الموت .. فى الساعه الخامسة

الموت .. فى الساعه الخامسة
الموت .. فى الساعه الخامسة

( الساعة دلوقت 7 )

وقفت أمام المرأة وأنا أمسك فستان زفافي الابيض وأنا أتأمله على جسدى .. كان هذا الفستان الذى اشتريته لزفافى الذى لم يتم .. كان أبى وأمى يتمنوا أن يروا ابنتهم الوحيدة وهى عروسة بالفستان الأبيض كباقى الفتيات .. كانت أمى تقول لى أننى سأكون جميلة يوم زفافى .. لا أعرف هل تلك حقيقة أم لأنها أمى فقط .. كل الأمهات يرون أن بناتهن سيكونن أجمل عروسة يوم زفافهن .. هل كانت أمى احدى تلك الامهات ..

وضعت الفستان مرة اخرى في مكانه .. فهو أصبح ذكرى كباقى الذكريات .. ذكريات جميلة مع الوقت تتحول الى ذكريات سيئة .. مقيتة ..

جلست وأنا أتذكر سنواتى قبل ان أصل لعمر الثلاثين .. تخرجت من الجامعة وقد أصبح سنى اثنين وعشرين سنة .. لم أحظى بأى علاقة مع أى شاب من زملائى أيام الجامعة .. لم أسعى لذلك ولم يسعى أحدهم أيضاُ .. ولكنى لم أكن اهتم .. فالعمر مازال أمامى كما كانت تقول أمى ..

بعد أن تخرجت من الجامعة بدأت السنين تمر بسرعة البرق .. لم أشعر بها حقاً وهى تمر .. كنت مازالت في وهم أن العمر أمامى وليس خلفى  ..

ولكن مع مرور الوقت .. بدأت أرى كل يوم نظرات الخوف والقلق في عينى أمى .. لا لم يكن خوف .. كان أكثر من ذلك .. كانت أمى مرتعبة من مرور السنوات وأنا لم أحظى بزوج كباقى الفتيات اللائى في نفس عمرى .. كل الفتيات تزوجن .. في شارعنا أو من أقاربنا أو زملائى في العمل يتزوجن الواحدة تلو الأخرى ..

مع الوقت أصبح هذا الخوف يتحول الى نوع من

الخجل .. كنت ألاحظ ذلك عندما أخرج معها كلما قابلتنا احدى صديقاتها أو قريباتنا ..

لم أكن أفهم في البداية لما تخجل أمى منى أمام سيل الاسئلة عن تأخرى في الزواج ونظرات تتباين ما بين الشفقة والتفحص اللزج لكل تفاصيلى من أعلى رأسى حتى أخمص قدمى ..

لما تتوقف واحدة من هؤلاء عن السؤال الممل التقليدى ( ايه يا حبيبتى مش هنفرح بيكى ولا ايه ؟ ) ..  ( ايه ده ؟؟ ..معقولة متجوزتيش لحد دلوقت ؟ ) .. ( طب ما تشوفى ايه اللى معطل الموضوع لحد دلوقت ) .. ( ده اللى في سنك اتجوزوا ومعاهم ولاد دلوقت ) ..

مجموعة من الجمل السخيفة المكررة لا يتوانوا في كل مرة عن القاءها كسهام مسمومة في وجهى ووجه أمى ..

وكانت أمى تحاول في كل مرة أن ترد على تلك الاسئلة ببعض الاجابات المكررة ( لسه مجاش نصيبها ) ..( جالها أكتر من واحد بس باباها مش موافق ) .. ( في ناس متكلمين عليها ) .. وأحياناً أخرى كانت تبتسم فقط أو تقوم بتغيير الموضوع الى موضوع أخر .. تتكلم في أشياء متفرقة لا علاقة لها بالزواج ولا علاقة لها ببعضها البعض .. كان كل ما تريده ان تهرب أنا وهى من تلك الاسئلة المسمومة ..

وبعد أن كنت في البداية أغضب من أمى لأنها تخفينى خلفها وأعتبر ذلك انتقاص منى وكأننى جريمة تحاول اخفاءها بأى شكل .. أصبحت أنا من أختبأ خلفها بارادتى حتى لا أرى تلك النظرات القاسية وتلك التساؤلات المملة الجارحة ..

على عكس أمى كان أبى يحاول أن يراضينى ويضحك لى ويقول اننى مازالت صغيرة على الزواج ولم أكمل عامى الثلاثين .. لكن عندما اكتمل عمرى ثلاثين عاماً لم يعد يقول تلك الكلمة وأكتفى بابتسامته فقط ليطمئننى كلما أتت سيرة الزواج .. ومع الوقت بدأت ابتسامته تلك تختفى من وجهه ولم يعد قادر على طمئنتى حتى بتلك الابتسامة ..

أبى ( الاستاذ عبد السميع السباعى ) كان مدرساً للغة العربية في نفس المدرسة التى أعمل بها الأن .. لم أكن اشبهه كثيراً .. لم أخذ منه سوى لونه الخمرى فقط .. فقد كنت أقرب في الشبه لأمى .. ولكنه كان رجلاُ وسيماً رغم سنه المتقدم .. فهو يكبر أمى بأربعة عشر عاماً .. ولكنه تقدم للزواج منها لمعرفته بعائلتها التى كانت من نفس بلدته في مدينة بنى سويف .. وبعد أن تزوج أمى انتقلت معه الى القاهرة حيث مقر عمله ..

كان أبى  أباً وزوجاً ملتزماً .. يذهب الى عمله في موعده ويعود الى المنزل بعد انتهاء عمله .. لم يكن لديه أصدقاء يجلس معهم ولم يكن يزورنا الى بعض الاقرباء في فترات متباعدة ..

كان يقضى أغلب وقته في ذلك المنزل معنا .. يأتى من العمل ليساعد أمى في اعداد الغداء ويجلس معانا ليشاهد التلفزيون ويجلس معى ليحكى لى بعضاً من ذكرياته او يومياته ..

لم يكن يتركنا أبداً .. تركنا فقط من أجل الموت ورحلت أمى بعده بعدة أشهر ..

كان الخوف في عينيها وهى تلقى على نظراتها الأخيرة فزعة خائفة حائرة .. كانت خائفة مما سأواجهه وحدى في تلك الحياة .. يبدو أن هناك أشياء أكثر فزعاً من الموت ..

مازالت استرسل في ذكرياتى حتى قاطعنى صوت دقات الساعة اللعينة بثمانى دقات متتالية .. صوتها كان مفزعاً لى وجعل قلبى ينخلع من صدرى ..

جلست على مقعدى الذى أجلس عليه عادة أتأمل حوائط شقتنا .. صوت التلفزيون يعمل كالعادة .. أقوم بتشغيله بمجرد وصولى الى المنزل لأشعر ان هناك أناس أخرين معى  في المنزل .. الوحدة قاتلة .. أشعر بتلك الوحدة حتى وأنا في عملى .. أجلس في مكتبى وحدى ولا أحاول الاختلاط بأحد ..

فقط بعض الفتيات اللائى بسبب عملى يأتين الى مكتبى ليحكين لي بعضاً من مشاكلهن .. أستمع لكل ما يقولونه وأطمئنهم بأن المستقبل سيكون أفضل .. نصيحة زائفة جربت بنفسى انها كذلك .. ولكنى لا استطيع الا أن اقول لهم ذلك …

مازالت اتذكر صوت ضحكاتى وأنا صغيرة ..

كانت لدى دمية على هيئة عروسة لها شعراً أصفر جميل وفستان قصير زاهى الألوان ..

لماذا يأتون لنا كفتيات بعروسة .. هل لتشعل عاطفة الأمومة بداخلنا منذ الصغر .. لماذا ؟..

هل كانوا واثقين ان كل واحدة منا ستكون أماً يوماً ما .. وماذا عن من أشعلوا بداخلها تلك الرغبة ولم تجد من يتزوجها ؟.. هل تذهب لشراء دمية أخرى لها ؟ .. أم تشترى دمية رجل ليكون زوجاً لها ؟.. سيل من الاسئلة التافهة تتلاعب بعقلى ..

الوحدة مملة .. أن تجلس وحيداً فهى فرصة جيدة للشياطين للتلاعب بعقلك ..

أجلس كثيراً وأنا أتخيل ماذا سيحدث لى عندما تهرب من يدى عدة سنوات أخرى وأصل الى سن الستين .. وقتها سأقضى اليوم كاملاً داخل هذا المنزل .. رغم انى أخاف من الخارج وألوذ بالفرار منه الى المنزل .. الا اننى في نفس الوقت أرهب هذا المنزل كثيراً .. روح أبى وروح أمى ذهبتا الى السماء فيه .. وأنا أنتظر دورى .. ملاذى الأمن أصبح هو مكان حصد أرواح أسرتى ..

فتحت حقيبة سفر كبيرة كانت تقبع أسفل سريرى ..

لم نسافر يوماً الى مكان ولكننا نمتلك الكثير من حقائب السفر ..

تلك الحقيبة خصصتها أمى لأضع فيها ملابس القديمة التى لا أريد التفريط فيها .. بها بعض الملابس التى تحمل ذكريات خاصة لى .. أو لعلنى منذ أن كنت صغيرة وأنا أستعد الى يوماً أكون فيه وحيدة ولا يؤنسنى فيه الا بعض الذكريات ..

التقطت أحد تلك الفساتين .. كان فستان أبيض به بعض الألوان الحمراء .. كان أحد فساتينى المميزة وانا في عمر الثامنة .. اشتراه لى أبى بصعوبة بعد وصلة اقناع من أمى لترضينى بعد أن تعلقت به عندما رأيته في فاترينة أحد المحلات ..

كان أبى لا يحب هذا الفستان لأنه قصير ويعلو ركبتى بعدة سنتيمترات .. ولكنى لم أكن أفهم وقتها ما العيب في ذلك .. رغم الغضب الذى اكتسى به وجه أبى وهو يشتريه لي ورغم ان هذا الغضب كان يتسلل الى ملامح وجه أبى كلما ارتديته الا اننى أحبه عن بقية فساتينى الأخرى .. لعل السبب في ذلك انه من اختيارى أنا وليس اختيار أبى أو أمى كبقية الفساتين الأخرى ..

أمسكت الفستان ووقفت أمام المرأة وفردته أمام جسدى .. انه الان قصير جداً .. لو كان أبى يراه الأن لمزقه قطع صغيرة حتى لا أراه أو اجربه مرة أخرى .. اتسعت ابتسامتى وأنا اتخيل شكل أبى لو رأه بالفعل ..

توقفت عن الابتسام بعد أن تذكرت عندما وصل سنى الى الثالثة عشر .. يومها اختلفت نظرة أبى لى .. لم أكن أفهم لماذا بدأ القلق يغزو عينيه لوصولى لسن الثالثة عشر .. كان ينظر لى وكأنه يرانى للمرة الأولى .. ومع الوقت بدأت تلك النظرة الغريبة القلقة تنتقل الى أمى أيضاً ..

ماذا حدث لتكون تلك نظرتهم لى ؟؟.. ما قبل أن أتم الثالثة عشر يختلف عن بعد ان وصلت الى هذه السن رغم أن الفارق أياماً قليلة ..

لا أستطيع أن ارتدى ملابس قصيرة حتى أمام أبى  .. وبالتالى لا استطيع أن اخرج من المنزل الا بعد أن يوافق أبى على ما أرتديه .. أحياناً  كثيرة يتم رفض ما ارتديه بدون ابداء أسباب .. وأحياناً أخرى تكون الأسباب غريبة .. ( لونه وحش ) .. ( ضيق ) .. ( قصير ) ..

وعندما أرادت أمى مصارحتى بالسبب الحقيقى كانت جملة واحدة .. ( انتى كبرتى ) ..

( الساعة دلوقت 7 ) وقفت أمام المرأة وأنا أمسك فستان زفافي الابيض وأنا أتأمله على جسدى .. كان هذا الفستان الذى اشتريته لزفافى الذى لم يتم .. كان أبى وأمى يتمنوا أن يروا ابنتهم الوحيدة وهى عروسة بالفستان الأبيض كباقى الفتيات .. كانت أمى تقول لى أننى سأكون جميلة يوم زفافى .. لا أعرف هل تلك حقيقة أم لأنها أمى فقط .. كل الأمهات يرون أن بناتهن سيكونن أجمل عروسة يوم زفافهن .. هل كانت أمى احدى تلك الامهات .. وضعت الفستان مرة اخرى في مكانه .. فهو أصبح ذكرى كباقى الذكريات .. ذكريات جميلة مع الوقت تتحول الى ذكريات سيئة .. مقيتة .. جلست وأنا أتذكر سنواتى قبل ان أصل لعمر الثلاثين .. تخرجت من الجامعة وقد أصبح سنى اثنين وعشرين سنة .. لم أحظى بأى علاقة مع أى شاب من زملائى أيام الجامعة .. لم أسعى لذلك ولم يسعى أحدهم أيضاُ .. ولكنى لم أكن اهتم .. فالعمر مازال أمامى كما كانت تقول أمى .. بعد أن تخرجت من الجامعة بدأت السنين تمر بسرعة البرق .. لم أشعر بها حقاً وهى تمر .. كنت مازالت في وهم أن العمر أمامى وليس خلفى  .. ولكن مع مرور الوقت .. بدأت أرى كل يوم نظرات الخوف والقلق في عينى أمى .. لا لم يكن خوف .. كان أكثر من ذلك .. كانت أمى مرتعبة من مرور السنوات وأنا لم أحظى بزوج كباقى الفتيات اللائى في نفس عمرى .. كل الفتيات تزوجن .. في شارعنا أو من أقاربنا أو زملائى في العمل يتزوجن الواحدة تلو الأخرى .. مع الوقت أصبح هذا الخوف يتحول الى نوع من
الخجل .. كنت ألاحظ ذلك عندما أخرج معها كلما قابلتنا احدى صديقاتها أو قريباتنا .. لم أكن أفهم في البداية لما تخجل أمى منى أمام سيل الاسئلة عن تأخرى في الزواج ونظرات تتباين ما بين الشفقة والتفحص اللزج لكل تفاصيلى من أعلى رأسى حتى أخمص قدمى .. لما تتوقف واحدة من هؤلاء عن السؤال الممل التقليدى ( ايه يا حبيبتى مش هنفرح بيكى ولا ايه ؟ ) ..  ( ايه ده ؟؟ ..معقولة متجوزتيش لحد دلوقت ؟ ) .. ( طب ما تشوفى ايه اللى معطل الموضوع لحد دلوقت ) .. ( ده اللى في سنك اتجوزوا ومعاهم ولاد دلوقت ) .. مجموعة من الجمل السخيفة المكررة لا يتوانوا في كل مرة عن القاءها كسهام مسمومة في وجهى ووجه أمى .. وكانت أمى تحاول في كل مرة أن ترد على تلك الاسئلة ببعض الاجابات المكررة ( لسه مجاش نصيبها ) ..( جالها أكتر من واحد بس باباها مش موافق ) .. ( في ناس متكلمين عليها ) .. وأحياناً أخرى كانت تبتسم فقط أو تقوم بتغيير الموضوع الى موضوع أخر .. تتكلم في أشياء متفرقة لا علاقة لها بالزواج ولا علاقة لها ببعضها البعض .. كان كل ما تريده ان تهرب أنا وهى من تلك الاسئلة المسمومة .. وبعد أن كنت في البداية أغضب من أمى لأنها تخفينى خلفها وأعتبر ذلك انتقاص منى وكأننى جريمة تحاول اخفاءها بأى شكل .. أصبحت أنا من أختبأ خلفها بارادتى حتى لا أرى تلك النظرات القاسية وتلك التساؤلات المملة الجارحة .. على عكس أمى كان أبى يحاول أن يراضينى ويضحك لى ويقول اننى مازالت صغيرة على الزواج ولم أكمل عامى
الثلاثين .. لكن عندما اكتمل عمرى ثلاثين عاماً لم يعد يقول تلك الكلمة وأكتفى بابتسامته فقط ليطمئننى كلما أتت سيرة الزواج .. ومع الوقت بدأت ابتسامته تلك تختفى من وجهه ولم يعد قادر على طمئنتى حتى بتلك الابتسامة .. أبى ( الاستاذ عبد السميع السباعى ) كان مدرساً للغة العربية في نفس المدرسة التى أعمل بها الأن .. لم أكن اشبهه كثيراً .. لم أخذ منه سوى لونه الخمرى فقط .. فقد كنت أقرب في الشبه لأمى .. ولكنه كان رجلاُ وسيماً رغم سنه المتقدم .. فهو يكبر أمى بأربعة عشر عاماً .. ولكنه تقدم للزواج منها لمعرفته بعائلتها التى كانت من نفس بلدته في مدينة بنى سويف .. وبعد أن تزوج أمى انتقلت معه الى القاهرة حيث مقر عمله .. كان أبى  أباً وزوجاً ملتزماً .. يذهب الى عمله في موعده ويعود الى المنزل بعد انتهاء عمله .. لم يكن لديه أصدقاء يجلس معهم ولم يكن يزورنا الى بعض الاقرباء في فترات متباعدة .. كان يقضى أغلب وقته في ذلك المنزل معنا .. يأتى من العمل ليساعد أمى في اعداد الغداء ويجلس معانا ليشاهد التلفزيون ويجلس معى ليحكى لى بعضاً من ذكرياته او يومياته .. لم يكن يتركنا أبداً .. تركنا فقط من أجل الموت ورحلت أمى بعده بعدة أشهر .. كان الخوف في عينيها وهى تلقى على نظراتها الأخيرة فزعة خائفة حائرة .. كانت خائفة مما سأواجهه وحدى في تلك الحياة .. يبدو أن هناك أشياء أكثر فزعاً من الموت .. مازالت استرسل في ذكرياتى حتى قاطعنى صوت دقات الساعة اللعينة بثمانى دقات متتالية .. صوتها كان مفزعاً لى وجعل قلبى ينخلع من صدرى .. جلست على مقعدى الذى أجلس عليه عادة أتأمل حوائط شقتنا .. صوت التلفزيون يعمل كالعادة .. أقوم بتشغيله بمجرد وصولى الى المنزل لأشعر ان هناك أناس أخرين معى  في المنزل .. الوحدة قاتلة .. أشعر بتلك الوحدة حتى وأنا في عملى .. أجلس في مكتبى وحدى ولا أحاول الاختلاط بأحد .. فقط بعض الفتيات اللائى بسبب عملى يأتين الى مكتبى ليحكين لي بعضاً من مشاكلهن .. أستمع لكل ما يقولونه وأطمئنهم بأن المستقبل سيكون أفضل .. نصيحة زائفة جربت بنفسى انها كذلك .. ولكنى لا استطيع الا أن اقول لهم ذلك … مازالت اتذكر صوت ضحكاتى وأنا صغيرة .. كانت لدى دمية على هيئة عروسة لها شعراً أصفر جميل وفستان قصير زاهى الألوان .. لماذا يأتون لنا كفتيات بعروسة .. هل لتشعل عاطفة الأمومة بداخلنا منذ الصغر .. لماذا ؟.. هل كانوا واثقين ان كل واحدة منا ستكون أماً يوماً ما .. وماذا عن من أشعلوا بداخلها تلك الرغبة ولم تجد من يتزوجها ؟.. هل تذهب لشراء دمية أخرى لها ؟ .. أم تشترى دمية رجل ليكون زوجاً لها ؟.. سيل من الاسئلة التافهة تتلاعب بعقلى .. الوحدة مملة .. أن تجلس وحيداً فهى فرصة جيدة للشياطين للتلاعب بعقلك .. أجلس كثيراً وأنا أتخيل ماذا سيحدث لى عندما تهرب من يدى عدة سنوات أخرى وأصل الى سن الستين .. وقتها سأقضى اليوم كاملاً داخل هذا المنزل .. رغم انى أخاف من الخارج وألوذ بالفرار منه الى المنزل .. الا اننى في نفس الوقت أرهب هذا المنزل كثيراً .. روح أبى وروح أمى ذهبتا الى السماء فيه .. وأنا أنتظر دورى .. ملاذى الأمن أصبح هو مكان حصد أرواح أسرتى .. فتحت حقيبة سفر كبيرة كانت تقبع أسفل سريرى .. لم نسافر يوماً الى مكان ولكننا نمتلك الكثير من حقائب السفر .. تلك الحقيبة خصصتها أمى لأضع فيها ملابس القديمة التى لا أريد التفريط فيها .. بها بعض الملابس التى تحمل ذكريات خاصة لى .. أو لعلنى منذ أن كنت صغيرة وأنا أستعد الى يوماً أكون فيه وحيدة ولا يؤنسنى فيه الا بعض الذكريات .. التقطت أحد تلك الفساتين .. كان فستان أبيض به بعض الألوان الحمراء .. كان أحد فساتينى المميزة وانا في عمر الثامنة .. اشتراه لى أبى بصعوبة بعد وصلة اقناع من أمى لترضينى بعد أن تعلقت به عندما رأيته في فاترينة أحد المحلات .. كان أبى لا يحب هذا الفستان لأنه قصير ويعلو ركبتى بعدة سنتيمترات .. ولكنى لم أكن أفهم وقتها ما العيب في ذلك .. رغم الغضب الذى اكتسى به وجه أبى وهو يشتريه لي ورغم ان هذا الغضب كان يتسلل الى ملامح وجه أبى كلما ارتديته الا اننى أحبه عن بقية فساتينى الأخرى .. لعل السبب في ذلك انه من اختيارى أنا وليس اختيار أبى أو أمى كبقية الفساتين الأخرى .. أمسكت الفستان ووقفت أمام المرأة وفردته أمام جسدى .. انه الان قصير جداً .. لو كان أبى يراه الأن لمزقه قطع صغيرة حتى لا أراه أو اجربه مرة أخرى .. اتسعت ابتسامتى وأنا اتخيل شكل أبى لو رأه بالفعل .. توقفت عن الابتسام بعد أن تذكرت عندما وصل سنى الى الثالثة عشر .. يومها اختلفت نظرة أبى لى .. لم أكن أفهم لماذا بدأ القلق يغزو عينيه لوصولى لسن الثالثة عشر .. كان ينظر لى وكأنه يرانى للمرة الأولى .. ومع الوقت بدأت تلك النظرة الغريبة القلقة تنتقل الى أمى أيضاً .. ماذا حدث لتكون تلك نظرتهم لى ؟؟.. ما قبل أن أتم الثالثة عشر يختلف عن بعد ان وصلت الى هذه السن رغم أن الفارق أياماً قليلة .. لا أستطيع أن ارتدى ملابس قصيرة حتى أمام أبى  .. وبالتالى لا استطيع أن اخرج من المنزل الا بعد أن يوافق أبى على ما أرتديه .. أحياناً  كثيرة يتم رفض ما ارتديه بدون ابداء أسباب .. وأحياناً أخرى تكون الأسباب غريبة .. ( لونه وحش ) .. ( ضيق ) .. ( قصير ) .. وعندما أرادت أمى مصارحتى بالسبب الحقيقى كانت جملة واحدة .. ( انتى كبرتى ) ..
تم نسخ الرابط