فخ نرجس

فخ نرجس
فخ نرجس

– أنا ضحية… لمين!

– بصي هو أنا مش متخصص يعني بس مهتم شوية بالقراءة زي ما تعرفي عني.. و…

تردد قليلًا قبل أن يسألها:

– سمعتي عن النرجسية؟

نظرت له وكأنها تحاول أن تتذكر:

– آه، أظن يعني.. سمعت عنها بس مش فاهمة حاجة!

– من غير دخول في تفاصيل أنا أعتقد إن مامتك نرجسية، الطريقة في التربية واختيارها لأخوكِ وتمييزه عنكم ومقارناتها بينكم وبين غيركم، وقسوتها دي كلها حاجات بتدل على كده، مش عاوزك تزعلي مني بس مامتك واخدة نصيب كبير من اسمها.

رفعت سلمى حاجبيها في صدمة وكأنها لم تتذكر اسم والدتها سوى الآن:

– صح… طيب يعني ده معناه إيه؟

– مش معناه حاجة غير إن أنتِ كده قطعتي نص المسافة في طريق حل مشكلتك… أقصد يعني إن طالما عرفت طبيعة الشخص اللي قدامي فلازم أتعامل معاه بالشكل اللي يريحني وميجهدنيش.

– مش فاهمة حاجة!

– هاشرح لك بس عاوزك تفهمي كلامي… لو أنا بامشي من شارع معين كل يوم، والشارع ده مينفعش أتخطاه ولازم أمشي منه لكن كل يوم فيه واحد مجنون بيقابلني فيه، يحدفني بالطوب ومؤذي جدًا وأنا كل مرة باروح أتخانق معاه وهو مستمر في الأذى…

نظرت له سلمى بغضب بعدما فهمت تلميحه لكنه اعتذر وأكمل:

– قلت لك افهميني… لو المجنون ده مستمر في أذاه وأنا مصمم أحتك بيه يبقى كده أن اللي غلطان لأني مش باتعامل معاه بالطريقة السليمة اللي تخليني أتجنب أذيته، لكن الصح هنا إني أتجاهله، هيفضل يحاول مرة واتنين يستفزني لكن لما يلاقي تجاهل هيروح يشوف حد غيري وساعتها أنا هاقدر أمشي في الشارع بسلام… اعتبري بقى الشارع ده هو حياتك واتصرفي بالطريقة اللي تخليكِ تمشي فيه بأمان.

في هذا اليوم كانت

سلمى تشعر بتغيير كبير في حياتها، فلأول مرة تشعر بأنها تستحق حياة أفضل، وتتفهم أن لا نقص فيها يجعلها تشعر بعدم استحقاقيتها للأشياء، كانت ممتنة لوجود شخص متفهم كهشام وأن القدر أهداه لها عوضًا عن سنوات القهر التي عاشتها في شبه منزل.

لم يكن الأمر مستقرًا هكذا مع سمية، التي هيأت نفسها للخروج والتحرر من خوفها وضعف شخصيتها أمام والدتها وشقيقها، تمنت لو أنها استقلت واستقرت مع شخص يحبها في منزل صغير يضمهما معًا.. تمامًا كما حدث مع سلمى، أو على الأقل تحصل على وظيفة كتلك التي حصلت عليها سماء، لكن لما لا تحبها أمها، ولما هي الأقل حظًا بين الجميع، ظلت تبكي طوال الليل، تفكر لو كان والدها على قيد الحياة الآن هل سيكون حالها أفضل أم أنه كان سيحذو حذو نرجس ويظلمها أيضًا، فكرت أيضًا لو أنها بالفعل أقل الفتيات حظًا وجمالًا وذكاءً، ربما لدى والدتها الحق فيما تفعل، استسلمت تمامًا لتلك الفكرة، دفنت رأسها أسفل الوسادة وظلَّت تبكي.

بعد عدة أيام عاد سامح من العمل وطلب من سمية إعداد وجبة غداء له، ظلت سمية تنظر له ثم دخلت إلى غرفتها وأغلقت بابها، دلف سامح خلفها كالمجنون معيدًا طلبه من جديد:

– أنتِ مبتسمعيش؟! اعملي لي غدا علشان نازل تاني، بسرعة بدل ما يومك مش هيعدي.

نظرت له سمية نظرة لم يفهمها، كانت تجلس على فراشها غير آبهة بأوامره، شعرها غير مهندم كعادتها، كانت تمسك بيدها مزهرية صغيرة مصنوعة من الخزف الثقيل، تقلب بصرها بينها وبين سامح بنظرة جنونية، وفجأة ألقت بها على رأس سامح الذي انحنى بسرعة وتفادى ضربة سمية، شعوره بالصدمة ألجمه ولم يستطع أن يأخذ أي رد فعل معها، لكن سمية لم تكتفِ بذلك بل قامت بالهجوم عليه ومحاولة ضربه مرة أخرى، غرزت أظافرها في وجهه وبدأت تسبه وتلعنه وتتهمه بأنه سبب ضياعها بينما هو بدأ يفيق من صدمته ويحاول التخلص من قبضتها عليه:

– اوعي يا مجنونة، ابعدي عني، أنا هاوريكِ يا سمية.. كل ده علشان طلبت منك الغدا.

استطاع السيطرة عليها أخيرًا بعدما تلطخت يدها بدماء وجهه، لكنها ظلت تصرخ حتى شعر سامح بالخوف منها وهرع يبحث عن نرجس، خرجت سمية خلفه لتكمل ما بدأته، كانت تريد أن توضح لها أن السبب ليس طلبه بتحضير الغداء، بل أن قد طفح كيلها من كم القهر الذي تتعرض له، لكنه قد غادر المنزل مرتعبًا فقد سمعت اليوم خبر خطبة إحدى صديقاتها بالمدرسة، تسكن بالقرب منهم وأتت لتدعوها إلى حفل الخطبة، أحسَّت سمية أن صديقتها أتت لثير بداخلها الغيرة، فقد كانت علاقتها بسمية ليست على ما يرام بسبب حقد سمية عليها وشعورها بالنقص تجاهها، وهذا يرجع للمقارنات التي كانت تعقدها نرجس دائمًا بين سمية وهذه الفتاة، ورغم أن سمية كانت دائمة التساؤل بما الذي يميِّز هذه الفتاة عنها، فهي أجمل منها ومتفوقة عنها، ومحبوبة من زميلاتها أكثر منها، إلا أن تلك المقارنات كانت دائمًا تقف عائقًا أمام عقل سمية، فإن كانت الأفضل بالفعل فكان أولى بوالدتها أن ترى كل هذه المميزات في ابنتها وليس في صديقتها.

بعد المعركة التي انتصرت فيها سمية بشكل مؤقت على سامح، ارتدت ملابسها وخرجت من المنزل متجهة إلى مقر عمل شقيقتها سماء، التي لم تعد تنتبه إلى سمية منذ حصولها على عمل، فقد كانت سماء دائما تُسري عن سمية بالحديث إليها، أما بعد انشغالها في العمل فقد نست وجودها تقريبًا حتى تفاجئت بها أمامها في العمل، نهضت واتجهت إليها بعد أن عبثت الظنون بعقلها:

– سمية، فيه إيه؟! إيه اللي جابك هنا؟! ماما جرى لها حاجة؟! حصل لِك حاجة؟

استفزها صمت سمية فقامت بنغزها في كتفها، فانتبهت سمية وبدأت تتحدث:

– نسرين هتتجوز بكرة، فاكرة نسرين؟! لقيتها بتعزمني على فرحها النهاردة.

تعجبت سماء بعدما علمت بتفاهة الأمر وكادت تهم بتوبيخ سمية التي أكملت حديثها:

– عارفة نسرين دي في نفس عمري وأنا وهي متأخرين في الجواز، كنت مصبرة نفسي إنها متجوزتش هي كمان، ماما مكنتش بتتكلم في الموضوع ده علشان نسرين متجوزتش، دلوقتي هاعمل إيه يا سماء قولي لي.

وبدأت تبكي مما أثار فضول زملاء سماء بالعمل وأشعرها ذلك بالإحراج فأمسكت بيد سمية وهمَّت بالخروج من مكتبها فلاحظت آثار دماء على يدها.. سألتها:

– إيه الدم ده؟

نظرت سمية إلى يدها بنظرة فارغة وقالت وهي مستمرة بالتحديق فيها:

– ده دم سامح.

شهقت سماء في وجهها وهي تقول بفزع:

– قتلتيه؟

نفت سمية بسرعة:

– لأ… لسه لو كان استنى شوية كنت عملت كده، أنا خربشته في وشه بس.

بدأت تشعر بالقلق على شقيقتها فأمسكت بيدها وتوجهت إلى حمَّام الشركة لتزيل أثر الدماء عن يدها، وكانت سمية مستسلمة لشقيقتها تمامًا التي قادتها من الحمَّام إلى كافيتريا الشركة، لدرجة أنها لم تلحظ عيون زملاء سماء الموجهة ناحيتهما، وبدأت سماء في محاولة للتخفيف من شعور شقيقتها وهي تشعر ببعض الذنب بسبب انشغالها عنها فبدأت في حديث مرتبك غير مرتب:

– أنا ضحية… لمين! – بصي هو أنا مش متخصص يعني بس مهتم شوية بالقراءة زي ما تعرفي عني.. و… تردد قليلًا قبل أن يسألها: – سمعتي عن النرجسية؟ نظرت له وكأنها تحاول أن تتذكر: – آه، أظن يعني.. سمعت عنها بس مش فاهمة حاجة! – من غير دخول في تفاصيل أنا أعتقد إن مامتك نرجسية، الطريقة في التربية واختيارها لأخوكِ وتمييزه عنكم ومقارناتها بينكم وبين غيركم، وقسوتها دي كلها حاجات بتدل على كده، مش عاوزك تزعلي مني بس مامتك واخدة نصيب كبير من اسمها. رفعت سلمى حاجبيها في صدمة وكأنها لم تتذكر اسم والدتها سوى الآن: – صح… طيب يعني ده معناه إيه؟ – مش معناه حاجة غير إن أنتِ كده قطعتي نص المسافة في طريق حل مشكلتك… أقصد يعني إن طالما عرفت طبيعة الشخص اللي قدامي فلازم أتعامل معاه بالشكل اللي يريحني وميجهدنيش. – مش فاهمة حاجة! – هاشرح لك بس عاوزك تفهمي كلامي… لو أنا بامشي من شارع معين كل يوم، والشارع ده مينفعش أتخطاه ولازم أمشي منه لكن كل يوم فيه واحد مجنون بيقابلني فيه، يحدفني بالطوب ومؤذي جدًا وأنا كل مرة باروح أتخانق معاه وهو مستمر في الأذى… نظرت له سلمى بغضب بعدما فهمت تلميحه لكنه اعتذر وأكمل: – قلت لك افهميني… لو المجنون ده مستمر في أذاه وأنا مصمم أحتك بيه يبقى كده أن اللي غلطان لأني مش باتعامل معاه بالطريقة السليمة اللي تخليني أتجنب أذيته، لكن الصح هنا إني أتجاهله، هيفضل يحاول مرة واتنين يستفزني لكن لما يلاقي تجاهل هيروح يشوف حد غيري وساعتها أنا هاقدر أمشي في الشارع بسلام… اعتبري بقى الشارع ده هو حياتك واتصرفي بالطريقة اللي تخليكِ تمشي فيه بأمان. في هذا اليوم كانت
سلمى تشعر بتغيير كبير في حياتها، فلأول مرة تشعر بأنها تستحق حياة أفضل، وتتفهم أن لا نقص فيها يجعلها تشعر بعدم استحقاقيتها للأشياء، كانت ممتنة لوجود شخص متفهم كهشام وأن القدر أهداه لها عوضًا عن سنوات القهر التي عاشتها في شبه منزل. لم يكن الأمر مستقرًا هكذا مع سمية، التي هيأت نفسها للخروج والتحرر من خوفها وضعف شخصيتها أمام والدتها وشقيقها، تمنت لو أنها استقلت واستقرت مع شخص يحبها في منزل صغير يضمهما معًا.. تمامًا كما حدث مع سلمى، أو على الأقل تحصل على وظيفة كتلك التي حصلت عليها سماء، لكن لما لا تحبها أمها، ولما هي الأقل حظًا بين الجميع، ظلت تبكي طوال الليل، تفكر لو كان والدها على قيد الحياة الآن هل سيكون حالها أفضل أم أنه كان سيحذو حذو نرجس ويظلمها أيضًا، فكرت أيضًا لو أنها بالفعل أقل الفتيات حظًا وجمالًا وذكاءً، ربما لدى والدتها الحق فيما تفعل، استسلمت تمامًا لتلك الفكرة، دفنت رأسها أسفل الوسادة وظلَّت تبكي. بعد عدة أيام عاد سامح من العمل وطلب من سمية إعداد وجبة غداء له، ظلت سمية تنظر له ثم دخلت إلى غرفتها وأغلقت بابها، دلف سامح خلفها كالمجنون معيدًا طلبه من جديد: – أنتِ مبتسمعيش؟! اعملي لي غدا علشان نازل تاني، بسرعة بدل ما يومك مش هيعدي. نظرت له سمية نظرة لم يفهمها، كانت تجلس على فراشها غير آبهة بأوامره، شعرها غير مهندم كعادتها، كانت تمسك بيدها مزهرية صغيرة مصنوعة من الخزف الثقيل، تقلب بصرها بينها وبين سامح بنظرة جنونية، وفجأة ألقت بها على رأس سامح الذي انحنى بسرعة وتفادى ضربة سمية، شعوره بالصدمة ألجمه ولم يستطع أن يأخذ أي رد فعل معها،
لكن سمية لم تكتفِ بذلك بل قامت بالهجوم عليه ومحاولة ضربه مرة أخرى، غرزت أظافرها في وجهه وبدأت تسبه وتلعنه وتتهمه بأنه سبب ضياعها بينما هو بدأ يفيق من صدمته ويحاول التخلص من قبضتها عليه: – اوعي يا مجنونة، ابعدي عني، أنا هاوريكِ يا سمية.. كل ده علشان طلبت منك الغدا. استطاع السيطرة عليها أخيرًا بعدما تلطخت يدها بدماء وجهه، لكنها ظلت تصرخ حتى شعر سامح بالخوف منها وهرع يبحث عن نرجس، خرجت سمية خلفه لتكمل ما بدأته، كانت تريد أن توضح لها أن السبب ليس طلبه بتحضير الغداء، بل أن قد طفح كيلها من كم القهر الذي تتعرض له، لكنه قد غادر المنزل مرتعبًا فقد سمعت اليوم خبر خطبة إحدى صديقاتها بالمدرسة، تسكن بالقرب منهم وأتت لتدعوها إلى حفل الخطبة، أحسَّت سمية أن صديقتها أتت لثير بداخلها الغيرة، فقد كانت علاقتها بسمية ليست على ما يرام بسبب حقد سمية عليها وشعورها بالنقص تجاهها، وهذا يرجع للمقارنات التي كانت تعقدها نرجس دائمًا بين سمية وهذه الفتاة، ورغم أن سمية كانت دائمة التساؤل بما الذي يميِّز هذه الفتاة عنها، فهي أجمل منها ومتفوقة عنها، ومحبوبة من زميلاتها أكثر منها، إلا أن تلك المقارنات كانت دائمًا تقف عائقًا أمام عقل سمية، فإن كانت الأفضل بالفعل فكان أولى بوالدتها أن ترى كل هذه المميزات في ابنتها وليس في صديقتها. بعد المعركة التي انتصرت فيها سمية بشكل مؤقت على سامح، ارتدت ملابسها وخرجت من المنزل متجهة إلى مقر عمل شقيقتها سماء، التي لم تعد تنتبه إلى سمية منذ حصولها على عمل، فقد كانت سماء دائما تُسري عن سمية بالحديث إليها، أما بعد انشغالها في العمل فقد نست وجودها تقريبًا حتى تفاجئت بها أمامها في العمل، نهضت واتجهت إليها بعد أن عبثت الظنون بعقلها: – سمية، فيه إيه؟! إيه اللي جابك هنا؟! ماما جرى لها حاجة؟! حصل لِك حاجة؟ استفزها صمت سمية فقامت بنغزها في كتفها، فانتبهت سمية وبدأت تتحدث: – نسرين هتتجوز بكرة، فاكرة نسرين؟! لقيتها بتعزمني على فرحها النهاردة. تعجبت سماء بعدما علمت بتفاهة الأمر وكادت تهم بتوبيخ سمية التي أكملت حديثها: – عارفة نسرين دي في نفس عمري وأنا وهي متأخرين في الجواز، كنت مصبرة نفسي إنها متجوزتش هي كمان، ماما مكنتش بتتكلم في الموضوع ده علشان نسرين متجوزتش، دلوقتي هاعمل إيه يا سماء قولي لي. وبدأت تبكي مما أثار فضول زملاء سماء بالعمل وأشعرها ذلك بالإحراج فأمسكت بيد سمية وهمَّت بالخروج من مكتبها فلاحظت آثار دماء على يدها.. سألتها: – إيه الدم ده؟ نظرت سمية إلى يدها بنظرة فارغة وقالت وهي مستمرة بالتحديق فيها: – ده دم سامح. شهقت سماء في وجهها وهي تقول بفزع: – قتلتيه؟ نفت سمية بسرعة: – لأ… لسه لو كان استنى شوية كنت عملت كده، أنا خربشته في وشه بس. بدأت تشعر بالقلق على شقيقتها فأمسكت بيدها وتوجهت إلى حمَّام الشركة لتزيل أثر الدماء عن يدها، وكانت سمية مستسلمة لشقيقتها تمامًا التي قادتها من الحمَّام إلى كافيتريا الشركة، لدرجة أنها لم تلحظ عيون زملاء سماء الموجهة ناحيتهما، وبدأت سماء في محاولة للتخفيف من شعور شقيقتها وهي تشعر ببعض الذنب بسبب انشغالها عنها فبدأت في حديث مرتبك غير مرتب:
تم نسخ الرابط