عاصفة من القلق بقلم نهى صالح

عاصفة من القلق بقلم نهى صالح
عاصفة من القلق بقلم نهى صالح
السابعة والربع صباحًا… “من قد إيه وأنا بستناك، وعيني عَ الباب والشباك علشان أقول وأترجاك، يا حلو صَبَّح” كان محمد قنديل يشدو بهذه الأغنية التي يذيعها الراديو، مرت سهى من أمامه فبدأ في الغناء معه حتى يلفت نظرها لوجوده: – صباح الخير يا حلو. قالتها له وهي ممسكة بزجاجة المطهر، ومنشفة مطبخ. – كل سنة وانتِ طيبة وعقبال مليون سنة جواز، أنا أخدت أجازة النهاردة علشان نحتفل. نهض من مكانه واقترب منها بخطوات بطيئة، أمسك يدها برفق وانتزع منها المنشفة، واقترب منها ليحتضنها لكنها ابتعدت عنه دون أن تنظر له: – حبيبي وانت طيب وبخير وعقبال 10 مليون سنة، بس معلش خليني أنضف المطبخ قبل ما نفطر. لم يهتم لكلامها ووضع يده على وجهها بحنان واقترب منها ليقبل وجنتها، فانتفضت فجأة وسحبت نفسها من أمامه: – إيدك نضيفة يا أمين؟ غَسَلتها قبل ما تلمس وشي؟ اليوم هو عيد زواجها الرابع، قرر أن يحتفل به معها بشكل مختلف، فلم يذهب لعمله واختار أن يقضي معها يومًا مختلفًا، يصنعون كعكة سويًا، ويشاهدون فيلمًا رومانسيًا، ثم يحظى معها بليلة أكثر رومانسية، لكن من هذه الأجواء أدرك أنه سيكون يومًا كباقي الأيام، فدلف خلفها للمطبخ، وطلب منها فنجانًا من القهوة. كانت سهى قد شعرت نحوه ببعض الذنب، فاقتربت منه بحذر ونظرت له وهي تبتسم: – متزعلش مني يا أمين بقى، أنا هاحتفل معاك بس لما أخلص علشان مش باعرف أقعد في جو مش نضيف؟ ظل ينظر حوله بعدم تصديق: – مكان مش نضيف؟ أومال النضيف بيبقى شكله إيه يا سهى؟ يا سهى بصي على إيدك اللي باشت من الصابون، ولونها اتغير، شمي ريحة المطهر اللي قربت تخنقني وتخنقك، الكلور اللي جاب لي حساسية جيوب أنفية، بيبقى شكله إيه وعامل إزاي المكان
النضيف أكتر من اللي إحنا فيه؟ كان تعارفهما عاديًا وتقليديًا، مجرد زميلا عمل حديثي التخرج في الإدراة الهندسية بإحدى الشركات، يلتقيان يوميًا بالمكتب، حتى تطورت علاقتهما لصداقة، ثم بدأ يعجب بشخصيتها، وأصبح لا يرى سواها، وكانت هي تراه وسيمًا، طويل القامة، عاقلًا، حنونًا، ومختلفًا عن كل من صادفتهم بحياتها، ثم تطور الأمر بينهما لقصة حب قوية انتهت بالزواج، وكأي زوجين في بداية حياتهما مرت عواصف السنة الأولى على منزلهما وكادت أن تدمر علاقتهما، لكنهما في كل مرة كانا يصمدا أمام العاصفة كلاهما يحمي الآخر، ويحافظ على كيان المنزل من الهدد، حتى أتت عاصفة أكبر وأقوى كادت أن تحطمهما تمامًا. مر عام كامل على الزواج، وبدأ المتطفلين من الأهل بالسؤال عن تأخر الإنجاب، لم يكن الأمر هامًا للغاية لسهى وأمين، فقد كانا مستمتعان بالفعل، حياتهما معًا أصبحت مثالية بعد مرور السنة الأولى، أصبحا متفاهمان أكثر، ومحبان لبعضهما بشكل لا يمكن وصفه، حتى قرر أمين فجأة بعد السنة الثالثة أنه يريد طفلًا من سهى، ليس طفلًا واحدًا بل ثلاثة أطفال، تعجبت سهى من القرار المفاجيء، لكنها رضخت في نهاية الأمر، ففي النهاية يجب أن تكتمل الأسرة قبل أن يمر العمر، لكن يبدو أن هناك مشكلة كما بدى على ملامح الطبيب بعد أن اكتشفت سهى أن ليس لديها ما يعوق الإنجاب، وطلب من أمين بعض الفصوحات: – خير يا دكتور، فيه حاجة هي السبب إننا متأخرين كده؟ نظر لها الطبيب وطلب منها الخروج للإنفراد بزوجها، خرجت سهى مرغمة والقلق يحيط بها، وينهش في أعصابها، صمت الطبيب قليلًا ثم نظر إلى أمين وقال بيأس بالغ: – شوف يا بشمهندس أنا أحب أكون صريح مع المرضى بتوعي، لكن حبيت أقول
لك الكلام ده على إنفراد علشان تقدر تفهم مني أكتر، وتشوف هتبلغ المدام بطريقتك إزاي. انتبه أمين لما يقوله الطبيب دون أن ينطق، كان يشعر أن القلق قد ألجم لسانه فترك الأمر كله للطبيب ليقول ما يشاء، فبدأ الطبيب في إخباره بأنه لديه مشكلة كبيرة قد تمنعه من الإنجاب، وأخذ في سرد الكثير من التفاصيل عن كيفية العلاج، ونسبة الأمل في الشفاء، وفي النهاية طلب منه التوجه لطبيب مختص في حالته ليبدأ العلاج. خرج أمين من غرفة الكشف، ونظر لسهى، لم يكن يفكر كيف سيخبرها، ولا في ردة فعلها، ولا في أي شيء سوى إنهاء العلاقة، كرامته لن تسمح له أن تعيش معه على سبيل الشفقة، أو مرغمة لمساعدته على العلاج، ربما سيستعيض بأبناء شقيقه، هو يعتبر نفسه والدهم، وهم يحبونه كوالدهم، لكن سهى وحيدة، كيف يضمن أن يبقى معها، ويتركها في الحياة بعد فوات الآوان، هذه هي فكرته عن الرجولة والتضحية من أجل من يحب. كاد التفكير أن يفتك برأسه حتى أفاق من شروده على صوت سهى: – مبتردش ليه؟ الدكتورقال إيه؟ نظر لها قليلًا، ثم ابتسم ووضع يده على رأسها: – سهى… لو بقى عندك ولد هتسميه إيه؟ نظرت له سهى متعجبة من سؤاله، ثم زمت شفتيها وهي تفكر: – معرفش! ثم سألته ببلاهة: – الدكتور قال لك هنجيب ولد يعني؟ ما تقول بقى وبلاش سخافة. صمت أمين حتى وصلا لمنزلهما، ووصلت سهى وحيدة لقمة القلق من ملامح أمين وسؤاله عن اسم الولد الذي ستنجبه، لكنها أثرت الصمت اعتراضًا على أسلوبه السخيف معها، لم تسأله مجددًا، بل قامت بتغيير ملابسها وجلست تشاهد فيلمًا، لم يكن أمين أفضل حالًا منها فكان ينظر لها وهو يعرف أنها قلقة لكنه لا يعرف ماذا يفعل، كان يشعر أنه في قاع العجز ولا يوجد من ينتشله.
تم نسخ الرابط