محاكمة عَمَتِي
خرطوم نارجيلتها وترتكز بيدها اليسرى على وجهها، وكأنها تنصت لصوت أم كلثوم القادم من أحد المتاجر القريبة، كان ينظر لها وهو غير مصدق، إنه حُلم بالتأكيد!
التفتت له وسألته بتلقائية:
– مالك يا أحمد… بتبص لي كده ليه، فيه حاجة؟
شهق بهلع أمامها:
-عمتي؛ انتِ… انتِ ازاي هنا؟
– يعني إيه… مش ده بيتي يا أحمد؟
– أنا دفنتك بنفسي… أنا لسه راجع من جناز..
– جنازتي!
لأ أنا زعلانة منك، انت مشيت على طول مستنتش لما تدعي لي معاهم حتى… ما صدقت خلصت مني مش كده؟
– يعني ميتة!! ده حلم، لأ… حلم أنا عارف.
– لأ مش حلم، وانت مش عارف حاجة.
كانت ملامح الرعب تسيطر على وجهه وبدأ جسده في الارتعاش:
– عفريت.. انت عفريت.
– ليه كده؟ عفريت دي مش حلوة، روح… قول روح أشيك.
– مش ممكن!
– مش ممكن إزاي وأنا قدامك أهه باشرب شيشتي وباكح لما هتخنق!
كان يحاول يثبت لنفسه أنها مجرد هلاوس فقال كأنما يسأل نفسه:
– هو فيه روح بتشرب شيشة؟
– وانت كنت شوفت ولا عرفت روح فين قبل كده، ولا نسيت صحيح، ما أنت روح أمك، على فكرة هي باعتة لك معايا السلام وبتقول لك مستنياك في جهنم.
كان يحدق فيها وهو غير مصدق لما يراه بأم عينيه، فخرج مسرعًا من شقته يستدعي حارس العقار:
– عم حسين… تعالى بسرعة عاوزك تعالى.
دخل حسين في عجالة، لكنه تمهل قليلًا بعدما تذكر عدم وجود ناهد في المنزل:
– الله يرحمك يا ست ناهد.
نظر أحمد له رافعًا حاجبيه ثم عاد ونظر لمكان ناهد المبتسمة أمامه، غير مصدقًا لما نطق به حسين الآن:
– هي ماتت؟
قطب حسين حاجبيه وهو يحاول استيعاب كلمات أحمد:
– لا حول ولا قوة إلا بالله، بلاش تعمل في نفسك كده
خرج حسين مسرعًا بعدما قام أحمد بطرده، وهو يتمتم بكلمات الترحم عن ناهد، وعن المسكين الذي أصبح يعاني وربما يفقد عقله حزنًا عليها.
جلس أمامها مرتعبًا وهو ينظر لها غير مصدقًا لما يحدث:
– مش مصدق! ازاي؟
إيه اللي بيحصل ده، مش ممكن، لما عمتي ماتت انتِ مين؟
– يمكن أبقى عفريت أو روح، ويمكن أبقى ضميرك، ويمكن تكون اتجننت.
– مش فاهم حاجة!
– هافهمك، مش انت قتلتني علشان تورثني؟
أنا جاية أحاسبك أهه.
نسى أحمد مخاوفه في لحظة واعتدل في جلسته أمامها:
– أنا اللي كان لازم أحاسبك من زمان، انتِ بهدلتيني وبهدلتي أمي وأكلتي ورثي؟
– أكلت ورثك ده إيه… أنا عمتك مش خالك، يعني لو عندي عيال كان زمان أبوك هو اللي واكل ورثهم لو كان عايش.
– وأهي الدنيا اتقلب حالها، ذلتيني علشان آخد نصيبي وكنتِ السبب في موت أمي، مش بس كده ده انتِ كنتِ حرماني من كل حاجة.
-لأ… أمك طماعة، طول عمرها طماعة، طمعت في فلوس أبوك، وفي حبك ليَّ كمان، فاكر يا أحمد كنت بتحبني إزاي، بس لما سلمت دماغك لها بقيت طماع زيها؛ عمري ما حرمتك من حاجة، لكن دايمًا كنت ضدك في الغلط.
– جاية ليه يا عمتي، بتحاكميني؟
– مين فينا اللي حاكم التاني ومين اللي حَكَم ونَفِذ… مش انت؟
-انتِ فعلًا كان لازم تتحاكمي على عمايلك، حتى بعد موتك جاية تعملي نفس اللي كنتِ بتعمليه.
– إيه اللي أنا عملته، حافظت عليك وعلى فلوسك، حاولت أربيك وأصلح غلط أبوك وأمك في تربيتك، كنت مستعجل على إيه، وبعدين أهه مشكلتك اتحلت، قل لي بقى هتعمل إيه بالفلوس.
صمت أحمد وكأنه يفكر ثم أطرق برأسه، حقًا ماذا سيفعل، كل الأحلام التي خطط لها قبل موت ناهد تبدو بسيطة وهينة بعدما قام بقتلها، نظر لها وكأنه ينتظر منها الإجابة، أدرك في لحظة أنها كانت مرشدته، ورغم ذلك لم يندم، بل ازداد كراهية لها، فبسببها أصبح بلا شخصية، لا يعرف حتى كيف يخطط لحياته بمفردها.
ضحكت وهي تسخر منه:
– شفت بقى علشان تعرف إنك فاشل وخايب حتى من غير وجودي، مش عارف هتخطط لحياتك إزاي، يا غبي؛ أنا وجودي كان حاميك، وكان محافظ عليك من شيطان عقلك اللي أول ما فكر يشتغل قام خلاك تقتلني.
– قصدك إنك السبب إني بقيت ضعيف، بس أنا مش ضعيف، أنا عرفت أجيب حقي منك بعد ما ضعفتيني ولغيتي شخصيتي
نهضت ناهد من مكانها وتوجهت ناحية أحمد الذي انتفض من مكانه وبدأ جسده في التراجع:
– عاوزة مني إيه، ابعدي عني… ابعدي.
– قتلتني وعاوز تعيش؟
– أنا كان لازم أعيش، أنا ماعشتش، ابعدي عني بقى، أخدتِ فلوسي وحرمتيني من أمي، وكنتِ عاوزة تدمريني، أنا كنت فاهمك كويس، دلوقتي خلصت منك وبقى معايا كل حاجة، الفلوس والبيت وكله يا عمتي، كان ممكن تديني نصيبي وتسيبيني في حالي، انتِ السبب في كل ده.
– طماع… بتبرر لنفسك طمعك اللي خلاك قاتل، نفسك الشريرة خلتك تقتل عمتك وتموتها وفاكر إن محدش هيجيب لي حقي… أنا ربيت شيطان عاش معايا سنين، شيطان طماع و جشع متستحقش تستنى في بيتي ولا تتنعم بفلوسي، تعالى معايا يا أحمد علشان نعمل المحاكمة اللي انت مستنيها ونشوف هتبقى لصالح مين فينا.
ظل أحمد يحاول الهروب من ناهد، وبدأت أنفاسه تعلو وتهبط، وهو يتحدث بكلمات غير مفهومة، ثم بدأ بالصراخ على مقربة من الشرفة، صعد حسين مرة أخرى ولكن هذه المرة كان بصحبة بعض الجيران، بعدما أخبرهم بما حدث منذ قليل بشقة ناهد وأحمد، وأوصاهم بضرورة عدم تركه وحيدًا هذه الليلة لأن الحزن جعله غير مصدقًا لما حدث، وأنه يتخيل وجود ناهد أمامه، بينما كانت صرخات أحمد تعلو وناهد لا تزال تقترب منه، حتى خرج إلى الشرفة، وقفز منها خوفًا من ناهد، سقط على الأرض جثة هامدة في مشهد مأساوي لن ينساه من شاهده أبدًا، وأمرت النيابة بعد انتهاء التحقيقات بدفنه، أصبحت حادثة وفاته رائجة على المواقع والصفحات الإخبارية التي كانت تتحدث عن تركة ضخمة تركها أصحابها للمجهول ورحلوا من الحياة.
انتهت قصته بعدما صاحبت صورته في جميع المواقع والصفحات خبر يقول:
– انتحار شاب حزنا على عمته بعد أقل من 24 ساعة من وفاتها.
خرطوم نارجيلتها وترتكز بيدها اليسرى على وجهها، وكأنها تنصت لصوت أم كلثوم القادم من أحد المتاجر القريبة، كان ينظر لها وهو غير مصدق، إنه حُلم بالتأكيد! التفتت له وسألته بتلقائية: – مالك يا أحمد… بتبص لي كده ليه، فيه حاجة؟ شهق بهلع أمامها: -عمتي؛ انتِ… انتِ ازاي هنا؟ – يعني إيه… مش ده بيتي يا أحمد؟ – أنا دفنتك بنفسي… أنا لسه راجع من جناز.. – جنازتي! لأ أنا زعلانة منك، انت مشيت على طول مستنتش لما تدعي لي معاهم حتى… ما صدقت خلصت مني مش كده؟ – يعني ميتة!! ده حلم، لأ… حلم أنا عارف. – لأ مش حلم، وانت مش عارف حاجة. كانت ملامح الرعب تسيطر على وجهه وبدأ جسده في الارتعاش: – عفريت.. انت عفريت. – ليه كده؟ عفريت دي مش حلوة، روح… قول روح أشيك. – مش ممكن! – مش ممكن إزاي وأنا قدامك أهه باشرب شيشتي وباكح لما هتخنق! كان يحاول يثبت لنفسه أنها مجرد هلاوس فقال كأنما يسأل نفسه: – هو فيه روح بتشرب شيشة؟ – وانت كنت شوفت ولا عرفت روح فين قبل كده، ولا نسيت صحيح، ما أنت روح أمك، على فكرة هي باعتة لك معايا السلام وبتقول لك مستنياك في جهنم. كان يحدق فيها وهو غير مصدق لما يراه بأم عينيه، فخرج مسرعًا من شقته يستدعي حارس العقار: – عم حسين… تعالى بسرعة عاوزك تعالى. دخل حسين في عجالة، لكنه تمهل قليلًا بعدما تذكر عدم وجود ناهد في المنزل: – الله يرحمك يا ست ناهد. نظر أحمد له رافعًا حاجبيه ثم عاد ونظر لمكان ناهد المبتسمة أمامه، غير مصدقًا لما نطق به حسين الآن: – هي ماتت؟ قطب حسين حاجبيه وهو يحاول استيعاب كلمات أحمد: – لا حول ولا قوة إلا بالله، بلاش تعمل في نفسك كده
