كان لك معايا – الجزء الثاني

كان لك معايا – الجزء الثاني
كان لك معايا – الجزء الثاني

ثم يعيق تفكيره ما يحدث في شركته. هل هو إهماله طوال تلك الفترة؟ يبرر ذلك لنفسه بأنه لا يستطيع أن يعمل وهو في تلك الحالة. إن كل ما يؤثر فيه، بضعة ذكريات مع زوجته وابنته، عدة تساؤلات مرت عليه، ولكنه لا يجد إجابة واضحة. ينظر إلى الهاتف في تردد شديد. هل يقوم بالاتصال بـ “مي”؟ هو يشعر برغبة شديدة في أن يسمع صوتها، ولكن في نفس الوقت يحاول منع نفسه من الانسياق إليها. لكنه يشعر رغم ذلك أنه مكبل بلا قيود، تقوده مشاعره نحوها عنوة. يشعر برغبة شديدة في البكاء، لكنه يتماسك. ولا يزال صوت السيدة أم كلثوم في أذنه وهي تشدو:
“فات الميعاد.”

وجد نفسه يمسك هاتفه، ويقوم بالاتصال بـ “مي”. يسمع صوت رنين هاتفها ولكنها لا تجيب. يضع الهاتف بجانبه مستسلمًا. فالوقت تأخر قليلا، ويقول لنفسه:
“لم يكن علي الاتصال بها في ذلك الوقت.”
حتى يقطع تفكيره صوت الهاتف. يمسكه ليشاهد اسمها على الشاشة، فيجيب:
“آسف إني اتصلت في وقت متأخر.”
“لا، أبدًا مفيش حاجة، كنت هسالك هتعملي إيه بكرة مع المهندس، حبيت أفكرك بس علشان متنسيش.”
يحاول أن يجعل المكالمة تطول:
“بقولك إيه يا مي، هو إنتي هتعملي إيه بعد الشغل بكرة؟ طيب ممكن نتقابل؟ لا، أبدًا، بس علشان أعرف منك عملتي إيه، مش عايز حد في الشركة بس يعرف اتفاقنا. تمام؟ سلام.”

تغلق “مي” الهاتف، ويظل يوسف ينظر إلى الشاشة. يبدو عليه أنه قد هادأ تفكيره قليلًا. تبسم خجلا من نفسه، وهو يشعر أنه كالطفل الذي يحتاج إلى أمه. ذلك الشعور الذي انتابه وهو يتحدث إليها. وضع الهاتف بجانبه، ووضع رأسه على وسادته، وخلد إلى النوم في هدوء.

مشاعر

أغلقت

“مي” الهاتف، وهي تشعر بهدوء غريب قد سيطر عليها. لا تدرك لماذا انتابها هذا الشعور، ولكن كل ما يسيطر عليها حينما تسمع صوت “يوسف” هو أنها تشعر بالراحة. تشعر أنها تنجذب إليه بكل سهولة، وكانه مهد إليها الطريق إليه، في هدوء راسخ لا يقبل الشك. ولكنها ترفض بشدة ذلك الشعور. لا تسمح لنفسها ولا لقلبها بعبور المشاعر، فقد أوصدته منذ زمن طويل، منذ أول خيانة، منذ أول عهد لقلبها، حينما أخلصت بكل جوانحها لشخص كان ماهرًا في امتصاص كل طاقتها بمهارة شديدة، بدون أن يرمش له جفن.

تتساءل كيف كان بذلك الجمود والجحود، كيف كانت له تلك القدرة على إهدار مشاعرها، على استنزافها بتلك القذارة. هل بعد ذلك تعطى فرصة ولو بسيطة لأي شخص آخر؟

تجلس على سريرها، وهي تفكر بعمق شديد. حياتها في الماضي كانت خاوية، منذ وفاة والدها وهي تتمنى ذلك الرجل الذي يعوضها حنان أبيها، يحتويها، يجعلها كالاميرات. وكانت تدرك أنها في المقابل يجب أن تجعله كالملك، ولكن ذلك الملك جعل منها جارية.

ثم تتذكر معاملة يوسف لها، وكيف أنه مخلص لزوجته إلى هذه الدرجة. شتان ما بين الحب بإخلاص، والحب من أجل الامتلاك. هي كانت تتمنى “يوسف”، تتمنى لو قابلته منذ زمن بعيد. تخيلت للحظات كيف ستكون حياتهما معًا. بالتأكيد كانت ستكون حياة هادئة، وسعيدة.

لوهلة تخيلت نفسها وهي ترتمي في أحضان يوسف، لتحكي له كل ما مرت به من قسوة، من كل الاتجاهات: قسوة المجتمع، حينما ينظرون إليها نظرة “العانس”، ونظرة العائلة التي تنظر إليها هي وأمها أنهما بدون رجل يحميهما من الحياة. وقسوة العمل، حينما ينظرون إليها كمجرد جسد بلا عقل.

انهارت كل أحلامها واستسلمت حينما أدركت وتأكدت أنها يجب أن تواجه الحياة وحيدة، حتى بوجود أمها بجانبها. فأمها بالنسبة لها هي الملاذ الآمن الأوحد في وسط عبثيات تلك الحياة المؤلمة. ولكنها تعلمت أنها يجب أن تقاوم، يجب دائمًا أن تبدأ من جديد. يجب أن تتخلى عن كل ما يؤذيها أو يؤذي مشاعرها. يجب أن تحافظ على استقرارها النفسي.

ولكن كان السؤال الأهم: هل في ذلك الوقت يجب أن تبدأ من جديد؟ هل يجب عليها أن تسمح بعبور المشاعر إلى قلبها؟ ولكنها ترفض تلك الفكرة، فهي لا تعرف حقيقة مشاعر يوسف تجاهها.

يقطع ذلك التفكير صوت باب غرفتها وأمها تدخل عليها كعادتها، تحمل في يديها الطعام، ثم تنظر إليها وتتجه نحو مكتبها الصغير وتضع عليها الطعام، وتذهب لتجلس بجانبها.

  • أمها: “هو إنتي دايمًا تعبة نفسك كده يا ست الكل؟”
  • مي: “لقيتِ طولتِ العقِدة في الأوضة وسيباني لوحدي، قولت أكيد بتفكرِ في حاجة، عارفة.”
  • أمها: “ها؟ طول عمرك من وإنتي صغيرة، بتحبي لما تفكرِ في حاجة أو تذاكري، تدخلي أوضتك وتقفلي على نفسك الباب.”
  • مي: “بقولك يا ماما، هو ممكن تحكيلي عن بابا شوية؟”
  • أمها: “بِاستغراب: إشمعنا دلوقتي؟ إيه اللي فكرك بيه؟”
  • مي: “معلش، علشان خاطري، وحشني.”
  • أمها: “تتنهد: مع إن عمرك ما طلبتي منى الطلب ده، ومع إنّي هتنكدي عليا بس حاضر.”
    تسرح بخيالها لتتذكر زوجها وتحديدًا يوم مولد مي.
  • أمها: “أبوكي، إنتي عارفة شكله؟ كان أبيض وحلو كده، وطول بعرض، أحلى من الصور بكتير. بس أنا هحكيلك موقف واحد بس. يوم ما كنت بولد في المستشفى، اليوم ده أبوكي مكنش على بعضه. كل دقيقة يدخل عليا الأوضة ويقول للممرضة طمنيني عليها، وأنا فطسانة على نفسي من الضحك، لدرجة إن الممرضة قفلت باب الأوضة علشان يجهزوني للولادة. المهم ولدتِك والحمد لله، لكن عمري أبدًا ما هنسى لما شالك لأول مرة. فضل مبحلق فيكي وكانه مش مصدق. وقرب لودنك، وأذن فيها، وهو بيبصلي وبيضحك وبيعيط في نفس الوقت. مبقتش فاهماه، أول مرة أشوفه كده، أول مرة أحس إنه ضعيف، مع إنه كان أيه؟ كانت الشخطة منه توقف شارع. سالته، قولتله: مالك؟ قال لي: إنتي مش فاهمة حاجة، دي وش الخير، وش السعد. كان أيامها عنده مشاكل كتير جدًا، لكن وأنا بولدك، جاله تليفون بشره إن كل مشاكله في الشغل اتحلت، وإن كل مستحقاته هترجعله. وكان يوم عيد بالنسباله. مش عارفة أوصفلك إحساسه في الوقت ده كان إيه. لو فضلت أحكي من هنا لسنين قدام.”

(تلاحظ أن عيون مي تدمع، فتقوم باحتضانها في عطف)

  • أمها: “عارفة إنه قبل ما يموت بيوم قال لي: أنا عايز أوصيكي وصية واحدة.” وصية إيه يا خويا؟”قال لي: مي، خدي بالك منها، لو لا قدر الله حصلي حاجة، متخليهاش تحس إني مش موجود.”

تبكي مي أكثر، وتضم أمها بقوة وهي تبكي أمها تضمها أكثر، حتى أنها نامت في حضنها

حينما تمتلك القوة

يجلس “عاطف”، مهندس الكمبيوتر، أمام مكتبه. هو مكتب مغلق صغير نسبيًا، ولكن به عدد من أجهزة الكمبيوتر. ويبدو عليه الت

ركيز الشديد. تقوم “مى” بطرق الباب بهدوء ثم تدخل.

مى:

  • “صباح الخير، أستاذ عاطف، صح؟”

عاطف:

  • “صباح النور، تمام، اتفضلي يا أستاذة مى.”

يجذب “عاطف” كرسيًا بجانبه في هدوء، تجلس “مى” بالقرب من الجهاز، ثم يتحدث “عاطف” إليها.

عاطف:

  • “مستر يوسف كلمني، وقال لي إني أبلغ حضرتك بأي شيء جديد أكلمه، وطلب مني كمان إني ما أتصلش بيه تاني، وأن أي حاجة تبقى عن طريق حضرتك.”

تنتبه “مى” إليه.

مى:

  • “فاهمة، هو بلغني بكل حاجة، ها، قول لي وصلت لحاجة؟”

يبدو عليه التوتر.

عاطف:

  • “حاجة واحدة، أنا وصلت لبلاوي، في مصايب بتحصل من خلال الإكسس بتاع مستر محسن، وتحديدًا في ملفات الحسابات. مستر يوسف بصراحة أداني الإكسس بتاعه، وده بيملك كل الصلاحيات. تقنيًا مستر يوسف مش هيعرفها كلها، لكن بالنسبة لي ده سهل لي كل حاجة تقريبًا. كل ملفات الحسابات بيتعدل عليها تقريبًا بشكل أسبوعي عن طريق مستر محسن، بخلاف إن الفلاشة اللي دخلت هي كمان، دخلت عن طريق نفس الإكسس. بس اللي محيرني إن في التوقيت ده، كان مستر محسن عاملنا كلنا ميتنج وكان معانا.”

تنتبه “مى” إليه.

مى:

  • “وده معناه إيه؟”

عاطف:

  • “في حزم: معناه إن في شخص ثالث، معاه الإكسس بتاع مستر محسن، وده خلاه بكل سهولة يدخل ويحمل كل الملفات. خطوة الملفات دي، إن فيها كل الصفقات اللي جاية، وأسعار كل المناقصات اللي مقدمتها الشركة. الصفقات دي لو راحت من الشركة، معناه إن الشركة هتبقى من غير شغل، على الأقل لمدة 9 شهور. عارفة ده معناه إيه؟”

مى:

  • “طبعًا، معناه حرفيًا إن الشركة هتقفل، لأن كل المصاريف دي هتتحمل على مستر يوسف. طيب ما تقدرش تعرف مين الشخص اللي دخل وعمل كده؟”

عاطف:

  • “أنا مش ساكت، أنا بحاول أدخل على كاميرات الشركة، بس الموضوع محتاج شوية وقت. أول ما أقدر أوصلها هكلمك على طول.”

مى:

  • “تمام، أنا هقوم دلوقتي علشان محدش يلاحظ حاجة، وهبلغ مستر يوسف بالكلام ده، علشان يبتدي يشوف هو هيعمل إيه. وبالمناسبة، هو بيشكرك جدًا على موقفك ده، وخوفك على الشركة.”

عاطف:

  • “المفروض أنا اللي أشكره، إنتِ مش عارفة الراجل ده عمل معايا إيه. ولو ما عملتش كده أكون ناكر للجميل.”

كانت ستسأله في فضول، ولكنها اكتفت بالنظر إليه، ثم توجهت نحو الباب. التفتت إليه مرة أخرى ثم حدثته.

مى:

ثم يعيق تفكيره ما يحدث في شركته. هل هو إهماله طوال تلك الفترة؟ يبرر ذلك لنفسه بأنه لا يستطيع أن يعمل وهو في تلك الحالة. إن كل ما يؤثر فيه، بضعة ذكريات مع زوجته وابنته، عدة تساؤلات مرت عليه، ولكنه لا يجد إجابة واضحة. ينظر إلى الهاتف في تردد شديد. هل يقوم بالاتصال بـ “مي”؟ هو يشعر برغبة شديدة في أن يسمع صوتها، ولكن في نفس الوقت يحاول منع نفسه من الانسياق إليها. لكنه يشعر رغم ذلك أنه مكبل بلا قيود، تقوده مشاعره نحوها عنوة. يشعر برغبة شديدة في البكاء، لكنه يتماسك. ولا يزال صوت السيدة أم كلثوم في أذنه وهي تشدو: “فات الميعاد.” وجد نفسه يمسك هاتفه، ويقوم بالاتصال بـ “مي”. يسمع صوت رنين هاتفها ولكنها لا تجيب. يضع الهاتف بجانبه مستسلمًا. فالوقت تأخر قليلا، ويقول لنفسه: “لم يكن علي الاتصال بها في ذلك الوقت.” حتى يقطع تفكيره صوت الهاتف. يمسكه ليشاهد اسمها على الشاشة، فيجيب: “آسف إني اتصلت في وقت متأخر.” “لا، أبدًا مفيش حاجة، كنت هسالك هتعملي إيه بكرة مع المهندس، حبيت أفكرك بس علشان متنسيش.” يحاول أن يجعل المكالمة تطول: “بقولك إيه يا مي، هو إنتي هتعملي إيه بعد الشغل بكرة؟ طيب ممكن نتقابل؟ لا، أبدًا، بس علشان أعرف منك عملتي إيه، مش عايز حد في الشركة بس يعرف اتفاقنا. تمام؟ سلام.” تغلق “مي” الهاتف، ويظل يوسف ينظر إلى الشاشة. يبدو عليه أنه قد هادأ تفكيره قليلًا. تبسم خجلا من نفسه، وهو يشعر أنه كالطفل الذي يحتاج إلى أمه. ذلك الشعور الذي انتابه وهو يتحدث إليها. وضع الهاتف بجانبه، ووضع رأسه على وسادته، وخلد إلى النوم في هدوء. مشاعر أغلقت “مي” الهاتف، وهي تشعر بهدوء غريب قد
سيطر عليها. لا تدرك لماذا انتابها هذا الشعور، ولكن كل ما يسيطر عليها حينما تسمع صوت “يوسف” هو أنها تشعر بالراحة. تشعر أنها تنجذب إليه بكل سهولة، وكانه مهد إليها الطريق إليه، في هدوء راسخ لا يقبل الشك. ولكنها ترفض بشدة ذلك الشعور. لا تسمح لنفسها ولا لقلبها بعبور المشاعر، فقد أوصدته منذ زمن طويل، منذ أول خيانة، منذ أول عهد لقلبها، حينما أخلصت بكل جوانحها لشخص كان ماهرًا في امتصاص كل طاقتها بمهارة شديدة، بدون أن يرمش له جفن. تتساءل كيف كان بذلك الجمود والجحود، كيف كانت له تلك القدرة على إهدار مشاعرها، على استنزافها بتلك القذارة. هل بعد ذلك تعطى فرصة ولو بسيطة لأي شخص آخر؟ تجلس على سريرها، وهي تفكر بعمق شديد. حياتها في الماضي كانت خاوية، منذ وفاة والدها وهي تتمنى ذلك الرجل الذي يعوضها حنان أبيها، يحتويها، يجعلها كالاميرات. وكانت تدرك أنها في المقابل يجب أن تجعله كالملك، ولكن ذلك الملك جعل منها جارية. ثم تتذكر معاملة يوسف لها، وكيف أنه مخلص لزوجته إلى هذه الدرجة. شتان ما بين الحب بإخلاص، والحب من أجل الامتلاك. هي كانت تتمنى “يوسف”، تتمنى لو قابلته منذ زمن بعيد. تخيلت للحظات كيف ستكون حياتهما معًا. بالتأكيد كانت ستكون حياة هادئة، وسعيدة. لوهلة تخيلت نفسها وهي ترتمي في أحضان يوسف، لتحكي له كل ما مرت به من قسوة، من كل الاتجاهات: قسوة المجتمع، حينما ينظرون إليها نظرة “العانس”، ونظرة العائلة التي تنظر إليها هي وأمها أنهما بدون رجل يحميهما من الحياة. وقسوة العمل، حينما ينظرون إليها كمجرد جسد بلا عقل. انهارت كل أحلامها واستسلمت حينما أدركت وتأكدت أنها يجب أن تواجه الحياة وحيدة، حتى بوجود
أمها بجانبها. فأمها بالنسبة لها هي الملاذ الآمن الأوحد في وسط عبثيات تلك الحياة المؤلمة. ولكنها تعلمت أنها يجب أن تقاوم، يجب دائمًا أن تبدأ من جديد. يجب أن تتخلى عن كل ما يؤذيها أو يؤذي مشاعرها. يجب أن تحافظ على استقرارها النفسي. ولكن كان السؤال الأهم: هل في ذلك الوقت يجب أن تبدأ من جديد؟ هل يجب عليها أن تسمح بعبور المشاعر إلى قلبها؟ ولكنها ترفض تلك الفكرة، فهي لا تعرف حقيقة مشاعر يوسف تجاهها. يقطع ذلك التفكير صوت باب غرفتها وأمها تدخل عليها كعادتها، تحمل في يديها الطعام، ثم تنظر إليها وتتجه نحو مكتبها الصغير وتضع عليها الطعام، وتذهب لتجلس بجانبها. أمها: “هو إنتي دايمًا تعبة نفسك كده يا ست الكل؟” مي: “لقيتِ طولتِ العقِدة في الأوضة وسيباني لوحدي، قولت أكيد بتفكرِ في حاجة، عارفة.” أمها: “ها؟ طول عمرك من وإنتي صغيرة، بتحبي لما تفكرِ في حاجة أو تذاكري، تدخلي أوضتك وتقفلي على نفسك الباب.” مي: “بقولك يا ماما، هو ممكن تحكيلي عن بابا شوية؟” أمها: “بِاستغراب: إشمعنا دلوقتي؟ إيه اللي فكرك بيه؟” مي: “معلش، علشان خاطري، وحشني.” أمها: “تتنهد: مع إن عمرك ما طلبتي منى الطلب ده، ومع إنّي هتنكدي عليا بس حاضر.” تسرح بخيالها لتتذكر زوجها وتحديدًا يوم مولد مي. أمها: “أبوكي، إنتي عارفة شكله؟ كان أبيض وحلو كده، وطول بعرض، أحلى من الصور بكتير. بس أنا هحكيلك موقف واحد بس. يوم ما كنت بولد في المستشفى، اليوم ده أبوكي مكنش على بعضه. كل دقيقة يدخل عليا الأوضة ويقول للممرضة طمنيني عليها، وأنا فطسانة على نفسي من الضحك، لدرجة إن الممرضة قفلت باب الأوضة علشان يجهزوني للولادة. المهم ولدتِك والحمد لله، لكن عمري أبدًا ما هنسى لما شالك لأول مرة. فضل مبحلق فيكي وكانه مش مصدق. وقرب لودنك، وأذن فيها، وهو بيبصلي وبيضحك وبيعيط في نفس الوقت. مبقتش فاهماه، أول مرة أشوفه كده، أول مرة أحس إنه ضعيف، مع إنه كان أيه؟ كانت الشخطة منه توقف شارع. سالته، قولتله: مالك؟ قال لي: إنتي مش فاهمة حاجة، دي وش الخير، وش السعد. كان أيامها عنده مشاكل كتير جدًا، لكن وأنا بولدك، جاله تليفون بشره إن كل مشاكله في الشغل اتحلت، وإن كل مستحقاته هترجعله. وكان يوم عيد بالنسباله. مش عارفة أوصفلك إحساسه في الوقت ده كان إيه. لو فضلت أحكي من هنا لسنين قدام.” (تلاحظ أن عيون مي تدمع، فتقوم باحتضانها في عطف) أمها: “عارفة إنه قبل ما يموت بيوم قال لي: أنا عايز أوصيكي وصية واحدة.” وصية إيه يا خويا؟”قال لي: مي، خدي بالك منها، لو لا قدر الله حصلي حاجة، متخليهاش تحس إني مش موجود.” تبكي مي أكثر، وتضم أمها بقوة وهي تبكي أمها تضمها أكثر، حتى أنها نامت في حضنها حينما تمتلك القوة يجلس “عاطف”، مهندس الكمبيوتر، أمام مكتبه. هو مكتب مغلق صغير نسبيًا، ولكن به عدد من أجهزة الكمبيوتر. ويبدو عليه الت ركيز الشديد. تقوم “مى” بطرق الباب بهدوء ثم تدخل. مى: “صباح الخير، أستاذ عاطف، صح؟” عاطف: “صباح النور، تمام، اتفضلي يا أستاذة مى.” يجذب “عاطف” كرسيًا بجانبه في هدوء، تجلس “مى” بالقرب من الجهاز، ثم يتحدث “عاطف” إليها. عاطف: “مستر يوسف كلمني، وقال لي إني أبلغ حضرتك بأي شيء جديد أكلمه، وطلب مني كمان إني ما أتصلش بيه تاني، وأن أي حاجة تبقى عن طريق حضرتك.” تنتبه “مى” إليه. مى: “فاهمة، هو بلغني بكل حاجة، ها، قول لي وصلت لحاجة؟” يبدو عليه التوتر. عاطف: “حاجة واحدة، أنا وصلت لبلاوي، في مصايب بتحصل من خلال الإكسس بتاع مستر محسن، وتحديدًا في ملفات الحسابات. مستر يوسف بصراحة أداني الإكسس بتاعه، وده بيملك كل الصلاحيات. تقنيًا مستر يوسف مش هيعرفها كلها، لكن بالنسبة لي ده سهل لي كل حاجة تقريبًا. كل ملفات الحسابات بيتعدل عليها تقريبًا بشكل أسبوعي عن طريق مستر محسن، بخلاف إن الفلاشة اللي دخلت هي كمان، دخلت عن طريق نفس الإكسس. بس اللي محيرني إن في التوقيت ده، كان مستر محسن عاملنا كلنا ميتنج وكان معانا.” تنتبه “مى” إليه. مى: “وده معناه إيه؟” عاطف: “في حزم: معناه إن في شخص ثالث، معاه الإكسس بتاع مستر محسن، وده خلاه بكل سهولة يدخل ويحمل كل الملفات. خطوة الملفات دي، إن فيها كل الصفقات اللي جاية، وأسعار كل المناقصات اللي مقدمتها الشركة. الصفقات دي لو راحت من الشركة، معناه إن الشركة هتبقى من غير شغل، على الأقل لمدة 9 شهور. عارفة ده معناه إيه؟” مى: “طبعًا، معناه حرفيًا إن الشركة هتقفل، لأن كل المصاريف دي هتتحمل على مستر يوسف. طيب ما تقدرش تعرف مين الشخص اللي دخل وعمل كده؟” عاطف: “أنا مش ساكت، أنا بحاول أدخل على كاميرات الشركة، بس الموضوع محتاج شوية وقت. أول ما أقدر أوصلها هكلمك على طول.” مى: “تمام، أنا هقوم دلوقتي علشان محدش يلاحظ حاجة، وهبلغ مستر يوسف بالكلام ده، علشان يبتدي يشوف هو هيعمل إيه. وبالمناسبة، هو بيشكرك جدًا على موقفك ده، وخوفك على الشركة.” عاطف: “المفروض أنا اللي أشكره، إنتِ مش عارفة الراجل ده عمل معايا إيه. ولو ما عملتش كده أكون ناكر للجميل.” كانت ستسأله في فضول، ولكنها اكتفت بالنظر إليه، ثم توجهت نحو الباب. التفتت إليه مرة أخرى ثم حدثته. مى:
تم نسخ الرابط