كف مريم….بقلم عاطف عبد الدايم

أنهت كلماتها وهي تبكي دون توقف. كان خالد يعلم أن معها كثيرا من الحق في حديثها؛ لم يكن لديهما خيار سوى إبقاء مريم داخل المنزل، لقد استقدما لها مدرسين خاصين، ولم تتوقف صفاء عن الاهتمام بكل تفاصيلها. لكنه مثل صفاء، كان يكره نظرات الناس لابنته عندما يضطر إلى اصطحابها إلى الخارج، حتى نظرات الشفقة كان بها الكثير من الانتقاص من ابنته ومشاعرها. كان بالفعل غاضبا من صفاء لما فعلته، لكنه لاحظ نظرات والدة زياد لصفاء وملك بعد ما حدث. كان يريد أن يتكلم، ويخبرها أن ما حدث ليس شيئا يعيبهم، ولكنه آثر أن يمر اليوم بلا مشكلات إضافية. كان يعلم أن زوجته تحملت الكثير، لذلك أمسك بيدها ليقبلها، لعلها تشعر بتقديره لكل ما أفرغته من مشاعر أمامه.
=====
داخل كافتيريا قريبة من عملها، جلست ملك مع زياد بعد انتهاء العمل. كان زياد طوال فترة العمل يتعامل بشكل طبيعي، تلقيا التهاني من زملائهما في العمل، وابتسم بسعادة للجميع، وداعبها أمام الناس بمرح، حتى إنها شعرت للحظات أنه تناسى كل ما حدث أمس. لكن عندما سنحت له الفرصة بعيدا عن بقية زملاءهما، أخبرها أنه يريد أن يقابلها بعد انتهاء العمل ليتكلما. كان وجهه وقتها جامدا وعيناه تحملان الكثير من الغضب المكبوت. كانت تلك حالته عدة دقائق حتى بعد وصولهما إلى الكافتيريا. ظل صامتا لا يتكلم وهو يتجنب النظر إليها، لم تكن هي أيضا تستطيع أن تفتح مسار الحديث، فجلست صامتة تنتظر أن يبادر هو إلى الحديث. نظر إليها وهو ما زال يحمل على وجهه نفس الملامح الغاضبة.
- ما فتكرش اللي حصل إمبارح عجبك.
- أنا قولتلك من أول يوم فاتحتنى فيه ظروف مريم.
- بس ما كنتش فاكر إن قد يعجبك ايضا
صمت قليلا، وصمتت هي أيضا قبل أن يكمل ما جاء ليقوله.
- ماما بتسألني اللي عند مريم ده ممكن يكون وراثي؟
ملك تنظر له مصدومة، وزياد يكمل:
- كان المفروض تاخدي بالك وما تسيبيش الحاجة أدامها.. مش من
مصلحتي ولا مصلحتك إن كل ده يتعمل أدام ماما يوم خطوبتنا.
- هما طول عمرهم قافلين عليها الباب.. وعازلينها عن الدنيا كلها
علشان مصلحتي.
- هما عندهم حق.. هي مش طبيعية علشان هما يتعاملوا معاها
بشكل طبيعي.
- كانت ممكن هي تبقى سليمة وأنا اللي كنت أبقى مكانها.
- اكيد وقتها ما كنتش هارتبط بيكي أنتي.
تنظر له ملك مصدومة. يزفر بضيق، وقد شعر أنه تسرع في جملته. ينظر إلى ملك مبتسما ويمسك يدها التي بها الدبلة والخاتم.
- معلش.. كان المفروض دلوقت نتكلم في مستقبلنا.. مش في
الكلام ده.. بس أنتي ما تعرفيش أنا اتحرجت أدام ماما قد إيه من
اللي حصل إمبارح.. عموما أختك مش هتعيش معانا ولا أعتقد
إنها ممكن تزورنا.
- هتبقى خالة ولادك.
- افتكر زي ما مامتك بعدتها عن الناس كل الفترة دي.. أنتي مش
هتخليها قريبة من ولادنا.. ممكن تأذيهم.
تبدو كلمته موجعة لملك.. فيحاول هو تغيير الموضوع وينظر لها مبتسما:
- إيه رأيك نخرج النهاردة؟
ما زالت ملك صامتة لا ترد.
- إيه ما عندكيش رد؟
ملك تنظر إلى يدها التي يمسك بها زياد.
- لا.. عندي
ملك تسحب يدها من يده، وتخلع من يدها الدبلة والخاتم، وتضعهما في يده وتتركه وترحل.
++++++
في منزل خالد، تجلس مريم مع خالد وصفاء وهي تتكلم معهما، بعد أن أبلغتهما بقرارها بفسخ خطبتها من زياد.
- اللي حصل لمريم ده كان اختبار صعب.. امتحان لينا ولقدرتنا
إننا ندي من غير ما نستنى مقابل.. من غير ما تستنوا منها إنها
تحققلكم أحلامكم.. مريم إنسانة ليها الحق إنها تعيش..
ظروفها الصحية هي ما لهاش ذنب فيها.. ومش المفروض تتعاقب
بسببها ولا إننا نعتبرها ضيف عايش معانا. مريم إنسانة..
مش المفروض إن علشان أملكم ضاع إنها تبقى سليمة.. أملها هي
كمان يضيع إنها تلاقي اللي يهتم بيها ويحسسها إنها مننا مش حد
بنخجل الناس تشوفه.. نحسسها إننا بنحبها بجد زي ما هي بتحبنا.
تنتهي ملك من كلامها معهما، وتنهض تاركة والدها ووالدتها، وتدخل إلى غرفتها مع مريم. كانت الدموع تملأ عيني خالد وصفاء؛ لقد أخذت ملك موقفا لحماية شقيقتها، رغم أنه على حساب حياتها لم يستطيعا هما أخذه من قبل. رغم حبهما لمريم لم يتمكنا من حمايتها، واكتفيا بأن يحبسا حريتها، خشية نظرات الناس وتعليقاتهم فقط. لم يفعلا ذلك لحمايتها هي، بل لحماية أنفسهما. تخرج مريم من غرفتها، وقد ارتدت ملابس جيدة، وتبدو ملامحها سعيدة، وهي تقترب من والدها وتمد كفها لتضعه على كتفه بحب، وهي تتكلم بطريقتها المميزة.
- ملك قااااالت لي إنك وااااافقت إني أخرج معاااااها.. أنا فرحانة.
تترك والدها، وتقترب من صفاء، وتضع كفها بحنان على وجه صفاء.
- أنا بحبك قوي قوي يا ماما .. قد الدنيا دي كلها.
تتساقط الدموع من عيني صفاء، وتمسك كف مريم لتقبله بحب، وتنهض لتحتضنها بحنان وهي تبكي. تخرج ملك من الغرفة، وهي ترتدي ملابسها الشبيهة بملابس مريم، وتتوقف أمام والدها وهي تنظر له مبتسمة بهدوء. ينظر خالد إلى ملك ويبتسم لها بامتنان، رغم دموعه التي تتساقط دون إرادته وهو يهز رأسه بالموافقة. تقترب ملك من والدها وتقبله، وتقف مرة أخرى أمام والدها ووالدتها، وتتكلم بحماس:
- من النهاردة مريم هتخرج.. معايا أو مع حضرتك أو مع ماما..
لازم تشوف الدنيا اللي اتحرمت منها طول الفترة اللي فاتت..
لازم تحس إنها عايشة.. مافيش حاجة نتكسف منها.. بالعكس
ربنا ادالنا هدية.. وإحنا قبلنا الهدية دي.. وحتى لما افكر أرتبط بحد
لازم يكون حد قادر يقدر الظروف دي.. ولو مش قادر يستحمل وجود
مريم معانا يبقى ما يستاهلش إني أكمل حياتي معاه.. أنا قررت إني أوفي
وعدي اللي وعدته لمريم وإحنا صغيرين.. إني ما سيبهاش أبدا.. وهاعمل كده.
يبتسم خالد وهو يهز رأسه موافقا على ما تقوله ملك، وينظر إلى صفاء التي تهز رأسها بحماس موافقة، وهي ما زالت تبكي. يسأل خالد ملك.
- هتروحوا فين؟
- هي من 15 سنة كان نفسها تروح القناطر.
تبتسم مريم عندما تسمع ما تقوله ملك، وتنظر صفاء إلى مريم وملك بسعادة وهي تبتسم قائلة:
- خلى بالك منها يا ملك.
- ما تخافيش عليها.
تشير ملك إلى مريم لتقترب، تقبل مريم خد والدها بحب، ثم تجري نحو ملك بسعادة، وتتوقف أمامها. تمد ملك يدها إلى مريم، التي تنظر إليها مبتسمة بفرحة طفولية، قبل أن تمد يدها لتتمسك بيد ملك.
النهاية
أنهت كلماتها وهي تبكي دون توقف. كان خالد يعلم أن معها كثيرا من الحق في حديثها؛ لم يكن لديهما خيار سوى إبقاء مريم داخل المنزل، لقد استقدما لها مدرسين خاصين، ولم تتوقف صفاء عن الاهتمام بكل تفاصيلها. لكنه مثل صفاء، كان يكره نظرات الناس لابنته عندما يضطر إلى اصطحابها إلى الخارج، حتى نظرات الشفقة كان بها الكثير من الانتقاص من ابنته ومشاعرها. كان بالفعل غاضبا من صفاء لما فعلته، لكنه لاحظ نظرات والدة زياد لصفاء وملك بعد ما حدث. كان يريد أن يتكلم، ويخبرها أن ما حدث ليس شيئا يعيبهم، ولكنه آثر أن يمر اليوم بلا مشكلات إضافية. كان يعلم أن زوجته تحملت الكثير، لذلك أمسك بيدها ليقبلها، لعلها تشعر بتقديره لكل ما أفرغته من مشاعر أمامه. ===== داخل كافتيريا قريبة من عملها، جلست ملك مع زياد بعد انتهاء العمل. كان زياد طوال فترة العمل يتعامل بشكل طبيعي، تلقيا التهاني من زملائهما في العمل، وابتسم بسعادة للجميع، وداعبها أمام الناس بمرح، حتى إنها شعرت للحظات أنه تناسى كل ما حدث أمس. لكن عندما سنحت له الفرصة بعيدا عن بقية زملاءهما، أخبرها أنه يريد أن يقابلها بعد انتهاء العمل ليتكلما. كان وجهه وقتها جامدا وعيناه تحملان الكثير من الغضب المكبوت. كانت تلك حالته عدة دقائق حتى بعد وصولهما إلى الكافتيريا. ظل صامتا لا يتكلم وهو يتجنب النظر إليها، لم تكن هي أيضا تستطيع أن تفتح مسار الحديث، فجلست صامتة تنتظر أن يبادر هو إلى الحديث. نظر إليها وهو ما زال يحمل على وجهه نفس الملامح الغاضبة. ما فتكرش اللي حصل إمبارح عجبك. أنا قولتلك من أول يوم فاتحتنى فيه ظروف مريم. بس ما كنتش فاكر إن