بين الخديعة والهوى

بين الخديعة والهوى
بين الخديعة والهوى

استدارت سريعًا محاولة المغادرة، إلا أن قدميها كادتا تتعثران مرتين بسبب الظلام والارتباك، لم تنتبه إلى أنها أسقطت سجادة كبيرة أثناء اندفاعها، فأصدر سقوطها صوتًا قويًا جذب انتباه سلوى، التي توقفت عن خطواتها والتفتت بسرعة، لترى خيال شخص يركض مبتعدًا عن المحل.

ضيقت عينيها في شك، وبخبرتها في معرفة تفاصيل من حولها، استطاعت أن تتأكد أن هذا الظل لم يكن غريبًا عنها…

“وصال…؟!” همست لنفسها بشك قاتم.

***

في اليوم التالي، قررت وصال أن تتخلى عن سلوى وتطلب منها إيجاد محامٍ آخر غيرها، فهي لن تكون محاميةً لامرأةٍ مثل الجلاد، امرأةٍ قذرةٍ بكل معنى الكلمة، تتلاعب بالحقائق، وتدهس كل من يقف في طريقها دون تردد، وتحيك المؤامرات بدهاءٍ باردٍ لا يعرف الرحمة.

-السلام عليكم.

أصاب سلوى الارتباك وهي تستقبلها، وقد تأكد لها أن شكوكها في محلها.

-اهلاً تعالي اتفضلي.

-لا هما كلمتين وماشية، أنا بس حبيت ابلغك تشوفي محامي غيري.

قالتها وصال بجمودٍ مشوبٍ باشمئزازٍ أصاب سلوى في مقتل، فاقتربت منها وهي تسألها بتهكمٍ طفيف:

-يا سلام فجأة كده، ويا ترى إيه سبب التغيير!

أخفضت وصال نظراتها للحظة وكأنها تستجمع قواها، ثم رفعت رأسها وهمست بلهجةٍ شديدة الحدة:

-التغيير ده سببه إني مايشرفنيش اكون المحامية لواحدة بتخون جوزها، وعايزة تطرد عيال اخواتها الصغيرين من بيتهم، ويا عالم بتخطط تأذي مين تاني!!

رفعت سلوى حاجبيها معًا باندهاش، ثم قالت بسخرية:

-ده أنتي جريئة اوي، ناقص تقوليلي هتقفي مع كريم ضدي!!

ثم ضحكت ضحكاتٍ ساخرةً، تخفي خلفها ارتباكها، في داخلها، كان الخوف يتخبط كالطوفان، خشية أن يصل خبر خيانتها إلى زوجها.

-وماله هقف مع الحق، وخصوصًا إن أنا شاكة إن الموضوع في إن! عن إذنك.

خرجت وصال مرفوعة الرأس، متجهةً إلى منزل كريم لتبلغه بقبولها الدفاع عنه، دون أن

تدرك أن سلوى كانت تراقبها من الخلف بتفكيرٍ عميق، وما إن اختفت عن أنظارها، حتى رفعت هاتفها لتجري اتصالًا بشخصٍ ما، وبمجرد أن سمعت صوته، قالت بنبرةٍ مذعورةٍ ومتهورة:

-زي ما قولتلك طلعت وصال، وبتهددني ان انا بخون جوزي، البت دي لازم تتربى وتتعلم الادب، والموضوع ده ينتهي، أنا لو اكتشفت مش هقع لوحدي، أنا بقولك اهو.

 

***

-وبس ده اللي سمعته، وأنا من وقتها قررت إن أنا مش هكون المحامية بتاعتها تاني، أنا حرفيًا مصدومة منها!!

شرد كريم في حديثها، يفكر بعمق فيما سمع، ثم سألها بحيرة:

-ماتعرفيش مين اللي هي كانت بتكلمه؟!

هزت وصال رأسها نفيًا، وأجابت بجدية:

-لا ولا عمري سمعت صوته، ولا قالوا اسم اللي بيخططوا مع بعض عشان يأذوه.

زم كريم شفتيه بضيق، وشعور بالخوف بدأ يتسلل إلى صدره، نظر إليها بعتابٍ وقال بصوتٍ يملؤه القلق:

-بس انتي مكنتيش المفروض تعملي كده يا وصال، كده ممكن يأذوكي!

رفعت وصال حاجبيها قليلًا قبل أن تتساءل بلهفةٍ لم تستطع إخفاءها:

-خايف عليا؟

ولكنها سرعان ما أدركت وقع كلماتها، فحاولت التراجع سريعًا، لتخفي ارتباكها بضحكةٍ متوترة وهي تقول:

-بهزر معاك، بس عموما ما تقلقش أنا مش خايفة منها ولا يهمني أي حاجة، هي اللي المفروض تخاف مني.

نظر إليها كريم نظرةً طويلة، ثم قال بحزم:

-وصال حاولي ماتتعامليش مع سلوى أنا حاسس إن في مصيبة جاية، لغاية ما اشوف هتصرف معاها ازاي، ومالكيش دعوة بيا نهائي.

قبل أن تتمكن من الرد، رن هاتفها فجأة، وعندما نظرت إلى الشاشة، وجدت اتصالًا من والدتها، أجابت على الفور، وما إن أنهت المكالمة حتى بدت الدهشة واضحةً على وجهها، التفتت إلى كريم وقالت باستغراب:

-ماما بتقولي في صندوق هدايا أسود مقفول جالي، غريبة،وماتعرفش من مين!!

انعقد حاجبا كريم بقلق، لكنه لم يعلق، أما وصال فاستأذنت منه للمغادرة، متجاهلةً إصراره على أن تبقى بعيدة عنه، بينما عقلها مشغول بالتفكير في تلك الهدية الغامضة.

***

بعد مرور يومين، كانت وصال جالسة في غرفة مكتبها، غارقة في التفكير، بشأن ذلك الصندوق الغامض الذي وُجدت بداخله ورقة تحمل تهديدًا صريحًا وقوي اللهجة، يحذرها من البقاء في المنطقة، ويأمرها بعدم الاقتراب من كريم، وبجانب الورقة كانت هناك طلقة رصاص، وكأنها رسالة واضحة بأن التهديد ليس مجرد كلمات جوفاء.

شعرت وصال برجفة تسري في أوصالها، فقد أدركت أن الأمر يتعلق بسلوى، وعندما بدأت بربط الخيوط ببعضها، توصلت إلى استنتاج مرعب، الشخص الذي تنوي سلوى إيذاءه هو كريم!

ولكن وسط شرودها العميق، لم تلاحظ الدخان الكثيف الذي بدأ يتسلل إلى مكتبها إلا عندما اخترقت رائحته أنفها، فانتفضت بفزع.

أسرعت نحو الباب، وحين فتحته، صُعقت بمنظر النيران المستعرة التي التهمت أثاث المكتب، شهقت بذعر، خطواتها مترددة، وأنفاسها متقطعة، وعقلها يصرخ باحثًا عن مخرج، لكن ألسنة اللهب أحاطت بها، تقطع كل سبل الهروب.

ارتفع صوتها بصرخات متعددة، تستنجد بأي شخص قد يكون قريبًا، ولكن النيران كانت أسرع، تحاصرها تدفعها إلى الخلف، شعرت بالاختناق وبدأت في السعال، والدموع الحارقة انسابت على خديها.

في تلك اللحظة، وسط الضجيج المخيف للنيران، اخترق صوته عتمة الرعب:

-وصــــــال.

صرخ كريم من خلف الدخان، صوت محمل بالقلق واللهفة، وقبل أن تنهار تمامًا، شعرت بذراع قوية تلتف حولها، وجسد دافئ يجرها بعيدًا عن الجحيم المستعر.

بيد ثابتة، وقلب يخفق بجنون، حملها كريم خارج الشقة، ولم يتركها حتى تأكد أنها في أمان بعيدًا عن ألسنة النار، كانت تنتفس بصعوبة، وجسدها يرتجف، وعيناها تلمعان بالدموع، لكنها كانت على قيد الحياة، وذلك  فقط لأن كريم لم يتردد لحظة في إنقاذها.

ربتت والدة “وصال” فوق كتف كريم وقد غيرت نظرتها إليه تمامًا:

استدارت سريعًا محاولة المغادرة، إلا أن قدميها كادتا تتعثران مرتين بسبب الظلام والارتباك، لم تنتبه إلى أنها أسقطت سجادة كبيرة أثناء اندفاعها، فأصدر سقوطها صوتًا قويًا جذب انتباه سلوى، التي توقفت عن خطواتها والتفتت بسرعة، لترى خيال شخص يركض مبتعدًا عن المحل. ضيقت عينيها في شك، وبخبرتها في معرفة تفاصيل من حولها، استطاعت أن تتأكد أن هذا الظل لم يكن غريبًا عنها… “وصال…؟!” همست لنفسها بشك قاتم. *** في اليوم التالي، قررت وصال أن تتخلى عن سلوى وتطلب منها إيجاد محامٍ آخر غيرها، فهي لن تكون محاميةً لامرأةٍ مثل الجلاد، امرأةٍ قذرةٍ بكل معنى الكلمة، تتلاعب بالحقائق، وتدهس كل من يقف في طريقها دون تردد، وتحيك المؤامرات بدهاءٍ باردٍ لا يعرف الرحمة. -السلام عليكم. أصاب سلوى الارتباك وهي تستقبلها، وقد تأكد لها أن شكوكها في محلها. -اهلاً تعالي اتفضلي. -لا هما كلمتين وماشية، أنا بس حبيت ابلغك تشوفي محامي غيري. قالتها وصال بجمودٍ مشوبٍ باشمئزازٍ أصاب سلوى في مقتل، فاقتربت منها وهي تسألها بتهكمٍ طفيف: -يا سلام فجأة كده، ويا ترى إيه سبب التغيير! أخفضت وصال نظراتها للحظة وكأنها تستجمع قواها، ثم رفعت رأسها وهمست بلهجةٍ شديدة الحدة: -التغيير ده سببه إني مايشرفنيش اكون المحامية لواحدة بتخون جوزها، وعايزة تطرد عيال اخواتها الصغيرين من بيتهم، ويا عالم بتخطط تأذي مين تاني!! رفعت سلوى حاجبيها معًا باندهاش، ثم قالت بسخرية: -ده أنتي جريئة اوي، ناقص تقوليلي هتقفي مع كريم ضدي!! ثم ضحكت ضحكاتٍ ساخرةً، تخفي خلفها ارتباكها، في داخلها، كان الخوف يتخبط كالطوفان، خشية أن يصل خبر خيانتها إلى زوجها. -وماله هقف مع الحق، وخصوصًا إن أنا شاكة إن الموضوع في إن! عن إذنك. خرجت وصال مرفوعة الرأس، متجهةً إلى منزل كريم لتبلغه بقبولها الدفاع عنه، دون أن
تدرك أن سلوى كانت تراقبها من الخلف بتفكيرٍ عميق، وما إن اختفت عن أنظارها، حتى رفعت هاتفها لتجري اتصالًا بشخصٍ ما، وبمجرد أن سمعت صوته، قالت بنبرةٍ مذعورةٍ ومتهورة: -زي ما قولتلك طلعت وصال، وبتهددني ان انا بخون جوزي، البت دي لازم تتربى وتتعلم الادب، والموضوع ده ينتهي، أنا لو اكتشفت مش هقع لوحدي، أنا بقولك اهو.   *** -وبس ده اللي سمعته، وأنا من وقتها قررت إن أنا مش هكون المحامية بتاعتها تاني، أنا حرفيًا مصدومة منها!! شرد كريم في حديثها، يفكر بعمق فيما سمع، ثم سألها بحيرة: -ماتعرفيش مين اللي هي كانت بتكلمه؟! هزت وصال رأسها نفيًا، وأجابت بجدية: -لا ولا عمري سمعت صوته، ولا قالوا اسم اللي بيخططوا مع بعض عشان يأذوه. زم كريم شفتيه بضيق، وشعور بالخوف بدأ يتسلل إلى صدره، نظر إليها بعتابٍ وقال بصوتٍ يملؤه القلق: -بس انتي مكنتيش المفروض تعملي كده يا وصال، كده ممكن يأذوكي! رفعت وصال حاجبيها قليلًا قبل أن تتساءل بلهفةٍ لم تستطع إخفاءها: -خايف عليا؟ ولكنها سرعان ما أدركت وقع كلماتها، فحاولت التراجع سريعًا، لتخفي ارتباكها بضحكةٍ متوترة وهي تقول: -بهزر معاك، بس عموما ما تقلقش أنا مش خايفة منها ولا يهمني أي حاجة، هي اللي المفروض تخاف مني. نظر إليها كريم نظرةً طويلة، ثم قال بحزم: -وصال حاولي ماتتعامليش مع سلوى أنا حاسس إن في مصيبة جاية، لغاية ما اشوف هتصرف معاها ازاي، ومالكيش دعوة بيا نهائي. قبل أن تتمكن من الرد، رن هاتفها فجأة، وعندما نظرت إلى الشاشة، وجدت اتصالًا من والدتها، أجابت على الفور، وما إن أنهت المكالمة حتى بدت الدهشة واضحةً على وجهها، التفتت إلى كريم وقالت باستغراب: -ماما بتقولي في صندوق هدايا أسود مقفول جالي، غريبة،وماتعرفش من مين!! انعقد حاجبا كريم بقلق، لكنه
لم يعلق، أما وصال فاستأذنت منه للمغادرة، متجاهلةً إصراره على أن تبقى بعيدة عنه، بينما عقلها مشغول بالتفكير في تلك الهدية الغامضة. *** بعد مرور يومين، كانت وصال جالسة في غرفة مكتبها، غارقة في التفكير، بشأن ذلك الصندوق الغامض الذي وُجدت بداخله ورقة تحمل تهديدًا صريحًا وقوي اللهجة، يحذرها من البقاء في المنطقة، ويأمرها بعدم الاقتراب من كريم، وبجانب الورقة كانت هناك طلقة رصاص، وكأنها رسالة واضحة بأن التهديد ليس مجرد كلمات جوفاء. شعرت وصال برجفة تسري في أوصالها، فقد أدركت أن الأمر يتعلق بسلوى، وعندما بدأت بربط الخيوط ببعضها، توصلت إلى استنتاج مرعب، الشخص الذي تنوي سلوى إيذاءه هو كريم! ولكن وسط شرودها العميق، لم تلاحظ الدخان الكثيف الذي بدأ يتسلل إلى مكتبها إلا عندما اخترقت رائحته أنفها، فانتفضت بفزع. أسرعت نحو الباب، وحين فتحته، صُعقت بمنظر النيران المستعرة التي التهمت أثاث المكتب، شهقت بذعر، خطواتها مترددة، وأنفاسها متقطعة، وعقلها يصرخ باحثًا عن مخرج، لكن ألسنة اللهب أحاطت بها، تقطع كل سبل الهروب. ارتفع صوتها بصرخات متعددة، تستنجد بأي شخص قد يكون قريبًا، ولكن النيران كانت أسرع، تحاصرها تدفعها إلى الخلف، شعرت بالاختناق وبدأت في السعال، والدموع الحارقة انسابت على خديها. في تلك اللحظة، وسط الضجيج المخيف للنيران، اخترق صوته عتمة الرعب: -وصــــــال. صرخ كريم من خلف الدخان، صوت محمل بالقلق واللهفة، وقبل أن تنهار تمامًا، شعرت بذراع قوية تلتف حولها، وجسد دافئ يجرها بعيدًا عن الجحيم المستعر. بيد ثابتة، وقلب يخفق بجنون، حملها كريم خارج الشقة، ولم يتركها حتى تأكد أنها في أمان بعيدًا عن ألسنة النار، كانت تنتفس بصعوبة، وجسدها يرتجف، وعيناها تلمعان بالدموع، لكنها كانت على قيد الحياة، وذلك  فقط لأن كريم لم يتردد لحظة في إنقاذها. ربتت والدة “وصال” فوق كتف كريم وقد غيرت نظرتها إليه تمامًا:
تم نسخ الرابط