أسيرة قبيلته وقلبه!

أسيرة قبيلته وقلبه!
أسيرة قبيلته وقلبه!

فغادر راكان الغرفة دون قول المزيد، لتهمس لنفسها بغيظ امتزج بنبتة من الاعجاب بعد مغادرته:

-كاريزما ابن اللذينه بس بارد!

 

****

على الجانب الآخر في مدينة مختلفة، تحديدًا في منزل كبير فخم يروي ثراء صاحبه، كان يقف “رضا” امام رجاله الذين كانوا يبدو عليهم التوتر، قال اقربهم لرضا، بحذر وهو يتجنب النظر المباشر له:

-يا رضا بيه فيه حاجة حصلت، و… مش عارف هتتقبلها إزاي.

رفع رضا عينيه من فوق فنجان القهوة الذي كان يحركه ببطء، ملامحه باردة لكن نظراته تحمل نذير خطر، أسند ظهره إلى المقعد خلفه، ثم أشار بيده بنفاد صبر هاتفًا:

-اتكلم، إيه اللي حصل؟

نظر الرجال المتجمعون حوله لبعضهم، وكأنهم ينتظرون من يبدأ الحديث، حتى حسم أحدهم الأمر وقال متلعثمًا:

-احنا… احنا غلطنا يا باشا… خطفنا البنت الغلط!

توقف رضا عن تحريك الفنجان، وتجمدت ملامحه للحظة قبل أن يضعه ببطء على الطاولة الصغيرة أمامه، ثم اعتدل في جلسته، وسأل بنبرة هادئة لكنها تحمل تهديدًا خفيًا:

-البنت الغلط؟ يعني إيه؟

ابتلع الرجل ريقه وهو يتراجع خطوة إلى الخلف، قبل أن يكمل بارتباك:

-احنا كنا مترصدين للبنت اللي هربت، لكن حصلت لخبطة بسبب انها كانت مغطية وشها ولابسة لبس معين، وخطفنا واحدة تانية لإنها كانت لابسة لبسها ومخبية وشها زيها، وطلعت بنت قبيلة هناك اسمها قبيلة السواركة اللي لجأت ليها زينة.

ساد الصمت، كان هدوء رضا أشد رعبًا من صراخه المعتاد. حدّق في الرجل للحظات قبل أن يغمغم ببطء وهو يستوعب الأمر:

-يعني بدل ما تجيبولي زينة، جبتولي بنت القبيلة… اللي بالمناسبة طلعوا ناس كبار وأقوياء في المنطقة؟

أومأ الرجل برأسه سريعًا وهو يخفض بصره، كأن ذلك قد يقلل من حجم الكارثة، فيما أطلق رضا ضحكة قصيرة، لكنها لم تكن سوى غلاف رقيق

يخفي غضبه المتفجر، ثم نهض فجأة، فارتبك الرجال حوله، وتراجع بعضهم خطوة غريزية.

 

فتحدث بلهجة ساخرة تحمل تهديدًا دفينًا:

-حلو… بدل ما نجيب العصفورة الصغيرة، جينا على وكر الصقور نفسهم؟ تمام أوي.

دار حول المكان للحظات، يدس يديه في جيب بنطاله وهو يفكر، ثم إلتفت فجأة إلى مساعده مرددًا وعيناه تلمعان بفكرة جديدة:

-طب ما دام وقعنا في الغلط، يبقى نستفيد منه… البنت اللي عندنا دي غالية عندهم، صح؟

 

أومأ مساعده برأسه مؤكدًا:

-ايوه يا باشا، عرفنا منها إنها عروسة ابن شيخ القبيلة.

فتابع رضا بابتسامة ماكرة:

-حلو، وهما مخليين عروستي عندهم، يبقى نساومهم… احنا نديهم بنتهم، وهم يدونا زينة.

نظر رجاله إليه باندهاش، بينما استرسل هو في حديثه، وكأنه يضع قواعد لعبته الجديدة:

-احنا مش هنحاول ناخدها غصب عنهم لإننا مش في وضع يسمح لينا بمعاداة قبيلة زي دي، لكن في نفس الوقت، ماينفعش أسيب زينة تفلت من إيدي… والقبيلة دي لو بتهتم ببنتها بجد، مش هيترددوا في التبادل.

ثم أكمل بنبرة تهديدية:

-هاتولي رقم ابن شيخ القبيلة عشان اتواصل معاه، وهنشوف هو باقي على عروسته ولا مستغني عنها.

 

ساد الصمت للحظة، قبل أن يتحرك مساعده لتنفيذ الأوامر، بينما بقي رضا في مكانه، يشعل سيجارة بهدوء، ينفث الدخان ببطء وهو يراقب نيران الموقد أمامه، وكأنها تعكس الحريق المشتعل داخله.

****

مرت أيام كانت فيهم زينة لا تخرج من الدار على الاطلاق، وعلمت بتواصل ذلك الملعون “رضا” مع “راكان” الذي رفض تبادل زينة برويدة، وخلال يومين ارسلوا العديد من رجال القبيلة لمهاجمة منزل رضا، ونجحوا في اعادة رويدة منه، ولكن رضا اشتعل جنونه وعلمت بتهديده لراكان بإيذائهم إن لم يعيدوها إليه، ولكن راكان ووالده شيخ القبيلة بعدما تأكدا من حديثها لم يرغبا في اعادتها رغمًا عنها، وقررت البقاء كما اتفقت مع راكان حتى ينجحوا في جعل الشرطة تلقي القبض على رضا بسبب اعماله المشبوهة، ولكنهم لم يجدوا دليل ضده بعد.

كما علمت أن رويدة سيتم تزويجها بأحد رجال القبيلة الاخرين عقابًا على هروبها..

 

ولم تحتاج لكثير من التخميين لتدرك أن ثمة صراع عنيف بين راكان وقبيلته وذلك الرضا، متمنية أن ينتهي بحتفه حتى تنال الحرية التي يجاهد لحرمانها اياها..

وفي نفس الوقت كانت تحاول بث الصبر في نفسها التي تأبى الحبس والخنوع، خاصةً أنها لم تتعامل كثيرًا مع القانطين بالمنزل سواء كانت الفتيات العاملات او السيدة الكبيرة التي علمت أنها والدة راكان، والحق يُقال أنها رغم أنها ربما تشك بها كالبقية إلا أنها لم تُسيء معاملتها بل كانت هادئة حكيمة.

وراكان لم تكن تراه إلا قليلًا وكأنه يتعمد الابتعاد عنها لا تدري لِمَ!!

 

وفي احد الايام بعد العصر، تحديدًا في ساحة الدار في القبيلة، كانت النساء منشغلات بأعمالهن، فيما كانت زينة قد بدأت تتأقلم قليلًا، لكنها لا تزال تشعر بأنها غريبة.

كانت تحاول إشعال النار تحت قدر كبير موضوع على موقد طيني في الساحة كما رأت الفتاة تفعل قبل أن تغادر مؤقتًا للمطبخ، لكنها لا تفهم الطريقة الصحيحة، مما ادى إلى تصاعد الدخان بغزارة، فبدأت في السعال، ثم راحت تمسح عينيها وهي تغمغم باختناق:

-بيعملوها ازاي دي بقى ان شاء الله! هو ليه كل حاجة عندهم صعبة كدا يا ربي.

اثناء انشغالها بما تفعل لم تلحظ وجود راكان  الذي كان يراقبها على بُعد مسافة صغيرة، مستندًا إلى الجدار، ثم اقترب منها بخطوات هادئة قائلًا بصوته الخشن:

-بتعملي إيه؟ ناوية تولعي فينا وفي البيت عشان تخلصي مننا ولا إيه!

شهقت زينة بفزع حين تحدث فجأة في ظل تركيزها مع ذلك القدر، ثم ردت بنعومة خافتة غير مقصودة وهي تضع يدها على صدرها:

-خضتني يا راكان.

لا يدري ما الذي فعله به نطقها لأسمه بتلك النعومة التي يعلم يقينًا أنها عفوية، فهو له نظرة ثاقبة لا تخيب في الاشخاص، فقط يشعر أن اذنيه تشربت لاول مرة حلاوة وعذوبة نغمة صوتها الناطقة بإسمه لتعبث بشغاف قلبه دون وعي منه!

ثم انتبه لها حين اضافت بشيء من الهدوء محاوِلة أن تبدو واثقة رغم الفوضى :

-لا ماتقلقش انا بس كنت بولع على الحلة دي.

رفع راكان حاجبه الايسر يشاكسها:

-واضح، لكن بدال ما تولعيها شكلك ناوية تعملي سحابة دخان تغطي القبيلة كلها.

عبست زينة وهي تضع يديها على خصرها مرددة في تذمر طفولي بعض الشيء:

-دي مش غلطتي، الخشب دا مش بيولع بسهولة.

نظر إلى الحطب ثم إليها، قبل أن ينحني ويلتقط قطعة صغيرة من الخشب الجاف، مستطردًا ببحته الخشنة التي حل عليها – لاول مرة – عبث لذيذ:

-الخشب برئ منك ومن اتهامك يا ظالمة، انتي اللي مش عارفة تولعيه.

فعقدت ذراعيها معًا وراحت تسأله بشيء من التهكم:

-اه وانت بقى بسلامتك خبير في إنك تولع النار؟

ابتسم بمكر بينما يشعل عود ثقاب ويمرره بمهارة على الحطب حتى تشتعل النار بسهولة مجيبًا بثقة تكاد ترتقي للغرور:

فغادر راكان الغرفة دون قول المزيد، لتهمس لنفسها بغيظ امتزج بنبتة من الاعجاب بعد مغادرته: -كاريزما ابن اللذينه بس بارد!   **** على الجانب الآخر في مدينة مختلفة، تحديدًا في منزل كبير فخم يروي ثراء صاحبه، كان يقف “رضا” امام رجاله الذين كانوا يبدو عليهم التوتر، قال اقربهم لرضا، بحذر وهو يتجنب النظر المباشر له: -يا رضا بيه فيه حاجة حصلت، و… مش عارف هتتقبلها إزاي. رفع رضا عينيه من فوق فنجان القهوة الذي كان يحركه ببطء، ملامحه باردة لكن نظراته تحمل نذير خطر، أسند ظهره إلى المقعد خلفه، ثم أشار بيده بنفاد صبر هاتفًا: -اتكلم، إيه اللي حصل؟ نظر الرجال المتجمعون حوله لبعضهم، وكأنهم ينتظرون من يبدأ الحديث، حتى حسم أحدهم الأمر وقال متلعثمًا: -احنا… احنا غلطنا يا باشا… خطفنا البنت الغلط! توقف رضا عن تحريك الفنجان، وتجمدت ملامحه للحظة قبل أن يضعه ببطء على الطاولة الصغيرة أمامه، ثم اعتدل في جلسته، وسأل بنبرة هادئة لكنها تحمل تهديدًا خفيًا: -البنت الغلط؟ يعني إيه؟ ابتلع الرجل ريقه وهو يتراجع خطوة إلى الخلف، قبل أن يكمل بارتباك: -احنا كنا مترصدين للبنت اللي هربت، لكن حصلت لخبطة بسبب انها كانت مغطية وشها ولابسة لبس معين، وخطفنا واحدة تانية لإنها كانت لابسة لبسها ومخبية وشها زيها، وطلعت بنت قبيلة هناك اسمها قبيلة السواركة اللي لجأت ليها زينة. ساد الصمت، كان هدوء رضا أشد رعبًا من صراخه المعتاد. حدّق في الرجل للحظات قبل أن يغمغم ببطء وهو يستوعب الأمر: -يعني بدل ما تجيبولي زينة، جبتولي بنت القبيلة… اللي بالمناسبة طلعوا ناس كبار وأقوياء في المنطقة؟ أومأ الرجل برأسه سريعًا وهو يخفض بصره، كأن ذلك قد يقلل من حجم الكارثة، فيما أطلق رضا ضحكة قصيرة، لكنها لم تكن سوى غلاف رقيق
يخفي غضبه المتفجر، ثم نهض فجأة، فارتبك الرجال حوله، وتراجع بعضهم خطوة غريزية.   فتحدث بلهجة ساخرة تحمل تهديدًا دفينًا: -حلو… بدل ما نجيب العصفورة الصغيرة، جينا على وكر الصقور نفسهم؟ تمام أوي. دار حول المكان للحظات، يدس يديه في جيب بنطاله وهو يفكر، ثم إلتفت فجأة إلى مساعده مرددًا وعيناه تلمعان بفكرة جديدة: -طب ما دام وقعنا في الغلط، يبقى نستفيد منه… البنت اللي عندنا دي غالية عندهم، صح؟   أومأ مساعده برأسه مؤكدًا: -ايوه يا باشا، عرفنا منها إنها عروسة ابن شيخ القبيلة. فتابع رضا بابتسامة ماكرة: -حلو، وهما مخليين عروستي عندهم، يبقى نساومهم… احنا نديهم بنتهم، وهم يدونا زينة. نظر رجاله إليه باندهاش، بينما استرسل هو في حديثه، وكأنه يضع قواعد لعبته الجديدة: -احنا مش هنحاول ناخدها غصب عنهم لإننا مش في وضع يسمح لينا بمعاداة قبيلة زي دي، لكن في نفس الوقت، ماينفعش أسيب زينة تفلت من إيدي… والقبيلة دي لو بتهتم ببنتها بجد، مش هيترددوا في التبادل. ثم أكمل بنبرة تهديدية: -هاتولي رقم ابن شيخ القبيلة عشان اتواصل معاه، وهنشوف هو باقي على عروسته ولا مستغني عنها.   ساد الصمت للحظة، قبل أن يتحرك مساعده لتنفيذ الأوامر، بينما بقي رضا في مكانه، يشعل سيجارة بهدوء، ينفث الدخان ببطء وهو يراقب نيران الموقد أمامه، وكأنها تعكس الحريق المشتعل داخله. **** مرت أيام كانت فيهم زينة لا تخرج من الدار على الاطلاق، وعلمت بتواصل ذلك الملعون “رضا” مع “راكان” الذي رفض تبادل زينة برويدة، وخلال يومين ارسلوا العديد من رجال القبيلة لمهاجمة منزل رضا، ونجحوا في اعادة رويدة منه، ولكن رضا اشتعل جنونه وعلمت بتهديده لراكان بإيذائهم إن لم يعيدوها إليه، ولكن راكان ووالده شيخ القبيلة بعدما تأكدا من حديثها لم يرغبا في اعادتها رغمًا
عنها، وقررت البقاء كما اتفقت مع راكان حتى ينجحوا في جعل الشرطة تلقي القبض على رضا بسبب اعماله المشبوهة، ولكنهم لم يجدوا دليل ضده بعد. كما علمت أن رويدة سيتم تزويجها بأحد رجال القبيلة الاخرين عقابًا على هروبها..   ولم تحتاج لكثير من التخميين لتدرك أن ثمة صراع عنيف بين راكان وقبيلته وذلك الرضا، متمنية أن ينتهي بحتفه حتى تنال الحرية التي يجاهد لحرمانها اياها.. وفي نفس الوقت كانت تحاول بث الصبر في نفسها التي تأبى الحبس والخنوع، خاصةً أنها لم تتعامل كثيرًا مع القانطين بالمنزل سواء كانت الفتيات العاملات او السيدة الكبيرة التي علمت أنها والدة راكان، والحق يُقال أنها رغم أنها ربما تشك بها كالبقية إلا أنها لم تُسيء معاملتها بل كانت هادئة حكيمة. وراكان لم تكن تراه إلا قليلًا وكأنه يتعمد الابتعاد عنها لا تدري لِمَ!!   وفي احد الايام بعد العصر، تحديدًا في ساحة الدار في القبيلة، كانت النساء منشغلات بأعمالهن، فيما كانت زينة قد بدأت تتأقلم قليلًا، لكنها لا تزال تشعر بأنها غريبة. كانت تحاول إشعال النار تحت قدر كبير موضوع على موقد طيني في الساحة كما رأت الفتاة تفعل قبل أن تغادر مؤقتًا للمطبخ، لكنها لا تفهم الطريقة الصحيحة، مما ادى إلى تصاعد الدخان بغزارة، فبدأت في السعال، ثم راحت تمسح عينيها وهي تغمغم باختناق: -بيعملوها ازاي دي بقى ان شاء الله! هو ليه كل حاجة عندهم صعبة كدا يا ربي. اثناء انشغالها بما تفعل لم تلحظ وجود راكان  الذي كان يراقبها على بُعد مسافة صغيرة، مستندًا إلى الجدار، ثم اقترب منها بخطوات هادئة قائلًا بصوته الخشن: -بتعملي إيه؟ ناوية تولعي فينا وفي البيت عشان تخلصي مننا ولا إيه! شهقت زينة بفزع حين تحدث فجأة في ظل تركيزها مع ذلك القدر، ثم ردت بنعومة خافتة غير مقصودة وهي تضع يدها على صدرها: -خضتني يا راكان. لا يدري ما الذي فعله به نطقها لأسمه بتلك النعومة التي يعلم يقينًا أنها عفوية، فهو له نظرة ثاقبة لا تخيب في الاشخاص، فقط يشعر أن اذنيه تشربت لاول مرة حلاوة وعذوبة نغمة صوتها الناطقة بإسمه لتعبث بشغاف قلبه دون وعي منه! ثم انتبه لها حين اضافت بشيء من الهدوء محاوِلة أن تبدو واثقة رغم الفوضى : -لا ماتقلقش انا بس كنت بولع على الحلة دي. رفع راكان حاجبه الايسر يشاكسها: -واضح، لكن بدال ما تولعيها شكلك ناوية تعملي سحابة دخان تغطي القبيلة كلها. عبست زينة وهي تضع يديها على خصرها مرددة في تذمر طفولي بعض الشيء: -دي مش غلطتي، الخشب دا مش بيولع بسهولة. نظر إلى الحطب ثم إليها، قبل أن ينحني ويلتقط قطعة صغيرة من الخشب الجاف، مستطردًا ببحته الخشنة التي حل عليها – لاول مرة – عبث لذيذ: -الخشب برئ منك ومن اتهامك يا ظالمة، انتي اللي مش عارفة تولعيه. فعقدت ذراعيها معًا وراحت تسأله بشيء من التهكم: -اه وانت بقى بسلامتك خبير في إنك تولع النار؟ ابتسم بمكر بينما يشعل عود ثقاب ويمرره بمهارة على الحطب حتى تشتعل النار بسهولة مجيبًا بثقة تكاد ترتقي للغرور:
تم نسخ الرابط