بين الخديعة والهوى

بين الخديعة والهوى
بين الخديعة والهوى

-كتر خيرك يا بني، جميلك ده عمري ما انساه.

شاعرة بالذنب وثقل يتربع فوق صدرها مسببًا لها شعور مؤلم بالندم، يقبض على قلبها كلما تذكرت نظرة ابنتها المنكسرة، عندما فرقت بينها وبين كريم بسبب اشاعات صدرت في الماضي عن عمل أبيه وتورطه مع صديق له في أعمال مشبوهه، كم مرة أقنعت نفسها بأنها تفعل الصواب؟ كم مرة بررت موقفها بأن عليها حماية ابنتها من مستقبل مجهول مع شاب والده تحوم حوله الشائعات؟ لم تفكر حتى في التحقق، لم تسأل أو تبحث، بل اكتفت بالكلمات التي تناقلها الناس، فبنت على أساسها جدارًا بين ابنتها وبين من تحب.

***

بعد مرور يومين استعادت خلالهما وصال عافيتها، قررت أن تكون أول زيارة لها من نصيب سلوى، لم يكن في نيتها التهاون أو التراجع، بل كانت عازمة على المواجهة بكل ما أوتيت من قوة.

ما إن دخلت إلى غرفة المكتب الواقعة في آخر المحل، بعدما أخبرها أحد العاملين بوجود سلوى هناك، حتى وجدتها تجلس بثقة مصطنعة، وكأنها لم تكن سببًا في المأساة التي كادت تودي بحياتها، ارتسمت على شفتي سلوى ابتسامة ساخرة، وعيناها تلمعان بنظرات متوعدة، قبل أن تقول بنبرة متهكمة:

-حمد لله على سلامتك يا وصال، فرحت اوي إنك طلعتي سليمة من الحريقة!

رمقتها وصال بنظرة ثابتة، تحمل في طياتها كل الغضب الذي حاولت كتمانه طوال الأيام الماضية، ثم ردت بصوت حازم:

-اللي انتي السبب فيها!

اتسعت عينا سلوى، قبل أن ترتسم على ملامحها علامات البراءة المصطنعة، لتجيب مستنكرة:

-أنا!! إيه يا ست المحامية جاية ترمي بلاكي عليا؟

تجاهلت محاولة سلوى في التهرب، ثم قالت بصوت خالٍ من التردد، يحمل تهديدًا واضحًا:

-لا بس أنا بحذرك، لو مابطلتيش اللي بتعمليه، واديتي كريم بيته، أنا

اللي هقفلك، وجوزك هيعرف كل حاجة، وده أخر كلامي.

نهضت عن المقعد، وعيناها تراقبان رد فعل سلوى، التي لم تستطع إخفاء التوتر الذي تسلل إلى ملامحها للحظة، وبينما كانت توهمها بأنها تغادر غاضبة، نجحت بخفة في وضع جهاز تسجيل صغير أسفل المكتب، في مكان لا يمكن رؤيته بسهولة، فقد حاكت خطة متقنة، وكانت هذه الخطوة الأولى في نصب مصيدتها لسلوى، حتى تجمع الدليل القاطع على جرائمها.

***

جلست وصال بجانب كريم في شقته، ومعهما والدته، وهم ينصتون بتركيز إلى التسجيل الذي بدأ بأصوات غير واضحة، قبل أن تعلو ضوضاء مشوشة، يتبعها صوت إغلاق باب بعنف، ثم دوى صوت رجولي غاضب، يحمل نبرة تهكم وازدراء:

-في إيه يا سلوى؟! انتي صغيرة ولا إيه؟! مش عارفة توقفي حتة بت عند حدها!

اتسعت عينا كريم في صدمة عندما أدرك هوية المتحدث، ولم يكن بحاجة إلى تأكيد، لكن ما زاد يقينه هو صوت سلوى الذي تبع ذلك مباشرة، وهي تتحدث بنبرة ممتعضة ومتوترة:

-جرى إيه يا عمر؟! ده بدل ما تشوف حل للمصيبة اللي أنا فيها!

كان هذا الصوت مألوفًا لكريم إلى حدٍ كبير، فهو يعرفه جيدًا ويحفظه عن ظهر قلب، إنه عمر، ابن صديق والده، كانا معًا منذ الصغر، زميلين في المدرسة ثم الجامعة، وكأنهما شقيقان لم تلدهما نفس الأم، إلى أن فرقت بينهما الأقدار.

لقد بدأت القطيعة عندما اكتشف والد كريم أن صديقه قد خانه، مستغلًا شراكتهما في أعمال مشبوهة دون علمه، وعندما واجهه بالحقيقة، لم يتردد في إنهاء الشراكة وسحب أمواله بالكامل، ليترك شريكه غارقًا في أزمة اقتصادية خانقة، كانت الضربة قاسية على والد عمر، إذ تكبد خسائر فادحة لم يستطع تحملها، فأصيب بجلطة أقعدته وعجز عن العمل، ليتحول من رجل ثري إلى فقير لا يملك ما يعيله أو يعيل أسرته.

حاول كريم التركيز على حديث عمر، وهو يسمع نبرته الحانقة الممزوجة بالضيق، قائلاً بانزعاج واضح:

-أنا قولتلك اسلط عيل من العيال اللي شغالين عندي يضربوها ويموتوها انتي اللي قولتي لا الشقة تتحرق وتموت فيها، اهو الزفت كريم انقذها، لازم نهدي اللعب شوية.

ردت سلوى بصوت متوتر، يفضح ارتباكها وخوفها:

-لعب إيه؟! بقولك بتهددني مش بعيد تقول لجوزي! او تقول لكريم وهو يقول لعبد الغفور!

ضحك عمر بسخرية، قائلاً ببرود مستفز:

-متبقيش خايبة مش معاهم دليل، أنا مبحبش اشتغل مع ناس خايبة، صحصحي كده.

-أنا مصحصحة بس انت بتتعاما ببرود يا عمر، وأنا لما ساعدتك….

قاطعها عمر بنبرة ساخرة، وكأنه يسخر من سذاجتها:

-ساعدتيني تنتقمي من كريم، لكن في المقابل، كنتي بتنتقمي لنفسك كمان، افتكري كويس، هو فكر فيكي؟ لا! اختار أختك واتجوزها لما كنت زمان بتتمني إنه يجي يخطبك بعد ما حبيبته سابته، دوافعك كانت أقوى من دوافعي، ماتعلبيش دور مش دورك.

صاحت سلوى، وقد بدأ الغضب يتسلل إلى صوتها:

-لا طبعًا دوافعك انت اكبر انت اللي لفيت عليا، واقنعتني اخرب بيت اختي واقنعها ان جوزها لسه بيحب حبيبته، وهيتجوزها لما ينزل، استغليت ضعفي يا عمر وإن أنا بحكيلك عن حاجات واجعني، ومأثرة فيا، وخلتني اضحك على ليلى واستغلها تكتبلي البيت باسمي، يا راجل ده انت اللي مظبط الخطة على الشعرة، حتى وصال خلتني اروح اعمل العقود عندها وادي الفلوس لليلى قدامها عشان يبان إنها بايعة البيت.

قهقه عمر مستهزئًا، قبل أن يرد بلا مبالاة:

-وانتي عملتي إيه؟ سكتي مثلاً! ما انتي كنتي بتزودي الخطة شطة وبتملي دماغ اختك بحاجات أنا نفسي كنت بنبهر بيها، يا شيخة ده انا صفقتلك لما اقنعتيها تاخد الفلوس وتمثل معاكي قدام وصال المحامية وترجعهملك تاني، وبقيت مستغرب ازاي المغفلة دي ماخدتش بالها أنك حية وبتلفي عليها!

رمقته سلوى بغضب قائلة:

-اه قول اللي فيها، لما حسيت إنك هتتلط في الموضوع، عايز تهرب وتبعد صح؟

تنهد عمر وكأن الأمر لا يعنيه، ثم قال ببرود:

-اه صح، كريم وانتقمت منه على اللي ابوه عمله في ابويا زمان، وخليته على الحديدة، وانتي انتقمتي منه عشان ماتجوزكيش واتجوز اختك، اللي بيني وبينك خلص خلاص، سلام.

انتفضت سلوى من مكانها، تحاول إيقافه قبل أن يغادر:

-عمر اقف هنا انت مش هتسبني كده، بقولك بتهددني.

توقف للحظة عند الباب، التفت نحوها بنظرة ساخرة، ثم قال بهدوء مخيف:

-وأنا عرضت … بس انتي رفضتي يبقى براحتك، الفرصة بتيجي مرة واحدة في العمر وانتي كنتي غبية، سلام.

ثم غادر، تاركًا سلوى تغلي من الغضب والتوتر، غير مدركة أن كل كلمة نطقا بها قد سُجلت، وأصبحت الآن دليل إدانتها، أما وصال، فكانت تمسك بجهاز التسجيل بإحكام، وملامحها تحمل مزيجًا من الانتصار والصدمة، بينما كريم يضغط قبضته بقوة، محاولًا كبح غضبه على خيانة صديق طفولته وخيانة أخت زوجته الراحلة.

***

مرت الأيام، واستطاع كريم استعادة منزله بعدما استخدم التسجيل كوسيلة ضغط على سلوى، التي لم تستطع الصمود أمام التهديد، انهارت باكية، تتوسل إليه أن يسامحها، وتعده بإعادة المنزل إليه في مقابل ألا يخبر زوجها بالحقيقة، لم يكن أمامها خيار آخر، فوافقت على الفور، وبالفعل تم نقل ملكية المنزل مجددًا إلى كريم.

لكن الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد، كانت وصال قد أعدت خطة أخرى لإيقاع سلوى وشريكها في الجريمة، فبادرت بتقديم بلاغ رسمي إلى السلطات مرفقًا بالتسجيل الذي يحتوي على اعترافاتهما الكاملة، لم يستغرق الأمر طويلًا حتى بدأت التحقيقات، وسرعان ما تم القبض على سلوى وعمر، وسط فضيحة مدوية هزت الجميع.

عند استجوابهما، حاول كلٌّ منهما إنكار التهم وإلقاء اللوم على الآخر، لكن الأدلة كانت دامغة، ولم تترك لهما مجالًا للهرب، انتشرت أخبار جرائمهما بين الناس، ليكتشف الجميع الوجه الحقيقي لسلوى، التي لطالما تظاهرت بالبراءة، وعمر الذي لم يكن سوى شخص حقود يسعى للانتقام بأي وسيلة.

في النهاية، نالت العدالة مجراها، ووقف كريم أمام منزله الذي استرده أخيرًا، يشعر براحة لم يعهدها منذ فترة طويلة، أما وصال، فقد أدركت أن المواجهة كانت تستحق العناء، وأنها لم تكن وحدها في هذه المعركة، بل كان الحق دائمًا في صفها.

-مبروك يا كيمو.

قالت وصال، مستخدمة أكثر الألقاب التي كان يحبها منها في الماضي، ارتسمت على شفتيه ابتسامة دافئة، وهو ينظر إليها بامتنان، ثم همس برقة:

-شكرًا يا صولا.

شعرت وصال بالخجل، فخفضت عينيها ولم ترد بكلمة أخرى، لكن كريم لم يكن بحاجة إلى إجابة، اقترب منها قليلًا، وصوته يفيض حبًا وصدقًا وهو يهمس:

-تتجوزيني.

رفعت وصال عينيها إليه في دهشة، وكأنها تحاول استيعاب كلماته، ثم لم تلبث أن لمحت في نظرته حبًا صادقًا لم يتغير رغم كل شيء، لم تستطع منع نفسها من الابتسام، رغم تسارع دقات قلبها، قبل أن تحرك رأسها إيجابًا.

جمعت الأقدار بينهما أخيرًا بعد كل ما مرا به من مصاعب، وقفا سويًا على بداية حياة جديدة، تعهدا فيها أن يكونا سندًا لبعضهما البعض، وأن يحافظا على الحب الذي طالما جمعهما، رغم كل ما واجهاه

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-كتر خيرك يا بني، جميلك ده عمري ما انساه. شاعرة بالذنب وثقل يتربع فوق صدرها مسببًا لها شعور مؤلم بالندم، يقبض على قلبها كلما تذكرت نظرة ابنتها المنكسرة، عندما فرقت بينها وبين كريم بسبب اشاعات صدرت في الماضي عن عمل أبيه وتورطه مع صديق له في أعمال مشبوهه، كم مرة أقنعت نفسها بأنها تفعل الصواب؟ كم مرة بررت موقفها بأن عليها حماية ابنتها من مستقبل مجهول مع شاب والده تحوم حوله الشائعات؟ لم تفكر حتى في التحقق، لم تسأل أو تبحث، بل اكتفت بالكلمات التي تناقلها الناس، فبنت على أساسها جدارًا بين ابنتها وبين من تحب. *** بعد مرور يومين استعادت خلالهما وصال عافيتها، قررت أن تكون أول زيارة لها من نصيب سلوى، لم يكن في نيتها التهاون أو التراجع، بل كانت عازمة على المواجهة بكل ما أوتيت من قوة. ما إن دخلت إلى غرفة المكتب الواقعة في آخر المحل، بعدما أخبرها أحد العاملين بوجود سلوى هناك، حتى وجدتها تجلس بثقة مصطنعة، وكأنها لم تكن سببًا في المأساة التي كادت تودي بحياتها، ارتسمت على شفتي سلوى ابتسامة ساخرة، وعيناها تلمعان بنظرات متوعدة، قبل أن تقول بنبرة متهكمة: -حمد لله على سلامتك يا وصال، فرحت اوي إنك طلعتي سليمة من الحريقة! رمقتها وصال بنظرة ثابتة، تحمل في طياتها كل الغضب الذي حاولت كتمانه طوال الأيام الماضية، ثم ردت بصوت حازم: -اللي انتي السبب فيها! اتسعت عينا سلوى، قبل أن ترتسم على ملامحها علامات البراءة المصطنعة، لتجيب مستنكرة: -أنا!! إيه يا ست المحامية جاية ترمي بلاكي عليا؟ تجاهلت محاولة سلوى في التهرب، ثم قالت بصوت خالٍ من التردد، يحمل تهديدًا واضحًا: -لا بس أنا بحذرك، لو مابطلتيش اللي بتعمليه، واديتي كريم بيته، أنا
اللي هقفلك، وجوزك هيعرف كل حاجة، وده أخر كلامي. نهضت عن المقعد، وعيناها تراقبان رد فعل سلوى، التي لم تستطع إخفاء التوتر الذي تسلل إلى ملامحها للحظة، وبينما كانت توهمها بأنها تغادر غاضبة، نجحت بخفة في وضع جهاز تسجيل صغير أسفل المكتب، في مكان لا يمكن رؤيته بسهولة، فقد حاكت خطة متقنة، وكانت هذه الخطوة الأولى في نصب مصيدتها لسلوى، حتى تجمع الدليل القاطع على جرائمها. *** جلست وصال بجانب كريم في شقته، ومعهما والدته، وهم ينصتون بتركيز إلى التسجيل الذي بدأ بأصوات غير واضحة، قبل أن تعلو ضوضاء مشوشة، يتبعها صوت إغلاق باب بعنف، ثم دوى صوت رجولي غاضب، يحمل نبرة تهكم وازدراء: -في إيه يا سلوى؟! انتي صغيرة ولا إيه؟! مش عارفة توقفي حتة بت عند حدها! اتسعت عينا كريم في صدمة عندما أدرك هوية المتحدث، ولم يكن بحاجة إلى تأكيد، لكن ما زاد يقينه هو صوت سلوى الذي تبع ذلك مباشرة، وهي تتحدث بنبرة ممتعضة ومتوترة: -جرى إيه يا عمر؟! ده بدل ما تشوف حل للمصيبة اللي أنا فيها! كان هذا الصوت مألوفًا لكريم إلى حدٍ كبير، فهو يعرفه جيدًا ويحفظه عن ظهر قلب، إنه عمر، ابن صديق والده، كانا معًا منذ الصغر، زميلين في المدرسة ثم الجامعة، وكأنهما شقيقان لم تلدهما نفس الأم، إلى أن فرقت بينهما الأقدار. لقد بدأت القطيعة عندما اكتشف والد كريم أن صديقه قد خانه، مستغلًا شراكتهما في أعمال مشبوهة دون علمه، وعندما واجهه بالحقيقة، لم يتردد في إنهاء الشراكة وسحب أمواله بالكامل، ليترك شريكه غارقًا في أزمة اقتصادية خانقة، كانت الضربة قاسية على والد عمر، إذ تكبد خسائر فادحة لم يستطع تحملها، فأصيب بجلطة أقعدته وعجز عن العمل، ليتحول
من رجل ثري إلى فقير لا يملك ما يعيله أو يعيل أسرته. حاول كريم التركيز على حديث عمر، وهو يسمع نبرته الحانقة الممزوجة بالضيق، قائلاً بانزعاج واضح: -أنا قولتلك اسلط عيل من العيال اللي شغالين عندي يضربوها ويموتوها انتي اللي قولتي لا الشقة تتحرق وتموت فيها، اهو الزفت كريم انقذها، لازم نهدي اللعب شوية. ردت سلوى بصوت متوتر، يفضح ارتباكها وخوفها: -لعب إيه؟! بقولك بتهددني مش بعيد تقول لجوزي! او تقول لكريم وهو يقول لعبد الغفور! ضحك عمر بسخرية، قائلاً ببرود مستفز: -متبقيش خايبة مش معاهم دليل، أنا مبحبش اشتغل مع ناس خايبة، صحصحي كده. -أنا مصحصحة بس انت بتتعاما ببرود يا عمر، وأنا لما ساعدتك…. قاطعها عمر بنبرة ساخرة، وكأنه يسخر من سذاجتها: -ساعدتيني تنتقمي من كريم، لكن في المقابل، كنتي بتنتقمي لنفسك كمان، افتكري كويس، هو فكر فيكي؟ لا! اختار أختك واتجوزها لما كنت زمان بتتمني إنه يجي يخطبك بعد ما حبيبته سابته، دوافعك كانت أقوى من دوافعي، ماتعلبيش دور مش دورك. صاحت سلوى، وقد بدأ الغضب يتسلل إلى صوتها: -لا طبعًا دوافعك انت اكبر انت اللي لفيت عليا، واقنعتني اخرب بيت اختي واقنعها ان جوزها لسه بيحب حبيبته، وهيتجوزها لما ينزل، استغليت ضعفي يا عمر وإن أنا بحكيلك عن حاجات واجعني، ومأثرة فيا، وخلتني اضحك على ليلى واستغلها تكتبلي البيت باسمي، يا راجل ده انت اللي مظبط الخطة على الشعرة، حتى وصال خلتني اروح اعمل العقود عندها وادي الفلوس لليلى قدامها عشان يبان إنها بايعة البيت. قهقه عمر مستهزئًا، قبل أن يرد بلا مبالاة: -وانتي عملتي إيه؟ سكتي مثلاً! ما انتي كنتي بتزودي الخطة شطة وبتملي دماغ اختك بحاجات أنا نفسي كنت بنبهر بيها، يا شيخة ده انا صفقتلك لما اقنعتيها تاخد الفلوس وتمثل معاكي قدام وصال المحامية وترجعهملك تاني، وبقيت مستغرب ازاي المغفلة دي ماخدتش بالها أنك حية وبتلفي عليها! رمقته سلوى بغضب قائلة: -اه قول اللي فيها، لما حسيت إنك هتتلط في الموضوع، عايز تهرب وتبعد صح؟ تنهد عمر وكأن الأمر لا يعنيه، ثم قال ببرود: -اه صح، كريم وانتقمت منه على اللي ابوه عمله في ابويا زمان، وخليته على الحديدة، وانتي انتقمتي منه عشان ماتجوزكيش واتجوز اختك، اللي بيني وبينك خلص خلاص، سلام. انتفضت سلوى من مكانها، تحاول إيقافه قبل أن يغادر: -عمر اقف هنا انت مش هتسبني كده، بقولك بتهددني. توقف للحظة عند الباب، التفت نحوها بنظرة ساخرة، ثم قال بهدوء مخيف: -وأنا عرضت … بس انتي رفضتي يبقى براحتك، الفرصة بتيجي مرة واحدة في العمر وانتي كنتي غبية، سلام. ثم غادر، تاركًا سلوى تغلي من الغضب والتوتر، غير مدركة أن كل كلمة نطقا بها قد سُجلت، وأصبحت الآن دليل إدانتها، أما وصال، فكانت تمسك بجهاز التسجيل بإحكام، وملامحها تحمل مزيجًا من الانتصار والصدمة، بينما كريم يضغط قبضته بقوة، محاولًا كبح غضبه على خيانة صديق طفولته وخيانة أخت زوجته الراحلة. *** مرت الأيام، واستطاع كريم استعادة منزله بعدما استخدم التسجيل كوسيلة ضغط على سلوى، التي لم تستطع الصمود أمام التهديد، انهارت باكية، تتوسل إليه أن يسامحها، وتعده بإعادة المنزل إليه في مقابل ألا يخبر زوجها بالحقيقة، لم يكن أمامها خيار آخر، فوافقت على الفور، وبالفعل تم نقل ملكية المنزل مجددًا إلى كريم. لكن الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد، كانت وصال قد أعدت خطة أخرى لإيقاع سلوى وشريكها في الجريمة، فبادرت بتقديم بلاغ رسمي إلى السلطات مرفقًا بالتسجيل الذي يحتوي على اعترافاتهما الكاملة، لم يستغرق الأمر طويلًا حتى بدأت التحقيقات، وسرعان ما تم القبض على سلوى وعمر، وسط فضيحة مدوية هزت الجميع. عند استجوابهما، حاول كلٌّ منهما إنكار التهم وإلقاء اللوم على الآخر، لكن الأدلة كانت دامغة، ولم تترك لهما مجالًا للهرب، انتشرت أخبار جرائمهما بين الناس، ليكتشف الجميع الوجه الحقيقي لسلوى، التي لطالما تظاهرت بالبراءة، وعمر الذي لم يكن سوى شخص حقود يسعى للانتقام بأي وسيلة. في النهاية، نالت العدالة مجراها، ووقف كريم أمام منزله الذي استرده أخيرًا، يشعر براحة لم يعهدها منذ فترة طويلة، أما وصال، فقد أدركت أن المواجهة كانت تستحق العناء، وأنها لم تكن وحدها في هذه المعركة، بل كان الحق دائمًا في صفها. -مبروك يا كيمو. قالت وصال، مستخدمة أكثر الألقاب التي كان يحبها منها في الماضي، ارتسمت على شفتيه ابتسامة دافئة، وهو ينظر إليها بامتنان، ثم همس برقة: -شكرًا يا صولا. شعرت وصال بالخجل، فخفضت عينيها ولم ترد بكلمة أخرى، لكن كريم لم يكن بحاجة إلى إجابة، اقترب منها قليلًا، وصوته يفيض حبًا وصدقًا وهو يهمس: -تتجوزيني. رفعت وصال عينيها إليه في دهشة، وكأنها تحاول استيعاب كلماته، ثم لم تلبث أن لمحت في نظرته حبًا صادقًا لم يتغير رغم كل شيء، لم تستطع منع نفسها من الابتسام، رغم تسارع دقات قلبها، قبل أن تحرك رأسها إيجابًا. جمعت الأقدار بينهما أخيرًا بعد كل ما مرا به من مصاعب، وقفا سويًا على بداية حياة جديدة، تعهدا فيها أن يكونا سندًا لبعضهما البعض، وأن يحافظا على الحب الذي طالما جمعهما، رغم كل ما واجهاه                      
تم نسخ الرابط