كريم كرامل

كريم كرامل
كريم كرامل

توردت وجنتاها خجلًا وهي تقول همسًا بإعجاب متبادل:

-أنا اللي بحمد ربنا عليك يا محمود، أنا كانت حياتي من غيرك وحشة اوي ومملة، وخناق مع ماما.

ثم نظرت إلى الأعلى بحزن، لطالما تمنت أن تكون علاقتها بوالدتها أفضل من ذلك، ولكن شخصية والدتها الحادة فرضت بعض الجمود والنفور في علاقتهما:

-معلش يا حبيبتي، إن شاء الله ربنا هيعوضك خير، وفي النهاية هي أمك يعني، ومحدش بيختار أمه وأبوه.

رمشت سمر بأهدابها الكثيفة، التي ابتلت بسبب احتجازها دموعها داخل عينيها الواسعتين:

-أنا ماعرفش هي بتتعصب عليا على الفاضية والمليانة ليه! يا أمشي على هواها يا أما ماعجبش.

-معلش، طولي بالك، المهم فتحتيها إن أنا عايز اتقدملك.

فركت يدها بتوتر كبير وهي تخفي نظراتها، ثم همست:

-لا، لسه.

انعقد حاجباه بعدم فهم، وتساءل:

-طيب ليه يا سمر؟!

كيف تخبره بأن والدتها، منذ أن عرفت بعودة “محمود” ووالده من الخارج منذ سنة ونصف، وهي تُبدي كرهها لهما؟ لم تعرف السبب حتى الآن، وكلما حاولت الاستفهام منها، تثور غضبًا وتقول جملتها الشهيرة:

“كده يا سمر، أنا بكرههم لله في لله كده، وبالذات أبوه، ما بطقهوش.”

لذا، أجلت إخبارها برغبة “محمود” في الزواج منها، ولم تشعر بشرودها الذي تعجب له “محمود”، حتى استمعت إلى صوت طرقه على العربة ليجذب انتباهها.

-سمر سرحتي في إيه؟!

ارتبكت قليلاً وهي تقول بهدوء:

-مش في حاجة، إن شاء الله هقول لماما النهاردة، يلا انت عشان متتأخرش على شغلك، وكمان ماما هتطلع البلكونة دلوقتي وتقعدلي.

ابتسم برفق وهي يشير بيده في تنبيه مشاكس:

-ارجع من الشغل الاقيكي جايبلي الخبر اليقين من مامتك.

هزت رأسها بهدوء وابتسمت بحب وهي تودعه، وظلت تنظر في أثره بهيام، متمنية أن يجمعهما بيت واحد وحياة أسرية نسجتها في وحي خيالها، لكن والدتها كانت تزور

خيالها بملامحها الباردة والجامدة، فتشوش تلك الخيالات والأحلام، وذلك ما كان يخيفها.

كم تمنت أن تخبرها عن اللحظة التي دق فيها قلبها لـمحمود، الذي عاد من الخارج هو ووالده بعد غياب طويل، ومنذ تلك اللحظة نال كلٌّ منهما إعجاب الآخر، وتحول الإعجاب إلى نظرات، ثم أسئلة، ثم محاولات من قبل “محمود” ليتحدث معها، حتى نجح في الاستحواذ عليها وخضعت أسيرة لحبه، فلم يكن شابًا أحمق أو تافهًا يركض خلف الفتيات، بل كان رزينًا، شهمًا، ويحمل صفاتٍ كم تمنت أن تكون في شريك حياتها.

 

****

مساءً…

تركت سمر عربتها تحت إشراف أحد فتيان المنطقة، الذي كان أحيانًا يبدي مساعدته لها، ثم صعدت إلى والدتها لتخبرها برغبة “محمود” قبل عودته من عمله، فالوضع لن يحتمل التأخير أكثر من ذلك، خاصة أنه أخبرها برغبته في الارتباط بها رسميًا منذ شهر.

دخلت إلى الشقة تبحث عن والدتها، فوجدتها تقف بجانب الموقد تصنع فنجانًا من القهوة، فعلمت أن مزاجها الآن حسن، فارتسمت على وجهها ابتسامة تعبر عن سعادتها لاختيارها التوقيت المناسب، وقالت برقة:

-ماما، عايزاكي.

التفتت والدتها إليها قائلة بلا مبالاة:

-خير يا آخرة صبري!

زمت سمر شفتيها بضيق، ثم قالت:

-ماما، لو مزاجك مش رايق، بلاش أكلمك أحسن.

رفعت والدتها حاجبها بشك وهي تستدير إليها، تاركة القهوة تنضج بتمهل، بعد أن استطاعت سمر جذب انتباهها:

-في إيه يا سمر؟ ما تقولي وخلصيني!

تنهدت سمر بقلة حيلة، فوالدتها لن تتخلى عن عبوسها المعتاد، ولن يبتسم وجهها أبدًا إلا في المناسبات السعيدة، وحتى حينها، تكون ابتسامتها مقتضبة وباردة.

-في عريس متقدم لي.

رفعت والدتها حاجبيها بدهشة، وقالت بفرحة:

-بجد؟ مين يا سمر؟

تعجبت سمر من عدم تصديقها، لماذا تنظر إليها والدتها وكأنها أرض بور لا يقترب منها أحد؟ فهي تمتلك قدرًا كبيرًا من الجمال بوجهها المستدير، وعينيها العسليتين، وشفتيها المكتنزتين، وأنفها الدقيق، حتى شعرها يتميز بنعومة فائقة ولون بني جذاب، يصل طوله إلى منتصف ظهرها، أما شخصيتها، فهي خفيفة الظل ولبقة اللسان، لم ينفر منها أحد من قبل، ولم تكن لها عداوة مع أحد، أما موضوع زواجها، فهو نصيب ليس إلا!

-أستنى كتير؟ انجزي، القهوة هتفور!

حدجتها والدتها بحنق طفيف، فقالت سمر برقة، لكن بصوت مهزوز:

-عارفة محمود جارنا؟

قطبت والدتها حاجبيها، فبهتت ملامحها وسألت:

-محمود مين، لا مؤاخذة؟

أجابت سمر بارتباك:

توردت وجنتاها خجلًا وهي تقول همسًا بإعجاب متبادل: -أنا اللي بحمد ربنا عليك يا محمود، أنا كانت حياتي من غيرك وحشة اوي ومملة، وخناق مع ماما. ثم نظرت إلى الأعلى بحزن، لطالما تمنت أن تكون علاقتها بوالدتها أفضل من ذلك، ولكن شخصية والدتها الحادة فرضت بعض الجمود والنفور في علاقتهما: -معلش يا حبيبتي، إن شاء الله ربنا هيعوضك خير، وفي النهاية هي أمك يعني، ومحدش بيختار أمه وأبوه. رمشت سمر بأهدابها الكثيفة، التي ابتلت بسبب احتجازها دموعها داخل عينيها الواسعتين: -أنا ماعرفش هي بتتعصب عليا على الفاضية والمليانة ليه! يا أمشي على هواها يا أما ماعجبش. -معلش، طولي بالك، المهم فتحتيها إن أنا عايز اتقدملك. فركت يدها بتوتر كبير وهي تخفي نظراتها، ثم همست: -لا، لسه. انعقد حاجباه بعدم فهم، وتساءل: -طيب ليه يا سمر؟! كيف تخبره بأن والدتها، منذ أن عرفت بعودة “محمود” ووالده من الخارج منذ سنة ونصف، وهي تُبدي كرهها لهما؟ لم تعرف السبب حتى الآن، وكلما حاولت الاستفهام منها، تثور غضبًا وتقول جملتها الشهيرة: “كده يا سمر، أنا بكرههم لله في لله كده، وبالذات أبوه، ما بطقهوش.” لذا، أجلت إخبارها برغبة “محمود” في الزواج منها، ولم تشعر بشرودها الذي تعجب له “محمود”، حتى استمعت إلى صوت طرقه على العربة ليجذب انتباهها. -سمر سرحتي في إيه؟! ارتبكت قليلاً وهي تقول بهدوء: -مش في حاجة، إن شاء الله هقول لماما النهاردة، يلا انت عشان متتأخرش على شغلك، وكمان ماما هتطلع البلكونة دلوقتي وتقعدلي. ابتسم برفق وهي يشير بيده في تنبيه مشاكس: -ارجع من الشغل الاقيكي جايبلي الخبر اليقين من مامتك. هزت رأسها بهدوء وابتسمت بحب وهي تودعه، وظلت تنظر في أثره بهيام، متمنية أن يجمعهما بيت واحد وحياة أسرية نسجتها في وحي خيالها، لكن والدتها كانت تزور
خيالها بملامحها الباردة والجامدة، فتشوش تلك الخيالات والأحلام، وذلك ما كان يخيفها. كم تمنت أن تخبرها عن اللحظة التي دق فيها قلبها لـمحمود، الذي عاد من الخارج هو ووالده بعد غياب طويل، ومنذ تلك اللحظة نال كلٌّ منهما إعجاب الآخر، وتحول الإعجاب إلى نظرات، ثم أسئلة، ثم محاولات من قبل “محمود” ليتحدث معها، حتى نجح في الاستحواذ عليها وخضعت أسيرة لحبه، فلم يكن شابًا أحمق أو تافهًا يركض خلف الفتيات، بل كان رزينًا، شهمًا، ويحمل صفاتٍ كم تمنت أن تكون في شريك حياتها.   **** مساءً… تركت سمر عربتها تحت إشراف أحد فتيان المنطقة، الذي كان أحيانًا يبدي مساعدته لها، ثم صعدت إلى والدتها لتخبرها برغبة “محمود” قبل عودته من عمله، فالوضع لن يحتمل التأخير أكثر من ذلك، خاصة أنه أخبرها برغبته في الارتباط بها رسميًا منذ شهر. دخلت إلى الشقة تبحث عن والدتها، فوجدتها تقف بجانب الموقد تصنع فنجانًا من القهوة، فعلمت أن مزاجها الآن حسن، فارتسمت على وجهها ابتسامة تعبر عن سعادتها لاختيارها التوقيت المناسب، وقالت برقة: -ماما، عايزاكي. التفتت والدتها إليها قائلة بلا مبالاة: -خير يا آخرة صبري! زمت سمر شفتيها بضيق، ثم قالت: -ماما، لو مزاجك مش رايق، بلاش أكلمك أحسن. رفعت والدتها حاجبها بشك وهي تستدير إليها، تاركة القهوة تنضج بتمهل، بعد أن استطاعت سمر جذب انتباهها: -في إيه يا سمر؟ ما تقولي وخلصيني! تنهدت سمر بقلة حيلة، فوالدتها لن تتخلى عن عبوسها المعتاد، ولن يبتسم وجهها أبدًا إلا في المناسبات السعيدة، وحتى حينها، تكون ابتسامتها مقتضبة وباردة. -في عريس متقدم لي. رفعت والدتها حاجبيها بدهشة، وقالت بفرحة: -بجد؟ مين يا سمر؟ تعجبت سمر من عدم تصديقها، لماذا تنظر إليها والدتها وكأنها أرض بور لا يقترب منها أحد؟ فهي تمتلك قدرًا كبيرًا من
الجمال بوجهها المستدير، وعينيها العسليتين، وشفتيها المكتنزتين، وأنفها الدقيق، حتى شعرها يتميز بنعومة فائقة ولون بني جذاب، يصل طوله إلى منتصف ظهرها، أما شخصيتها، فهي خفيفة الظل ولبقة اللسان، لم ينفر منها أحد من قبل، ولم تكن لها عداوة مع أحد، أما موضوع زواجها، فهو نصيب ليس إلا! -أستنى كتير؟ انجزي، القهوة هتفور! حدجتها والدتها بحنق طفيف، فقالت سمر برقة، لكن بصوت مهزوز: -عارفة محمود جارنا؟ قطبت والدتها حاجبيها، فبهتت ملامحها وسألت: -محمود مين، لا مؤاخذة؟ أجابت سمر بارتباك:
تم نسخ الرابط