كف مريم….بقلم عاطف عبد الدايم

الدراسي، لكي تعود إلى المنزل، وتطمئن على مريم وتراها. تبتسم ملك لوالدها رغم القلق على وجهها.
++++++
أقدام مريم تتحرك بنسق معين، يبدو أنها تلعب ولكن لا تجيد ما تلعبه. مريم وهي تكمل لعبتها على الجانب الآخر، تظهر فتاتين في نفس عمرها أو أكبر منها قليلا، يتابعان ما تفعله بترقب. تتوقف مريم عن اللعب وتقع عينيها على الفتاتين، فتبتسم لهما ببراءة، وتتحرك لهما وهي تبتسم وتتكلم بصعوبة:
_ انا مااااااااريم .. تيجوا تلعبوا معاااايا.
إحدى الفتيات دفعت مريم بقوة بيدها بعيدا. فانطلقت مريم بخطوات متعثرة إلى باب الشقة، وهي تنظر إليهما بخوف، وتبدو منكمشة كما كانت عند الاعتداء عليها في المدرسة، ملقية نظرة أخيرة على الفتاتين اللتين ينظران إليها بحدة، وتنطلق إلى داخل الشقة. تدخل مريم إلى الشقة مسرعة وتغلق الباب وراءها، وتستند عليه وهي تلتقط أنفاسها. تخرج صفاء من إحدى الغرف وتمر بمريم وهي تنظر إليها مبتسمة، دون أن تلاحظ ما بها من خوف.
- إيه يا مريم خلصتي لعب؟
تهز مريم رأسها بالإيجاب.
- حد ضايقك وأنتي بتلعبي؟
تهز مريم رأسها بالنفي بحدة.
- يعني اتبسطتي؟
تهز مريم رأسها بالإيجاب بالحدة نفسها، وهي توسع من ابتسامتها بشكل مبالغ فيه، لكي تؤكد لأمها إنها كانت سعيدة بالخارج. تبتسم صفاء وقد اطمأنت على مريم، وتدخل إلى المطبخ مرة أخرى. استندت مريم على باب الشقة وهي تحاول أن تهدأ. رغم تأخر مريم العقلي كانت تعرف جيدا أنها إذا أخبرت أمها بما حدث لها من الفتيات خارج الشقة، فقد تمنعها تماما من الخروج مثلما منعتها من المدرسة، وهي لم تكن تريد ذلك.
+++++
السرير يبدو خاليا وإضاءة الغرفة مغلقة. ضوء القمر الآتي من الشباك فقط، هو الذي ينير الغرفة. ملك ومريم يتمددان على السرير وتضعان غطاء واحدا
- يعني أنتي روووحتي النهااااااردة الرحلة بتاااااعة القناطر
دي؟
- أيوة.. كان نفسي تبقي معايا.
- ماااااما مش هترضى.
- أيوة.
- طيب احكي لي شفتي إيه؟
تعتدل ملك قليلا بحماس، وهي تحكي لمريم:
- حاجات حلوة قوي.. المكان كله خضرة وميه في كل حتة.
تبدو مريم مبتهجة، وكأنها ترى ما تحكيه ملك.
- ركبنا عجل.. وقعدنا نلعب حاجات كتير قوي.. بجد اتبسطنا قوي
هناك.. دي كانت أحلى رحلة روحتها في حياتي.
- الله .. دي حاجاااات حلوة قوي.
تبدو السعادة في عيني مريم، وكأنها هي من تفعل ما تقوله ملك، تتابع ملك عيني مريم، وتلاحظ السعادة التي تملؤهما، فتمرر يدها على شعر مريم بحب، وتبتسم لها بحنان.
- أنا نفسي تخفي بقى، ونروح كل الرحلات دي مع بعض.
_ وأناااا كماااان نفسي .. بس أخف من إيه؟ أنا مش عيانة.
_ بابا بيقول إنك عيانة.. أنا مش عارفة برضو أنتي عيانة بإيه!
بس أنا هافضل معاكي لحد ما تخفي.
تحتضن ملك مريم بحب، وتغمضان عينيهما معا.
++++++
مرت خمس عشرة سنة كاملة.. مريم الآن فتاة في الثانية والعشرين من عمرها.
في غرفة مريم وملك، جلست مريم أمام المرآة تضع المكياج على وجهها، تضع روج على شفتيها بشكل غير منتظم، ثم تكمل بقية أدوات التجميل على عينيها وخدودها. على سرير ملك جلست حبيبة، صديقة ملك وهي تمسك الموبايل الخاص بها، وتنظر إلى مريم مبتسمة. تدخل ملك إلى الغرفة، وقد أصبحت هي الأخرى فتاة جميلة وناضجة. ترى ملك ما تفعله مريم، فتقترب منها مبتسمة:
- إيه اللي أنتي عاملاه ده؟!
تنظر مريم إليها مبتسمة، لم تفقد براءة ابتسامتها، وما زالت تتكلم بصعوبة.
- مش النهاااااردة خطووووبتك؟ عاااايزة أبقى جممميلة زيك كدددده.
تمسك ملك بيدها لتجعلها تنهض.
- طب يلا روحي لماما علشان عايزاكي.. وأنا هابقى أعملك اللي أنتي
عايزاه بعدين.
تنظر مريم إلى نفسها في المرآة وهي تبتسم:
-طب ماااااا ده حلووووو.
-طيب هابقى أظبطهولك بس.
مريم تتجه إلى خارج الغرفة. حبيبة تنظر متابعة لها، ثم تنظر إلى ملك ضاحكة.
- أختك دي عسل والله.
ملك تمد يدها ممسكة بوجهها، ودموعها تتساقط رغما عنها. تلاحظ حبيبة دموعها، فتنهض مسرعة إليها.
- بتعيطي ليه يا بنتي؟ ده أنتي خطوبتك النهاردة.
ملك بانفعال ودموعها تنهمر:
- صعبانة عليا يا حبيبة.. كان نفسها تعمل حاجات كتير..
كان نفسها تتعلم.. كان نفسها تخرج تتفسح.. تحب وتتخطب
زيي.. لكن ما عملتش أي حاجة من اللي كان نفسها فيها.
- مش أنتي اللي اختارتلها اللي هي فيه ده.
- ولا هي كمان اختارته.
- دي حاجات ما نقدرش نغيرها يا ملك.. ما قدمناش إلا إننا نرضى
بيها زي ما هي كده.. وبعدين أنتي ما قصرتيش في حقها أبدا..
طول عمرك وأنتي جنبها وعمرك ما اتكسفتي منها ولا بعدتيها عنك.
تمد حبيبة يدها، وتمسح دموع ملك، وهي تنظر لها مبتسمة.
- يلا بقى عشان نجهز.. زياد ومامته لو جم وشافوكي كده
ممكن يرجع في كلامه.
تنظر ملك إلى حبيبة وتبتسم.
++++++
في صالة المنزل، كان خالد وصفاء يجلسان مع زياد ووالدته. زياد، الذي يبلغ من العمر ستة وعشرين عاما، هو زميل ملك في العمل الذي التحقت به حديثا بعد إنهاء دراستها. وبسبب علاقة العمل التي جمعتهما لفترة ليست طويلة، بدأ إعجابه بها يزداد يوما بعد يوم، ورغم أنها أصرت على مصارحته بحالة مريم، بمجرد أن فاتحها في رغبته في الارتباط بها، فإن ذلك لم يجعله يتراجع عن قراره. موقفه هذا جعل ملك ترتبط به أكثر، وتقرر الاستمرار معه. وبما أن زياد كان الابن الوحيد لوالدته، ويعيش معها في منزلها بعد وفاة والده، فقد كان أمر زواجه من ملك أمرا يسيرا، سواء قررت أن تقيم مع والدته أو في شقة مستقلة.
كان خالد وصفاء في غاية السعادة، وهما يجلسان مع زياد ووالدته للترحيب بهما، فها هي ابنتهما الصغيرة قد كبرت وستتزوج . لكن خالد لم يستطع أن يبعد عن تفكيره ذلك الجزء الحزين من القصة، الذي يخص مريم التي لن تتزوج كأختها ملك. لكنه كان راضيا بقضاء الله في هذا الأمر، ويرى في زواج ملك تعويضا له عما أصاب مريم. أما صفاء فكانت مثل خالد، تعتبر ما يحدث تعويضا لها، لكنها كانت أكثر توترا وخوفا من تعليقات والدة زياد بشأن حالة مريم. حاولت والدة زياد التطرق في حديثها مع صفاء إلى حالة مريم، لكن صفاء استطاعت أن تتهرب من الاستمرار في هذا الموضوع، فقد كانت تعرف من خبرتها طوال فترة تربيتها لمريم، أن الحديث لن ينتهي في مصلحتها أو في مصلحة ملك. تستأذنهم صفاء لتذهب إلى غرفة ملك لتستعجلها، بعد أن تأخرت طويلا في غرفتها.
+++++++
تدخل صفاء إلى الغرفة، وتقترب من ملك التي ارتدت ملابس جميلة تناسب الخطوبة، وتنظر إليها ببعض الغضب، وهي تهتف فيها بصوت منخفض حتى لا يسمع أحد حديثهما:
- إيه يا ملك.. سايبة زياد ومامته قاعدين بره وأنتي قاعدة هنا
بتعملي إيه؟
تنظر ملك إلى صفاء مبتسمة، ثم تتنحى جانبا لتظهر مريم التي تجلس على المقعد الصغير أمام المرآة، وقد ارتدت ملابس جميلة من ملابس ملك، ووضعت بعض المكياج على وجهها، ليصبح مظهرها مختلفا ورائعا. تنهض مريم وهي تبتسم ببراءة لصفاء. فتنظر لها صفاء وقد انخطف قلبها من مظهرها الجميل، والدموع تتلألأ في عينيها، ثم تتماسك بجدية وهي تنظر إلى ملك بالجدية نفسها التي بدأت بها حديثها:
- أنتي ملبساها كده ليه؟