النعم لنفسه ويحتكرها دون أن يكون له نصيبًا ولو في القليل منها… فقط زوجة جميلة.
مرت عدة أيام على تلك المعركة الزوجية، وعادت الأمور لطبيعتها ظاهريًا ككل مرة، أما النفوس فتمتليء بتراكمات من الغضب والألم، كنيران صغيرة لا تنطفيء، كلما أتيحت الفرصة لإخمادها تجددت من جديد، حتى جاء صباح أحد الأيام رن هاتف منيرة برقم غريب:
– ألو… مين معايا.
– صباح الخير يا منيرة، أنا ضحى، أنا باعتذر لو أزعجتك بس أنا متصلة أعزمك على عيد ميلاد سيف.
– سيف مين؟
ضحكت ضحى ثم أجابت وكأنه كان يجب على منيرة أن تعرفه:
– سيف ابني، هيتم خمس سنين النهاردة، أنا على فكرة جبت رقمك من أستاذ محمود لما قابلته الصبح عند الأسانسير، علشان بس متستغربيش جبت رقمك منين، متتأخريش بقى عن الساعة تمانية.
أغلقت منيرة الخط وهاتفت زوجها، لم تمهله فرصة للرد وبدأت في توجيه عبارات اللوم والعتاب له على إعطاء رقمها للجيران، وأعطته درسًا عن خطورة الاختلاط بالناس، وكيف أنها حافظت على هدوء منزلها بعيدًا عن تدخل الجيران وتطفلهم، ثم أغلقت الخط دون أن يلحق محمود بأن يبرر لها أنه شعر بإحراج أمام لطف المرأة وهي توجه له دعوة حضور عيد الميلاد، وظلت تشكره على تدخلهم لحل مشكلتها مع زوجها، ولم يكن يعرف محمود أن ضحى لا تطيق زوجته، لكنها فقط أرادت التقرب منها بأي شكل لتجد أي عيوب تجعل زوجها يعرف كيف أخطأ بحقها.
قبلت منيرة الدعوة وتأنقت، بل بالغت في التأنق، كانت تبدو وكأنها ذاهبة لحفل زفافها لا حفل عيد ميلاد طفل صغير، لن يتذكر تفاصيل الحفل بعد عدة ساعات، ولم تفوت ضحى الفرصة على نفسها بدعوة جاراتها من النساء، ليشاهدن جارتهن الحسناء عن قرب، ثم يجعلونها حديثهن في جلسات النميمة، لكن ما حدث كان عكس توقع ضحى، فقد كانت منيرة محور اهتمام الحفل، كانت الجارات تنهال عليها بأسئلة كثيرة عن روتينها اليومي، وكيفية استعمال بعض المنتجات التجميلية، وأشارت إحداهن عن أنها تفكر في السفر لإجراء جراحة تجميلية بكوريا الجنوبية، حينها اندهشت منيرة من الفكرة ورفضتها بشدة، وألقت عليهن محاضرة عن فوائد شرب المياه، وفوائد تناول الفاكهة، والعصير الأخضر المصنوع منزليًا، وها هي
زوج مثالي، هل هو حقًا كذلك أم أنها فقط لم تعطه الفرصة لخيانتها، لاهتمامها الدائم والمفرط بجمالها؟ ظَلَّت تنظرإليها وتستمع لها حتى استردت ضحى بعض وعيها وتذكرت أن هذه المشادة حدثت بسبب جارتها، فصمتت فجأة، بينما اتخذت منيرة دور المرأة الحكيمة: – طيب ما تِبطلي له حجته دي! كفكفت ضحى دموعها وكأنها وجدت الحل السحري لمشكلتها، فأمامها الآن فينوس الحي التي ينظر لها الجميع كأحد آلهة الجمال، فلما لا تنحي أحقادها جانبًا وتستفيد من الفرصة: – يعني أعمل إيه… قصدي يعني معلش في السؤال بتعملي إيه علشان تبقي حلوة كده؟ ثم ترددت قليلًا قبل أن تباغت منيرة: – أنا معرفش سنك كام بس يعني ممكن تكوني كبيرة شويتين، فبتعملي إيه علشان تبقي حلوة كده؟ سؤالها جعل منيرة تستشيط غضبًا، فكرت في أن ضحى تقصد إهانتها أو تتهمها بأنها أجرت عملية تجميل بتبدو أصغر، مما جعلها تفكر في إنكار التهمة وإخفاء الحقيقة، اعتدلت قليلًا في جلستها ثم اغمضت عينيها لحظة وكأنها تتذكر: – يعني هو حسب ما افتكر، الموضوع ده وراثي في العيلة، لكن للاحتياط يعني ملتزمة بنظام أكل صعب أوي أكتر مما تتصوري، وباشرب مياه كتير جدًا، وعلشان مبقاش كذابة هو بس مرطب للبشرة لكن غالي شويتين، ولازم الرياضة مرتين في الأسبوع… ده على الأقل. قصدت منيرة إحباط ضحى التي أصابها اليأس بالفعل كنوع من الانتقام لسؤالها بغض النظرعن نيتها عند سؤاله، هذا هو العقاب المناسب لامرأة يجب عليها تجميل كلماتها قبل تجميل وجهها، لكنها لم تلحظ نظرات الحنق والحقد التي كانت تصدرها لها ضحى، فاستطردت بكلمات مكررة سمعتها دومًا من الأفلام: – حاولي تعرفي مشكلة جوزك إيه، انتِ أكيد مقصرة معاه، يعني اصبغي شعرك، أو البسي حاجة أحلى من كده،