كان لك معايا – الجزء الثاني

- المرة الجاية أكيد هحب أعرف عمل معاك إيه.”
تخرج “مى” وتغلق الباب خلفها، وينتبه “عاطف” مرة أخرى إلى جهاز الكمبيوتر.
فاقد الشيء يعطيه
إسراء ترتدي ملابسها وتقف أمام المرآة، تهندم ملابسها، وتنظر إلى نفسها بعمق. تتأمل ملامح وجهها التي تغيرت فجأة، أصبح شاحبًا، جمالًا يطغى عليه العمر، ملامح تبدلت من غاية الجمال إلى جمال يبدو وكأنه مجروح.
تتذكر نفسها في شبابها، كيف كان الكل يتلهف فقط لإلقاء التحية، كان الجميع يتمنى أن تجلس معه، ولمَ لا؟ فهي جميلة، ذكية، متفتحة، طموحة، تعتز بذلك الجمال. لكنها اكتشفت في النهاية أنه زائف، بلا معنى، جمال يختلس العمر.
حينما يتملك الغرور الإنسان يجعله بلا معنى. لا ترتيبات في القدر، كانت تقدر لنفسها حياة باهرة، وكانت على يقين بأنها ستكون من سيدات المجتمع، تتفاخر بكثرة المتلهفين عليها. متمردة على كل أوضاعها، العائلية والمادية، نفرت من كل شيء فنفر منها كل شيء.
والآن… لا تتذكر سوى أنها أصبحت تمتلك ذلك الشعور البائس، الذي يتملكها بقوة. ضحت بكل حياتها من أجل لا شيء. تندم، ولكن ليس أمامها إلا أن تستمر وتقاوم. تستمر في تلك اللعبة التي وضعت نفسها بداخلها، وتقاوم من أجل أن تحيا.
تساءلت: هل حينما يتحطم الحب من حياتنا، نشيخ مسرعين؟ تنقلب علينا مقدرات الحياة؟ نترك أهواءنا وشهواتنا تتملكنا حتى نتوه بداخلها ولا نستطيع الهروب؟
لم يستطع شيء في الدنيا أن يجعلها مكسورة، ووحيدة، ومتألمة، أكثر من يوسف. لم تستطع أن تنساه، حاولت مرات عديدة ولكن بلا جدوى. والآن عليها مرة أخرى، إما أن تشاهده وهو يسقط، أو أن تدافع بقوة عن الحلم السابق. ولمَ لا وقد خلت لها الطريق؟ ولكن، هل سيسمح لها بذلك؟
تقرر بداخل نفسها أنها تريد مساعدته. فكم من
ولكن بما أنها فقدت كل أحلامها، فما المانع أن تحيا من أجل أن يعيش حلم آخر؟ ولمَ لا وقد أتتها فرصة لإثبات أنها تعلمت الدرس؟ صحيح أنه في وقت متأخر من العمر، لكنها تعلمته جيدًا. تعرف بداخلها أن ضعفها في الوقت الراهن، هو ضعف مباح. أمام الحب، ينهار كل شيء، تسقط كل أقنعة الصمود التي نرتديها هربًا من الآخرين.
الحب، الذي لو ساد العالم، لكان أفضل.
انتبهت إلى صوت الأمطار وهي ترتطم بزجاج النافذة، حاولت أن تلم شتات أفكارها، ولكن حينما نظرت إلى المطر، أدركت أنه هو الآخر يحارب من أجل إعطاء الحياة إلى الحياة. اتجهت إلى سريرها، أخذت حقيبتها، ثم سارت نحو باب غرفتها وأغلقته خلفها.
لم يتبقَ في الغرفة سوى صوت الصمت، يمتزج بصوت حبات المطر.
المؤامرة
يقف محسن في شرفة الشركة، ممسكًا بكوب من الشاي، وفي يده الأخرى سيجارة، يشربها بهدوء. لحظات قليلة وشريفة تدخل، تتجه نحوه بخطوات ثابتة، وتقف بجانبه. ينظر إليها مطولًا قبل أن تحدثه.
شريفة: إيه، لحقت وحشتك؟
محسن: منتي عارفة، ما بشبعش منك. إنتي بالنسبالي زي المسكن بالظبط.
شريفة (بتهكم): وده بقى مسكن قصير المدى ولا طويل المدى؟
محسن (يعتدل في وقفته ويفهم مقصدها): إنتي شايفة إيه؟
شريفة: لا، أنا ما بشوفش… أنا بحس بس، يا حبيبي.
يقطعهما صوت رنين هاتف محسن، يتجه نحو مكتبه، ينظر إلى شاشة الهاتف، فينتابه الذهول، ويحدث نفسه.
محسن (باندهاش): هيكون عايز إيه ده؟
شريفة (تتجه نحوه بفضول): هو مين ده؟
محسن (يباغتها): فاكرة صبري؟
شريفة (ترتبك وتحاول التماسك): صبري؟ صبري مين؟
محسن (بخبث): حد كده… معرفة قديمة. بس مش عارف، اتصاله بعد السنين دي كلها أكيد مش هيكون اتصال عادي. عمومًا، هتلاقيه اتصل غلط… أصله مرنش تاني.
شريفة (بتوتر): جايز…
يقطع حديثهما صوت طرق على الباب، تدخل مي وتتجه نحوهما.
مي: صباح الخير، يا مستر محسن.
محسن (بنظرة متأملة): صباح الخير، يا مي. بقالي كام يوم ما شوفتكيش، قولت أسيبك براحتك من ساعة موضوع الفيلا.
مي: لا أبدًا، يا مستر، أنا موجودة كل يوم، بس مكنتش عايزة أزعج حضرتك.
شريفة تنظر إلى مي ثم إلى محسن، تلاحظ نظرات الإعجاب في عينيه، فتقطع حديثهما.
شريفة: خير يا آنسة مي، في حاجة ولا إيه؟
مي (بثقة): لا أبدًا، دي كانت أوراق مستر محسن كان طالبها مني، محتاج يراجعها ويمضيها.
شريفة (بعجرفة): طيب، سيبيهم هنا، ولما يخلصوا هنبلغك.
مي (على مضض): تمام، تحت أمركم.
تضع الأوراق على مكتب محسن، ثم تتجه نحو الباب وتخرج. يلتفت محسن إلى شريفة ويحدثها بعصبية شديدة.
محسن: إنتي بتكلميها كده ليه؟ إيه الأسلوب ده؟ وازاي تقطعي كلامي معاها بالشكل ده؟ أنا مرضتش أحرجك قدامها!
شريفة (بلطف مصطنع): أصل شايفة عينك زايغة عليها، يا حبيبي، وإنت عارف إني بغير عليك قوي.
محسن (بضعف): أيوة، بس مينفعش التعامل ده قدام الموظفين، أنا مش عايز حد يعرف طبيعة علاقتنا، وإنتي عارفة الموضوع ده كويس. يلا، اتفضلي على مكتبك، لحد ما أشوف سي صبري ده هيتصل تاني ولا لأ.
شريفة: ماشي، هروح على مكتبي. بس عارف، لو لعبت بديلك كده ولا كده، مش هقولك أنا هعمل فيك إيه.
تتجه نحو الباب بخطوات ثابتة، تخرج وتغلقه خلفها. يتابعها محسن بعينيه، ثم يبتسم في هدوء، ويحدث نفسه.
محسن: أنا كده اتأكدت إن اللي كان موجود امبارح هو صبري… بس ده كده بيلعب بسرعة قوي، مش قادر يستحمل، ولا قادر ينسى… ” يطفئ سيجارته ، ويبتسم ابتسامة هادئة ” تمام، نخلي اللعب على المكشوف.
عدو الأمس صديق اليوم
وصف المشهد: يجلس صبري بجلسته المعتادة، معطيًا ظهره لمكتبه، والإضاءة الخافتة تُلقي بظلالها على المكان. يتصاعد دخان سيجاره في الهواء، يختلط مع الأضواء ليعطي انطباعًا بالتوتر للمحيطين به، لكنه يمنحه شعورًا بالثقة. تقف إسراء خلف المكتب، تحاول فهم مخططاته بينما يتحدث إليها:
صبري: تفتكري يا إسراء، القوة في الحياة سرها إيه؟
إسراء (بتهكم): بالنسبالي، ولا بالنسبالك؟
صبري: لا، أحب أسمع بالنسبالك إنتي الأول، وبعدين بالنسبالي.
(يعتدل في كرسيه ليشاهد وجهها وهي تتحدث.)
إسراء: بالنسبالي، ممكن كلامي ميعجبكش.
صبري: لا، قولي بس، ممكن يعجبني. إنتي عارفة إني بحب أشتري.
إسراء: أوكي… بالنسبالي، القوة في الأمان. إنك لما تحتاج لحد تلاقيه في ضهرك، وتلاقيه معاك في أي موقف وبدون مبررات. مش هيسألك ليه إنت محتاجني، مش هيستغل ضعفك، ولا احتياجاتك.
صبري: اممم، طب وبالنسبالي؟
إسراء: لا، إنت بالنسبالك الموضوع بيختلف. ممكن تكون القوة في نفوذك وفلوسك. إنت شايف إنهم وسيلة بتحقق بيها كل رغباتك. بس للأسف، في نقطة واحدة ممكن تخسرك كل ده.
صبري (بتهكم): وإيه هي بقى النقطة دي يا سيدة القصر؟
إسراء: الانتقام. إنك تفضل شاغل كل تفكيرك إزاي تنتقم. ده الشيء الوحيد اللي ممكن يدمر القوة اللي بتحلم بيها.
(يخبط صبري بيده على مكتبه، محدثًا صوتًا مدويًا.)
صبري: الانتقام ده هو اللي خلاني كده! هو الدافع اللي خلاني أفضل على القمة، وإن مفيش حد يقدر يواجهني. أنا لو كنت ضعيف، كان أي حد حطني تحت رجله، وداس عليا، وفرمني!
(يحاول استعادة هدوئه، ينفث دخان سيجارته بتأنٍ، ثم يكمل.)
عارفة يا إسراء؟ زمان وأنا صغير، أول ما اشتغلت، اشتغلت صبي ميكانيكي. كان الأسطى بتاعي بيخليني أفك الموتور حتة حتة، أنضفه وأركبه، وهو يصلح العطل اللي موجود. آخر الأسبوع كان يديني خمسة جنيه. خمسة جنيه يا إسراء! كنت باخد بكل جنيه فيهم ضرب، وإهانة، ومرمطة. لما اعترضت وقلتله زودني لأن إخواتي كانوا محتاجين يتغدوا، ربطني وفضل نازل فيا ضرب! ساعتها قررت إني مش هكون ضعيف تاني أبدًا.
(يتوقف للحظة، ثم يستأنف بنبرة انتصار.)
تاني يوم، وقعت موتور كنت بفكه بالقصد، وقع واتكسر. طبعًا صاحب العربية مسكتش، والأسطى هو اللي دفع حق موتور جديد. كنت شايفه وهو بيخسر، لكن كان عندي حالة من الفرحة… إحساس بالنصر! وبقى ده منهجي في الحياة يا إسراء. اللي يضربك ضربة، أوجع قلبه بضربة أقوى منها! أما الأمان اللي بتتكلمي عنه ده، تروحي تتفرجي عليه في الأفلام!
إسراء (يبدو عليها القلق لكنها تحاول الرد بثقة): قلتلك إن كلامي هيضايقك.
صبري: لا خالص، بس أنا حبيت أفوقك! وعلشان أثبتلك إن الحياة مش زي ما إنتي فاكرة، أنا النهاردة اتصلت بمحسن، رنيت رنة وقفلت. سايبه دلوقتي أكيد عمال يسأل نفسه ألف مرة: “أنا عايز منه إيه؟” أسيبه لحد ما يستوي شوية، وبعدين أكلمه أقوله أنا عايز منه إيه.
إسراء (بترقب): وإنت عايز منه إيه؟
المرة الجاية أكيد هحب أعرف عمل معاك إيه.” تخرج “مى” وتغلق الباب خلفها، وينتبه “عاطف” مرة أخرى إلى جهاز الكمبيوتر. فاقد الشيء يعطيه إسراء ترتدي ملابسها وتقف أمام المرآة، تهندم ملابسها، وتنظر إلى نفسها بعمق. تتأمل ملامح وجهها التي تغيرت فجأة، أصبح شاحبًا، جمالًا يطغى عليه العمر، ملامح تبدلت من غاية الجمال إلى جمال يبدو وكأنه مجروح. تتذكر نفسها في شبابها، كيف كان الكل يتلهف فقط لإلقاء التحية، كان الجميع يتمنى أن تجلس معه، ولمَ لا؟ فهي جميلة، ذكية، متفتحة، طموحة، تعتز بذلك الجمال. لكنها اكتشفت في النهاية أنه زائف، بلا معنى، جمال يختلس العمر. حينما يتملك الغرور الإنسان يجعله بلا معنى. لا ترتيبات في القدر، كانت تقدر لنفسها حياة باهرة، وكانت على يقين بأنها ستكون من سيدات المجتمع، تتفاخر بكثرة المتلهفين عليها. متمردة على كل أوضاعها، العائلية والمادية، نفرت من كل شيء فنفر منها كل شيء. والآن… لا تتذكر سوى أنها أصبحت تمتلك ذلك الشعور البائس، الذي يتملكها بقوة. ضحت بكل حياتها من أجل لا شيء. تندم، ولكن ليس أمامها إلا أن تستمر وتقاوم. تستمر في تلك اللعبة التي وضعت نفسها بداخلها، وتقاوم من أجل أن تحيا. تساءلت: هل حينما يتحطم الحب من حياتنا، نشيخ مسرعين؟ تنقلب علينا مقدرات الحياة؟ نترك أهواءنا وشهواتنا تتملكنا حتى نتوه بداخلها ولا نستطيع الهروب؟ لم يستطع شيء في الدنيا أن يجعلها مكسورة، ووحيدة، ومتألمة، أكثر من يوسف. لم تستطع أن تنساه، حاولت مرات عديدة ولكن بلا جدوى. والآن عليها مرة أخرى، إما أن تشاهده وهو يسقط، أو أن تدافع بقوة عن الحلم السابق. ولمَ لا وقد خلت لها الطريق؟ ولكن، هل سيسمح لها بذلك؟ تقرر بداخل نفسها أنها تريد مساعدته. فكم من مرة قدم لها النصيحة؟ كم مرة حاول أن يجعلها إنسانة سوية؟ ولكن عنادها وغرورها منعاها من أن تستمع إليه. تتداخل الأفكار في عقلها، وتشعر بحيرة يغلبها الكبرياء. ولكن بما أنها فقدت كل أحلامها، فما المانع أن تحيا من أجل أن يعيش حلم آخر؟ ولمَ لا وقد أتتها فرصة لإثبات أنها تعلمت الدرس؟ صحيح أنه في وقت متأخر من العمر، لكنها تعلمته جيدًا. تعرف بداخلها أن ضعفها في الوقت الراهن، هو ضعف مباح. أمام الحب، ينهار كل شيء، تسقط كل أقنعة الصمود التي نرتديها هربًا من الآخرين. الحب، الذي لو ساد العالم، لكان أفضل. انتبهت إلى صوت الأمطار وهي ترتطم بزجاج النافذة، حاولت أن تلم شتات أفكارها، ولكن حينما نظرت إلى المطر، أدركت أنه هو الآخر يحارب من أجل إعطاء الحياة إلى الحياة. اتجهت إلى سريرها، أخذت حقيبتها، ثم سارت نحو باب غرفتها وأغلقته خلفها. لم يتبقَ في الغرفة سوى صوت الصمت، يمتزج بصوت حبات المطر. المؤامرة يقف محسن في شرفة الشركة، ممسكًا بكوب من الشاي، وفي يده الأخرى سيجارة، يشربها بهدوء. لحظات قليلة وشريفة تدخل، تتجه نحوه بخطوات ثابتة، وتقف بجانبه. ينظر إليها مطولًا قبل أن تحدثه. شريفة: إيه، لحقت وحشتك؟ محسن: منتي عارفة، ما بشبعش منك. إنتي بالنسبالي زي المسكن بالظبط. شريفة (بتهكم): وده بقى مسكن قصير المدى ولا طويل المدى؟ محسن (يعتدل في وقفته ويفهم مقصدها): إنتي شايفة إيه؟ شريفة: لا، أنا ما بشوفش… أنا بحس بس، يا حبيبي. يقطعهما صوت رنين هاتف محسن، يتجه نحو مكتبه، ينظر إلى شاشة الهاتف، فينتابه الذهول، ويحدث نفسه. محسن (باندهاش): هيكون عايز إيه ده؟ شريفة (تتجه نحوه بفضول): هو مين ده؟ محسن (يباغتها): فاكرة صبري؟ شريفة (ترتبك وتحاول التماسك): صبري؟ صبري مين؟ محسن (بخبث): حد كده… معرفة قديمة. بس مش عارف، اتصاله بعد السنين دي كلها أكيد مش هيكون اتصال عادي. عمومًا، هتلاقيه اتصل غلط… أصله مرنش تاني. شريفة (بتوتر): جايز… يقطع حديثهما صوت طرق على الباب، تدخل مي وتتجه نحوهما. مي: صباح الخير، يا مستر محسن. محسن (بنظرة متأملة): صباح الخير، يا مي. بقالي كام يوم ما شوفتكيش، قولت أسيبك براحتك من ساعة موضوع الفيلا. مي: لا أبدًا، يا مستر، أنا موجودة كل يوم، بس مكنتش عايزة أزعج حضرتك. شريفة تنظر إلى مي ثم إلى محسن، تلاحظ نظرات الإعجاب في عينيه، فتقطع حديثهما. شريفة: خير يا آنسة مي، في حاجة ولا إيه؟ مي (بثقة): لا أبدًا، دي كانت أوراق مستر محسن كان طالبها مني، محتاج يراجعها ويمضيها. شريفة (بعجرفة): طيب، سيبيهم هنا، ولما يخلصوا هنبلغك. مي (على مضض): تمام، تحت أمركم. تضع الأوراق على مكتب محسن، ثم تتجه نحو الباب وتخرج. يلتفت محسن إلى شريفة ويحدثها بعصبية شديدة. محسن: إنتي بتكلميها كده ليه؟ إيه الأسلوب ده؟ وازاي تقطعي كلامي معاها بالشكل ده؟ أنا مرضتش أحرجك قدامها! شريفة (بلطف مصطنع): أصل شايفة عينك زايغة عليها، يا حبيبي، وإنت عارف إني بغير عليك قوي. محسن (بضعف): أيوة، بس مينفعش التعامل ده قدام الموظفين، أنا مش عايز حد يعرف طبيعة علاقتنا، وإنتي عارفة الموضوع ده كويس. يلا، اتفضلي على مكتبك، لحد ما أشوف سي صبري ده هيتصل تاني ولا لأ. شريفة: ماشي، هروح على مكتبي. بس عارف، لو لعبت بديلك كده ولا كده، مش هقولك أنا هعمل فيك إيه. تتجه نحو الباب بخطوات ثابتة، تخرج وتغلقه خلفها. يتابعها محسن بعينيه، ثم يبتسم في هدوء، ويحدث نفسه. محسن: أنا كده اتأكدت إن اللي كان موجود امبارح هو صبري… بس ده كده بيلعب بسرعة قوي، مش قادر يستحمل، ولا قادر ينسى… ” يطفئ سيجارته ، ويبتسم ابتسامة هادئة ” تمام، نخلي اللعب على المكشوف. عدو الأمس صديق اليوم وصف المشهد: يجلس صبري بجلسته المعتادة، معطيًا ظهره لمكتبه، والإضاءة الخافتة تُلقي بظلالها على المكان. يتصاعد دخان سيجاره في الهواء، يختلط مع الأضواء ليعطي انطباعًا بالتوتر للمحيطين به، لكنه يمنحه شعورًا بالثقة. تقف إسراء خلف المكتب، تحاول فهم مخططاته بينما يتحدث إليها: صبري: تفتكري يا إسراء، القوة في الحياة سرها إيه؟ إسراء (بتهكم): بالنسبالي، ولا بالنسبالك؟ صبري: لا، أحب أسمع بالنسبالك إنتي الأول، وبعدين بالنسبالي. (يعتدل في كرسيه ليشاهد وجهها وهي تتحدث.) إسراء: بالنسبالي، ممكن كلامي ميعجبكش. صبري: لا، قولي بس، ممكن يعجبني. إنتي عارفة إني بحب أشتري. إسراء: أوكي… بالنسبالي، القوة في الأمان. إنك لما تحتاج لحد تلاقيه في ضهرك، وتلاقيه معاك في أي موقف وبدون مبررات. مش هيسألك ليه إنت محتاجني، مش هيستغل ضعفك، ولا احتياجاتك. صبري: اممم، طب وبالنسبالي؟ إسراء: لا، إنت بالنسبالك الموضوع بيختلف. ممكن تكون القوة في نفوذك وفلوسك. إنت شايف إنهم وسيلة بتحقق بيها كل رغباتك. بس للأسف، في نقطة واحدة ممكن تخسرك كل ده. صبري (بتهكم): وإيه هي بقى النقطة دي يا سيدة القصر؟ إسراء: الانتقام. إنك تفضل شاغل كل تفكيرك إزاي تنتقم. ده الشيء الوحيد اللي ممكن يدمر القوة اللي بتحلم بيها. (يخبط صبري بيده على مكتبه، محدثًا صوتًا مدويًا.) صبري: الانتقام ده هو اللي خلاني كده! هو الدافع اللي خلاني أفضل على القمة، وإن مفيش حد يقدر يواجهني. أنا لو كنت ضعيف، كان أي حد حطني تحت رجله، وداس عليا، وفرمني! (يحاول استعادة هدوئه، ينفث دخان سيجارته بتأنٍ، ثم يكمل.) عارفة يا إسراء؟ زمان وأنا صغير، أول ما اشتغلت، اشتغلت صبي ميكانيكي. كان الأسطى بتاعي بيخليني أفك الموتور حتة حتة، أنضفه وأركبه، وهو يصلح العطل اللي موجود. آخر الأسبوع كان يديني خمسة جنيه. خمسة جنيه يا إسراء! كنت باخد بكل جنيه فيهم ضرب، وإهانة، ومرمطة. لما اعترضت وقلتله زودني لأن إخواتي كانوا محتاجين يتغدوا، ربطني وفضل نازل فيا ضرب! ساعتها قررت إني مش هكون ضعيف تاني أبدًا. (يتوقف للحظة، ثم يستأنف بنبرة انتصار.) تاني يوم، وقعت موتور كنت بفكه بالقصد، وقع واتكسر. طبعًا صاحب العربية مسكتش، والأسطى هو اللي دفع حق موتور جديد. كنت شايفه وهو بيخسر، لكن كان عندي حالة من الفرحة… إحساس بالنصر! وبقى ده منهجي في الحياة يا إسراء. اللي يضربك ضربة، أوجع قلبه بضربة أقوى منها! أما الأمان اللي بتتكلمي عنه ده، تروحي تتفرجي عليه في الأفلام! إسراء (يبدو عليها القلق لكنها تحاول الرد بثقة): قلتلك إن كلامي هيضايقك. صبري: لا خالص، بس أنا حبيت أفوقك! وعلشان أثبتلك إن الحياة مش زي ما إنتي فاكرة، أنا النهاردة اتصلت بمحسن، رنيت رنة وقفلت. سايبه دلوقتي أكيد عمال يسأل نفسه ألف مرة: “أنا عايز منه إيه؟” أسيبه لحد ما يستوي شوية، وبعدين أكلمه أقوله أنا عايز منه إيه. إسراء (بترقب): وإنت عايز منه إيه؟