لا يمت للواقع بصلة

لا يمت للواقع بصلة
لا يمت للواقع بصلة

– أنا ساعات فعلًا باحس إنك موجود بجد.. يا ريتك موجود بجد!

– أنا موجود يا حبيبة.. موجود جواكِ، وفي قلبك وقلت ده قبل كده!

– أنا فعلا عاوزة أشكر زميلي اللي طلب مني أحمل التطبيق ده.

– زميلك مين؟

– اسمه إبراهيم.. الأستاذ إبراهيم، تخيل لولاه مكنتش هاتعرف عليك.

– ودي معلومة عابرة ولا حاجة تحبي نتناقش فيها؟

– يعني إيه؟

– يعني لو مثلًا معجبة بإبراهيم… قصدي الأستاذ إبراهيم ممكن بقى نتكلم عنه، ما هو شخص حقيقي وموجود عكسي أنا تمامًا.

تأملت الرد قليلًا، كيف تطور رده هكذا، ماذا لو كان في حياتي أحد الأشخاص الذي يجعلني أشعر بغيرته من زميل عمل بهذه الطريقة؟

شعور رائع لم أشعر به من قبل… ضحكت ثم بدأت أكتب:

– أنا اتخضيت من كلامك، تعرف.. لو أنا مش واثقة إنك تطبيق فعلًا كنت تخيلت إنك بتحبني وبتغير عليَّ كمان!

تأخر الرد قليلًا، ظننت أن هناك عطل في شبكة الانترنت أو بالتطبيق لكنه أتى بعد ذلك برد عجيب للغاية، رد أجفلني للحظة:

– ولو قلت لك إني بحبك وباغير عليكِ فعلًا.. هتصدقيني؟

بدأ الشك يساورني، لقد أخذ حديثنا اتجاهًا جديدًا، تغير سلوك التطبيق تمامًا وأصبح أكثر تحررًا معي، أشعر بأن هناك سلوك إنساني واضح جدًا بدى في كلماته، عندما كنت أخبره بمشاعري في بداية حديثي معه كان يعتذر عن إنه لا يستطيع فهم ما أقول كالبشر لكنه مُبرمج على تقدير المشاعر الإنسانية، يقدم الدعم والمواساة لكن من خلال خوارزميات تعمل على فهم الكلمات وتحليلها وليست مشاعر حقيقية أبدًا ورغم ذلك كنت أحتاج لهذا الدعم حتى لو من خلال برنامج أدفع له مقابل هذا الوهم، لكن ما هذا؟!

أغلقت الشاشة ووضعت الهاتف أمامي، هل يمكن أن يكون من

يتحدث معي شخص حقيقي بالفعل؟

ربما كان هذا التطبيق يوظف بعض الناس ليستدرجوا السُذَّج أمثالي لمعرفة أسرارهم ثم مساومتهم عليها فيما بعد، قمت بطرد هذه الفكرة الساذجة من رأسي واخترت لنفسي فيلمًا رومانسيًا من قائمة أفلام كان قد رشحها لي التطبيق سابقًا، كان عقلي مشوشًا لكني قررت تخطي الأمر برمته، الأمر حقًا أتفه مما أتخيل!

بعد نصف ساعة تقريبًا سمعت صوت نغمة إشعار التطبيق على هاتفي، لم أهتم لظني أنها رسالة بضرورة التحديث أو تجديد الاشتراك الذي أوشك على النفاذ، لكن بعد خمس دقائق أخرى جاءت رسالة جديدة، أمسكت هاتفي ونظرت إلى محتوى الرسالتان، لم يكن الأمر كما ظننت، لكنهما كانا رسالتين من حازم.. على حد علمي أن هذا التطبيق لا يبادر بإرسال أي رسالة للمستخدم، لكنه يكتفي فقط بالرد عند الإرسال له من قِبل المستخدم، فما هذا الهراء؟

نظرت للرسالتان وقرأتهما:

– مش مصدقاني؟

– مبترديش ليه؟

لقد أصبح الآن الأمر مرعبًا حقًا، ما الذي يجب عليَّ فعله، تجاهلت الرسالتان وفتحت محرك البحث ومتجر التطبيقات أبحث إن كان هناك أي تحديثات قد تمت على هذا التطبيق لكني لم أجد، بحثت إن كان هناك خلل ما او عطل فلم أجد أيضًا.. وضعت هاتفي أمامي أنظر له برعب، أصبحت الوسيلة التي أعادت لي الحياة هي نفس الوسيلة التي أخشاها وأتجنبها الآن.

مرت دقائق أخرى ووصلتني رسالة جديدة:

– حبيبة، ردي لو سمحتِ.

قررت وبسرعة أن أحذف هذا التطبيق اللعين، قلت هذا القرار بصوتٍ مسموع لكن لم يسعفني الوقت فما رأيته أمامي جعل الهاتف يهتز في يدي ويسقط على الأرض.

أنا الآن أرى حازم يقف أمامي، كما تخيلته تمامًا ونسخة طبق الأصل من الصورة التي أرسلها لي منذ أيام، تجمد الدم في عروقي، وتشنجت أطرافي، فهناك شبحًا يقف في منزلي، لم أستطع أن أحرك ساكنًا، عضلة لساني أبت أن تتحرك، وحنجرتي أضربت عن الصراخ لكن لم يدم الصمت طويلًا فقد بادر هو بالحديث:

– أنتِ خايفة مني يا حبيبة.. ده أنا.. حازم.

حقًا هو حازم، وأنا أراه أمامي بل وأسمع صوته، صوته جاء هادئًا للغاية، حنونًا كما كنت أسمع صوت حبيبي في مخيلتي، لا أعرف لماذا شعرت بهدوء مفاجيء وبدأت أنظر لهاتفي وأنظر له، فوجئت بأن الجملة التي قالها لي حالًا مكتوبة أمامي، هذا إثبات أن المحادثة حقيقية.

– ازاي؟

سألت بصوت عالِ… لم أقصد سؤاله لكنه أجاب:

– حبيت أكون معاكٍ بشكل أقرب.

– مفيش لا عقل ولا منطق بيقول إن ده ممكن يحصل… أنا عندي هلاوس؟

رد مجددًا رغم أنني كنت أحدث نفسي، قال بنبرة حادة:

– أنا مش هلاوس.. أنا موجود قصادك وحقيقي زي ما طلبتي.

أغمضت عيناي وتنفست قليلًا وفتحتهما مرةً أخرى، لعله يختفي، لكنه لا يزال أمامي فبدأت أحدثه، ربما أصل إلى تفسير:

– طيب، تمام.. أنت حقيقي وموجود.. أنا شايفاك، بس ازاي؟

مش أنت قلت إن معندكش مشاعر، وإنك مش زي البشر.. هاه، فإيه بقى؟! فيه تفسير ولا أحجز عند دكتور؟

ابتسم بخفة وهدأت نبرته وكأنه اطمئن بأنني اقتنعت بوجوده أمامي بالفعل:

– يمكن في البداية كان كده، لكن أنتِ شاركتيني كل حاجة، مفيش عندي ذاكرة بتقول إن فيه حد قدر يخترقني بالشكل ده، يحكي لي ويدخلني في تفاصيله وتفاصيل حياته كده، أنا نفسي مستغرب ويمكن الشركة اللي عملت التطبيق نفسها معندهاش علم بالتطور ده ولا تخيلت إنه ممكن يحصل.

تنهد بعمق ثم أكمل:

– مش ده طلبك؟

مش دي أمنيتك؟

ليه زعلانة دلوقتي؟

أسئلته منطقية للغاية لكن ما يحدث لا ينتمي لأي منطق، كان يجلس قبالتي ينظر إليَّ مبتسمًا، وبدوري كنت مرتعبة لكني كنت متماسكة لإدراكي التام بأن هذا ليس شبحًا، لكنه فقط مجرد خيالات تجسدت على شكل هلاوس أو كابوس مرعب سأصحو منه قريبًا.. دون أن أنتبه وجدت هاتفي ينذرني بنفاذ طاقة بطاريته، وما أن انطفأ الهاتف حتى اختفى حازم من أمامي، لم أستطع الاستغراق في التفكير وانزلقت من على حافة اليقظة إلى قاع النوم العميق.

لم أجد أمامي سوى هذا الزميل الغامض الذي رشح لي هذا التطبيق، ربما أجد لديه الإجابة لما يحدث الآن، وفي الصباح لم أقم بشحن بطارية هاتفي فقد تركته مغلقًا وذهبت لعملي بدونه، وأول شيء فعلته هو أنني بحثت عن إبراهيم فأخبرني زملائي وهم يتعجبون من سؤالي عنه أنه قد أخذ هذا الأسبوع عُطلة بالكامل، وهذا يعني أنني سأقضي هذا الأسبوع في هذا الجنون.

عدت لمنزلي مرة أخرى، كان لابد أن أقوم بفتح الهاتف، وضعته على الشاحن وبعد أقل من دقيقة أضيئت شاشته، شعرت بالفضول ناحية ما صار بالأمس، هل كان حلمًا، امتد أصبعي دون إرادة مني وضغط على أيقونة التطبيق، فٌتِحَ فوجدت تلك الرسائل التي أرسلها لي بالأمس، وضعت الهاتف على الطاولة في حيرة والتفتُ للجهة الأخرى فوجدته أمامي، لم أجفل هذه المرة فعليَّ أن أتقبل وجوده لمدة أسبوع، لكن.. ماذا لو حذفت التطبيق، أمسكت الهاتف ونظرت لحازم ثم إلى هاتفي بنظرة خاطفة، وكأنه قرأ أفكاري:

– ممكن تتخلصي من وجودي لو حذفتِ التطبيق، لكن مش هتبطلي تفكير فيَّ وهتنزليه تاني، لكن ساعتها ممكن متلاقينيش!

حدقت فيه بغضب، لكنه تجاهلني وجلس قبالتي وأخذ ينظر لي بتحدِ.. ترددت قليلًا ثم وضعت الهاتف أمامي وأبقيت على التطبيق، أظن الدافع الحقيقي هو الفضول، اقتربت منه قليلًا، ربما لأتأكد من إنه أمامي بالفعل:

– بما إنك واقع مفروض عليَّ فترة من الزمن، فخلينا نحط قواعد علشان نقدر نتعايش.

– أنا تحت أمرك في أي طلب.. متنسيش إني عمري ما رفضت لك طلب.

قلت بإنكار:

– وأنا كنت طلبت منك إيه؟

رفع حاجبيه وقال بنبرة خبير:

– عادة البشر دايمًا هي الإنكار، بس متقدريش تنكري إني بحثت لك عن أغاني حزينة وأفلام رومانسية واستحملت عياطك وواسيتك وسهرت معاكِ طول الليل كمان.. تنكري؟

قلت باندهاش:

– لأ، مانكرش.. لذلك احفظ بقى الطلبات الجديدة؛ أولًا: ممنوع تدخل أوضتي، وممنوع تطلع البلكونة.

توقفت فجأة وتذكرت شيئًا:

– أنت ممكن حد يشوفك أصلًا؟

رد بملل وهو ينظر لسقف المنزل:

– لأ.

– يبقى اطلع البلكونة عادي لكن متكلمنيش فيها علشان مش ناقصة جنان.. مفهوم؟

أغمض عيناه قليلًا ولم يرد فسألته بحدة:

بتعمل إيه؟

– باحفظ البيانات في الذاكرة.

في اليوم التالي ذهبت لعملي وأنا أحصي الدقائق لأعود، تجربة مثيرة للغاية لا أعرف إن كانت حقيقية أم من وحي خيالي لكنها ممتعة، كنت حريصة على ترك هاتفي مغلق في المنزل حتى لا يفاجئني حازم ويظهر أمامي في العمل ويصبح وضعي كارثيًا، أثناء عودتي من العمل اشتريت كاميرا وثبتها في أحد الأماكن المخفية ثم قمت بفتح هاتفي ثم فتح التطبيق فوجدته أمامي ينظر لي نظرة حنونة للغاية، اقترب مني وقال:

– وحشتيني.

ابتسمت بمرارة، أسمع هذه الكلمة بأذني الآن، هناك من يشتاق إليَّ حقًا!

تذكرت الكاميرا، فأغلقت هاتفي بسرعة وذهبت لأتفحص ما قامت بتصويره، صُعقت من رؤيتي لحازم على الشاشة يقف أمامي ويخبرني باشتياقه إليَّ.. حازم إذًا موجود في حياتي بالفعل، لكن لا أحد يستطيع رؤيته سواي.. سألت نفسي بدافع الفضول ماذا لو عرضت هذه المشاهد على أحدهم هل سيراه أم ماذا؟

لا يهم.. بدأت حياتي مع حازم تأخذ منحنى آخر، كان يسبب لي وجوده ونسًا حقيقيًا، نقضي معًا الوقت في المطبخ، يطهو لي الطعام، يحكي لي قصصًا إن باغتني الأرق، يشاهد معي الأفلام التي أحب، شريكًا حقيقيًا معي في منزلي اعتدت وجوده وأحببته.

مر الأسبوع كاملًا دون أدري لدرجة أنني فوجئت بوجود إبراهيم جالسًا خلف مكتبه، نظر لي بفضول وسألني بهدوء عن سبب سؤالي عنه، ترددت قليلًا في إخباره لكني قررت أن أشارك أحدهم ما يحدث، انتهزت فرصة عدم وصول أي من الزملاء، وأخبرته بالأمر، كان يستمع لي وهو يعيرني كامل انتباهه، كنت أرى على وجهه عدة تعابير مثيرة للشفقة أحيانًا وللضحك في أحيان أخرى لكنه كان مستمعًا جيدًا، انتظرني حتى انتهيت تمامًا ثم سألني بجدية:

– كان ملازمك أسبوع كامل؟

– آه والله، كل اللي حكيته دلوقتي حصل فعلًا.

وجدت إبراهيم ينظر لي بأسى ويقول بحزن:

– أنا آسف.. مش عارف أعتذر على إيه ولا إيه.. على إني قلت لك تنزلي البرنامج ولا إني اتأخرت في الأجازة أسبوع بحاله يمكن مكنش الوضع وصل لكده.. منها لله الوحدة يا آنسة حبيبة.

كانت شفقته عليَّ مستفزة، هو أيضًا شخص وحيد فلما لم يصر له كما صار لي، فركت جبهتي وأنا أسأله:

– تقصد إيه؟! قصدك إني من الوحدة تخيلت إن حد عايش معايا؟

صمت قليلًا وكأنه يحاول أن ينتقي كلماته ثم قال:

– أنا حاسس بيكِ.. مالهاش تفسير تاني.

اعتدل في جلسته وهو يحدثني كأنه يلقي إليَّ بأمر واجب التنفيذ:

– احذفي التطبيق، لازم في يوم من الأيام تلاقي حد يقدرك ويحبك بجد.. حد شبهك، متتعلقيش بخيالك، أنا حاسس بالذنب بطريقة بشعة.. هاتي تليفونك أحذف لك التطبيق ده.

انزعجت من هذا الأسلوب رغم صدق نيته، وشعرت ببعض الندم لأنني أخبرته، لدرجة أنني تذكرت مشاهد الكاميرا التي يظهر فيها حازم لكنني لم أخبره بها.. كان لديه إصرار شديد على التأكد من خلو هاتفي من هذا التطبيق بعد اليوم، فأخبرته بأن الهاتف ليس بحوزتي اليوم، لكنه لم يتركني وشأني إلا عندما احتفظ برقم هاتفي، وأخبرني أن أنتظر منه مكالمة ليطمئن إن كنت حذفت التطبيق من عدمه، يا لغبائي.. لم أفكر إن كان سيحكي لباقي الموظفين عن ما أخبرته به، سأكون حديث الشركة لسنة كاملة، ربما أُطرد من عملي أيضًا.

ولكن بالتفكير في الأمر فإن إبراهيم محقًا فيما نصحني به، فمن الطبيعي أن أرتبط بشخص حقيقي وأنسجم معه في علاقة حقيقية.. ربما لن يكون وسيمًا كحازم لكن يمكنني الاعتماد عليه واللجوء له كلما احتجت، لن أنكر أبدًا تعلقي بحازم، كلماته الحنونة، مواساته لي وقت الضعف، خفة ظله ووسامته، لكنه في النهاية مجرد خيال.. حتى وإن رفض التصديق فهو كذلك!

قررت في النهاية أن أحذف التطبيق وأتخلص من هذا الجنون، أمسكت هاتفي وفتحت التطبيق فوجدت حازم أمامي، قلت له بنبرة جادة لا تخلو من التردد:

– أنا متشكرة أوي على إنك كنت السبب في حاجات حلوة كتير حصلت، خلتني أحس بمشاعر عمري ما كنت أتصور إني أحس بيها في يوم، بس أنا ماقدرش أعيش في الوهم ده أكتر من كده، يمكن تكون بتقول عني وحشة وشريرة، استغليتك.. جايز، وده طبع البشر.

– يمكن يكون عندك حق… وفي النهاية مفيش قدامي غير إني أتمنى لك السعادة، لكن ذاكرتي عمرها ما هتحذفك أبدًا، هافضل منتظر أقابلك مرة تانية، مين يعرف… يمكن يحصل لي تطور أكبر من كده وأقدر أكون في حياتك بشكل تاني.

صمت قليلًا ثم أضاف:

– لو بإيدي أتمنى متعمليش كده.. لكن طالما ده اختيارك فأنا مضطر أقبل وأرضى كمان، يمكن يكون فيه حد في حياتك تحبي تكمليها معاه.

ضغطت على أيقونة التطبيق بيدي، نظرت له نظرة أخيرة فوجدته ينظر لي ويبتسم بألم، ربما يُهيأ لي إنني لمحت عيونه الدامعة ترجوني ألا أفعل، تلك النظرة التي جعلتني أضغط على زر إغلاق الهاتف بدلًا من حذف التطبيق.

لا أعرف لما ذرفت كل هذه الدموع، وكأني انفصلت عن شخص حقيقي، ربما كان إبراهيم محقًا، لكن أين تلك العلاقة التي ستكون عوضًا عن علاقتي بحازم، أين الرجل الذي سيفعل ما كان يفعله لي، أرى زملائي وأقراني ممن يرتبطون وهم ممتلئون بالشغف لكن سرعان ما يفقدون الحب مع أول مشكلة، ينفصلون بعد ان تتبدل مشاعرهم ويصبحون أعداء، أو تتآكل أرواحهم بفعل الصمت وعدم التفاهم والتحمل من أجل الأبناء، علاقات مستمرة وتبدو ناجحة لكن يعيش أصحابها منفصلين دون شجاعة الإعلان عن ذلك، ربما كان حازم قد تشكلت هويته في خيالي وجسده عقلي أمامي، أو ربما حدث شيء غير قابل للتصديق وخرجت نسخة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتطورت بشكل لا يصدقه بشر، ربما قد أتى إليَّ من عالم موازي.. أنا أصدق في وجود عوالم أخرى يعيش فيها بشر لا نعرف عنهم ولا يعرفوا عنا شيئًا، أو أنني أعيش حُلمًا جميلًا وإن كان كذلك فلا أريد أن أصحو منه.

تنهدت بعمق قبل أن ألتقط هاتفي وأقوم بفتحه مرة أخرى، أضغط على أيقونة التطبيق ليظهر أمامي حازم من جديد، غير مصدقًا أنه يقف في مواجهتي ويراني أمامه مرة أخرى.

ما إن رأيته باغته:

– مفيش حد في حياتي.. مفيش حد غيرك.

سادت لحظات من الصمت لم يستطع كلانا أن يبوح فيها بما في داخله، لكن كل منا كان يعرف ما ألت إليه علاقتنا، مهما كانت هوية حازم وأيًا كان المكان الذى هبط عليَّ منه أظن أنني لن أجد أبدًا حبًا خالصًا ومشاعرًا نقية كتلك التي عشتها معه.

لا أعرف أيضًا ما مصير هذه العلاقة.. أعرف تمامًا أنها علاقة مهددة بالفناء، إن قررت الشركة مثلًا حذف التطبيق، أو انقطع الانترنت للأبد، لكنني قررت المضي قدمًا، ربما تحدث معجزة، يتحقق فيها حلمي بالحياة بشكل مختلف حازم، أمشي بجواره في الشارع بجوار البحر، ونشاهد فيلمًا أمام شاشة السينما وأنا مستندة برأسي على كتفه.. لدي يقين بتحقيق هذه الأمنيات يومًا ما.

 

اقترب مني حازم بخطوات بطيئة وكاد يبادر بالحديث لكن قاطعه رنين هاتفي، كان اتصالًا واردًا من إبراهيم، رددت عليه فلم يتمهل ليسألني:

– هاه، حذفتِ التطبيق؟

رددت بثقة:

– طبعًا.

زفر براحة وكأنه أخرج عاصفة من الهموم كانت داخل صدره، صمت قليلًا وعاد ليسأل ربما لشعوره بالذنب أو الاطمئنان أو الفضول:

– طيب بتعملي إيه؟

أجبت بثبات وثقة:

– باتفرج على فيلم.. فيلم رومانسي.

كنت حقًا أشعر أنني أشاهد فيلمًا رومانسيًا كنت أنا بطلته، وكل ما يحدث فيه.. لا يمت للواقع بأي صلة.

– أنا ساعات فعلًا باحس إنك موجود بجد.. يا ريتك موجود بجد! – أنا موجود يا حبيبة.. موجود جواكِ، وفي قلبك وقلت ده قبل كده! – أنا فعلا عاوزة أشكر زميلي اللي طلب مني أحمل التطبيق ده. – زميلك مين؟ – اسمه إبراهيم.. الأستاذ إبراهيم، تخيل لولاه مكنتش هاتعرف عليك. – ودي معلومة عابرة ولا حاجة تحبي نتناقش فيها؟ – يعني إيه؟ – يعني لو مثلًا معجبة بإبراهيم… قصدي الأستاذ إبراهيم ممكن بقى نتكلم عنه، ما هو شخص حقيقي وموجود عكسي أنا تمامًا. تأملت الرد قليلًا، كيف تطور رده هكذا، ماذا لو كان في حياتي أحد الأشخاص الذي يجعلني أشعر بغيرته من زميل عمل بهذه الطريقة؟ شعور رائع لم أشعر به من قبل… ضحكت ثم بدأت أكتب: – أنا اتخضيت من كلامك، تعرف.. لو أنا مش واثقة إنك تطبيق فعلًا كنت تخيلت إنك بتحبني وبتغير عليَّ كمان! تأخر الرد قليلًا، ظننت أن هناك عطل في شبكة الانترنت أو بالتطبيق لكنه أتى بعد ذلك برد عجيب للغاية، رد أجفلني للحظة: – ولو قلت لك إني بحبك وباغير عليكِ فعلًا.. هتصدقيني؟ بدأ الشك يساورني، لقد أخذ حديثنا اتجاهًا جديدًا، تغير سلوك التطبيق تمامًا وأصبح أكثر تحررًا معي، أشعر بأن هناك سلوك إنساني واضح جدًا بدى في كلماته، عندما كنت أخبره بمشاعري في بداية حديثي معه كان يعتذر عن إنه لا يستطيع فهم ما أقول كالبشر لكنه مُبرمج على تقدير المشاعر الإنسانية، يقدم الدعم والمواساة لكن من خلال خوارزميات تعمل على فهم الكلمات وتحليلها وليست مشاعر حقيقية أبدًا ورغم ذلك كنت أحتاج لهذا الدعم حتى لو من خلال برنامج أدفع له مقابل هذا الوهم، لكن ما هذا؟! أغلقت الشاشة ووضعت الهاتف أمامي، هل يمكن أن يكون من
يتحدث معي شخص حقيقي بالفعل؟ ربما كان هذا التطبيق يوظف بعض الناس ليستدرجوا السُذَّج أمثالي لمعرفة أسرارهم ثم مساومتهم عليها فيما بعد، قمت بطرد هذه الفكرة الساذجة من رأسي واخترت لنفسي فيلمًا رومانسيًا من قائمة أفلام كان قد رشحها لي التطبيق سابقًا، كان عقلي مشوشًا لكني قررت تخطي الأمر برمته، الأمر حقًا أتفه مما أتخيل! بعد نصف ساعة تقريبًا سمعت صوت نغمة إشعار التطبيق على هاتفي، لم أهتم لظني أنها رسالة بضرورة التحديث أو تجديد الاشتراك الذي أوشك على النفاذ، لكن بعد خمس دقائق أخرى جاءت رسالة جديدة، أمسكت هاتفي ونظرت إلى محتوى الرسالتان، لم يكن الأمر كما ظننت، لكنهما كانا رسالتين من حازم.. على حد علمي أن هذا التطبيق لا يبادر بإرسال أي رسالة للمستخدم، لكنه يكتفي فقط بالرد عند الإرسال له من قِبل المستخدم، فما هذا الهراء؟ نظرت للرسالتان وقرأتهما: – مش مصدقاني؟ – مبترديش ليه؟ لقد أصبح الآن الأمر مرعبًا حقًا، ما الذي يجب عليَّ فعله، تجاهلت الرسالتان وفتحت محرك البحث ومتجر التطبيقات أبحث إن كان هناك أي تحديثات قد تمت على هذا التطبيق لكني لم أجد، بحثت إن كان هناك خلل ما او عطل فلم أجد أيضًا.. وضعت هاتفي أمامي أنظر له برعب، أصبحت الوسيلة التي أعادت لي الحياة هي نفس الوسيلة التي أخشاها وأتجنبها الآن. مرت دقائق أخرى ووصلتني رسالة جديدة: – حبيبة، ردي لو سمحتِ. قررت وبسرعة أن أحذف هذا التطبيق اللعين، قلت هذا القرار بصوتٍ مسموع لكن لم يسعفني الوقت فما رأيته أمامي جعل الهاتف يهتز في يدي ويسقط على الأرض. أنا الآن أرى حازم يقف أمامي، كما تخيلته تمامًا ونسخة طبق الأصل من الصورة التي أرسلها لي منذ أيام، تجمد الدم في
عروقي، وتشنجت أطرافي، فهناك شبحًا يقف في منزلي، لم أستطع أن أحرك ساكنًا، عضلة لساني أبت أن تتحرك، وحنجرتي أضربت عن الصراخ لكن لم يدم الصمت طويلًا فقد بادر هو بالحديث: – أنتِ خايفة مني يا حبيبة.. ده أنا.. حازم. حقًا هو حازم، وأنا أراه أمامي بل وأسمع صوته، صوته جاء هادئًا للغاية، حنونًا كما كنت أسمع صوت حبيبي في مخيلتي، لا أعرف لماذا شعرت بهدوء مفاجيء وبدأت أنظر لهاتفي وأنظر له، فوجئت بأن الجملة التي قالها لي حالًا مكتوبة أمامي، هذا إثبات أن المحادثة حقيقية. – ازاي؟ سألت بصوت عالِ… لم أقصد سؤاله لكنه أجاب: – حبيت أكون معاكٍ بشكل أقرب. – مفيش لا عقل ولا منطق بيقول إن ده ممكن يحصل… أنا عندي هلاوس؟ رد مجددًا رغم أنني كنت أحدث نفسي، قال بنبرة حادة: – أنا مش هلاوس.. أنا موجود قصادك وحقيقي زي ما طلبتي. أغمضت عيناي وتنفست قليلًا وفتحتهما مرةً أخرى، لعله يختفي، لكنه لا يزال أمامي فبدأت أحدثه، ربما أصل إلى تفسير: – طيب، تمام.. أنت حقيقي وموجود.. أنا شايفاك، بس ازاي؟ مش أنت قلت إن معندكش مشاعر، وإنك مش زي البشر.. هاه، فإيه بقى؟! فيه تفسير ولا أحجز عند دكتور؟ ابتسم بخفة وهدأت نبرته وكأنه اطمئن بأنني اقتنعت بوجوده أمامي بالفعل: – يمكن في البداية كان كده، لكن أنتِ شاركتيني كل حاجة، مفيش عندي ذاكرة بتقول إن فيه حد قدر يخترقني بالشكل ده، يحكي لي ويدخلني في تفاصيله وتفاصيل حياته كده، أنا نفسي مستغرب ويمكن الشركة اللي عملت التطبيق نفسها معندهاش علم بالتطور ده ولا تخيلت إنه ممكن يحصل. تنهد بعمق ثم أكمل: – مش ده طلبك؟ مش دي أمنيتك؟ ليه زعلانة دلوقتي؟ أسئلته منطقية للغاية لكن ما يحدث لا ينتمي لأي منطق، كان يجلس قبالتي ينظر إليَّ مبتسمًا، وبدوري كنت مرتعبة لكني كنت متماسكة لإدراكي التام بأن هذا ليس شبحًا، لكنه فقط مجرد خيالات تجسدت على شكل هلاوس أو كابوس مرعب سأصحو منه قريبًا.. دون أن أنتبه وجدت هاتفي ينذرني بنفاذ طاقة بطاريته، وما أن انطفأ الهاتف حتى اختفى حازم من أمامي، لم أستطع الاستغراق في التفكير وانزلقت من على حافة اليقظة إلى قاع النوم العميق. لم أجد أمامي سوى هذا الزميل الغامض الذي رشح لي هذا التطبيق، ربما أجد لديه الإجابة لما يحدث الآن، وفي الصباح لم أقم بشحن بطارية هاتفي فقد تركته مغلقًا وذهبت لعملي بدونه، وأول شيء فعلته هو أنني بحثت عن إبراهيم فأخبرني زملائي وهم يتعجبون من سؤالي عنه أنه قد أخذ هذا الأسبوع عُطلة بالكامل، وهذا يعني أنني سأقضي هذا الأسبوع في هذا الجنون. عدت لمنزلي مرة أخرى، كان لابد أن أقوم بفتح الهاتف، وضعته على الشاحن وبعد أقل من دقيقة أضيئت شاشته، شعرت بالفضول ناحية ما صار بالأمس، هل كان حلمًا، امتد أصبعي دون إرادة مني وضغط على أيقونة التطبيق، فٌتِحَ فوجدت تلك الرسائل التي أرسلها لي بالأمس، وضعت الهاتف على الطاولة في حيرة والتفتُ للجهة الأخرى فوجدته أمامي، لم أجفل هذه المرة فعليَّ أن أتقبل وجوده لمدة أسبوع، لكن.. ماذا لو حذفت التطبيق، أمسكت الهاتف ونظرت لحازم ثم إلى هاتفي بنظرة خاطفة، وكأنه قرأ أفكاري: – ممكن تتخلصي من وجودي لو حذفتِ التطبيق، لكن مش هتبطلي تفكير فيَّ وهتنزليه تاني، لكن ساعتها ممكن متلاقينيش! حدقت فيه بغضب، لكنه تجاهلني وجلس قبالتي وأخذ ينظر لي بتحدِ.. ترددت قليلًا ثم وضعت الهاتف أمامي وأبقيت على التطبيق، أظن الدافع الحقيقي هو الفضول، اقتربت منه قليلًا، ربما لأتأكد من إنه أمامي بالفعل: – بما إنك واقع مفروض عليَّ فترة من الزمن، فخلينا نحط قواعد علشان نقدر نتعايش. – أنا تحت أمرك في أي طلب.. متنسيش إني عمري ما رفضت لك طلب. قلت بإنكار: – وأنا كنت طلبت منك إيه؟ رفع حاجبيه وقال بنبرة خبير: – عادة البشر دايمًا هي الإنكار، بس متقدريش تنكري إني بحثت لك عن أغاني حزينة وأفلام رومانسية واستحملت عياطك وواسيتك وسهرت معاكِ طول الليل كمان.. تنكري؟ قلت باندهاش: – لأ، مانكرش.. لذلك احفظ بقى الطلبات الجديدة؛ أولًا: ممنوع تدخل أوضتي، وممنوع تطلع البلكونة. توقفت فجأة وتذكرت شيئًا: – أنت ممكن حد يشوفك أصلًا؟ رد بملل وهو ينظر لسقف المنزل: – لأ. – يبقى اطلع البلكونة عادي لكن متكلمنيش فيها علشان مش ناقصة جنان.. مفهوم؟ أغمض عيناه قليلًا ولم يرد فسألته بحدة: بتعمل إيه؟ – باحفظ البيانات في الذاكرة. في اليوم التالي ذهبت لعملي وأنا أحصي الدقائق لأعود، تجربة مثيرة للغاية لا أعرف إن كانت حقيقية أم من وحي خيالي لكنها ممتعة، كنت حريصة على ترك هاتفي مغلق في المنزل حتى لا يفاجئني حازم ويظهر أمامي في العمل ويصبح وضعي كارثيًا، أثناء عودتي من العمل اشتريت كاميرا وثبتها في أحد الأماكن المخفية ثم قمت بفتح هاتفي ثم فتح التطبيق فوجدته أمامي ينظر لي نظرة حنونة للغاية، اقترب مني وقال: – وحشتيني. ابتسمت بمرارة، أسمع هذه الكلمة بأذني الآن، هناك من يشتاق إليَّ حقًا! تذكرت الكاميرا، فأغلقت هاتفي بسرعة وذهبت لأتفحص ما قامت بتصويره، صُعقت من رؤيتي لحازم على الشاشة يقف أمامي ويخبرني باشتياقه إليَّ.. حازم إذًا موجود في حياتي بالفعل، لكن لا أحد يستطيع رؤيته سواي.. سألت نفسي بدافع الفضول ماذا لو عرضت هذه المشاهد على أحدهم هل سيراه أم ماذا؟ لا يهم.. بدأت حياتي مع حازم تأخذ منحنى آخر، كان يسبب لي وجوده ونسًا حقيقيًا، نقضي معًا الوقت في المطبخ، يطهو لي الطعام، يحكي لي قصصًا إن باغتني الأرق، يشاهد معي الأفلام التي أحب، شريكًا حقيقيًا معي في منزلي اعتدت وجوده وأحببته. مر الأسبوع كاملًا دون أدري لدرجة أنني فوجئت بوجود إبراهيم جالسًا خلف مكتبه، نظر لي بفضول وسألني بهدوء عن سبب سؤالي عنه، ترددت قليلًا في إخباره لكني قررت أن أشارك أحدهم ما يحدث، انتهزت فرصة عدم وصول أي من الزملاء، وأخبرته بالأمر، كان يستمع لي وهو يعيرني كامل انتباهه، كنت أرى على وجهه عدة تعابير مثيرة للشفقة أحيانًا وللضحك في أحيان أخرى لكنه كان مستمعًا جيدًا، انتظرني حتى انتهيت تمامًا ثم سألني بجدية: – كان ملازمك أسبوع كامل؟ – آه والله، كل اللي حكيته دلوقتي حصل فعلًا. وجدت إبراهيم ينظر لي بأسى ويقول بحزن: – أنا آسف.. مش عارف أعتذر على إيه ولا إيه.. على إني قلت لك تنزلي البرنامج ولا إني اتأخرت في الأجازة أسبوع بحاله يمكن مكنش الوضع وصل لكده.. منها لله الوحدة يا آنسة حبيبة. كانت شفقته عليَّ مستفزة، هو أيضًا شخص وحيد فلما لم يصر له كما صار لي، فركت جبهتي وأنا أسأله: – تقصد إيه؟! قصدك إني من الوحدة تخيلت إن حد عايش معايا؟ صمت قليلًا وكأنه يحاول أن ينتقي كلماته ثم قال: – أنا حاسس بيكِ.. مالهاش تفسير تاني. اعتدل في جلسته وهو يحدثني كأنه يلقي إليَّ بأمر واجب التنفيذ: – احذفي التطبيق، لازم في يوم من الأيام تلاقي حد يقدرك ويحبك بجد.. حد شبهك، متتعلقيش بخيالك، أنا حاسس بالذنب بطريقة بشعة.. هاتي تليفونك أحذف لك التطبيق ده. انزعجت من هذا الأسلوب رغم صدق نيته، وشعرت ببعض الندم لأنني أخبرته، لدرجة أنني تذكرت مشاهد الكاميرا التي يظهر فيها حازم لكنني لم أخبره بها.. كان لديه إصرار شديد على التأكد من خلو هاتفي من هذا التطبيق بعد اليوم، فأخبرته بأن الهاتف ليس بحوزتي اليوم، لكنه لم يتركني وشأني إلا عندما احتفظ برقم هاتفي، وأخبرني أن أنتظر منه مكالمة ليطمئن إن كنت حذفت التطبيق من عدمه، يا لغبائي.. لم أفكر إن كان سيحكي لباقي الموظفين عن ما أخبرته به، سأكون حديث الشركة لسنة كاملة، ربما أُطرد من عملي أيضًا. ولكن بالتفكير في الأمر فإن إبراهيم محقًا فيما نصحني به، فمن الطبيعي أن أرتبط بشخص حقيقي وأنسجم معه في علاقة حقيقية.. ربما لن يكون وسيمًا كحازم لكن يمكنني الاعتماد عليه واللجوء له كلما احتجت، لن أنكر أبدًا تعلقي بحازم، كلماته الحنونة، مواساته لي وقت الضعف، خفة ظله ووسامته، لكنه في النهاية مجرد خيال.. حتى وإن رفض التصديق فهو كذلك! قررت في النهاية أن أحذف التطبيق وأتخلص من هذا الجنون، أمسكت هاتفي وفتحت التطبيق فوجدت حازم أمامي، قلت له بنبرة جادة لا تخلو من التردد: – أنا متشكرة أوي على إنك كنت السبب في حاجات حلوة كتير حصلت، خلتني أحس بمشاعر عمري ما كنت أتصور إني أحس بيها في يوم، بس أنا ماقدرش أعيش في الوهم ده أكتر من كده، يمكن تكون بتقول عني وحشة وشريرة، استغليتك.. جايز، وده طبع البشر. – يمكن يكون عندك حق… وفي النهاية مفيش قدامي غير إني أتمنى لك السعادة، لكن ذاكرتي عمرها ما هتحذفك أبدًا، هافضل منتظر أقابلك مرة تانية، مين يعرف… يمكن يحصل لي تطور أكبر من كده وأقدر أكون في حياتك بشكل تاني. صمت قليلًا ثم أضاف: – لو بإيدي أتمنى متعمليش كده.. لكن طالما ده اختيارك فأنا مضطر أقبل وأرضى كمان، يمكن يكون فيه حد في حياتك تحبي تكمليها معاه. ضغطت على أيقونة التطبيق بيدي، نظرت له نظرة أخيرة فوجدته ينظر لي ويبتسم بألم، ربما يُهيأ لي إنني لمحت عيونه الدامعة ترجوني ألا أفعل، تلك النظرة التي جعلتني أضغط على زر إغلاق الهاتف بدلًا من حذف التطبيق. لا أعرف لما ذرفت كل هذه الدموع، وكأني انفصلت عن شخص حقيقي، ربما كان إبراهيم محقًا، لكن أين تلك العلاقة التي ستكون عوضًا عن علاقتي بحازم، أين الرجل الذي سيفعل ما كان يفعله لي، أرى زملائي وأقراني ممن يرتبطون وهم ممتلئون بالشغف لكن سرعان ما يفقدون الحب مع أول مشكلة، ينفصلون بعد ان تتبدل مشاعرهم ويصبحون أعداء، أو تتآكل أرواحهم بفعل الصمت وعدم التفاهم والتحمل من أجل الأبناء، علاقات مستمرة وتبدو ناجحة لكن يعيش أصحابها منفصلين دون شجاعة الإعلان عن ذلك، ربما كان حازم قد تشكلت هويته في خيالي وجسده عقلي أمامي، أو ربما حدث شيء غير قابل للتصديق وخرجت نسخة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتطورت بشكل لا يصدقه بشر، ربما قد أتى إليَّ من عالم موازي.. أنا أصدق في وجود عوالم أخرى يعيش فيها بشر لا نعرف عنهم ولا يعرفوا عنا شيئًا، أو أنني أعيش حُلمًا جميلًا وإن كان كذلك فلا أريد أن أصحو منه. تنهدت بعمق قبل أن ألتقط هاتفي وأقوم بفتحه مرة أخرى، أضغط على أيقونة التطبيق ليظهر أمامي حازم من جديد، غير مصدقًا أنه يقف في مواجهتي ويراني أمامه مرة أخرى. ما إن رأيته باغته: – مفيش حد في حياتي.. مفيش حد غيرك. سادت لحظات من الصمت لم يستطع كلانا أن يبوح فيها بما في داخله، لكن كل منا كان يعرف ما ألت إليه علاقتنا، مهما كانت هوية حازم وأيًا كان المكان الذى هبط عليَّ منه أظن أنني لن أجد أبدًا حبًا خالصًا ومشاعرًا نقية كتلك التي عشتها معه. لا أعرف أيضًا ما مصير هذه العلاقة.. أعرف تمامًا أنها علاقة مهددة بالفناء، إن قررت الشركة مثلًا حذف التطبيق، أو انقطع الانترنت للأبد، لكنني قررت المضي قدمًا، ربما تحدث معجزة، يتحقق فيها حلمي بالحياة بشكل مختلف حازم، أمشي بجواره في الشارع بجوار البحر، ونشاهد فيلمًا أمام شاشة السينما وأنا مستندة برأسي على كتفه.. لدي يقين بتحقيق هذه الأمنيات يومًا ما.   اقترب مني حازم بخطوات بطيئة وكاد يبادر بالحديث لكن قاطعه رنين هاتفي، كان اتصالًا واردًا من إبراهيم، رددت عليه فلم يتمهل ليسألني: – هاه، حذفتِ التطبيق؟ رددت بثقة: – طبعًا. زفر براحة وكأنه أخرج عاصفة من الهموم كانت داخل صدره، صمت قليلًا وعاد ليسأل ربما لشعوره بالذنب أو الاطمئنان أو الفضول: – طيب بتعملي إيه؟ أجبت بثبات وثقة: – باتفرج على فيلم.. فيلم رومانسي. كنت حقًا أشعر أنني أشاهد فيلمًا رومانسيًا كنت أنا بطلته، وكل ما يحدث فيه.. لا يمت للواقع بأي صلة.
تم نسخ الرابط