كف مريم….بقلم عاطف عبد الدايم

تنظر ملك لوالدتها باستغراب، فلم تكن تتوقع رد الفعل هذا منها.
- أومال عايزاها تطلع بلبسها كده أدام الناس؟
- هي ماينفعش تطلع من الأوضة أساسا.
ترد ملك على أمها بلهجة غاضبة:
- أنا قايلة لزياد على كل حاجة.
- إنك تقولي حاجة، وإنهم يشوفوا حاجة تانية.. إحنا مش عايزين
نقعد طول الليل نحكي في حكاية مريم وسبب اللي حصلها إيه ..
ولا محتاجين نظرات وكلام شفقة من حد.
تنظر صفاء إلى مريم التي ما زالت تنظر إليها مبتسمة، وهي تداعب بيدها فستانها. تبعد صفاء وجهها، وكأنها تهرب من رؤية مريم هكذا، وهي تتجه إلى خارج الغرفة.
- ما تتأخريش.. واقفلي عليها الباب بالمفتاح.
خرجت صفاء من الغرفة. تلقي ملك نظرة على مريم التي تنظر إليها مبتسمة، وما زالت تداعب فستانها بطفولية. تبعد ملك وجهها، ويبدو عليها أنها لا تملك ما تستطيع فعله لها. ثم تتجه إلى الباب، وخرجت من الغرفة، وتغلق الباب من الخارج بالمفتاح . تقف مريم وسط الغرفة، وهي ما زالت تحمل على وجهها ابتسامتها البريئة الفرحة، وهي تنظر إلى الباب المغلق، لكن شيئا لم يحدث، فتتلاشى ابتسامتها تدريجيا، وتذهب إلى سريرها وتجلس بحزن، وعيناها معلقتان بباب الغرفة.
++++++
في صالة المنزل، يجلس خالد وصفاء وملك مع زياد ووالدته. كان خالد، رغم سعادته برؤية ملك مع خطيبها، كان متوترا فقد عرف من حديث جانبي مع صفاء قرارها بحبس مريم في الغرفة ومنع ظهورها وقت خطوبة ملك. رأى أن هذا القرار قاس بشدة، ليس على مريم فقط ولكن أيضا على ملك، التي افتقدت وجود شقيقتها في هذا اليوم المهم بالنسبة لها، ومع ذلك تفهم موقف صفاء، فهي لا تريد أن تحرج ملك أمام خطيبها وأهله. والدة زياد، رغم الابتسامة التي تكسو ملامحها معظم الوقت، تبدو
- إيه يا زياد مش هتلبس عروستك الدبل بقى ولا إيه؟
– آه طبعا .. ده أنا مستني اللحظة دي.
ينظر زياد إلى ملك التي تبتسم وهي تنهض.
- ثواني أجيبهم.
تنهض ملك وتتركهم وتدخل إلى غرفتها. يبدأ الجميع في تبادل أحاديث تتعلق بالمجاملات الاجتماعية المعتادة في تلك الحفلات، والسؤال عن بعض الأشياء التقليدية. كان الجميع سعداء بتلك الخطبة والتفاهم الذي يبدو بين زياد وملك. لكن خالد لم يستطع التخلص من شعوره بالقلق. كان يوزع ابتساماته للجميع بشكل روتيني حتى لا يشعر أحد بما يفكر فيه، أو تلاحظ صفاء هذا القلق فينتقل إليها. كان بداخله إحساس بأن هناك شيئا سيئا سوف يحدث. لم يطل انتظاره حتى سمع صوت ملك ومريم يأتي عاليا من داخل غرفتهما.
+++++
داخل غرفة مريم وملك، تقف ملك ممسكة بعلبة قطيفة حمراء فارغة، وأمامها مريم التي ارتدت في إصبعها دبلة الخطوبة والخاتم الخاصين بملك، وهي متشبثة بهما بقوة، وتدفع يد ملك التي تحاول أن تأخذ منها الدبلة والخاتم بعيدا عنها باستماتة طفولية. وفي الوقت نفسه، كانت ملك تحاول ألا يشعر أحد في الخارج بما يحدث داخل الغرفة، ولكنها لا تستطيع السيطرة على مريم . وبعد لحظات كانت ملك قد فقدت السيطرة على نفسها، وبدأت تتعامل بشكل أعنف مع مريم وهي تهتف فيها:
- هاتي الدبلة يا مريم.
مريم تبعد يدها بعناد
- لاااااااا دي بتااااااعتي.
بدت ملك أكثر عنفا وهي تحاول أن تخلع من يد مريم الدبلة والخاتم.
- باقولك هاتيهم.
مريم تصرخ بعناد طفولي:
- لااااا ياماااا مااا يا ماااا مااا.
تحاول ملك بعنف أشد أن تخلع عن مريم الدبله والخاتم، وسط صراخ مريم المتواصل. لم تمر لحظات حتى انفتح باب الغرفة، ودخلت صفاء وخالد، ولحق بهما عند الباب زياد ووالدته. كان الأمر صادما للجميع وهم يشاهدون ملك تحاول فك أصابع مريم، التي تتشبث بقوة وعناد بالدبلة والخاتم، رافضة التخلي عنهما. لم تنتبه ملك في البداية لدخولهم، ولكن عندما رأت أمها تحاول مساعدتها لفك أصابع مريم، بدأت تنتبه وجود والدها يقف جانبها يشاهد ما يحدث وهو مرتبك، وعند باب الغرفة يقف زياد الذي يبدو على وجهه الخجل، ووالدته التي تتابع باهتمام ما يحدث. لم تستطع ملك أن تكمل ما تفعله بعد أن شاهداها زياد ووالدته في هذا الوضع، فانطلقت باكية إلى خارج الغرفة، وتركت صفاء تحاول جاهدة فك أصابع مريم، واستخلاص دبلة ملك وخاتمها من بين يديها. لحق زياد بها، ولكن وقفت أمه تشاهد ما يحدث باهتمام دون أن تنطق بكلمة. جعل ذلك صفاء أكثر عنفا مع مريم، وهي تحاول استخلاص الدبلة والخاتم منها، وعندما لم تستطع ذلك صفعتها بقوة. وقف خالد يتابع صفاء وهي تأخذ الدبلة والخاتم من مريم التي انهارت باكية. لم يستطع أن يتدخل أو يمنع تلك الصفعة التي نزلت على قلبه قبل أن تنزل على وجه مريم، ولكنه استجمع شتات نفسه، واحتضن مريم محاولا تهدئتها، وهو ينظر إلى صفاء التي وقفت ممسكة بالدبلة والخاتم بغضب.
+++++
في غرفتها، جلست صفاء على مقعد أمام النافذة المفتوحة، تنظر إلى السماء وهي واجمة لا تتكلم. ما زالت ترتدي ملابسها التي كانت ترتديها في خطبة ملك رغم انتهاء الخطوبة، ورحيل زياد ووالدته منذ أكثر من ساعة. لكنها لم تكن تقوى حتى على تغيير ملابسها. جلست صامتة في مكانها تنظر إلى السماء فقط. دخل خالد إلى الغرفة ليجدها على حالتها هذه. رغم نظرة الغضب التي بدت منه لها عندما صفعت مريم، كان يقدر ما هي فيه في تلك اللحظة. هو أيضا كان يشعر بالارتباك لوجود والدة زياد على باب الغرفة. دخل خالد ليجلس في المقعد المجاور لصفاء، التي لم تعط أي تعبير يدل أنها شعرت بدخوله إلى الغرفة أو جلوسه إلى جانبها. كانت تعرف أنه يشعر بالغضب منها، ولكنه لا يعلم أنها تشعر بأضعاف الغضب الذي بداخله من نفسها. الصفعة التي صفعتها لمريم كانت موجعة لها هي أيضا، لكن لم يكن أحد يشعر بكل ما كانت تشعر به في تلك اللحظة. كانت كأم تتمنى أن تكون مريم كأختها فتاة طبيعية تعيش حياتها كبقية الفتيات، لكن هذا لم يحدث. لم تعرف هل كانت قاسية مع مريم عندما أبعدتها عن الدراسة وألزمتها المنزل منذ أن كانت في السابعة من عمرها؟! بداخلها لم يكن لديها خيارًا آخر، إما أن تحافظ على ابنتها الأخرى أو تجعلها تتشتت وتعاني بسبب أختها. الاختيارات كلها كانت صعبة ومريرة، ولم يكن أي خيار فيهم هو الأكثر راحة، ولكنه الأكثر ملائمة للظروف فقط. أمسك خالد بكف يدها براحة يده. كان يحاول أن يعتذر لها ويطمئنها أنه معها، ولكن كانت لمسة يده تلك كافية لتنهمر دموعها، التي حبستها داخل عينيها طول تلك الساعات. خرجت الكلمات منها بصوت مختنق بالبكاء، دون أن تلتفت إلى خالد.
- طبعا أنت شايفني أم وحشة.. قسيت على بنتها المريضة علشان
ترضي الضيوف وتبان مسيطرة على الوضع أدامهم.
- أنا ما قولتش كده يا صفاء.
تنظر إلى عينيه بحزن:
- عينيك قالت.
يحاول أن يهرب بعينيه منها، فهو بالفعل لم يستطع كبح جماح مشاعره عندما شاهدها تصفع مريم بهذا العنف أمام والدة زياد. كانت نظراته تخبرها بوضوح أنها أم قاسية لا قلب لها، لكنه لم يكن يقصد ذلك، كان رد فعل طبيعي وهو يرى وجه مريم الباكي ببراءتها الشديدة أمامه.
- أنا بس صعبت عليا مريم.
- وتفتكر إنها ما صعبتش عليا أنا كمان.. أنا أمها يا خالد.. فضلت
9 شهور نايمة جنب قلبي.. بس أنا تعبت.. تعبت من نظرات الناس
ليها وتعليقاتهم عليها.. تعبت من الحكاية اللي لازم نحكيها لكل حد لما
يشوفها ويسأل إيه سبب اللي حصلها.
- أنا عارف يا صفاء.
تنفعل رغما عنها، وتهتف فيه بصوت عال، فقدت هي أيضا السيطرة على نفسها في تلك الليلة ولم تستطع أن تملك زمام نفسها مرة أخرى.
- لا مش عارف.. أنا اللي عايشة معاها.. وشايفاها بتعاني إزاي وأنا مش
قادرة أعملها أي حاجة.. أنا اللي فضلت أزن عليك عشان نطلعها من
المدرسة ونعزلها عن العالم كله.. مع إن ما كانش في حل تانى.. بس أنت
سيبتني أنا اللي أفضل أحاول معاك عشان توافق.. عشان تفضل أنت
أدام نفسك الأب الحنين اللي ما رضيش ياخد القرار إلا بصعوبة علشان
بيفكر بقلبه.. وأنا الأم القاسية اللي بتفكر بعقلها واختارت مصلحة
بنتها السليمة وضحت بحياة بنتها المريضة.. ورغم كده رضيت بده
علشان ما ضيعش حياة ملك هي كمان.. وهي ما لهاش ذنب في كل ده. أنا
كان كل اللي يهمني مصلحة ملك.. هي من حقها تعيش سعيدة من غير
ما أي حاجة تضايقها.. كفاية اللي أنا عيشته وعانيته طول الفترة دي.
تنظر ملك لوالدتها باستغراب، فلم تكن تتوقع رد الفعل هذا منها. أومال عايزاها تطلع بلبسها كده أدام الناس؟ هي ماينفعش تطلع من الأوضة أساسا. ترد ملك على أمها بلهجة غاضبة: أنا قايلة لزياد على كل حاجة. إنك تقولي حاجة، وإنهم يشوفوا حاجة تانية.. إحنا مش عايزين نقعد طول الليل نحكي في حكاية مريم وسبب اللي حصلها إيه .. ولا محتاجين نظرات وكلام شفقة من حد. تنظر صفاء إلى مريم التي ما زالت تنظر إليها مبتسمة، وهي تداعب بيدها فستانها. تبعد صفاء وجهها، وكأنها تهرب من رؤية مريم هكذا، وهي تتجه إلى خارج الغرفة. ما تتأخريش.. واقفلي عليها الباب بالمفتاح. خرجت صفاء من الغرفة. تلقي ملك نظرة على مريم التي تنظر إليها مبتسمة، وما زالت تداعب فستانها بطفولية. تبعد ملك وجهها، ويبدو عليها أنها لا تملك ما تستطيع فعله لها. ثم تتجه إلى الباب، وخرجت من الغرفة، وتغلق الباب من الخارج بالمفتاح . تقف مريم وسط الغرفة، وهي ما زالت تحمل على وجهها ابتسامتها البريئة الفرحة، وهي تنظر إلى الباب المغلق، لكن شيئا لم يحدث، فتتلاشى ابتسامتها تدريجيا، وتذهب إلى سريرها وتجلس بحزن، وعيناها معلقتان بباب الغرفة. ++++++ في صالة المنزل، يجلس خالد وصفاء وملك مع زياد ووالدته. كان خالد، رغم سعادته برؤية ملك مع خطيبها، كان متوترا فقد عرف من حديث جانبي مع صفاء قرارها بحبس مريم في الغرفة ومنع ظهورها وقت خطوبة ملك. رأى أن هذا القرار قاس بشدة، ليس على مريم فقط ولكن أيضا على ملك، التي افتقدت وجود شقيقتها في هذا اليوم المهم بالنسبة لها، ومع ذلك تفهم موقف صفاء، فهي لا تريد أن تحرج ملك أمام خطيبها وأهله. والدة زياد، رغم الابتسامة التي تكسو ملامحها معظم الوقت، تبدو