أسيرة قبيلته وقلبه!

أسيرة قبيلته وقلبه!
أسيرة قبيلته وقلبه!

 

ثم إلتفتت بسرعة تصرخ وهي ترى النيران تزداد ارتفاعًا:

-لااا الخيول!

ثم اندفعت تحاول فتح بوابة الإسطبل لإخراجها، لكن الدخان كان كثيفًا، واللهب كان أسرع، فبدأت تسعل وهي تحاول الخروج، لكن الطريق كان محاصرًا، شعرت بحرارة النار تقترب، وكأنها ستبتلعها.

ثم فجأة شعرت بذراع راكات القوية تمسك بها وتسحبها بقوة خارج النيران، وما أن خرجا حتى بدأت تتنفس بصوت مسموع، فاستطرد راكان بصوت خشن لكنه قلق:

-أنتي مجنونة؟! كنتي عايزة تموتي؟!

بدأ ينادي على العاملين الذين سارعوا لإطفاء الحريق، ثم عاد لينطر لزينة التي لا زالت تلتزم الصمت، وقد كان وجهه مغطى بالعرق، عيناه تشتعلان بقلق وغضب، لكنها لم تتمكن من الرد، كانت لا تزال تلهث، جسدها يرتجف من الدخان والخوف يحاصرها، نظرت إليه.. إلى الطريقة التي كان يمسك بها ذراعيها، وكأنه يتأكد أنها لا تزال معه.

وهمست بخفوت مبحوح بعض الشيء:

-أنا… كنت بحاول…

لم تستطع إكمال جملتها، فقد كان راكان يحدق بها بطريقة مختلفة اثارت زوبعة عاطفية داخلها، ليست نظرة الحامي فقط… بل الرجل الذي أدرك للتو أنه لا يستطيع خسارتها..!

وكما تمنت؛ كان يُترجم نظرته بنبرته الرجولية العميقة التي تجانست مع عاطفة مقبولة الوجود لأول مرة:

-انتي اهم عندي من اي حاجة، انا مش هقدر أخسرك.

توقفت زينة عن التنفس للحظة، حدقت فيه بعيون واسعة، كأنها تحاول التأكد مما سمعته.

ثم غمغمت بهمس مرتجف:

-راكان.

لكنه لم يترك لها فرصة للكلام، فقط اقترب أكثر، حتى شعرت بحرارته رغم الدخان من حولهما.

ثم واصل بنغمة خافتة لكنها كانت كأعزوفة تروي  كل ما في قلبه:

-أنا… بحبك يا زينة.

كانت تلك الكلمات كافية لتجعل كل شيء يتلاشى للحظاتٍ طويلة، الخوف.. الدخان.. حتى النار، لم يبقَ سوى راكان وزينة، وعيناهما اللتان قالتا كل شيء لم يُقال من

قبل.

ثم خرجت حروفها مرتجفة كحالها كله:

-راكان أنت… بتقول إيه؟

اقترب منها خطوة، وصوته الدافئ يتغلغل خلاياها:

-اللي سمعتيه يا زينة، أنا بحبك.

شعرت برجليها تخذلانها، كأنها غير قادرة على استيعاب الأمر.. راكان؟ الرجل الصامت، القوي، الذي كان دائمًا بعيدًا، الذي كان ينظر إليها وكأنها مشكلة يجب حلها، الآن… يعترف بحبه؟

غمغمت بتيه يبتلعها في هوته:

-أنا… مش قادرة أفهمك.

اقترب أكثر، ثم انحنى برأسه قليلًا ليجبرها على النظر إليه:

-طب جربي تحسي، من غير ما تفكري.

رفعت عينيها إليه، نظرة مليئة بالحيرة، بالقلق، ولكن أيضًا… بشيء آخر، شيء لم تعلنه بعد.

ثم لخصت افكارها المتشابكة بقولها:

-أنت كنت بتعاملني بخشونة، كنت بتخليني أحس إني مش مرغوبة، إنك مش طايقني حتى!

تنهد بعمق ثم اكد لها بلهجة اغدقها الشجن:

-وأنا كنت عايزك تصدقي كدا، كنت عايز أبعدك عني، بس كنت طول الوقت كل ما تبعدي، أرجع ألف وأقرب منك.

ارتجفت شفتيها بتأثر عاطفي لم تستطع كبحه، كيف لم تلاحظ هذا من قبل؟! كيف لم تلحظ نظراته، اهتمامه المخفي تحت قناع الصرامة.

وسألته:

-طب ليه؟ ليه كنت بتبعد؟

نظر إليها طويلًا، وكأن الإجابة ليست سهلة عليه، ثم تنهد، وكأن قلبه أخيرًا قرر أن يكون صريحًا معها كما لم يكن مع أحد من قبل:

-لأنك كنتي غريبة، لإني مش طبعنا نثق في حد غريب علينا بسهولة، لإني عارف إني هعاني عقبال ما أقنع الشيخ بجوازي من غريبة مش من قبيلتنا، بس انا موافق اعاني عشانك يا زينة، ومش هسيبك لحد غيري.

مد يده ولمس طرف وشاحها المحترق، وتشدق بحنو:

-أنا عمري ما خوفت من حاجة، بس لما شوفت النار حواليكي حسيت إن حياتي كلها بتتحرق، مش بس الإسطبل.

شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، ليس بسبب البرد، بل بسبب العمق في صوته، الصدق في نظراته.

همست أخيرًا بصوت ضعيف، كأنها تعترف لنفسها قبل أن تعترف له:

-وأنا حسيت كدا لما كنت جوه، بس مش على نفسي… حسيت إني مش عايزة أموت من غير ما أشوفك تاني، لإن أنا كمان بحبك يا راكان.

اعلنتها ثم أغمضت عينيها للحظة، ثم فتحتها ببطء، نظراتها تقابل نظراته، وتشعر وكأن قلبها قد استسلم أخيرًا.

ابتسم راكان، تلك الابتسامة التي لم ترها من قبل، ليست ساخرة ولا مستفزة، بل مليئة بالراحة، وكأنه أخيرًا وجد ما كان يبحث عنه.

 

ثم، ولأول مرة، لم يهرب، ولم يختبئ خلف الكلمات، مد يده ببطء ليلمس كفها، وكأنهما يختبران اللحظة ويطوفان فوق سحاب العشق..

 

وشعرت زينة، للمرة الأولى منذ وقت طويل، بأنها وجدت أخيرًا المكان الذي تنتمي إليه، معه.

 

تمت بحمد الله.

 

 

 

 

  ثم إلتفتت بسرعة تصرخ وهي ترى النيران تزداد ارتفاعًا: -لااا الخيول! ثم اندفعت تحاول فتح بوابة الإسطبل لإخراجها، لكن الدخان كان كثيفًا، واللهب كان أسرع، فبدأت تسعل وهي تحاول الخروج، لكن الطريق كان محاصرًا، شعرت بحرارة النار تقترب، وكأنها ستبتلعها. ثم فجأة شعرت بذراع راكات القوية تمسك بها وتسحبها بقوة خارج النيران، وما أن خرجا حتى بدأت تتنفس بصوت مسموع، فاستطرد راكان بصوت خشن لكنه قلق: -أنتي مجنونة؟! كنتي عايزة تموتي؟! بدأ ينادي على العاملين الذين سارعوا لإطفاء الحريق، ثم عاد لينطر لزينة التي لا زالت تلتزم الصمت، وقد كان وجهه مغطى بالعرق، عيناه تشتعلان بقلق وغضب، لكنها لم تتمكن من الرد، كانت لا تزال تلهث، جسدها يرتجف من الدخان والخوف يحاصرها، نظرت إليه.. إلى الطريقة التي كان يمسك بها ذراعيها، وكأنه يتأكد أنها لا تزال معه. وهمست بخفوت مبحوح بعض الشيء: -أنا… كنت بحاول… لم تستطع إكمال جملتها، فقد كان راكان يحدق بها بطريقة مختلفة اثارت زوبعة عاطفية داخلها، ليست نظرة الحامي فقط… بل الرجل الذي أدرك للتو أنه لا يستطيع خسارتها..! وكما تمنت؛ كان يُترجم نظرته بنبرته الرجولية العميقة التي تجانست مع عاطفة مقبولة الوجود لأول مرة: -انتي اهم عندي من اي حاجة، انا مش هقدر أخسرك. توقفت زينة عن التنفس للحظة، حدقت فيه بعيون واسعة، كأنها تحاول التأكد مما سمعته. ثم غمغمت بهمس مرتجف: -راكان. لكنه لم يترك لها فرصة للكلام، فقط اقترب أكثر، حتى شعرت بحرارته رغم الدخان من حولهما. ثم واصل بنغمة خافتة لكنها كانت كأعزوفة تروي  كل ما في قلبه: -أنا… بحبك يا زينة. كانت تلك الكلمات كافية لتجعل كل شيء يتلاشى للحظاتٍ طويلة، الخوف.. الدخان.. حتى النار، لم يبقَ سوى راكان وزينة، وعيناهما اللتان قالتا كل شيء لم يُقال من
قبل. ثم خرجت حروفها مرتجفة كحالها كله: -راكان أنت… بتقول إيه؟ اقترب منها خطوة، وصوته الدافئ يتغلغل خلاياها: -اللي سمعتيه يا زينة، أنا بحبك. شعرت برجليها تخذلانها، كأنها غير قادرة على استيعاب الأمر.. راكان؟ الرجل الصامت، القوي، الذي كان دائمًا بعيدًا، الذي كان ينظر إليها وكأنها مشكلة يجب حلها، الآن… يعترف بحبه؟ غمغمت بتيه يبتلعها في هوته: -أنا… مش قادرة أفهمك. اقترب أكثر، ثم انحنى برأسه قليلًا ليجبرها على النظر إليه: -طب جربي تحسي، من غير ما تفكري. رفعت عينيها إليه، نظرة مليئة بالحيرة، بالقلق، ولكن أيضًا… بشيء آخر، شيء لم تعلنه بعد. ثم لخصت افكارها المتشابكة بقولها: -أنت كنت بتعاملني بخشونة، كنت بتخليني أحس إني مش مرغوبة، إنك مش طايقني حتى! تنهد بعمق ثم اكد لها بلهجة اغدقها الشجن: -وأنا كنت عايزك تصدقي كدا، كنت عايز أبعدك عني، بس كنت طول الوقت كل ما تبعدي، أرجع ألف وأقرب منك. ارتجفت شفتيها بتأثر عاطفي لم تستطع كبحه، كيف لم تلاحظ هذا من قبل؟! كيف لم تلحظ نظراته، اهتمامه المخفي تحت قناع الصرامة. وسألته: -طب ليه؟ ليه كنت بتبعد؟ نظر إليها طويلًا، وكأن الإجابة ليست سهلة عليه، ثم تنهد، وكأن قلبه أخيرًا قرر أن يكون صريحًا معها كما لم يكن مع أحد من قبل: -لأنك كنتي غريبة، لإني مش طبعنا نثق في حد غريب علينا بسهولة، لإني عارف إني هعاني عقبال ما أقنع الشيخ بجوازي من غريبة مش من قبيلتنا، بس انا موافق اعاني عشانك يا زينة، ومش هسيبك لحد غيري. مد يده ولمس طرف وشاحها المحترق، وتشدق بحنو: -أنا عمري ما خوفت من حاجة، بس لما شوفت النار حواليكي حسيت إن حياتي كلها بتتحرق، مش بس الإسطبل. شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، ليس بسبب البرد، بل بسبب العمق في صوته، الصدق في
نظراته. همست أخيرًا بصوت ضعيف، كأنها تعترف لنفسها قبل أن تعترف له: -وأنا حسيت كدا لما كنت جوه، بس مش على نفسي… حسيت إني مش عايزة أموت من غير ما أشوفك تاني، لإن أنا كمان بحبك يا راكان. اعلنتها ثم أغمضت عينيها للحظة، ثم فتحتها ببطء، نظراتها تقابل نظراته، وتشعر وكأن قلبها قد استسلم أخيرًا. ابتسم راكان، تلك الابتسامة التي لم ترها من قبل، ليست ساخرة ولا مستفزة، بل مليئة بالراحة، وكأنه أخيرًا وجد ما كان يبحث عنه.   ثم، ولأول مرة، لم يهرب، ولم يختبئ خلف الكلمات، مد يده ببطء ليلمس كفها، وكأنهما يختبران اللحظة ويطوفان فوق سحاب العشق..   وشعرت زينة، للمرة الأولى منذ وقت طويل، بأنها وجدت أخيرًا المكان الذي تنتمي إليه، معه.   تمت بحمد الله.        
تم نسخ الرابط