أوهام نسائية
مثل عمره، كالبطن البارز، أو الصلع الوراثي، فقط بعض الشعر الأبيض الذي أضاف على وسامته وقارًا، وأولاد كالملائكة يشبهون والديهم، ماذا تريد المرأة أكثر من ذلك؟!
لم يكن أحد يرى دموع منيرة على وسادتها بعد الغرق في التفكير المفرط، وبعض من تخيلاتها لشكل وجهها وجسدها بعد أن تصل لعامها الأربعون، ولم يلاحظ أحد وقوفها أمام المرآة تتأمل الخطوط والعلامات بوجهها، لم يدرك أحد معاناتها وهي تحاول أن تقلل من ابتساماتها وانفعلاتها حتى لا تتسرب علامات جديدة على وجهها.
منيرة امرأة ذو وجهين، وجه يعرف جيدّا كيف يخفي معاناة الوجه الآخر.
تفحصها الطبيب جيدًا، وسألها بعض الأسئلة ثم بدأ في شرح خطة عمله وملاحظاته:
– مدام منيرة أنا مش شايف إن حالة بشرتك واصلة لمرحلة التعديلات الكتير دي، أعتقد بتبالغي شوية.
اعتدلت في جلستها وقطبت جبينها، لكن سرعان ما تراجعت حتى لا يتسبب ذلك في علامات، مما جعل الطبيب يلاحظ ذلك:
– حضرتك بتقول إيه؟
آسفة يا دكتور… أنا ماقدرش أكذب عيوني وأصدقك، هل حضرتك بتلمح إن حالة وشي خلاص مش نافع معاها حاجة أفقد الأمل لكن بتقول ده بأسلوب بسيط؟
أرجوك خليك صريح معايا… هل أنا اتأخرت إني آجي؟
رفع الطبيب حاجبيه مندهشًا، هل يجب أن ينصحها بالذهاب لطبيب نفسي؟
هو يرى كثيرات يوميًا من المهووسات بالجمال، لكن هذا التعصب الذي يراه من هذه المرأة والإصرار على تعريض وجهها للحقن والإبر مثيرًا للدهشة:
– مدام منيرة؛ أنا طبيب عندي هدفين أحققهم عارفة إيه هما؟
نظرت له منيرة ولم تجبه، فاستطرد من تلقاء نفسه:
– أول هدف بالنسبة لي هو المكسب، لأن كل ما هيدخل لي فلوس أكتر هاقدر أشتري أجهزة أحدث، وأقدر أسافر مؤتمرات أعرف بيها الجديد في مجال التجميل، وده اللي هيخليني
مازالت منيرة تنظر له لكنها قررت أن تتجاوب مع حديثه هذه المرة:
– يعني إيه؟
– يعني أنا مش هاكسب من وراكِ فلوس وأعمل لك اللي عاوزاه وبعدين تبصي في مرايتك اللي بتصدقيها تلاقي واحدة تانية جايز متحبيهاش، وتعمل لي بعد كده دعاية مش حلوة وسط صحباتك، اللي أكيد مش هتبقي عاوزة ولا واحدة منهم تعرف إن فيه إبرة دكتور أثرت في جمالها بالسلب أو حتى بالإيجاب… مش كده؟!
اقتنعت منيرة بكلامه، فطبيب مثله بالتأكيد يعرف مصلحة مريضه، وإلا من أين له بكل هذا النجاح؟
بالتأكيد لن تُخبر أحد بانها ذهبت لعيادة تجميل، وخضعت لمؤثرات خارجية تزيدها جمالًا، ستحافظ على تصدير فكرة جمالها الطبيعي المستمر رغم مرور العمر، لذلك استسلمت للطبيب وأخبرته أن يقوم بعمل اللازم، دون أن يجعل أحد يلاحظ أنه قد وضع لمساته على وجهها، وكجندي مجهول معتاد على تهميش دوره، أتم المهمة بنجاح، وجلست منيرة تإن بسبب ألم الإبر التي نغزت وجهها من الجهتين، ثم أخبرها الطبيب ببعض التعليمات اللازمة للحصول على نتيجة أفضل، ثم أخبرها بأنها ربما تعاني من تَورم خفيف سيزول أثره خلال ساعات، لذلك فقد أجرت اتصالًا بإحدى زميلاتها أخبرتها أنها لن تذهب للعمل غدًا، لأن الغد هو مناسبة خاصة بالنسبة لأسرتها، وستقضيه معهم على ضفاف النيل منذ الصباح الباكر، أنهت المكالمة وهي على يقين أنها أشعلت نيران الغيرة في قلب زميلتها، تعرف الآن أنها ستندب حظها العثر أنها لا تعيش حياة كحياتها، كانت تتغذى دائمًا على شعور الآخرين بالنقص من ناحيتها.
الطبيب كان محقًا بخصوص هَوَس منيرة، لكنه لا يعرف أن هذا الهوس أصاب حياتها بأكملها، دائمًا تحب تصدير أفضل صورة عن حياتها حتى وإن كانت صورة غير حقيقية، كتلك الصورة التي تزين غلاف حسابها على “فيسبوك” وتظهر فيها بجوار زوجها وهي تنظر له بكل حب، رغم أنها قبل التقاط الصورة بلحظات، قد دخلت في شجار مع زوجها بسبب غيرتها عليه، ثقة منيرة بنفسها كانت تتناسب عكسيا مع جمالها، امراة جميلة غير واثقة بنفسها، ربما لأنها دائمًا ما تعرضت للنقد بشدة في طفولتها، وتمت مقارنتها بأطفال الجيران وخصوصًا الفتيات، لأن هذه هي طريقة والدتها الدائمة لتحفيزها، فبدأت تُصَّدِر هذه الصورة حتى لو بشكل غير حقيقي أمام الجميع بطريقة لا إرادية.
وصلت منيرة لمنزلها، وكان الحظ حليفًا لها، صفت سيارتها أمام الباب، ودخلت لشقتها دون أن يلاحظها أحد من الجيران، أولادها نائمون، بينما زوجها في رحلة عمل ولم يعد بعد، داخل غرفتها التقت منيرة لأول مرة بمرآتها بعد الإطلالة الجديدة، شهقت عندما نظرت في مرآتها ووجدت تورمًا جليًا في وجهها، لم يكن طفيفًا كما أخبرتها الطبيب، هل سيزول هذا في الصباح حقًا؟
عانت منيرة خلال يومان من تورم أقلقها وأخافها، اضطرت بسببه أن تبقى في المنزل، كما قامت بإقناع زوجها وأولادها بأنها استخدمت منتجًا منتهي الصلاحية تسبب في تورم وجهها، ظلت تبرر الأمر أمامهم بأن الحسد قد أصابها، وأن عيون الحاقدات نالت منها، لم يسلم منها الطبيب بالطبع، فانهالت اتصالاتها عليه تستفسر تارة، وتهدد تارة أخرى، وبدوره كان متحملًا كل هذه السخافات وكأنه معتادًا على هوس النساء.
في صباح اليوم الثالث وصلت إلى الطبيب رسالة شكر واعتذار منها:
– صباح الخير يا دكتور بجد باعتذر لك عن القلق اللي سببته، النهاردة مفيش تورم وحاسة نفسي بجد واحدة تانية.
مثل عمره، كالبطن البارز، أو الصلع الوراثي، فقط بعض الشعر الأبيض الذي أضاف على وسامته وقارًا، وأولاد كالملائكة يشبهون والديهم، ماذا تريد المرأة أكثر من ذلك؟! لم يكن أحد يرى دموع منيرة على وسادتها بعد الغرق في التفكير المفرط، وبعض من تخيلاتها لشكل وجهها وجسدها بعد أن تصل لعامها الأربعون، ولم يلاحظ أحد وقوفها أمام المرآة تتأمل الخطوط والعلامات بوجهها، لم يدرك أحد معاناتها وهي تحاول أن تقلل من ابتساماتها وانفعلاتها حتى لا تتسرب علامات جديدة على وجهها. منيرة امرأة ذو وجهين، وجه يعرف جيدّا كيف يخفي معاناة الوجه الآخر. تفحصها الطبيب جيدًا، وسألها بعض الأسئلة ثم بدأ في شرح خطة عمله وملاحظاته: – مدام منيرة أنا مش شايف إن حالة بشرتك واصلة لمرحلة التعديلات الكتير دي، أعتقد بتبالغي شوية. اعتدلت في جلستها وقطبت جبينها، لكن سرعان ما تراجعت حتى لا يتسبب ذلك في علامات، مما جعل الطبيب يلاحظ ذلك: – حضرتك بتقول إيه؟ آسفة يا دكتور… أنا ماقدرش أكذب عيوني وأصدقك، هل حضرتك بتلمح إن حالة وشي خلاص مش نافع معاها حاجة أفقد الأمل لكن بتقول ده بأسلوب بسيط؟ أرجوك خليك صريح معايا… هل أنا اتأخرت إني آجي؟ رفع الطبيب حاجبيه مندهشًا، هل يجب أن ينصحها بالذهاب لطبيب نفسي؟ هو يرى كثيرات يوميًا من المهووسات بالجمال، لكن هذا التعصب الذي يراه من هذه المرأة والإصرار على تعريض وجهها للحقن والإبر مثيرًا للدهشة: – مدام منيرة؛ أنا طبيب عندي هدفين أحققهم عارفة إيه هما؟ نظرت له منيرة ولم تجبه، فاستطرد من تلقاء نفسه: – أول هدف بالنسبة لي هو المكسب، لأن كل ما هيدخل لي فلوس أكتر هاقدر أشتري أجهزة أحدث، وأقدر أسافر مؤتمرات أعرف بيها الجديد في مجال التجميل، وده اللي هيخليني