محاكمة عَمَتِي
ولما أتم السادسة عشر من عمره مات سراج، وكان موته هو آخر مسمار في نعش علاقة أحمد بعمته، فقد أوصى سراج قبل وفاته بالوصاية لناهد، ولأنه يعرف نوايا زوجته فقد كتب نصيب أحمد في التركة كله لشقيقته.
تفاجئت ناهد بهذا التصرف لكنها قررت الحفاظ على وصية سراج، حتى تحافظ على أموال عائلتها من التبديد، فصبي مدلل كأحمد لن يدرك قيمة ما في يده وستتركه ليلى يتصرف كيفما يشاء بدعوى أن كل شيء ملكًا له، وبعد وفاتها ستنتقل له الملكية، أو ربما قبل ذلك إن رأت فيه رجلًا يمكنه تحمل مسؤولية الحياة.
أصيبت ليلى بصدمة مما فعله زوجها، فهو قد وضع كل شيء في يد ناهد وجعلها هي وصغيرها تحت تصرف شقيقته، مما جعلها تزرع سموم كراهيتها داخل عقل أحمد، ومع أسلوب ناهد الجاف في التعامل معه كان كل يوم يتأكد أن ناهد استحوذت على ميراثه وتريد إذلاله وإذلال أمه لأن كل شيء تحت تصرفها.
ماتت ليلى بعد عام واحد من موت سراج، وأصبح أحمد وحيدًا مع ناهد التي استحوذت على ميراثه وقتلت أمه، كما يعتقد، وأصبحت علاقتهما متوترة أكثر من أي وقت آخر، فهي قد شعرت بكراهيته لها لكن كانت مدركة تمامًا أنها سمات مرحلة انتقالية من الطفولة للشباب، وسيأتي اليوم الذي يعرف فيه أنها كانت فقط تحاول أن تهيؤه لمواجهة الحياة التي لا يعرف عنها شيء، كرست ناهد حياتها لابن شقيقها، ورفضت بعض من تقدموا لخطبتها متذكرة وعدها لشقيقها، وتخوفًا من فقدان أباءها في حال أنجبت واكتفت بأحمد، متحملة معاملته السيئة وتمرده الدائم على قراراتها حتى أتم الحادية والعشرين من عمره وبدأ صدامًا حقيقيًا، ذات صباح:
– عمتي كنت عاوز فلوس أطلع رحلة
– وتسيبني الكام يوم دول لمين يا حمادة، وأنا لوحدي، يعني لو جرى لي حاجة مش هلاقي حد يسعفني!
كان يعرف جيدًا أنها لا تحب أصدقاؤه، وقد لفتت نظره أكثر من مرة أن يبتعد عنهم، لسبب واحد فقط وهي أنها تريده وحيدًا بلا أصدقاء، وربما بلا زواج أيضًا حتى تضمن بقاؤه وماله معها للأبد، لعنة وجودها أصابت حياته ولن تنتهي سوى بمفارقتها للحياة، فكان يدعو الله ليلًا ونهارًا أن يستيقظ ذات يوم ولا يجدها، فمنذ وفاة والديه وهو لديه تلك الرغبة التي صرح بها مرارًا أمام أصدقاؤه، فنصحه أحدهم:
– خليك واعي لمصلحتك شوية، وداري كرهك لها وخليك لئيم، بين لها حبك واسحب منها حقك بطريقتك الخاصة لغاية ما ربنا يخلصك منها.
راقت له الفكرة، وأصبح دائم التودد لعمته، يتملقها في قراراتها أحيانًا، وينفجر فيها ويتشاجر معها ويتهمها علنًا بالاستبداد، لكنه هذه المرة لن يتملقها ولن يخبرها أنه سيتنازل من اجلها:
– عمتي بلاش الحركات دي وهاتي الفلوس أطلع الرحلة، أنا مبقتش صغير علشان حركاتك دي تأثر عليَّ.
– طيب يا أحمد طالما مبقتش صغير وفاهم فأنت أكيد فاكر بقى إن عندك واحد وعشرين سنة ولسه في أولى جامعة بعد ما خلصت الثانوية العامة بطلوع الروح، ولازم تقعد تذاكر علشان الامتحان بتاعك خلاص على الأبواب، ذاكر بقى.
– والله بقى أذاكر ولا مذاكرش أنا حر، وبطلي تتحكمي فيَّ يا عمتي.
– أنا باتحكم فيك؟ أنا خايفة عليك يا حبيبي من العيال اللي انت مصاحبهم، ده كلهم مفيش واحد منهم شايل مسؤولية وبتسقطوا سوا زي ما تكونوا متعاهدين على الفشل!
– مالكيش دعوة، وبصي بقى علشان جبت أخري منك أنا عاوز فلوسي، نصيبي في ورثي من أبويا علشان تعبت من تحكماتك دي.
لم تتفاجئ ناهد من أسلوبه الفظ معها، فهو دائم الوقاحة معها في كل شجار أو نقاش يخوضانه معًا، لكن طلبه هذه المرة كان مفاجئًا، لم تتصور أبدًا أنه يفكر بهذه الطريقة، أيشعر بالتعب من تحكماتها، هل تتحكم فيه أصلًا، كيف لا يعرف أنه أغلى ما لديها، هل يكرهها؟
كانت الأسئلة تطرق رأس ناهد وبدأت تشعر ببعض الدوار الخفيف لكنها تمالكت نفسها، وقررت مواجهته:
– يعني انت عايش معايا كل السنين دي علشان الفلوس؟
جاء رده بدون تفكير:
– أيوة أومال علشان إيه، أنا عاوز نصيبي ونبعد عن بعض خالص، ده حقي يا عمتي، وهاخده غصب عنك وعن أي حد.
ازداد دوارها وبدأت تشعر بصوت نبضات قلبها لكنها تحاملت على نفسها:
– طيب فلوسك معايا ولو متعدلش وبقيت راجل أنا هاتبرع بيها للملاجيء والمستشفيات، علشان تتصرف في الخير مع ناس عارفين قيمتها، مش علشان واحد زيك يصرفها على الرحلات والهيافة، ساعتها هتتعلم الرجولة بجد وتعتمد على نفسك.
أصابته كلماتها بالجنون فبدأ بالصراخ وإلقاء الأشياء أمامها، لم تستطع تحديد كلمة واحدة مما يقوله فقد ازداد ألمها وسقطت على الأرض، فتوقف أحمد عن جنونه واقترب منها بارتياب ظنًا منه أنها ماتت!
بدأ في محاولة إفاقتها فلم يفلح، ارتعب من فكرة أن يتهموه بقتلها، فالفوضى التي أحدثها بالمنزل تدل على أن هناك شجار، وربما يعتقد المحققون أنه دفعها لتسقط أو قتلها بأي شكل من الأشكال، فطلب الإسعاف على الفور، وحاول إخفاء الفوضى التي أحدثها قدر الإمكان قبل وصول المسعفين.
التف الجيران حول عربة الإسعاف يواسون الفتى المسكين الذي ربما يخسر من تبقت له في الحياة، كانوا يسمعون تهاوشهم أحيانًا لكنهم يعرفون أنه مجرد سوء تفاهم يحدث دائمًا بين الأم وولدها، وكانت ناهد دائمة الحديث عن حبها لأحمد فلم يكن يتوقع أحد أنه كان السبب الرئيسي لما حدث، خصوصًا مع بكاؤه المرير خوفًا مما حدث، والذي اعتقدوه حزنًا وخوفًا لفقدانها.
في المشفى الكبير انزوى أحمد خلف أحد الجدران يهاتف أحد أصدقاؤه ويخبره بما حدث، بينما كانت ناهد بين أيادي الأطباء، كان صديقه يستمع له باهتمام حتى انتهى من سرد التفاصيل:
– انت غبي يا ابني… أنا مش قلت لك قبل كده مشي أمورك معاها، إدعي ربك بقى إنها تموت قبل ما تقوم وتنفذ تهديدها وتلاقيهم حاطين اسمها في إعلانات رمضان الجاي وعاملينها بطلة الخير وهي متبرعة بفلوسك.
– أنا خايف تموت يفتكروني قتلتها.
– أنا عاوزك تبقى أذكى من كده، هي لو ماتت دلوقتي فهي وفاة طبيعية، زعلت شوية ومتحملتش وخلاص خلصت، لكن لو فضلت عايشة فأنت لازم تخاف على نفسك وعلى فلوسك منها.
ولما أتم السادسة عشر من عمره مات سراج، وكان موته هو آخر مسمار في نعش علاقة أحمد بعمته، فقد أوصى سراج قبل وفاته بالوصاية لناهد، ولأنه يعرف نوايا زوجته فقد كتب نصيب أحمد في التركة كله لشقيقته. تفاجئت ناهد بهذا التصرف لكنها قررت الحفاظ على وصية سراج، حتى تحافظ على أموال عائلتها من التبديد، فصبي مدلل كأحمد لن يدرك قيمة ما في يده وستتركه ليلى يتصرف كيفما يشاء بدعوى أن كل شيء ملكًا له، وبعد وفاتها ستنتقل له الملكية، أو ربما قبل ذلك إن رأت فيه رجلًا يمكنه تحمل مسؤولية الحياة. أصيبت ليلى بصدمة مما فعله زوجها، فهو قد وضع كل شيء في يد ناهد وجعلها هي وصغيرها تحت تصرف شقيقته، مما جعلها تزرع سموم كراهيتها داخل عقل أحمد، ومع أسلوب ناهد الجاف في التعامل معه كان كل يوم يتأكد أن ناهد استحوذت على ميراثه وتريد إذلاله وإذلال أمه لأن كل شيء تحت تصرفها. ماتت ليلى بعد عام واحد من موت سراج، وأصبح أحمد وحيدًا مع ناهد التي استحوذت على ميراثه وقتلت أمه، كما يعتقد، وأصبحت علاقتهما متوترة أكثر من أي وقت آخر، فهي قد شعرت بكراهيته لها لكن كانت مدركة تمامًا أنها سمات مرحلة انتقالية من الطفولة للشباب، وسيأتي اليوم الذي يعرف فيه أنها كانت فقط تحاول أن تهيؤه لمواجهة الحياة التي لا يعرف عنها شيء، كرست ناهد حياتها لابن شقيقها، ورفضت بعض من تقدموا لخطبتها متذكرة وعدها لشقيقها، وتخوفًا من فقدان أباءها في حال أنجبت واكتفت بأحمد، متحملة معاملته السيئة وتمرده الدائم على قراراتها حتى أتم الحادية والعشرين من عمره وبدأ صدامًا حقيقيًا، ذات صباح: – عمتي كنت عاوز فلوس أطلع رحلة