عاصفة من القلق بقلم نهى صالح
بسبب وسواس سهى اضطربت علاقتها بالأقارب والأصدقاء، كان أمين يتقابل مع أصدقاؤه خارج المنزل دون معرفة سهى، وكانا يذهبان لزيارة أقاربهما الذين لاحظا أن سها لا تتناول أي أطعمة أو مشروبات لديهم، اعتقد البعض منهم أنها حملت أخيرًا، وانهالت عليهم المباركات والتهاني، لكنهما بررا الأمر بأن سهى لديها التهاب بالمعدة يمنعها من تناول الكثير من الطعام ومر الأمر بخيبة أمل كبيرة، وكأن إنجابهما سيتسبب في حل مشكلات العالم، كان المهم أن يكون هناك حجة مختلفة في كل مرة تمنع الضيوف من دخول المنزل، كانت هذه الحياة تسير بهذا الشكل حتى صباح ذلك اليوم، حينما رن جرس هاتفه المحمول ليستقظ متعجبًا، فمن الذي سيتصل في هذا التوقيت يوم الجمعة، رد على الهاتف وكان شبه نائم، بينما قلقت سهى، وبدأ وسواسها يرسم لها سيناريوهات سوداوية للأقارب والأصدقاء، جلست تراقب ملامح أمين حتى سمعت جملة أربكتها:
– تشرفوا وتنوروا طبعًا بيتكم ومطرحكم، إحنا في انتظاركم.
انهى أمين المكالمة والتفت ليجد سهى تنظر له في قلق، ثم سألته بارتباك:
– اللي سمعته ده معناه إيه… إوعى يكون اللي في بالي؟!
– إبراهيم ابن خالي جاي من البلد، وهيفضل عندنا هو ومراته وعياله أسبوع.
ملامحها المصدومة جعلت أمين يشفق عليها وحاول أن يواسيها قليلًا:
– بصي يا سهى بجد أنا متأسف أوي، بس هو أنا مقدرش أرفض ده هيبقى عيب يعني انتِ فاهمة، وأنا أوعدك إني يوميًا هانضف البيت بنفسي والحمام… الحمام ده هيبقى مسؤوليتي الشخصية وانتِ حضري لنا الغدا بس ومالكيش دعوة بالباقي… علشان خاطري.
نظرت له سهى ولازالت علامات الصدمة تكسو وجهها، ثم قامت وذهبت لإعداد الإفطار، شعور مرعب كانت تعيشه، غرباء في منزلها، لا تعرف عاداتهم وهم بالطبع لا
قررت أن تذهب للتسوق لشراء مناشف جديدة للضيوف، ستلقي بها في القمامة بعد أن يغادروا منزلها، سيستلزم الأمر أيضًا أطباقًا جديدة، وملاعق، وأواني وأكواب، هي لن تجعل أحد يستخدم أغراضها، حتى مفارش الأَسِرَة، ستشتري كل شيء ثم ستتخلص من آثار هذا الاحتلال فور أن يغادرالمُحتل، ربما يستلزم الأمر شركة خاصة لرش المبيدات للاحتياط!
ستلقي بكل شيء أمام ناظري أمين حتى يعي جيدًا أن ثمن وجود الضيوف مُكلف للغاية، كما ستدفع هي ثمن وجودهم من أعصابها، لن ترفض الأمر لكنها ستلقنه درس حياته.
كانت تسأل نفسها في كل لحظة: متى سينتهي هذا الكابوس؟
وفي اليوم الموعود أخذت تُلقن أمين الوصايا العشر قبل تدنيس منزلها:
– أنا وافقت بس لأنك وعدتني، هتقف لهم على الباب، محدش منهم هيدخل بجزمته، مفيش سجاير يا أمين، أنا مش باحب حد يدخن في بيتي، ولوعندهم أطفال في سن صغير فكل واحد يخلي باله من ولاده، مش عاوزة ألمح و لا أشم ريحة بامبرز وتفهمهم إن غسيل ال…
قاطعهأ أمين:
– والله العظيم حفظت، وبعد ما حفظت بقيت مش طايق نفسي ولا طايقهم، ومع ذلك هاعمل لك كل اللي انتِ عاوزاه.
زفرت في ضيق، وصمتت قليلًا ثم كادت أن تقول لأمين شيئًا آخر قد تذكرته، لكن دق جرس الباب ولم يمهلها الفرصة.
وقفت على حافة الانهيار وهي ترى منزلها يُدَنَّس، وقلعتها النظيفة تنهار أمام عينيها، انهارت قائمة التعليمات التي أصدرتها لأمين منذ أن قام بفتح باب الشقة أمامهم، تسلل الأطفال بسرعة لداخل الشقة وانتشروا كإنتشار الغبار في الهواء، بينما دخل إبراهيم دون أن يمهل لأمين فرصة ليرحب به، وبدأ في عناقه للتعبير عن اشتياقه له، أما عبير زوجته فقد انهالت بالتقبيل على وجنتي سهى من اليمين واليسار، حتى شعرت سهى برغبة في البكاء، لكنها كانت فقط تنظر لزوجها بغضب، لأنه لم يستطع أن يفعل شبيًأ فقد خرج كل شيء عن السيطرة، هي الآن لن تحتاج لتغيير الأواني فقط بل الحل الأفضل أن تنتقل من المنزل.
كانت عبير تتنقل في المنزل كأنه منزلها، حضَّرت الغذاء، واستعملت الأواني، وأحدثت فوضى لم تراها سهى في منزلها من قبل، حتى قبل إصابتها بهذا الوسواس اللعين، أصبح المنزل في فوضى عارمة جعلت سهى لأول مرة تكره الطفولة وتحمد الله ألف مرة على عدم إنجابهما، هُيِّئ لها أنها ترى جراثيمًا تتطاير أمام عينيها، وأن هناك أسرابًا من الحشرات تستعد لدخول منزلها واستيطانه للأبد، كيف لهؤلاء الناس أن يعيشوا بهذه الطريقة، أم أنهم يفعلون ذلك لأن مسؤولية التنظيف والتعقيم ليست عبئًا عليهم؟
في نهاية اليوم الأول كان شعور سهى كمن يسير بين أنقاض مدينة تحطمت وانهارت وتبدلت من حالٍ إلى حال، لحظات حاولت السيطرة على أعصابها، لكن قد فات الآوان، نهضت من مكانها ووقفت تنقل بصرها بين أرجاء المنزل، حتى نظر لها أمين متوقعًا ما قد يحدث، لكنها دخلت غرفتها وأغلقت الباب، وظلت فيها حتى الصباح دون أن تسمح لأمين بالدخول، كانت طوال الليل تتواصل معه عن طريق الرسائل:
– يا سهى من فضلك افتحي الأوضة أنا محتاج حاجات منها.
– لأ متأسفة مفيش أوضة هتتفتح ولا مسموح لك تدخل الحمام اللي في الأوضة، غير لما التتار دول يغوروا من بيتي.
– يا سهى عيب كده متنسيش إن دول قرايبي، أطردهم يعني؟!
– وانت من فضلك متنساش إن ده بيتي.
– طيب ما هو بيتي أنا كمان… بيتنا إحنا الاتنين.
– هسيبهولك يا أمين لك انت وقرايبك بهدلوه زي ما تحبوا، واضح إن الموضوع جاي على هواك وعاجباك المسخرة دي!
– سهى، تصبحي على خير علشان الكلام بالكتابة كده هيعمل بيننا مشكلة.
نامت سهى، وفي الصباح لم تجد أثر لأي ضيوف في المنزل، كان المنزل نظيفًا، ممتلئًا برائحة المنظف المفضل لديها “الكلور” هل كانت تحلم؟
كان أمين يجلس في غرفة الاستقبال شارد الذهن حتى انتبه لصوتها:
– هو مش كان فيه ضيوف هنا؟
تنهد بعمق وأجابها دون أن ينظر إليها:
– كلمت أخويا إمبارح بالليل واتفقت معاه ييجي يتحايل عليهم يروحوا عنده، وفعلًا جِه وحلف بالطلاق على مراته إنهم لازم يروحوا عنده.
ارتسمت علامات الراحة على وجه سهى:
-أحسن بجد برافو عليك… كده صح.
بسبب وسواس سهى اضطربت علاقتها بالأقارب والأصدقاء، كان أمين يتقابل مع أصدقاؤه خارج المنزل دون معرفة سهى، وكانا يذهبان لزيارة أقاربهما الذين لاحظا أن سها لا تتناول أي أطعمة أو مشروبات لديهم، اعتقد البعض منهم أنها حملت أخيرًا، وانهالت عليهم المباركات والتهاني، لكنهما بررا الأمر بأن سهى لديها التهاب بالمعدة يمنعها من تناول الكثير من الطعام ومر الأمر بخيبة أمل كبيرة، وكأن إنجابهما سيتسبب في حل مشكلات العالم، كان المهم أن يكون هناك حجة مختلفة في كل مرة تمنع الضيوف من دخول المنزل، كانت هذه الحياة تسير بهذا الشكل حتى صباح ذلك اليوم، حينما رن جرس هاتفه المحمول ليستقظ متعجبًا، فمن الذي سيتصل في هذا التوقيت يوم الجمعة، رد على الهاتف وكان شبه نائم، بينما قلقت سهى، وبدأ وسواسها يرسم لها سيناريوهات سوداوية للأقارب والأصدقاء، جلست تراقب ملامح أمين حتى سمعت جملة أربكتها: – تشرفوا وتنوروا طبعًا بيتكم ومطرحكم، إحنا في انتظاركم. انهى أمين المكالمة والتفت ليجد سهى تنظر له في قلق، ثم سألته بارتباك: – اللي سمعته ده معناه إيه… إوعى يكون اللي في بالي؟! – إبراهيم ابن خالي جاي من البلد، وهيفضل عندنا هو ومراته وعياله أسبوع. ملامحها المصدومة جعلت أمين يشفق عليها وحاول أن يواسيها قليلًا: – بصي يا سهى بجد أنا متأسف أوي، بس هو أنا مقدرش أرفض ده هيبقى عيب يعني انتِ فاهمة، وأنا أوعدك إني يوميًا هانضف البيت بنفسي والحمام… الحمام ده هيبقى مسؤوليتي الشخصية وانتِ حضري لنا الغدا بس ومالكيش دعوة بالباقي… علشان خاطري. نظرت له سهى ولازالت علامات الصدمة تكسو وجهها، ثم قامت وذهبت لإعداد الإفطار، شعور مرعب كانت تعيشه، غرباء في منزلها، لا تعرف عاداتهم وهم بالطبع لا